المر: «حرية الحركة» لليونيفيل بمؤازرة الجيش فقط (أرشيف ــ حسن بحسون)الجيش والشعب والمقاومة، يجمعون ويكادون يقسمون إنهم حريصون على وجود اليونيفيل وعلى الالتزام بالـ1701، لكن هناك من لا يزال مصرّاً على أنّ هناك مؤامرة على القوات الدولية، ما يثير تخوفاً من وجود مؤامرة فعلاً، لكن ممّن؟ بين بلدة تبنين الجنوبية غداً، ومقر الأمم المتحدة في نيويورك بعد غد، يتأرجح دور قوات اليونيفيل جنوبي الليطاني في المرحلة المقبلة، بين أن تتكرس قواعد العمل السابقة وفقاً للقرار 1701، أو تنجح محاولات تغيير هذه القواعد تحت اسم «حرية الحركة». فكما جرى بُعيد حادثة خربة سلم بين اليونيفيل والأهالي قبل أشهر، يُعقد اليوم في سرايا تبنين اجتماع يضم قائد القوات الدولية ألبرتو أسارتا كويفاس وضبّاطها، وضباطاً من الجيش اللبناني ونواب المنطقة وفعّالياتها. وقد سبق هذا اللقاء حفل عشاء دعا إليه أسارتا ضباط الجيش في الجنوب، وتحدث فيه عن التهدئة والتعاون. لكنّ اجتماع تبنين، لم يعنِ على ما يبدو فرنسا، التي استقبل رئيسها أمس رئيس الحكومة سعد الحريري، حيث دعت مجلس الأمن إلى عقد جلسة طارئة «في أسرع وقت ممكن»، و«بطريقة تمكّن المجلس من إبداء دعمه لقوات اليونيفيل»، كما أعلن المتحدث باسم وزارة الخارجية الفرنسية برنار فاليرو، الذي قال إنّ الوزير برنار كوشنير ذكّر خلال لقائه الحريري أول من أمس، «بضرورة التطبيق الدقيق للقرار 1701، واحترام حرية تحرّك اليونيفيل»، وإنه أعرب أمامه عن قلقه، وأعلن أنّ فرنسا ستطلب اجتماع مجلس الأمن. وقد تلقّف مجلس الأمن هذا الطلب، حيث أفاد مراسل «الأخبار» في نيويورك، نزار عبود، أنه جرى الاتفاق على عقد الجلسة الطارئة عصر غد الجمعة. ومن المتوقع أن تطرح فرنسا مشروع بيان يدعم قوات اليونيفيل، ويؤيد إجراءاتها، إذا جرى الاتفاق على صيغته في الساعات المقبلة. وقال مصدر دبلوماسي مطّلع، إنّ باريس ستعمل على استصدار بيان رئاسي يدين ما تصفه بـ«الاعتداء على قوات اليونيفيل، ومنعها من تنفيذ مهمّاتها، ويطلب من الجيش اللبناني فتح الطرقات لحركة حرّة للقوات في منطقة عملياتها»، متوقعاً أن يشدد البيان على دور اليونيفيل في حماية السكان المدنيين، وهو تعبير يُقصد به في هذه الحالة الحق في التدخل في كل شاردة وواردة تخص المدنيين في منطقة العمليات. وفي موقف متناغم مع فرنسا، برّر المتحدث باسم الأمين العام للأمم المتحدة فرحان الحق، «رفع مستوى الاتصالات»، بأنّ المشكلة في الجنوب «تتعلق بأهالٍ معيّنين». وقال إنّ ممثل المنظمة الدولية في لبنان مايكل وليامز «لاحظ» أنّ بعض المشاكل «لم تنجم عن جهود عفوية». وترافق «رفع مستوى الاتصالات»، مع وصول رئيس وزراء العدو بنيامين نتنياهو إلى نيويورك، واجتماعه إلى بان كي مون. وقال فرحان الحق إنهما ناقشا «عملية السلام في الشرق الأوسط، وقضية حصار غزة وقضية لبنان»، والتقرير عن الـ1701 «بين عدة أمور أخرى». وفي واشنطن، جدّد المتحدث باسم الخارجية الأميركية مارك تونر، دعوة بلاده «كل الأطراف في لبنان والجوار إلى احترام واجباتهم بموجب القرار 1701 (و) دعم جهود اليونيفيل والحكومة اللبنانية بالكامل لتطبيق ما يتضمنه». وعن موقف واشنطن من الدعوة الفرنسية إلى الجلسة الطارئة، قال إنه علم فقط بـ«مباحثات تتعلق باحتمال إصدار إعلان» عن مجلس الأمن بشأن «حرية حركة» اليونيفيل! وبالتوازي مع «الطبخة» الخارجية، تقاطر إلى اليرزة أمس سفيرا فرنسا، دوني بييتون، وإسبانيا، خوان كارلوس غافو، ومايكل وليامز، لبحث حوادث الجنوب مع وزير الدفاع الياس المر، الذي قلّل من شأن ما حدث، لأنّ وقوع إشكالات أثناء التدريبات أو الدوريات ضمن القرى «أمر طبيعي»، مشيراً إلى أنّ الجيش تعرّض للرشق بالحجارة الأسبوع الماضي في محطة كهرباء في الشمال. وبرّر غضب الأهالي، بأنّ القرى في جميع المناطق اللبنانية لها «خصوصياتها، وعلينا احترامها». وأعلن أنه اتفق ووليامز «بوضوح وبصراحة على أنّ الجيش اللبناني سيواكب قوات اليونيفيل في كل مهمّاتها، وإذا كانت هناك حاجة إلى قوات إضافية فسنرسلها لتكون معهم في كل المهمّات». وحدّد مهمة اليونيفيل بـ«توفير الاستقرار في الجنوب، ومؤازرة الجيش اللبناني»، شارحاً أنّ المؤازرة تعني أن يكون الجيش «في كل المهمّات، فهذه أرضه، وهو الذي يدافع عنها». وغمز من قناة القيادة الحالية للقوات الدولية، بالإشارة إلى أنها «قيادة جديدة منذ بضعة أشهر»، وهي «تكتسب الخبرة على الأرض، وبعد هذه الحادثة لا تكرهوا شيئاً لعله خير لكم». وعلّق على مطلب «حرية الحركة» بأنّ هذه الحرية بدون إذن الجيش شيء، وبمواكبته ومؤازرته شيء آخر. ومع تواصل انتقادات قوى 14 آذار لـ«الاعتداءات» على اليونيفيل، والقول إنها مبرمجة وهادفة، أكد الرئيس نبيه بري بعد لقاءي الأربعاء في بعبدا وساحة النجمة، أنّ ما جرى جنوباً «لا أبعاد سياسية له، ولا يحتمل التأويل السياسي والتحويل والاستغلال»، وأن الموضوع عولج بنسبة 95%، نافياً وجود أيّ طرح لتغيير قواعد الاشتباك. وقال إنّ حركة أمل وحزب الله والجنوبيّين لا يستهدفون اليونيفيل أو القرار 1701 «بل أكدنا ونؤكد العلاقة الجيدة بين الأهالي واليونيفيل». كذلك أكدت كتلة الوفاء للمقاومة، حرص الجميع على أحسن العلاقات الإيجابية مع قوات اليونيفيل، التي «ستبقى محل تقدير وترحيب، على أساس أنها قوة مؤازرة للجيش اللبناني تلتزم بقواعد العمل المحدّدة لها وفق القرار 1701».
عدد الخميس ٨ تموز ٢٠١٠ |أن تأتي متأخراً خير من ألا تأتي أبداً. بعدما احتضنت جامعات العالم «أسبوع الفصل العنصري الإسرائيلي» منذ 2005. تحتضنه اليوم الجامعة الأميركية في بيروت وسط رهانات كثيرة رنا حايك كان رهان متعدد الوجوه على نحو 20 طالباً نظموا الحدث: بدءاً من انتزاع الحق بإقامة النشاط داخل الجامعة الأميركية، وإيجاد التمويل له، مروراً بالنجاح في إثارة الحراك في حركة طالبية غارقة في السبات، أو في الخوف من الضلوع بأي نشاط سياسي (فاق عدد الطلاب الأجانب الذين نظموا الحدث بكثير عدد العرب منهم)، وصولاً إلى عدم «استنساخ» نشاط يقام منذ 2005 في جامعات غربية بل تطويع أدواته ومضمونه بما يناسب بلداً عربياً يقام فيه للمرة الأولى. «ما كان فينا نكون أقل ثورية وراديكالية بطروحاتنا من أي جهة أجنبية سبق أن نظمت النشاط» كما يقول خليل عيسى، أحد المنظمين. هكذا، ترتّب تقليص المساحة المعطاة للفصل العنصري في جنوب أفريقيا كنموذج نظراً لكونه المثال الأسطع بالنسبة إلى الغرب، لكنه ليس كذلك بالنسبة إلى بلد هو في قلب الصراع، إضافة إلى أن المعطيات مختلفة في الحالتين الجنوب أفريقية والفلسطينية، وهو عموماً نقاش أفردت له محاضرة كاملة يوم أمس. قاربت جميع الفعاليات التي تمتد لأسبوع، وتختتم نهار السبت المقبل، تلك التي سبقتها في العواصم الغربية، ولكن، من موقع مختلف هذه المرة. ففي بلد عربي، لا يجوز أن تقتصر النقاشات على الفصل العنصري الذي تمارسه إسرائيل في الأراضي المحتلة، أي الضفة وغزة، كما يتناولها الغرب. هنا «نتكلم عن الفصل العنصري أيضاً في أراضي 48. ندعو إلى إقامة دولة واحدة، يرحب بالسكان اليهود الذين ينوون البقاء فيها، على أن يخضعوا للشروط نفسها التي يخضع لها الفلسطينيون»، كما يقول عيسى، رغم اعترافه بصعوبة تحقيق هذا الطرح. إلا أن النزوع نحو المزيد من الراديكالية والثورية لم يستتبع دعوة إلى الانعزالية والتقوقع، بل بالعكس، فقد ركّزت جميع المحاضرات على ربط القضية الفلسطينية بقضايا أخلاقية وإنسانية عامة بقصد تعميمها. هكذا، ركز الأستاذ المحاضر في كلية الزراعة في الجامعة الأميركية، الزميل رامي زريق، والأستاذة في علوم البيئة في جامعة البلمند رانيا المصري، في محاضرتهما عن «الدمار البيئي الإسرائيلي»، على مدى الأضرار التي تسبّبها الحروب الإسرائيلية في فلسطين وفي لبنان. لم يخف على المصري خلال عرضها صورة طائر نافق في بقعة زيت في البحر الذي لوثته الحرب الإسرائيلية الإشارة إلى أن هذه الصورة «تهزّ ضمير المشاهد الغربي أكثر مما تفعل صورة الأحياء المدمرة». لنقل القضية إلى العالمية، يجب تحديث الأدوات، والتعامل مع قضية فلسطين لا كقضية محلية بل «كنضال من أجل العدالة ومن أجل نوعية حياة جديرة بالإنسان وكفكرة مركزية تتقاطع مع أفكار أخرى ذات طابع قيمي وإنساني عالمي»، كما جاء في محاضرة الكاتبة نهلة الشهال، تحت عنوان «ربط النضال ضد الصهيونية والإمبريالية». في تلك المحاضرة، أكدت الشهال أن اتفاقية أوسلو انتهت، وأن وظيفة التسوية السلمية للصراع لم تكن من الأساس سوى إطلاق آلية تدجين للحركة الفلسطينية لم يكن من شأنها سوى تحويل السلطة الفلسطينية إلى وكيل لإسرائيل في أراضي السلطة، ما يستتبع اليوم ضرورة حل السلطة لتعود إسرائيل إلى موقعها التاريخي: جهة استيطانية كولونيالية يجب مقاومتها، ليس عسكرياً فحسب، بل بالوسائل المدنية أيضاً، كحملات المقاطعة والمحاسبة، ذوداً عن فلسطين، وعن مفاهيم أساسية عالمية تتعلق بالعدالة، يقوم به كل من يبحث عن عالم آخر، أفضل». هنا، كسر صمت القاعة صوتٌ طالب بـ«إعادة النظر في حركات المقاومة، الدينية والرجعية والدموية وكيلة الـCIA في بعض الأحيان، في مقابل مقاومة الشيوعيين المؤدلجين». وهنا أيضاً، علا تصفيق حاد في الصالة، ليس على التعليق، بل على إجابة الشهال: «المقاومة هي مقاومة. أعجبتنا أيديولوجيتها أم لم تعجبنا. قد ننتقد، وأنا أول من ينتقد، لكننا نعتنق المقاومة بكل أشكالها. المقاومة العسكرية هي حق للشعوب، ونحن لسنا دمويين، لكننا ندافع عن أنفسنا في ظل سقوط التسوية». عندها،
ذكّرت الشهال بهو شي منه الذي «أدمى قلبه» قتل مقاومته للجنود الأميركيين الذين كانوا يقصفون بلده بالنابالم، وذكرّت صاحب التعليق كيف أن الحزب الشيوعي العراقي كان على ظهر الدبابات الأميركية مثل حزب الدعوة في العراق، قبل أن تحث الشباب على إكمال مسيرة بدأ الصهاينة يخافونها كما جاء في تقرير روتر الأخير الذي أبدى تخوفه من النشاط الجامعي الذي ينشر الوعي بالمجازر والتجاوزات الإسرائيلية. ففي النهاية «نحن لا ندافع عن فلسطين، بل عن أنفسنا وعن قيمنا وعن مستقبلنا»، اختتمت. اهتم الشباب بالسؤال عن «حملة المقاطعة وسحب الاستثمارات والمساءلة» وبوسائل تعزيزها ونشر الوعي بها، بينما لفت المحاضر عامر جبران، الناشط الفلسطيني الذي غادر أميركا بعدما لوحق فيها بسبب نشاطه المدني والسياسي، نظرهم إلى اسم منطقتنا في المعجم الأميركي: «منطقة القيادة الوسطى». في وسط قاعة من قاعات جامعة أميركية، اختتم المحاضر كلمته باستنتاج أن «أميركا شر مطلق». ربما شر ما فيها أنها تضمن استمراريتها بعدم اتباع سياسة كمّ الأفواه، التي لن تتحول إلى تهديد فعلي إلا حين تتخطى الهتاف، وتقذف ناراً.
