المخيّلة المريضة

خالد صاغية لم تكن المسألة يوماً ملهاةً، لكنّها بدأت تتكرّر بأشكال أكثر مأسويّة. حيثما تجد تحرّكاً نقابياً أو مطلبياً، تجد في مواجهته رجلاً منحدراً من تجربة يساريّة يحتلّ اليوم موقعاً في السلطة أو في حواشيها وحاشيتها. توكَل دائماً إلى رجل كهذا مهمّة قمع هذا التحرّك أو إجهاضه بأيّ طريقة. فالآتون من تجارب يساريّة يفهمون آليات العمل النقابي، وهم بالتالي أدرى بكيفيّة تفكيكها. وغالباً ما يفعلون ذلك بأثمان بخسة لا ترتقي بالضرورة إلى نيل رتبة «وزير». هذا بالضبط ما يحصل مع رابطة الأساتذة التي تكاد تكون آخر النقابات في لبنان. وهي، كنقابة موحّدة، تمثّل الاستثناء الذي يثبت قاعدة تآمر الأطراف السياسية كافة على العمل النقابي في لبنان خلال فترة «السلم الأهلي»، وذلك إفساحاً في المجال أمام مشاريع النهب المنظّم التي سمّيت زوراً «إعادة إعمار». وهذا ما يفسّر استشراس رئيس الحكومة ووزيره الأمين في رفض مطالب الأساتذة. بدأ الأمر بعجرفة لا مثيل لها حين أعلن رئيس الحكومة أنّه كـ«فلان ابن فلان» لن يقبل بلقاء الأساتذة. ولمساعدته على عدم النزول من برجه العاجي، حاولت المخيّلة المريضة للفريق الحاكم ابتكار البدعة تلو الأخرى من أجل إفشال تحرّك الأساتذة. ولم يتورّع بعض الصبية الذين لا يعرفون معنى أن تكون وزيراً أو مسؤولاً في الدولة، عن التباحث على طاولة مجلس الوزراء في السبل الممكنة لتفتيت رابطة الأساتذة. وبدأ كلّ منهم