جون هايدن: من تورونتو إلى الأميركيةلم يجد الطلاب الدعم المادي والمعنوي بسهولة لإقامة نشاطهم، لكن التحديات كانت حتماً أقل من تلك التي واجهها جون هايدن، حين نظم الأسبوع للمرّة الأولى في تورونتو عام 2005 وتصدت له ولزملائه النوادي الصهيونية وإدارة الجامعة هناك. بعدما درس في جامعة بيرزيت، يتابع اليوم هايدن دروسه في الأميركية ببيروت التي يعتبر أن تنظيم الأسبوع فيها هو بمثابة «فرصة لها لاحتلال موقع قيادي بين الجامعات».
قتل أربعة إسرائيليين في عملية للمقاومة هزّت الضفة الغربية، أمس، ووصل صداها إلى واشنطن التي وصلها قبل ساعات الرئيس الفلسطيني محمود عباس ورئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو استعداداً لانطلاق المفاوضات المباشرة من خلال مأدبة عشاء اليوم. وقتل المستوطنون الأربعة برصاص مقاومين فلسطينيين عند مدخل مستوطنة «كريات أربع» في الخليل. ونقلت وسائل إعلام إسرائيلية عن مصادر أمنية إسرائيلية قولها إنه بعد عملية إطلاق النار اقترب المسلحون من السيارة التي كان فيها القتلى وأطلقوا النار مرة أخرى للتأكد من القتل. وأعلنت «كتائب القسام»، الذراع العسكرية لـ»حماس»، في بيان، «مسؤوليتها الكاملة عن عملية الخليل البطولية». وقال المتحدث باسم الكتائب، أبو عبيدة، «نؤكد ونبارك لجميع أبناء شعبنا في الضفة وغزة هذه العملية» التي «تأتي ضمن سلسلة عمليات رد على جرائم الاحتلال في الضفة الغربية وأهلنا هناك وضد الحرب وضد المقدسات وضد عمليات الاستيطان وفي سياق استكمال مشروعنا الجهادي والمقاومة في الضفة التي لم تبخل على شعبنا بالتضحيات من أجل استمرار هذا المشروع»، مشيراً إلى أنها «توجه رسالة للذين يراهنون على السلام بأن التنسيق الأمني لا يفيد وأن خيار شعبنا الأصيل هو خيار المقاومة».وقال شهود عيان إن قوات كبيرة من الجيش الإسرائيلي اقتحمت بلدة بني نعيم القريبة من موقع العملية، وأعلنت فرض حظر التجول عبر مكبرات الصوت. وأضافوا إنها شنت عملية دهم للمنازل، بعدما تمركزت على مداخل البلدة. وسبق وصول عباس ونتنياهو إلى واشنطن كشف صحيفة «يديعوت أحرونوت» الإسرائيلية عن لقاء سري جمع وزير الدفاع الإسرائيلي إيهود باراك وعباس في عمان يوم الأحد الماضي. وقالت إن باراك وعباس «اجتمعا في بيت خاص، بهدف التمهيد للقاء القمة في واشنطن». وأضافت الصحيفة إن باراك توجّه جواً في التاسعة من مساء الأحد الماضي، يرافقه منسق العمليات في المناطق (الضفة الغربية)، إيتان دنغوط، واجتمع مع عباس في لقاء وصف بالإيجابي، حيث نوقشت الترتيبات الأمنية في الضفة والاستعدادات لقمة واشنطن. من جهته، وقبل مغادرته القدس المحتلة، قال نتنياهو إنه حاول طمأنة حزبه «الليكود»، مشيراً بطريقة غير مباشرة إلى أنه «سيكون من الصعب انتزاع تنازلات جغرافية منه خلال محادثات السلام». وقال، خلال اجتماع لأعضاء الحزب، «عليكم ألا تقلقوا. ليس لأحد أن يعلّمني ما هو حب أرض إسرائيل». وأضاف «أنا مدرك للصعوبات، لكنني أعتقد أنّ من الممكن التوصل إلى اتفاق للسلام. حكومة إسرائيل تريد التقدم على طريق السلام ليستمر على مدى أجيال. ووحدها حكومة الليكود قادرة على تحقيق هذا». وقبل توجهه الى الولايات المتحدة، تلقى نتنياهو دعماً سياسياً مفاجئاً من حزب «شاس» الديني الحريدي، الذي أبدى استعداده لتمكين نتنياهو من «مساحة تنفّس» إضافية بعد انتهاء فترة التجميد، من خلال عدم إلزامه بالتعهد الذي أعلنه بتجديد البناء في كل مناطق الضفة الغربية. ونقل الموقع عن مصادر مقربة من المرشد الروحي لحزب «شاس»، الحاخام عوفاديا يوسف، تأييده للمفاوضات المباشرة واهتمامه بإجرائها، لكنه مع ذلك طالب بالاستئناف الفوري للبناء في القدس كلها، مع انتهاء فترة التجميد، بما فيها الأحياء اليهودية في شرقي المدينة مثل بسغات زئيف، وراموت، ونافيه يعقوب، والكتل الاستيطانية الحريدية ما وراء الخط الأخضر مثل كريات سيفر وبيتار. وأوضح رئيس شاس إيلي يشاي أنّ «حركة شاس تعارض استمرار التجميد من دون تمييز في الأماكن، وأنّ من الصحيح العودة للبناء من دون تأجيل». وفي السياق، نقلت إذاعة جيش الاحتلال عن مصادر إسرائيلية قولها إن «الإدارة الأميركية باتت تدرك صعوبة الاستمرار في تجميد الاستيطان، لأن الالتزام بالقرار يعني تفكيك الحكومة الحالية برئاسة نتنياهو، وانهيار عملية السلام». وأوضحت أن واشنطن وعدت «بالوصول إلى حلول توافقية مع الجانب الفلسطيني، تضمن من خلالها حفظ ماء الوجه للطرفين». بدوره، دعا الرئيس الإسرائيلي، شمعون بيريز، إلى «التخلي عن الاستخفاف والتشكيك» للتوصل إلى نتيجة خلال المفاوضات. وقال إن نتنياهو «توجه إلى واشنطن لإيجاد حل يقضي بقيام دولتين لشعبين مع إنشاء دولة فلسطينية ديموقراطية منزوعة السلاح إلى جانب دولة إسرائيل»، مضيفاً إنّ «أيّ حل آخر سيكون خطيراً». وفي السياق، قال عباس، للصحافيين خلال وجوده على الطائرة، إن «الموعد المحدد لإنهاء المفاوضات منطقي»، مضيفاً «إذا كان هناك حسن نية، فهذا أكثر من كاف». وأمل أن يكون هناك «دورٌ نشط للولايات المتحدة في المحادثات»، مشيراً إلى أنه «عندما يصل الطرفان إلى طريق مسدود، ينبغي لإدارة أوباما تقديم اقتراحات لردم الهوّة بين الطرفين».
وفي السياق، كشفت مصادر دبلوماسية أن السلطة الفلسطينية طلبت من مصر الاستفادة من خبرتها التفاوضية مع إسرائيل، عبر تأليف وفد استشاري لتقديم الدعم إلى المفاوض الفلسطيني، ولا سيما في القضايا المعقّدة. وكشف المتحدث باسم الرئاسة المصرية، سليمان عواد، أن مصر رفضت عرضاً لإطلاق المفاوضات المباشرة بين الفلسطينيين والإسرائيليين في منتجع شرم الشيخ. وأوضح أن الرئيس حسني مبارك قال «إذا حضر أوباما فأهلاً وسهلاً، وإذا لم يحضر، فلا أستطيع أنا كرئيس مصر أن أطلق مفاوضات من دون حضور على أعلى مستوى من جميع الأطراف، بما في ذلك الطرف الأميركي». وفي ردود الفعل، اتهم وزير الخارجية الإيراني، منوشهر متكي، زعماء عرباً لم يسمّهم بـ«خيانة» شعوبهم من خلال المشاركة في مفاوضات التسوية. وذكرت وكالة أنباء «فارس» أن متكي خاطب «بعض القادة الذين يخوضون مفاوضات السلام مع الكيان الصهيوني وفقاً لإملاءات أميركية، قائلاً: عليكم أن تعلموا أنّ مفاوضاتكم تعدّ مسماراً في نعش هذا السلام». من جهتها، قالت السعودية عبر وزير الثقافة والإعلام، عبد العزيز خوجة، إن «مواصلة إسرائيل الاعتداءات على الشعب الفلسطيني ستؤثر على سير المفاوضات المباشرة».
حسان الزين شربل نحاس، حنّا غريب وحسن منيمنة، ثلاثة من جيل السبعينيات الذي تقدّم إلى الشأن العام بالجملة تحت لافتات وشعارات اجتماعية ووطنية وقومية... وأممية أحياناً. جيل بأسماء كثيرة. وكل استحقاق، دولي أو إقليمي أو محلي، أيديولوجي: جماعي أو شخصي، طائفي: سياسي أو أمني، كان يصطاد في بحره. حتى انتهت الحرب، بعد عقدين من «ولادة» هذا الجيل، بتفتّت التشكيلات الجماعية التي ألفها. وأكثر ما بقي من هذا الجيل، الذي بدا في لحظة ما مستقبلَ البلد، هو حراكُ أفراده وانتقالاتهم من جهة حزبيّة إلى أخرى، ومن ضفّة أيديولوجية إلى أخرى. وإذا ما استثنينا قلّة «حافظت» على هويّاتها السبعينيّة، وأخرى لاذت بصدفاتها الخاصة خائبة أو حامية لمنجزها العلمي والاجتماعي والشخصي، فإن الغالبية «عادت» إلى مذاهبها وحواشي الزعامات التقليدية والمستجدة. شربل نحاس، حنّا غريب وحسن منيمنة، ثلاثة عناوين راهنة لهذا الجيل، وتعبّر بشكل أو بآخر عمّا آلت إليه أمور ذاك الحراك. وليس غريباً أن يكون الثلاثة مختلفين أو متنوعين، فالجيل الذي بدأ جماعياً تجزّأ وتشتّت. الأحزاب أقفلت أو تقلّصت والتظاهرة انفرطت وكل واحد عاد إلى «بيته». شربل نحاس الاختصاصي الاقتصادي الذي لم يشح نظره يوماً عن السياسة، قَبِلَ في لحظة ما، أن يكون ضمن حصة وزارية لتيار ـــــ زعيم سياسي وطائفي بلا خطاب اقتصادي. ارتضى أن يملأ الفراغ، مع هامش تحرك لا بأس به، لم يُمتحن حتى اللحظة بسقف سياسي يكبحه أو يسكته. التسوية بينه وبين التيار ـــــ الزعيم ما زالت قائمة وما زال هو قريباً من موقعه محافظاً على اسمه الذي أنتجه بنفسه كخبير ومثقف. شربل نحاس، هذا هنا، يَمتحن التيار ـــــ الزعيم قبل أي حديث عن اختلاف مع الطاقم السياسي في الرؤية والطرح الاقتصادي. حنّا غريب، النقابي، يقدّم لحزبه الشيوعي أولاً وللقوى السياسية الأخرى أيضاً، نموذجاً لعمل نقابي مستقلّ. وفي الوقت الذي يتحدّى فيه أزمةَ العمل الحزبي يتجاوز بؤس العمل النقابي وتفتّته وتبعيّته للقوى السياسية والمذهبية على اختلافها وأنواعها. يحمل هذا الشخص تراث جيله في النظر إلى واقعه وفي إنتاج القضايا وأساليبها النضالية. وإذ هو عضو في حزب أُبقي خارج النادي السياسي السلطوي يدرك رفاقه في رابطة التعليم الثانوي الرسمي أن النادي السياسي السلطوي يستهدف حقوقهم ومطالبهم ورابطتهم، وكأن وجوده في مقدمة تلك الرابطة هو تواطؤ مكشوف لدى أعضاء الرابطة كي لا تغدو المطالب والحقوق والرابطة في فرّامة القوى السياسية والمذهبية. حنّا غريب، في هذا المعنى، متراس لا يمكن اختراقه إلا من الخلف، لكونه حنّا غريب المناضل الذي ثبت في رابطته ومدرسته، ولكونه في/ من حزب خارج الطاقم السياسي المذهبي الذي يبيع ويشتري على حساب الفئات الاجتماعية، ويعارض تحت هذا العنوان أو ذاك، ويحرك هذه المجموعة تارة ويخمد تلك طوراً، بهدف إنجاز تسويات فوقيّة. حنا غريب أيضاً يمتحن رابطته والحس الاجتماعي لدى المنضوين فيها وإصرارهم على حقوقهم ومطالبهم ووحدتهم النقابية. على خلاف شربل نحاس وحنا غريب، حسن منيمنة يُخضع نفسه للامتحان، وقد أعفى فريقه السياسي والطاقم السياسي عموماً من هذا الموقف. قبِلَ حسن منيمنة أن يكون أداة تنفيذ في يد الطاقم السياسي عموماً وفريقه السياسي خصوصاً. لقد قَبِلَ أن يضع خبرته «النقابية» وتجربته السياسيّة والأكاديميّة، في خدمة فريقه السياسي والطاقم. حسن منيمنة في وضع لا يتمناه أحد لنفسه، وهذا الوضع ليس نتيجة كونه يمثل مذهباً ـــــ تياراً ـــــ زعيماً في السلطة التنفيذية وحسب، بل أيضاً نتيجة خيار فردي ارتضاه لنفسه. فشربل نحاس أيضاً ضمن حصّة مذهب ـــــ تيار ـــــ زعيم، لكنه يرفض أن تُفرم رابطة نقابية لم يكن يوماً فيها أو في واحدة تتشارك معها العنوان التربوي الاجتماعي. صحيح أن حسن منيمنة والمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم الذي يمثّله ليسا شربل نحاس والمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم الذي يمثله، لكن ما الذي يمنع أن يكون حسن منيمنة مثل شربل نحاس، سواء أكان داخل مجلس الوزراء أم في علاقته بالمذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم؟ الفارق بسيط، شربل نحاس يعقد تسوية مع المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم بما هو، بينما يوقّع حسن منيمنة مع المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم عقد عمل. نحاس يبقى مثقفاً يستغل ما أمكن في الهامش المتاح، وحسن منيمنة يغدو موظفاً برتبة وزير وراتبه. ورغم ذلك، «مشكلة» حسن منيمنة، قيميّاً، ليست في مقارنته مع شربل نحاس وحسب، بل مع الوجه الآخر لنفسه: حنا غريب، النقابي والتربوي الذي لا يقارب العناوين والقضايا والحقوق وأساليب العمل من منظار المذهب ـــــ التيار ـــــ الزعيم. ليس في هذا مديح للثبات، ولا محاكمة لشخص يُطلب إليه أن يبقى كما كان، وإنما هي محاولة إلقاء الضوء على أسس تصحيح «امتحان» التخلص من «الكلام القديم» لحظة ارتداء البدلة البيضاء وعقد الكرافات حول الرقبة.
عدد الجمعة ١١ حزيران ٢٠١٠ |لم تكن متوقعة مشاركة هذا الحشد الكبير في المؤتمر الذي دعت إليه لجنة الدفاع عن المستأجرين القدامى وتجمّع المستأجرين القدامى، في قصر الأونيسكو أمس، إلا أن ارتفاع مستوى القلق من موجة تهجير جديدة جعل من المؤتمر بمثابة تمرين على المعركة التي ستشهدها ساحة لجنة الإدارة والعدل النيابية في حال إaقرارها مشروع قانون تحرير الإيجارات القديمة!
رشا أبو زكي قاعة بلا تهوية في قصر الأونيسكو اكتظت بحشود من المستأجرين جاؤوا للمشاركة في مؤتمر وطني لنصرة قضيتهم، ومعهم عدد من قياديي الحزب الشيوعي اللبناني ومنظمة العمل الشيوعي والحزب التقدمي الاشتراكي، وذلك بدعوة لجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين في لبنان التي كانت لها إنجازات كبرى في الدفاع عن مصالحهم سابقاً، إضافة إلى تجمع المستأجرين القدامى. كانوا شديدي الغضب على السلطة التشريعية، وخصوصاً لجنة الإدارة والعدل التي تتجه لإقرار مشروع قانون تحرير عقود الإيجارات القديمة، فهذا المشروع برأيهم سيؤدي إلى تشريد أكثر من 170 ألف عائلة من محدودي الدخل ويرمي بهم خارج منازلهم... وفي ذروة هذا المشهد، يعتلي المنبر شاب ثلاثيني، يعلن أنه سيتكلّم بالعامية لا الفصحى، ويقول: «لستم وحدكم، لن نسمح بأن يرمى فقراء بيروت في الشارع، لن نسمح باستهداف الطبقات الشعبية والكادحة عبر مشروع القانون الذي يناقَش في لجنة الإدارة والعدل. نحتاج إلى قواكم الضاغطة لعدم إمرار المشروع». النظرات معلّقة على الشاب، والأكثرية لم تُخفِ دهشتها، فالمتكلم هو المحامي الكتائبي فادي الجميّل، ممثل عضو لجنة الإدارة والعدل النيابية نديم الجميل في مؤتمر المستأجرين، جاء ليقترح حلولاً عملية تساعد على مواجهة مشروع القانون، منها منع أو وضع حد كبير لتملك الأجانب في لبنان، للسيطرة على الأموال النفطية التي تتدفق على القطاع العقاري، إضافة إلى حصر الدفاع عن المستأجرين الفقراء ومحدودي الدخل، «إذ ليس من المنطقي الدفاع عن نائب مثلاً وهو مستأجر قديم». أما الاقتراح الثالث، فهو تحفيز أصحاب العقارات على تأجير الشقق عبر سلة من التسهيلات التي تؤدي إلى خلق سوق إيجارات في لبنان. وبين كلمة الكتائب وكلمة الأحزاب الشيوعية والنقابات، كانت أصوات المستأجرين تعلو قائلة: «لن يمر هذا القانون إلا على جثثنا»، «يهمهم الحجر لا البشر»، «ذهنية سوليدير تطرد اللبنانيين من بيوتهم لمصلحة الشركات العقارية»!
الحل: سحب مشروع القانون
الأجواء التي كانت سائدة في المؤتمر لا تشير إلى أي نوع من المساومة، والمطلب الذي رافق الكلمات لم يتراجع إلى ما دون «سحب مشروع القانون من التداول في لجنة الإدارة والعدل»، فمناقشة مشروع قانون تحرير الإيجارات، تأتي في سياق التصاعد غير المسبوق في وتيرة المضاربات العقارية وارتفاع أسعار الشقق ارتفاعاً خيالياً وتصاعد الحد الأدنى لبدلات الإيجار، وفق ما يؤكده الأمين العام للجنة الدفاع عن حقوق المستأجرين زكي طه، موضحاً أن هذا المشروع يتزامن كذلك مع السعي المحموم من الشركات العقارية الكبرى وشركات المقاولات والمصارف إلى شراء مساحات عقارية للاستثمار والبناء الفخم المعد للبيع بهدف جني الأرباح السريعة. وسأل طه: «لِمَ تتجاهل لجنة الإدارة والعدل طلبنا في عقد لقاء مشترك للبحث في مشروع القانون الذي تعده في الخفاء؟»، داعياً إلى إعادة النظر بالقانون 159/92 الذي ينظم التعاقد الحر وإجراء تعديلات جوهرية عليه لجهة تمديد مدة العقد إلى عشر سنوات، كما هي الحال في العديد من بلدان العالم. وشدّد على أولوية منع إقرار قانون جائر للإيجارات يشرّع تهجير عائلات المستأجرين وتشريدها، ومنع إقفال آلاف المؤسسات والمحالّ التجارية والمهنية والحرفية الصغيرة، والضغط لإقرار قانون عادل للإيجارات القديمة، وإعادة النظر بقانون التعاقد الحر ووضع ضوابط للزيادة والمهل الزمنية بما يحقق الاستقرار الاجتماعي. أما رئيس تجمّع المستأجرين نبيل العرجا، فلم يكن أكثر تساهلاً، فإضافة إلى إعلانه الرفض التام والمطلق لتحرير عقود الإيجار، رأى أنه لا حلول لمسألة الإيجارات القديمة ما لم تتحمل الدولة مسؤولية إيجاد السكن البديل، وذلك لن يكون إلا بتنفيذها خطة إسكانية على مراحل، وتمليكها (عبر الإيجار التملّكي) المدعوم بما يتناسب مع المداخيل المحدودة للناس «وبعد الانتهاء من إسكانهم وتنفيذ كامل الخطة الإسكانية بإيجاد السكن البديل الفعلي على الأرض، نتكلم على التحرير مع إقرار تعويض للمستأجر لا تقل قيمته عن 40% من قيمة ثمن المأجور».
... وأحزاب ونقابات تدعم
الدولة لمَن وفي خدمة مَن؟ ألا يجب أن تكون لشعبها وفي خدمة هذا الشعب؟ تسأل نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي اللبناني ماري الدبس. ومن ثم تجيب بنفسها: «الدولة في لبنان وُضعت تحت تصرف بعض ذوي النفوذ والحظوة، من أصحاب الشركات المالية والعقارية الذين يتحكّمون بكل شيء»، وتشرح الدبس أن أول مرة «واجهنا فيها محاولة لتحرير العقود السكنية كانت في عام 1991، بالتزامن مع إقرار شركة سوليدير ومحاولة القيّمين عليها التفلّت من حقوق عشرات ألوف المستأجرين في مجالي السكن وغيره. فكيف هي الحال اليوم، بعد أُتبعت سوليدير بعدة شركات مماثلة، وبعدما أقرّت قوانين تبيح استملاك الأجانب دون أية عوائق تذكر؟». ورأى عضو القيادة في منظمة العمل الشيوعي خالد غزال، أن مشروع قانون تحرير الإيجارات «خطير جداً»، والمعركة ستكون مفتوحة وشرسة، والاتجاه يجب أن ينصبّ نحو تجييش القوى السياسة والاجتماعية للالتزام بقضية شعب يُهَدَّد حتى بالمسكن. أما ما يثير استغراب رئيس الاتحاد العمالي العام غسان غصن، فهو ـــــ بحسبه ـــــ هذا «الجهد الاستثنائي لأعضاء لجنة الإدارة والعدل» في المجلس النيابي لتسريع إمرار قانون جديد للإيجارات يلغي الحق بالسكن الذي يكفله الدستور، فيما تغيّب لجنة حقوق الإنسان، وهي المعنية المباشرة باحترام هذا الحق. وكذلك رأى رئيس الاتحاد الوطني للنقابات كاسترو عبد الله أن مشروع قانون الإيجارات الجديد هو مشروع تهجيري لأكثر من 170 ألف عائلة على كل الأراضي اللبنانية، بهدف تحويل المدن إلى سوليدير كبرى.
200 ألفهو عدد المستأجرين القدامى وفق تجمّع المستأجرين القدامى، بينهم 170 مستأجراً من ذوي الدخل المحدود والفقراء، الذين يرى التجمّع أنّ مشروع القانون، الرامي إلى تحرير عقود الإيجارات القديمة بالصيغة الموجود بها في لجنة الإدارة والعدل، سيؤدّي إلى تهجيرهم
ماذا عن الوحدات غير السكنية؟أثار تجمّع المستأجرين القدامى موضوع الإيجارات المتعلّقة بالوحدات غير السكنية، لافتاً إلى أنّ هناك حقوقاً للمستأجرين انتُهكت عبر تشريعات سابقة بفرضها مضاعفات مبالغاً فيها، وعشوائية، وزيادات متلاحقة وظالمة وموادّ قانونية هدّدت الملكية التجارية، وأفرغتها من محتواها وقيمتها، واغتصبت حقوق المستأجر، الذي سدّد خلوات باهظة ممّا اضطره إلى الاقتراض وبذل الجهود المضنية لتسديد القروض، ثم أضيف مجهود كبير في تحسين الموقع والشارع والمنطقة، كما بُذلت تضحيات كبيرة في مراحل الأزمات الأمنيّة والاقتصادية.
عدد الجمعة ٢٥ حزيران ٢٠١٠ |57 مليون دولار يتحمّلها المواطنون لاستئجار مكاتب بكلفة مرتفعة
غباء أم أزمة نظام؟ في كلتا الحالتين يدفع المكلفون اللبنانيون ملايين الدولارات من جيوبهم الخاصة، وعبر ضرائب جائرة، لتمويل إيجارات مكاتب الوزارات والمديريات والمؤسسات العامة، فيما الدولة تمتلك أراضي شاسعة في بيروت وخارجها، وتستطيع أن تبني عليها مجمعات حكومية لتوفر على اللبنانيين بعضاً من بنود الإنفاق غير المجدي، الآن وعلى المدى البعيد!
رشا أبو زكيهل من عاقل، في لبنان تحديداً، يملك أراضي شاسعة في بيروت وخارجها، يفضل أن يستأجر بملايين الدولارات بدلاً من تشييد مبنى له على أرضه؟ الجواب البديهي «لا»، فكيف إن كان هذا الشخص غير العاقل هو دولة بحد ذاتها؟ فوزارات لبنان «كلاس»، لا تريد أن تقيم في أبنية ملك لها في الشياح مثلاً، وتفضل أن تدفع ملايين الدولارات أجرة مكاتب في الـ«D.T.»، أي وسط بيروت التجاري! إذ تدفع الدولة اللبنانية أكثر من 57 مليون دولار على إيجارات مكاتب الوزارات والإدارات العامة وصيانتها... هذا هو حجم الاعتماد المرصود في مشروع موازنة عام 2010، وهو مقدّر بالليرة اللبنانية تحت بند «إيجارات وخدمات مشتركة» بـ86 ملياراً و249 مليون ليرة.
وفي التفصيل أن كلفة إيجارات المكاتب وصيانتها تبلغ 32 ملياراً و 360 مليون ليرة، وإيجارات المدارس وصيانتها تبلغ 24 ملياراً و500 مليون ليرة، وإيجارات «عقارات أخرى وصيانتها» تبلغ 29 ملياراً و379 مليون ليرة، وكلفة الخدمات المشتركة بين المالكين 9 ملايين و800 ألف ليرة... لكن لماذا تدفع الدولة هذا المبلغ الضخم لاستئجار المكاتب وصيانتها؟ إذ إن دراسات عديدة نفّذت، وبعضها أقرها مجلس الوزراء، تدعو إلى إنشاء مجمعات حكومية وأبنية للوزارات في المساحات التي تملكها الدولة في بيروت وخارجها. وقد وردت تقارير مفصلة عن إيجابيات اتخاذ قرار كهذا، إلا أن الحكومات المتعاقبة، اتجهت بوزاراتها نحو وسط بيروت، والمناطق العقارية ذات الإيجارات الخيالية، لتحمّل المواطنين من خزينتهم مبالغ طائلة هي أكلاف للإيجارات الباهظة... كل ذلك خدمة لشركات عقارية كسوليدير وإنترا وستاركو وبعض الأتباع في الكثير من الحالات!دولة اللادولة!
فقد أشار مجلس الخدمة المدنية في تقرير له عام 2006 نشر في الجريدة الرسمية، إلى إمكان إخلاء العديد من الأبنية المستأجرة وبناء أبنية ومجمعات حكومية في العقارات المملوكة للدولة. وأورد التقرير العديد من الأمثلة، منها وزارة الثقافة التي تشغل مساحة 2918 متراً مربعاً بقيمة إيجار، كانت في حينه 560 مليون ليرة سنوياً، أي ما يوازي 373 ألف دولار (خصص له اعتماد في موازنة 2010 بقيمة 600 مليون ليرة). وقد اقترح التقرير البناء في عقار تملكه الدولة في منطقة رأس بيروت قرب كلية الحقوق (سابقاً) مساحته 16 ألف متر مربع، وكان تقدير الكلفة في حينه مليوناً و400 ألف دولار. أي إنه كان بالإمكان تشييد مبنى تملكه الدولة بمبلغ يقل عن إيجار المبنى المستأجر على 4 سنوات!كذلك، تمتلك الدولة مساحة شاسعة في منطقة الأشرفية، وقد اقترح التقرير تشييد مبانٍ لوزارتين على العقارين رقم 3582 و3584، وهي وزارة الأشغال العامة والنقل، بحيث تشيّد الوزارة مبنى لها على مساحة 10000 متر مربع، بكلفة 4 ملايين دولار، للاستغناء عن إيجار كان في ذلك الحين ملياراً و707 ملايين ليرة. والوزارة الثانية هي البيئة، بحيث يُشيَّد مبناها على مساحة 3 آلاف متر مربع بكلفة لا تتعدى مليوناً و200 ألف دولار لتتخلص من إيجار سنوي كلفته 232 مليون ليرة.وكذلك الحال بالنسبة إلى وزارة الخارجية والمغتربين، بحيث دعا التقرير إلى اختيار عقار مستقل عن المجمعات الحكومية للتخلص من إيجار قيمته 711 مليون ليرة سنوياً، على ألا تتعدى كلفة المشروع 4 ملايين دولار... إضافة إلى إقامة مبنى وزارة الشباب والرياضة في حرم الأونيسكو ووزارة الصناعة والعمل والصحة (إضافة إلى المختبر المركزي) ومجمع لأجهزة الرقابة ووزارة الاقتصاد في العقار الرقم 3016 الذي تملكه الدولة قرب مستشفى بيروت الحكومي.فماذا فعلت الحكومات خلال الفترة الماضية؟
هجوم نحو وسط بيروت!
بالطبع، لم تقم الحكومات المتعاقبة بأي عمل من ضمن اقتراحات مجلس الخدمة المدنية، لا بل بدأت الوزارات تنتقل إلى أغلى منطقة في لبنان، هي وسط بيروت، وتدفع بدلات إيجار «مرعبة»! فقد أصدر مجلس الوزراء في عام 2004 قرار نقل وزارة البيئة، لكن إلى مبنى اللعازارية (طبقتان)، وحصل النقل في عام 2005 لتدفع الوزارة إيجاراً سنوياً بقيمة 155 ألف دولار للسنة الأولى، وارتفع إلى 175 ألف دولار في السنوات الأربع الباقية، إضافة إلى تكاليف الخدمات المشتركة واستئجار 21 موقفاً للسيارات! وهكذا انتهت السنوات الخمس في العام الحالي، وبدلاً من مراجعة الذات، والعودة إلى مشروع تشييد مبنى للوزارة، وافق مجلس الوزراء في جلسته الأخيرة على تجديد عقد الإيجار لمدة 5 سنوات أخرى، علماً بأن الإيجار ارتفع إلى 317 ألف دولار سنوياً في السنوات الثلاث الأولى، على أن ترتفع القيمة إلى 340 ألف دولار في السنة الرابعة، و362 ألف دولار في السنة الخامسة، على الرغم من أن مجلس الخدمة المدنية دعا وزارة البيئة إلى عدم رفع قيمة الإيجار في السنتين الرابعة والخامسة، أي إنه لم يقتنع بمبرر للزيادة على الإيجار المتفق عليه في السنوات الثلاث الأولى. وشدد على ضرورة تشييد مبان حكومية على اراض تملكها الدولة «توفيراً في نفقات الاستئجار المتزايدة، ولا سيما في المباني الواقعة في وسط بيروت التجاري التي يبلغ سعر المتر المربع المبني فيها مبالغ طائلة».أما وزارة الاقتصاد والتجارة، فقد انتقلت من منطقة الحمرا إلى العازارية كذلك، وها هي تدفع 315 ألف دولار سنوياً (وفق مشروع موازنة 2010)، وكذلك أصبح مبنى ستاركو مقصداً للوزارات الـ«كلاس»، من وزارة شؤون التنمية الإدارية، والمديرية العامة للنقل البري والبحري (367 ألف دولار)... أما في ما يتعلق بوزارة الخارجية والمغتربين، فقد اختير مكان إقامة الوزارة، إلا أنّ المبنى القديم أُبقي في بئر حسن، على الرغم من أنه استؤجر لـ«وزارة المغتربين» التي أُلغيت. ولا تزال الدولة تدفع إيجار هذا المبنى حتى عامنا هذا، حيث رصدت في موازنة عام 2010 نحو 510 ملايين ليرة، لأن هذا المبنى تعود ملكيته إلى عبد الله بري نجل رئيس مجلس النواب نبيه بري!أما بالنسبة إلى المكان الجديد لإنشاء مبنى جديد لوزارة الخارجية من دون المغتربين، فاختيرت المنطقة التي تحتلها سوليدير. وبالطبع في عملية التفاوض بين الدولة و«شركة إعمار وسط بيروت»، فإن الدفة طبعاً لمصلحة الشركة كالعادة. إذ عرضت شركة سوليدير على الدولة أن تبادلها عقاراً مساحته 5366 متراً مربعاً في منطقة الصيفي، بعقارين بالمساحة نفسها تمتلكهما الدولة في وسط بيروت. إلا أن لجنة الخبراء المكلفة الكشف على العقارات موضوع المقايضة أكدت أن هذه المقايضة مجحفة بحق الدولة؛ لأن عقار الشركة مقيّد، فيما عقارا الدولة غير مقيّدين... وعلى الرغم من هذا الغبن استمر المشروع.
إنها مشكلة نظام
لم تكن مطالبات مجلس الخدمة المدنية محصورة بعام 2006، بل تعود إلى عام 2000، حيث أُلفت لجنة وفق قرار مجلس الوزراء، لوضع دراسة تتعلق بتشييد مجمعات حكومية. وقد وضع مجلس الخدمة دراسات وتقارير عديدة بشأن موضوع الأبنية المستأجرة، وأكد أن إنشاء مجمعات حكومية من شأنه توفير الاستقرار للإدارة العامة
وتخفيف العبء عن الخزينة، إضافة إلى تجميع الإدارات العامة في مجمعات تسهّل على المواطنين الوصول إليها من دون تكبّد كلفة باهظة تفرضها شركة سوليدير في مواقف السيارات القليلة التي خصصتها لوسط بيروت الحيوي، وتسهل كذلك عملية الرقابة على الأجهزة المختصة والأعمال المشتركة كالحراسة وأعمال الصيانة والنظافة وغيرها... ويشير رئيس شركة رامكو العقارية رجا مكارم في هذا الإطار، إلى أن تشييد الوزارات على أراض تملكها الدولة من شانه أن يوفر الكثير من الأموال على الخزينة، إضافة إلى أنها تكون قد حصنت نفسها من ارتفاع الإيجارات الذي يحدث كل ثلاث سنوات، إذ إن الدولة ـــــ كما أي مواطن ـــــ مصلحتها في البناء والشراء، لا استئجار الأبنية.ويشير مكارم إلى أنه في معادلة المفاضلة بين بقاء الإيجارات القديمة وبناء وزارات جديدة على أراضٍ تشتريها الدولة، تكون الدفة لمصلحة إبقاء الإيجارات القديمة، وخصوصاً أن كلفة بناء المتر المربع أصبحت توازي 1000 دولار في بيروت، إلا أن الدولة استأجرت أخيراً وفقاً لعقود الإيجارات الجديدة، وتدفع أكلافاً مرتفعة، منها مثلاً إيجار مكاتب وزارة التنمية الإدارية في ستاركو، وهنا من الأفضل للدولة التوجه نحو التشييد. ويشرح مكارم أنّ بإمكان الدولة كذلك أن ترفع عوامل الاستثمار في الأراضي التي تملكها، وتستطيع أن تعطي نفسها حق زيادة الاستثمار، فتستطيع توفير استخدام أراضٍ إضافية، وكذلك لديها الكثير من الأملاك الخالية، إذ تستطيع أن تبني عليها، وكذلك تستطيع أن تبيع بعض الأراضي الغالية لتشتري أراضي أرخص لإقامة مجمعات حكومية. فمثلاً، تتألف الأرض التي أقيم عليها قصر المؤتمرات من 100 ألف متر مربع، وسعر المتر الواحد 20 ألف دولار، وبالتالي يمكنها أن تبيع هذه الأرض لشراء أراضٍ أخرى تخصصها للأبنية الحكومية، إذ يراوح سعر المتر المربع الواحد في سهل الدامور بين 350 و400 دولار، ويمكن شراء مساحات شاسعة فيه لبناء مدينة حكومية، ما يقلل من زحمة السير في بيروت. وكذلك تكون الوزارات في منطقة أقل كلفة وقريبة من بيروت.أما رئيس «الدولية للمعلومات» جواد عدرة، فيلفت إلى أن المشكلة لا تتعلق بقدرة الدولة على بناء مجمعات حكومية أو عدمه، بل هي مشكلة نظام، إذ إن النصائح والدراسات والتقارير التي دعت إلى إخلاء الأبنية المستأجرة وبناء مجمعات حكومية مكانها، أُخذ بها، لكنها استُخدمت بطريقة ملتوية، حيث خرجت الدولة من الأبنية الرخيصة التي تدفع فيها إيجارات قديمة، أو التابعة للنافذين ليعمد هؤلاء إلى تأجيرها، لتبدأ بتشييد أبنية واستئجار أخرى بمبالغ طائلة... ويلفت إلى أن تقرير مجلس الخدمة المدنية عن إخلاء بعض المباني لانتفاء الحاجة إليها قد ارتكز على تحقيق وفورات مالية آنية، بحيث نصح المجلس بإخلاء بعض المديريات والمباني، فيما معظم إيجارات هذه المباني هي إيجارات قديمة وذات كلفة زهيدة وكان بإمكان الدولة مطالبة مالكيها بتعويضات مقابل الإخلاء، وخصوصاً بعد استئجار مبان جديدة بكلفة تفوق عشرات أضعاف كلفة الإيجار السابقة، منها مثلاً الموافقة على إخلاء مكتب السياحة في باريس والقاهرة وكلفة إيجار الأول لا تزيد على 55 مليون ليرة والثاني 3 ملايين ليرة سنوياً.كذلك، تورد «الدولية للمعلومات» أن العوامل السياسية والمصالح الشخصية تدخل في عملية إلغاء بعض عقود استئجار الأبنية الحكومية، بحيث تخسر الدولة ويربح أصحاب العقار، ومن الأمثلة على ذلك، إخلاء مبنى كلية الإعلام في الكولا الذي تملكه نقابة المهندسين ونقل الكلية إلى مبنى الجامعة اللبنانية في الحدث.
عدد الثلاثاء ٥ تشرين الأول ٢٠١٠أسعد أبو خليل* المسألة اليهوديّة ليست جديدة. تناولها ماركس في كتاب معروف له. والكتاب تعرّض لتشنيع مَن لم يتعوّد قراءة ماركس، ولمَن يفتقر إلى شهيّة المفارقة عنده: أي أن يقول المرء شيئاً ويعني عكسه. وماركس كان بارعاً في هذا الاستخدام. تعرّض الكتاب لنقد سطحي اتُّهم فيه كاتبه المنحدر من عائلة حاخامات بمعاداة الساميّة. هذا لا يعني أن كتابات ماركس لم تكن تتضمّن إهانات للمرأة أو لليهود، ولا أحد يلاحظ أنها تضمّنت إهانات للمسلمين. لكن التهكّم ضد اليهود ورد في رسائل ماركس، لا في هذا الكتاب بالتحديد. الكتاب يميّز بين نوعين من الانعتاق: الانعتاق السياسي والانعتاق الإنساني. الانعتاق السياسي هو في إزالة الفوارق بين المواطنين (ويمكن أن نزيد، المواطنات) بينما يكون الانعتاق الإنساني أبعد أثراً لأنه يبدّد وهم إمكان التحرّر في ظل الدولة الرأسماليّة نفسها. الانعتاق السياسي هو في الطموح الليبرالي. الانعتاق السياسي يحسّن شروط الاستعباد، فيما يُنهي الانعتاق الإنساني الاستعباد من أساسه. يذكر ماركس أن المرء سرعان ما يكتشف بطلان الانعتاق السياسي بمجرّد الوصول الى مبتغاه. ما معنى أن يحصل المرء على حق التصويت والترشيح إذا كان آل الحريري يستقدمون الأنصار بالطائرات الخاصّة، وإذا كان الأمير مقرن يبتاع لنفسه نتائج الاقتراع قبل حصوله؟ ماركس تحدّث عن علاقة اليهودي بالمال في كتابه مما عرّضه للتقريع وللاتهام بمعاداة اليهوديّة، لكن القراءة المتأنيّة للكتاب تظهر بوضوح أن ماركس كان يسخر من الخطاب المعادي للساميّة وأنه كان يقول إن الكل «يهودي» ـــــ بالمعنى المُستعمل عند معادي الساميّة ـــــ تحت نمط الإنتاج الرأسمالي.
مناسبة الحديث عن الموضوع متجدّدة. فالخطاب الديني المنتشر غيّر مضمون الخطاب المُناصر للقضيّة الفلسطينيّة عند العرب، وسمح بتسرّب خطاب معادٍ لليهود كيهود. التقرير السياسي الأخير لحزب الله تنبّه للأمر وحدّد عداءه لإسرائيل والصهيونيّة وليس لليهود على أساس الدين. أما حماس، فقد بدأت عند نشأتها بخطاب كريه في عدائها الديني، كما أن ميثاق حماس استعار من التقرير المُزوّر المُسمّى «بروتوكولات حكماء صهيون»، والذي عمد البوليس السرّي القيصري الى تزويره (تأليفه) لتأليب الرأي العام ضد الشعب اليهودي. في العالم العربي، لا تزال دارجة الاستشهادات بالبروتوكولات، وخصوصاً في الكتابات الإسلاميّة المعاصرة عن قضيّة فلسطين، وقد نشرها شقيق جمال عبد الناصر، كما أن عدداً من الكتّاب العرب يستشهد بها في كتاباته (أو كتاباتها) وكأنها مرجع موثوق به. والبروتوكولات تُعتبر دليلاً في الغرب على كراهية اليهود، فيما هي دليل على جهل المُستشهد بأصلها وفصلها. يستشهد الصهاينة في الغرب بكتاب جون بيترز «من الأزمنة السحيقة» الذي يتضمّن كذباً وافتراء ومزاعم باطلة عن الشعب الفلسطيني، لكن القيامة لا تقوم عندما يستشهد إيلي فيزيل بالكتاب، والأخير يُعتبر حجّة في الإنسانيّة رغم عنصريّته (راجع نقد نورمن فنكلستين الفذّ لكتاب بيترز). لكن ما يجوز للصهاينة لا يجوز لمعادي الصهيونيّة، في الغرب وحتى في الشرق حيث بات الخطاب الصهيوني يسري وينتشر في إعلام آل سعود كجزء من صفقة بين آل سعود وصهاينة الكونغرس للسكوت عن دور السعوديّة في إنشاء تنظيم إسلامي عالمي انبثقت منه «القاعدة»، وفي الأحداث التي سبّبت تفجيرات 11 أيلول. هناك جانبان للمسألة اليهوديّة، جانب يتعلّق بنفي المحرقة وجانب يتعلّق بمعاداة اليهود. طلع جلبرت الأشقر أخيراً بمقابلة في جريدة إسرائيليّة للترويج لكتاب حديث له عن العرب والمحرقة (لم يتسنّ لي بعد قراءة الكتاب). وتحدّث الأشقر طويلاً عن المفتي الحاج أمين الحسيني وقرّر أنه كان يعاني من مرض معاداة لليهود. وذمّ المفتي في جريدة إسرائيليّة، كما فعل الأشقر، هو بمثابة ذم جمال عبد الناصر في جريدة سعوديّة، أو هو مثل ذمّ جورج حبش في الـ«نيويورك تايمز». هل نستطيع أن نتهم بناءً على القرائن والوثائق، المفتي الحسيني بمعاداة اليهود، أو باعتناق عقيدة معادية لليهود؟ الجواب سلبي. لنتفق أن عقيدة معاداة الساميّة، كأيديولوجيا عداء، هي نتاج الغرب المسيحي ترعرعت في كنفه وفي أحضان الكنيسة بالذات. لا يمكن مقارنة عقيدة معاداة اليهود كيهود وبثّ الكراهية ضدّهم في الكنيسة الكاثوليكيّة تاريخيّاً بالتعبيرات والكلام ضد اليهود الذي يصدر عن بعض العرب والمسلمين، أفراداً وتنظيمات، حتى لو نحت التعبيرات نحو السوقيّة والبذاءة. (هذا لا يسوّغ هذا الخطاب، لكن المقارنة التاريخيّة واجبة لأن الغرب قاطع في أحكامه الأخلاقيّة، أو اللاأخلاقيّة). لنتفق أن العرب والمسلمين لم ينتجوا عقيدة أو أيديولوجيا عداء ضد اليهود كيهود عبر التاريخ، رغم كراهية ضد اليهود صدرت عن حاكم هنا أو عن فرد هنا، وعن بعض الفقهاء. المعاداة العربيّة لليهود هي سياسيّة وليست عنصريّة (أي ليست عرقيّة كما كانت ولا تزال في الغرب)، كما يشهد بذلك المؤرخ الصهيوني المعروف، برنارد لويس في كتابه «ساميّون ومعادون للساميّة»، ولويس لا يفوّت فرصة لذم العرب والمسلمين ـــــ أي أن شهادته في هذا الخصوص يُعتدّ بها لأنه لا يُمكن أن يُتهم بممالأة العرب والمسلمين. ويلاحظ لويس في كتابه أن التعبير المعادي لليهود ترافق مع مراحل الحروب العربيّة ـــــ الإسرائيليّة. أنا أذكر أول وعي لي عن اليهودي. كنت في سن السابعة في بيروت وسمعنا الكثير عن اليهود بعد الهزيمة الشنيعة عام 1967. أذكر يومها أن الطلاب في مدرستي تهامسوا أن بيننا في الـ«آي سي» طالباً يهودياً. أذكر أنني توجهت إليه في ملعب المدرسة وأذكر اسمه (من آل هاشم وكانوا يملكون محلاً لبيع الأحذية الفاخرة ـــــ كله فاخر في الترويج الإعلاني في مسخ الوطن، حتى الحمص) وسألته: هل صحيح أنك يهودي، كما يُقال؟ أذكر أنه ارتبك وأُحرج وأنه تمتم أنه ليس يهودياً. لكني أذكر أنه رحل عن المدرسة ولا أعرف ما حلّ به. لم نسمع به بعد ذلك. أي أن التعبير عن شك أو كراهية لليهود كانت نتيجة طبيعية ـــــ وإن غير مبرّرة ـــــ للصراع العربي ـــــ الإسرائيلي. وهناك عند زمرة الليبراليّين العرب (الوهابيّة الهوى) اجترار لكل الخطاب الصهيوني عن معاداة العرب لليهود كيهود. يهب الواحد منه إذا تلفّظ بكلام عن اليهودي الذي ضربه أو اليهودي الذي «حرق أشجاره» في نابلس، الخ. لكن هذا التعبير لا يجب أن يُصنّف كمعاداة لليهود. فإسرائيل تصف نفسها، وتصرّ على أن يُنظر لها، كدولة ليهود إسرائيل ويهود الشتات. وعليه، لا يخطئ ابن المخيّم إذا أشار إلى عدوّه بأنه «يهودي» لأن عدوّه هو بالفعل يهودي. لكن هذا لا يسوّغ العداء لليهود كيهود، ولا يمكن اعتبار مَن يصف عدوّه بـ«اليهودي» بأنه معادٍ لليهود بالضرورة. قد يكون معادياً، وقد لا يكون. كما أن إسرائيل نصّبت نفسها ناطقة باسم يهود الدول العربيّة وعملت على تهجيرهم، من العراق مثلاً أو من المغرب. (روى لي واحد من قلّة قليلة من اليهود اللبنانيّين الذين بقوا بعد عدوان 1982، وكان ـــــ خلافاً للصورة النمطيّة ـــــ سمّاكاً فقيراً في بيروت ـــــ أن الجيش الإسرائيلي الغازي كان يحتفظ بعناوين الباقين والباقيات من اليهود في لبنان، وأنه أرسل مَن يأتي بهم إلى إسرائيل. وصلت فرقة إليه لكن الأخير رفض، وأخبرهم أن ليس هناك ما يجمعه بالدولة اليهوديّة وأنه شعر بالأمان في ظل سلطة منظمة التحرير الفلسطينيّة. سمعوا كلامه وغادروا متبرّمين. لم يكن اليهود العرب إيلي فيزلمن المناصرين الطبيعيّين لدولة الكيان الغاصب: لكن هذا موضوع آخر يحتاج إلى معالجة من جوانب مختلفة، مثل مسؤوليّة الدول العربيّة، كلبنان، التي فرضت إجراءات تمييزيّة بحق اليهود من مواطنيهم ومواطناتهم بعد النكبة، بالإضافة إلى حملات الترهيب التي لجأ إليها الموساد لتخويف اليهود العرب، فضلاً عن تجنيد بعض اليهود العرب (مثل فضيحة «لافون») من قبل الموساد، ما أضفى نوعاً من الشك نحوهم لدى الأكثريّة غير اليهوديّة. لكن الليبراليّين العرب يجدون اليوم أن العبارة المُهينة لليهودي هي أفظع بكثير من القتل اليومي للشعب الفلسطيني على يد العدو الإسرائيلي. غير أن جيلبرت الأشقر يختار، وفي صحيفة إسرائيليّة، أن ينبش تاريخ الحاج أمين الحسيني، وهو الموضوع المفضّل عند الصهاينة منذ ما قبل إنشاء الكيان. هناك عدد وافر من المقالات ومن الكتب، أضاف إليها جيلبرت الأشقر واحداً، عن علاقة الحاج أمين بالنظام النازي. يُقرّر الأشقر أن الحاج أمين كان «متعاملاً» مع الحكم النازي، وفي هذا كلام غير دقيق بالضرورة. إن المتعاملين مع النازيّة في فرنسا، مثل المتعاملين مع إسرائيل في لبنان (والذي يسعى فرقاء في الطرفيْن المتنازعيْن في لبنان إما للعفو عنهم أو لتخفيف أحكامهم على طريقة البطريرك صفير الذي لم ير يوماً دوراً خبيثاً لإسرائيل في لبنان والذي أرسل من يعزّي بمقتل شيخ عملاء إسرائيل، عقل هاشم) يساهمون في قتل الأبرياء وفي قتل المناضلين من أجل التحرّر. لم يساهم الحاج أمين، على علّاته وعلى غبائه الذي لا يُغتفر، في مقتل يهود، لا في أوروبا ولا في مكان آخر. والحاج أمين كان في بداياته متعاوناً ومتساهلاً مع الحكم البريطاني على أرض فلسطين. والخطاب الوطني الفلسطيني حتى في حقبة سيادة الحاج أمين كان مميّزاً (ويمكن الرجوع إلى وثائق تلك الحقبة في أوراق أكرم زعيتر بالإضافة إلى صحف الحقبة تلك) من حيث خلو الأدب السياسي الفلسطيني والخطاب السياسي من كراهية اليهود أو التحريض عليهم، كيهود. هذا لا يعني أن النضال المسلّح أو العراك بين طرفَي النزاع (واحد منهما عن حق وآخر عن عنصريّة صهيونيّة بغيضة) لم يؤدّ إلى مقتل أبرياء. لكن مسؤوليّة الإرهاب وقتل الأبرياء، حتى في الطرف اليهودي، يتحمّلها في الأمس واليوم المشروع الفلسطيني الذي طرد شعباً متجذراً من أرضه. لكن الأشقر يصرّ على طرح موضوع الحاج أمين وأن يدين ما يسمّى «التحالف» بينه وبين الحكم النازي. لم يكن الحاج أمين متحالفاً مع الحكم النازي حتى لو عقد اجتماعاً واحداً (يصرّ المؤرّخ الفلسطيني فيليب مطر الذي كتب سيرة مرجعيّة عن الحاج أمين أنه ليس هناك من دليل على أكثر من لقاء واحد بين هتلر والحاج أمين على ما أخبرني أخيراً في بوسطن). والأمر، على بشاعته، واضح في السياسة الدوليّة. كان الحاج أمين يطلب (غبيّاً في ذلك) دعماً من عدوّ عدوّه. تحالف ريتشارد نيكسون في أوائل السبعينيات مع النظام الشيوعي في الصين رغم تاريخه العريق في مقارعة الشيوعيّة لأن الصين كانت عدوّة عدوّه، الاتحاد السوفياتي. لم يتهم أحد نيكسون بأنه كان شيوعيّاً، كما فعل الأشقر بحكمه على الحاج أمين. لم يتسبّب الحاج أمين بالويلات والكوارث التي لحقت بشعب فلسطين: إن المسؤوليّة الكبرى يجب أن تقع على الأنظمة العربيّة وإسرائيل. الحاج أمين كان كثيراً ما يرضخ لضغوط الأنظمة العربيّة. كان قيادة سيّئة وغبيّة وفاشلة، والشعب الفلسطيني يستحق أكثر من ذلك بكثير، لكن لا يجب تحميل الرجل أكثر مما يحتمل. ثم عندما يعتبر الأشقر أن الحسيني قال كلاماً مهيناً بحق اليهود في مذكّراته، فإنه لا يضيف أن معظم رجالات الغرب والبابا في الفاتيكان والرئيس ترومان كانوا أكثر معاداة لليهود من الحسيني. وهل هناك من هو أكثر معاداةً لليهود كيهود من الملك فيصل مثلاً؟ ثم، ماذا يريد الأشقر أو غيره ممن يحيي ليلاً ومساءً قصة الحاج أمين؟ هل يُراد أن يُقال لنا إن قضيّة شعب فلسطين ضعفت أو هزلت لأن الحاج أمين قال كلاماً مهيناً وضاراً عن اليهود في مذكّراته؟ ولماذا تُفرض معايير مثاليّة على قضيّة شعب فلسطين؟ عندما ناصر العالم قضيّة السود في جنوب أفريقيا، لم تُفرض عليهم أي شروط، وقد رفضت قياداتهم بشجاعة وصلابة (يحسدهم عليها كل من يرى سلام فيّاض وهو يشرف على إعداد طبق مسخّن عملاق) نبذ العنف كشرط للتفاوض. والثوّار السود في جنوب أفريقيا كانوا أحياناً يعبّرون عن عدائهم للبيض كبيض، كما أننا نذكر مشاهد ما يسمّى «العقود»، عندما كان يوضع إطار محترق حول عنق من يُشتبه في تعامله مع نظام الفصل العنصري. كان الليبراليّون البيض في الغرب يصفّقون لنضال السود من دون أن يعظوهم بضرورة اجتناب العنف. هذا يعني أن فرض المعايير الأخلاقيّة المتزمّتة على نضال شعب فلسطين لا علاقة له بالحرص على قضيّة شعب فلسطين بقدر ما هو مرتبط بالقضاء على نضال شعب فلسطين برمّته. والحاج أمين مات، فما هي ضرورة محاكمته اليوم، وفي صحيفة إسرائيليّة؟ ثم هناك قضيّة المحرقة. لا شك أن التشكيك بالمحرقة ينمّ إمّا عن جهل أو عن سوء نيّة أو عن الاثنين معاً. تجوز المقارنة: إن الذي يشكّك بأعداد الضحايا الفلسطينيّين في مجازر إسرائيل المتوالية أو الذي يشكك في رواية النكبة أو الذي يحاول أن يقول إن مجزرة جنين لم تكن مجزرة، يعبّر عن احتقار عنصري للشعب الفلسطيني وضحاياه. ثم هناك الجانب السياسي الذي لا ضرورة لبحثه: كون التشكيك بالمحرقة يقدّم خدمة مجّانيّة لإسرائيل، حتى إن العدو الإسرائيلي ينتظر على أحرّ من الجمر تصريحات أحمدي نجاد لاستغلالها دعائيّاً ولجمع التبرّعات باسمها. وقضيّة المحرقة يجب أن لا تصيب العرب بالإحراج أو الارتباك وكأنها صنيعتهم هم. ثم هناك كتاب لا يُذكر عادة في الشرق أو الغرب لمؤرخ صهيوني، روبرت ساتلوف ـــــ مدير الذراع الفكري للوبي الصهيوني والذي استساغ استضافة ثورة (حرّاس) الأرز قبل فرطها المضحك ـــــ وقد اعتبر فيه أن هناك أكثر من حالة قام فيها عرب ومسلمون بحماية اليهود. وبقاء اليهود في البلدان العربيّة حتى القرن العشرين دليل على أن العلاقة معهم لم تكن يوماً مثل حالة اليهود في الدول الأوروبيّة (يقول المُستشرق الفذ ماكسيم رودنسون إن الأقليات اليهوديّة في البلدان الإسلاميّة تعرضّت لتمييز لا لاضطهاد إلا نادراً ـــــ راجع كتابه عن إسرائيل والعرب). إن قضيّة شعب فلسطين هي قضيّة سامية وأخلاقيّة وتستحق أن ترتقي إلى مستوى من النضال الأخلاقي الذي لا مثيل له. لكن هذا موقف نظريّ لنا كمثقّفين ومثقّفات (ماذا يفعل المرء ليصبح مثقّفاً؟ يجب أن ننبذ الكلمة من أساسها حتى لا نحمل على محمل الجد ما ينزف من أقلامنا أو من مفاتيح الحاسوب)، ومن السهل اتخاذه في المكاتب وفي قاعات التدريس الجامعي. ولكن، ماذا نريد أن نقول لشعب فلسطين، أو ماذا يريد جيلبرت الأشقر أن يقول لهم؟ ان عليهم تجميد أو تعليق النضال كي تتعرّض ظهورهم للجلد بالسياط لأنه مرّ عليهم قبل عقود قائد غبي وغير كفوء باسم الحاج أمين الحسيني؟ ولماذا تكون مسألة تعاطي (لا تحالف) الأخير مع النازيّة أكثر أهميّة من التعاطي المتعدّد من قبل منظمات صهيونيّة مع قطاعات مختلفة من النظام الهتلري (درس ليني برنير الموضوع في كتاباته)؟ إن العداء لليهود كيهود هو موقف عنصري منبوذ كما أنه ألحق
ضرراً فظيعاً بالقضيّة الفلسطينيّة في الغرب (روّج الإعلام الصهيوني في الغرب للكتاب الجاهل لمصطفى طلاس بعنوان «فطير صهيون» الذي يردّد فيه ترّهات قديمة لمعادي الساميّة في الغرب). وهناك في أوساط العرب من يظن أنه يتذاكى عندما ينفي عن نفسها (أو نفسه) تهمة معاداة الساميّة عبر القول إن «العرب هم ساميّون أيضاً». صحيح، لكن الجميع يعلم أن الكلمة تُستعمل للإشارة إلى معاداة اليهود واليهوديّة فقط. هذا هو الواقع، حتى لو كان غير علمي. إن الواجب يقضي على العرب بإدانة المحرقة والعلم بها وفظاعتها، ولكن يجب أن لا يصبح ذلك شرطاً كي يدلي المرء برأيه في قضيّة تحرير فلسطين. وإدانة المحرقة إدانة للمجتمع الغربي الذي يتحمّل زرع الخطر الصهيوني الجاثم على صدورنا وحلقنا. نستطيع أن نطلب من الشعب الفلسطيني أن يثقّف نفسه إنسانيّاً، وأن يحترم ضحايا المحرقة، ولكن هل من يوصل الماء والدواء والغذاء إلى أهلنا المحاصرين في غزة؟ نستطيع أن نطلب من شعب «عموم فلسطين»، كما كان يُقال، أن يدين غباء الحاج أمين الحسيني وأن يهيل التراب على قبره، ولكن هل مَن يفتح الأنفاق إلى غزة، حتى لو أضرّ ذلك بحظوظ جمال مبارك الذي يسعى الى الملك متملّقاً الدوائر الصهيونيّة في واشنطن؟ نستطيع أن نطالب بتنقية الخطاب الفلسطيني من كل عناصر الكراهية وعدم الشعور، ولكن هل مَن يشير بالبنان إلى مَن زرعته إسرائيل حارساً على حدودها في رام الله؟
■ ملاحظة: يلقي الكاتب محاضرة عن «تحرير فلسطين: أين كان وأين أصبح» نهار الثلاثاء في الأول من حزيران في الجامعة اللبنانية ـــــ الفرع الأول ـــــ الحدث، مبنى كلية العلوم القاعة «أنكس واحد» من الثالثة بعد الظهر حتى الخامسة.خالد صاغية لم تكن المسألة يوماً ملهاةً، لكنّها بدأت تتكرّر بأشكال أكثر مأسويّة. حيثما تجد تحرّكاً نقابياً أو مطلبياً، تجد في مواجهته رجلاً منحدراً من تجربة يساريّة يحتلّ اليوم موقعاً في السلطة أو في حواشيها وحاشيتها. توكَل دائماً إلى رجل كهذا مهمّة قمع هذا التحرّك أو إجهاضه بأيّ طريقة. فالآتون من تجارب يساريّة يفهمون آليات العمل النقابي، وهم بالتالي أدرى بكيفيّة تفكيكها. وغالباً ما يفعلون ذلك بأثمان بخسة لا ترتقي بالضرورة إلى نيل رتبة «وزير». هذا بالضبط ما يحصل مع رابطة الأساتذة التي تكاد تكون آخر النقابات في لبنان. وهي، كنقابة موحّدة، تمثّل الاستثناء الذي يثبت قاعدة تآمر الأطراف السياسية كافة على العمل النقابي في لبنان خلال فترة «السلم الأهلي»، وذلك إفساحاً في المجال أمام مشاريع النهب المنظّم التي سمّيت زوراً «إعادة إعمار». وهذا ما يفسّر استشراس رئيس الحكومة ووزيره الأمين في رفض مطالب الأساتذة. بدأ الأمر بعجرفة لا مثيل لها حين أعلن رئيس الحكومة أنّه كـ«فلان ابن فلان» لن يقبل بلقاء الأساتذة. ولمساعدته على عدم النزول من برجه العاجي، حاولت المخيّلة المريضة للفريق الحاكم ابتكار البدعة تلو الأخرى من أجل إفشال تحرّك الأساتذة. ولم يتورّع بعض الصبية الذين لا يعرفون معنى أن تكون وزيراً أو مسؤولاً في الدولة، عن التباحث على طاولة مجلس الوزراء في السبل الممكنة لتفتيت رابطة الأساتذة. وبدأ كلّ منهم يستعرض عضلاته: «نحن نسحب جماعتنا»... و«نحن نطلب من رفاقنا»... ثمّ تلت ذلك زيارات لوفود «وهميّة» من الأساتذة والأهالي، أمّت كلّها مبنى وزارة التربية كي تتضامن... ضدّ نفسها. وكاد وزير التربية يضطر نزولاً عند رغبة الجماهير إلى فصل كلّ الأساتذة المعترضين، لو لم تراوده فكرة أكثر ديموقراطيةً: إذا كان الأساتذة لن يصحّحوا الامتحانات، فلنلغِ الامتحانات ونوزّع إفادات نجاح على الطلاب. وربّما يقترح الوزير لاحقاً إلغاء المدارس من أصلها ما دامت تسبّب له ولـ«فلان ابن فلان» وجع الرأس. أخيراً، تراجع رئيس الحكومة، فتنازل ووافق على مقابلة وفد من الأساتذة اليوم. يا لروعة التواضع. فها هو دولته، بين سَفرة وأخرى، يجد وقتاً كي يسهر على شؤون الرعيّة.
عدد الثلاثاء ٢٢ حزيران ٢٠١٠ |رامح حمية ــ زينب زعيتريقف الأهل في قرى غرب بعلبك أمام خيارين عندما يتعلق الأمر بإدمان أبنائهم على المخدرات: فإمّا أن يبادروا إلى التبليغ عن المتعاطي أمام السلطات المعنية، أو السكوت «خوفاً من الجرصة»، وضياع المستقبل الوظيفي للابن أو الابنة. في كلتا الحالتين فإنّ نسبة متعاطي المخدرات تزداد كثيراً في لبنان، وتحديداً في بعلبك بحسب ما يؤكّد جوزف حوّاط رئيس جمعية «جاد»، فيما تتحدث مصادر أخرى على نحو أكثر تحديداً، فتقول إن قرى غرب بعلبك هي الأكثر تضرراً.يتحدث حواط عن مدى انتشار التعاطي في قرى بعلبك، ويُرجح أسباب هذه الزيادة إلى «تكدّس مواد المخدرات، فالبضاعة تراكمت بكميات كبيرة ويمكن الحصول عليها بسعر متدنّّ جداً، بحيث إن تجار المخدرات لم يستطيعوا تصديرها جميعها إلى الخارج كما كان يحدث في السنوات السابقة». يتابع حوّاط «منذ ثلاث سنوات الدولة غير قادرة على تلف المخدرات في البقاع، وعندما نسأل عن الموضوع نكون أمام ثلاث حجج: حرب تموز، أحداث نهر البارد، وأحداث 7 أيار وما تبعها من تطورات». أدّى ذلك إلى تراكم المواد، وبات بإمكان أي شخص في مناطق غرب بعلبك الحصول على المخدرات وتعاطيها.جهات أخرى، تؤكّد تفاقم انتشار تعاطي المخدرات في قرى غرب بعلبك، ومصادر أمنية تؤكّد أنّ أعداد الموقوفين في تلك المناطق بين عامي 2008 و2010 قليل جداً، «فيما أعداد المطلوبين في جرائم تعاطي المخدرات والتجارة أكثر بكثير».الأب مروان غانم المرشد العام للسجون في لبنان، وصاحب مركز «علية ابن الإنسان» في البقاع لمعالجة مدمني المخدرات، يؤكّد «أن القرى البقاعية انتشرت فيها حالة الإدمان انتشاراً لافتاً، ولا يمكن استبعاد إلا عدد قليل جداً منها من دائرة تعاطي أبنائها للمخدرات»، وإن اختلفت نسب المدمنين بين قرية وأخرى، عازياً ذلك إلى «قرب موارد المخدرات من شبابها».مسؤول أمني في البقاع لم ينف أن تعاطي المخدرات بأنواعها، يتفشى تفشّياً واسعاً في العديد من قرى وبلدات المحافظة، سواء في غرب بعلبك أو شرقها، إلا أنه «لا يمكن الخروج بنسبة مئوية إحصائية دقيقة لحالات الإدمان». يتركز الإدمان كما يشير المسؤول المتابع على فئات عمرية تبدأ من سن الثامنة عشرة وما فوق، فضلاً عن حالات «ما زالت قليلة لقاصرين لم تتجاوز أعمارهم السادسة عشرة»، وهو ما اعتبره إشارةً خطيرة يُعمَل على مواجهتها بالسرعة اللازمة، من خلال التضييق وإلقاء القبض على سائر المروّجين وكبار التجار، وحتى المدمنين.
لكن ماذا يفعل الأهل تجاه هذه المشكلة؟ إزاء خطورة ارتفاع نسبة الإدمان والنتائج الجرمية التي ترشح عنها، بادر «عدد قليل» من الأهل إلى اتخاذ خطوات «جريئة وشجاعة» في الإبلاغ عن أبنائهم، وتقديم شكاوى بحقهم، كما يؤكد أكثر من مسؤول أمني، وذلك لتوافر القناعة لدى الأهل بأنها الطريق الوحيدة لمعالجتهم. حسن، الرجل الخمسيني القاطن في إحدى قرى غرب بعلبك، كان من بين هؤلاء، ولم يكن يتوقع يوماً أنه سيكتشف ذات يوم أن ابنه البالغ من العمر ثمانية عشر عاماً مدمن على المخدرات وبأنواعها المختلفة من هيرويين وكوكايين وحتى حشيشة كيف. الوالد يدرك أن مشكلة تعاطي ولده المخدرات لا يمكن السكوت والتغاضي عنها، ولديه من الجرأة ما يكفي للكشف أمام الجميع عن ذلك، بالنظر إلى خطورة المشكلة والمتمثلة بالضرر الجسدي الكبير من جهة، «وللمنحى الجرمي» الذي من الممكن أن يسلكه ابنه فيما لو بقي مدمناً من جهة ثانية. كل ذلك دفع الأب إلى اتخاذ «الخيار الصعب»، وهو تقديم شكوى بحق ابنه لدى القوى الأمنية بجرم تعاطي المخدرات، وقد اعتبر حسن أن الخطوة التي أقدم عليها «لا مفر منها إذا كان بدي حافظ على ولدي»، وذلك لقناعته بأن الإدمان سيكون «المدخل الطبيعي لعمليات جرمية أكبر، بدءاً من سرقة أموالي وأموال إخوته وصولاً لسرقة أرزاق الناس». الوالد الذي يعتبر نفسه «مش مقصر» بحق أولاده من مدارس ومصروف وسيارة، يعترف بأن غياب عامل الرقابة الفعلية على ابنه هو الذي أوصل الأمور إلى هنا، موضحاً أنه اكتشف تعاطي ابنه المخدرات منذ فترة وجيزة بعدما لاحظ «نحول جسمه وعصبيته المفرطة في بعض الأحيان». وأضاف أن أصل حكاية الإدمان عند ولده تعود إلى أصدقائه في البلدة الذين عرضوا عليه بداية سيجارة حشيشة «مجاناً»، ومن ثم «حبوباً يجهل اسمها»، لتتطور الأمور باتجاه الهيرويين والكوكايين.ما زالت شريحة واسعة من الأهل في مناطق غرب بعلبك تخاف على أبنائها «من الجرصة»، وتفضّل التكتّم على الموضوع. يؤكّد حوّاط هذه الحالة ويأسف لعدم إمكانية نشر برامج التوعية والتدريب عن مخاطر المخدرات في قرى البقاع، ويرجع السبب «إلى إهمال تلك المناطق لبرامج التوعية، حاولنا مراراً التواصل مع البلديات والمسؤولين عن تلك المناطق لنشر برامج التوعية ولكن لم يلق الأمر القبول، مع أن برامجنا ونشاطاتنا تشمل معظم المناطق الللبنانية باستثناء تلك المناطق».يحصل البقاعيون على المخدرات بكثافة وبأسعار زهيدة، وذلك لأنّ البائعين يقدمون نوعية سيّئة منها فيخلطونها مع الطبشور أو عظام البقر أو الأسبرين وغيرها. ويختلف الحال مع الأشخاص الذين يتعاطون المخدرات في بيروت عن أولئك المتعاطين في قرى البقاع بحسب حواط «يتناول المتعاطي في بيروت إضافة إلى المخدرات، الكحول والحبوب المهلوسة، وأدوية السعال، بينما في البقاع المتعاطي يحافظ على النوعية بتعاطيه الحشيشة فقط إضافة إلى قليل من أنواع المخدرات الأخرى».وعن الأسباب التي تدفع إلى تعاطي المخدرات في قرى غرب بعلبك تأتي فكرة «التوريط»، في الدرجة الأولى من المسببات. يشرح الأب غانم الفكرة «الشباب يقدم على توريط بعضه بعضاً في السهرات والاجتماعات التي تجمعهم بعضهم مع بعض، ولأسباب مختلفة»، موضحاً أن ثمة طرقاً عديدة يُلجأ إليها ومنها أن مدمن المخدرات الذي تعثرت أموره المادية، يسعى لأن يحتك بشاب آخر غير مدمن، فيقدم له المادة المخدرة أولاً وبصورة مجانية بغية توريطه ودفعه لاحقاً لشراء المخدرات لكليهما. ومن الطرق أيضاً سهرات الكيف «النرجيلة والحشيشة»، فضلاً عن «عنفوان الشباب» لدى رؤيته إحدى الصبايا تتعاطى المخدرات فيما هو لا يجرؤ على ذلك.الإدمان على المخدرات عند الشباب لم يعد تأثيره يقتصر على المدمن فقط، بل تطور الأمر ليمثّل «دافعاً لسلوك أعمال جرمية بحق الغير»، كما بات معلوماً عند بعض الأهالي في قرى غرب بعلبك، وخاصة لجهة كيفية تأمين بعض متعاطي المخدرات في ظل الأوضاع الاقتصادية والمالية الرديئة التي تحكم بيئتهم، وبالتالي فإن ذلك يمثّل الدافع لدى بعض المدمنين على سلوك حالات جرمية في مقدمها السرقة.
مخدرات للميسورين وأخرى للفقراءصدرت أخيراً دراسة عن الحشيشة، تبيّن أنّ هذه المادة على قدر من الخطورة لا يُستهان بها، حيث يبقى تأثيرها في جسد المتعاطي لمدة 30 يوماً، بينما الهرويين يبقى تأثيره لمدة 3 أيام. ويؤكّد حواط إقبال متعاطي المخدرات في البقاع على مادة الحشيشة بكثافة. والمخدرات التي يتم تعاطيها عدة أنواع، تبدأ من الحشيشة وتمر بالكوكايين والحبوب المخدرة وصولاً للهيرويين، الذي يعتبر من أكثر المواد الممنوعة خطراً، نظراً إلى سعره الزهيد الذي يتراوح بين عشرة آلاف ليرة وعشرين ألفاً للغرام الواحد. والسبب في ذلك بحسب أحد المروجين في قرى غرب بعلبك، يعود إلى حالة الشباب المادية الرديئة، يقول: «الهيرويين يُستقدم من دول عربية فقيرة كأفغانستان وباكستان، وهو يختلف عن الكوكايين المرتفع السعر الذي يتراوح سعره بين 30$ و100$ للغرام، والذي يستورد من كولومبيا أو فنزويلا، فيتعاطاه البرجوازيون والميسورون من الشباب». أمّا سيجارة الحشيشة فلا يتعدى سعرها العشرة آلاف ليرة، ويعتبرها كثيرون «عبارة عن مادة للضيافة»، تقدّم مع مواد مخدرّة آخرى.
عاد الرفيق كريم مروة يدعو إلى إنهاض اليسار في «العالم العربي» بعد رحلة «نقدية» طويلة، بدا فيها كأنه ينقلب على أصوله، وهو المدمج في تاريخ الحزب الشيوعي اللبناني لكأنهما واحد. وفي هذه الرحلة «النقدية» الطويلة شدد «النقد» على الماركسية إلى حدّ الدعوة إلى تجاوز ماركس، وعلى التجربة الاشتراكية إلى حدّ الدعوة إلى محاكمة لينين. وكان مفصل النقد، ككل الموجة التي سادت منذ انهيار المنظومة الاشتراكية، هو الديموقراطية. والسؤال الذي يفرض ذاته ونحن نتلمّس عنوان كتابه الجديد: نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي (إصدار دار الساقي)، هو، ما اليسار الذي يقصده صديقنا كريم؟ يبدو من كل ما أورده كريم أن اليساري اليوم هو من ينطلق من طبيعة مهمّات المرحلة التالية لانهيار التجربة الاشتراكية، والرامية إلى إحداث «التغيير الديموقراطي». وهو «الاشتراكي»، وانطلاقاً من «منهج ماركس المادي الجدلي»، يدعو «كمهمة لها الأولوية القصوى، إلى بناء الدولة الحديثة»، «وهي الدولة الديموقراطية بالمعنى الحديث والمتطور للديموقراطية»، «دولة الحق والقانون». لكن كريم، على عكس ما يفرض منهج ماركس المادي الجدلي، لا يشير إلى معنى الدولة الحديثة، ويتبنى «الحق والقانون» دون أن يتساءل عن ماهيتهما كما فعل ماركس حين نقد «فلسفة الحق عند هيغل». وهو ينطلق من أن التغيير الديموقراطي يفرض شن هجوم على التغيير الثوري، والعنف، والثورة. وبالتالي، سيبدو أنه اتكاءً على «مهمات المرحلة» ومنهج ماركس، وعلى ضوء انهيار الاشتراكية، يعود من ماركس إلى ما قبل هيغل بدل أن يتقدم إلى الأمام استفادةً من التجربة الاشتراكية، وفهماً لطبيعة المهمات التي يطرحها العصر.
هل هذا يسار؟ سنلمس أن ما هو مطروح هو «الشعارات» العامة التي جاءت بها أفكار النهضة الأوروبية قبل كل التحوّل الكبير الذي تحقّق بانتصار الرأسمالية، من حيث عموميتها، ومن حيث تجردها من الأساس الطبقي. فأيّ دولة؟ وأيّ حق؟ وأيّ قانون؟ ربما كانت هذه الأفكار صحيحة حينها لكونها كانت تتأسس في تضادّ مع فكر القرون الوسطى، الذي لم يكن يعرف الحق والقانون، وكانت الدولة هي الفرد الحاكم، لكنها أصبحت جزءاً من التشكيل الجديد، وبالتالي تموضعت طبقياً، فأصبحت المساواة التي رفعتها الثورة الفرنسية تعني المساواة أمام القانون، الذي هو قانون الرأسمالية المنتصرة، والذي يقرّ باللامساواة في الملكية، ويشرّع الاستغلال. وأصبحت الدولة التي هي «فوق الطبقات»، كما ينطلق كريم في هذا الوقت من القرن الواحد والعشرين، هي دولة الرأسمالية في مواجهة العمال. وتحوّلت العدالة إلى تفارق طبقي هائل، وتحدَّدت في حق الحصول على الأجر فقط. وكانت مهمة ماركس هي كشف هذه العمومية التي تسم هذه المفاهيم، وتحديدها طبقياً، وهو ما أقام عليه تصوره انطلاقاً من الجدل المادي، الذي تحددت ماديته من كونه قد انطلق من الاقتصاد والطبقات لا من الأوهام الأيديولوجية مثل «دولة الحق والقانون»، و«الدولة الديموقراطية». فقد فسّر هذه الأفكار انطلاقاً من الأساس المادي الذي أوجدها، ولماذا أصبحت شعار الرأسمالية؟ وكيف كانت تغطي على التمايز الهائل في توزيع الثروة؟ وبالتالي ليوضح الطابع الطبقي للدولة، والقانون والحق. ويؤسّس على ضوء ذلك رؤية مختلفة، تنطلق مما هو اقتصادي وطبقي، وتؤسس لرؤية تمثّل الطبقة العاملة. هنا كريم، وباسم منهج ماركس، يعود إلى ما قبل ماركس، إلى الأفكار العامة التي نتجت من عصر الأنوار، قبل أن تصبح جزءاً من التكوين المجتمعي، والوعي الاجتماعي، أي قبل أن تتموضع ويتحدّد معناها في سياق صراع الطبقات. وإذا كان يدعو إلى الانطلاق من العصر، نجده يستحضر أفكاراً تبلورت قبل ثلاثة قرون، ويعتقد بأنها تمثّل أساس نهضة اليسار في القرن الواحد والعشرين. وقد يكون وضعنا هو الذي يفرض البحث عن الحق والقانون والدولة، حيث ما زالت تسكن فينا، وفي الواقع، بقايا القرون الوسطى، التي هي الأساس الذي ينتج هذه الأوهام، وبهذا الشكل. لكن حاجتنا إلى الدولة والحق والقانون تفرض أولاً، أن لا يظل المنطق الذي يحكمنا هو منطق القرن الثامن عشر، بل أن ننطلق من منهج ماركس الذي يبدأ من الاقتصاد والطبقات، وبالتالي تفسير استمرار القرون الوسطى في الواقع، وعدم تحقّق الحداثة التي انتصرت في أوروبا، والتي تشمل الحق والقانون والديموقراطية والعلمانية...، انطلاقاً من هذا المنهج. وملاحظة أن انتصار كل ذلك في أوروبا تحقق بعد التحوّل الكبير الذي تحقّق في البنية الاقتصادية مع نشوء الصناعة. ومن ثم الإجابة عن سؤال لماذا لم تنجح كل محاولات التطوّر عندنا؟ وهل كان ذلك نتيجة تخلّف الوعي وعدم التمسك بالدولة والحق والقانون؟ إن ما يطرحه كريم (وأكثر منه) كان أساس مشروع النهضة العربية، الذي لاقى الفشل، فلماذا لم يتحقق؟ إن الانطلاق من الأفكار لا يفسّر شيئاً، ولهذا ظل كريم في «الأفكار». واللافت هو أنه بات يعدّ المفاهيم الليبرالية هي اليسار، وبات يطرح مهمات لا تخرج عن أيّ تصور ليبرالي، ويميل إلى التكيف مع المنطق العام الذي تفرضه الرأسمالية، كل ذلك باسم اليسار. وكلنا نريد «دولة الحق والقانون»، و«الدولة الحديثة»، لكنّ المسألة تتعلق بتحديد السياق الذي يمكن أن يتحقق فيه ذلك. وهل يمكن أن يتحقّق دون تحقيق التطور الاقتصادي؟ وهل يمكن تحقيق كل ذلك في إطار رأسمالي، أم أن وضع القرن العشرين، ثم القرن الواحد والعشرين يفرض أن تُطرح في سياق مختلف؟ الصديق كريم يهرب من الطبقات والتحديد الطبقي، ليتحدث عن «القاعدة الاجتماعية لمشروع التغيير» لكونها قد «توسّعت، وهي تتوسّع باستمرار، لتشمل أوساطاً جديدة»، وهي أوسع من الطبقة العاملة، كما يشير. لكن هذا الأوسع كان منذ زمن بعيد، حيث إن الوضع في بلداننا كان، وما زال، يفرض تحالفاً واسعاً، فما الجديد الذي يأتي به سوى تمييع اليسار، أي تمييع أفكار اليسار لكي تتحوّل إلى ليبرالية؟ الصديق كريم، لا شك في أن رؤية الحركة الشيوعية كانت خاطئة، ولا شك في أن التجربة الاشتراكية قد انهارت، لكن ليس البديل هو الليبرالية القديمة، ليبرالية الأفكار العمومية. وليس البديل هو تكرار المواقف ذاتها تحت مسميات رؤية جديدة ويسار جديد. هل تعتقد بأن الحركة الشيوعية كانت تهدف إلى تحقيق الاشتراكية في بلداننا؟ ألم يكن هدفها الأساس هو «الحكم الوطني الديموقراطي»، الذي بتّ تسمّيه «الدولة الحديثة»؟ ألم تقبل الدولة الصهيونية ورفضت العنف، وتحدثت عن التضامن العربي، وأسست على ضرورة انتصار البورجوازية؟ ماذا تضيف إذاً؟ باستثناء، ربما، التكيف مع الرأسمالية الراهنة بدل الموقف الشيوعي القديم ضد «الإمبريالية ومشاريعها». لسوء الحظ، ما زال منهج ماركس بعيداً عن الفهم، وطموح التطور ما زال ملتبساً، ودور العمال ما زال مجهولاً. كما لا نزال ندور في فلك الرأسمالية، ولم نلحظ أنها باتت هي الواقع القائم، وأن كل الأزمات القائمة هي نتاجها، وبالتالي أن التطور يفرض تجاوزها. ومن المؤسف أن كريم مروة ينظّر مساره السابق في الإطار الليبرالي، لكن يمكن القول بأن الوعي «الماركسي» الذي تشبّعه، كما كثير من الشيوعيين، يوصل فقط إلى أفكار القرن الثامن عشر، لكن تلك «الماركسية» كانت صورية، لوّنت المنطق الصوري أكثر مما كانت تجاوزاً له. وهذا ما نلمسه في كتاب «نحو نهضة جديدة لليسار في العالم العربي».
سلامة كيلة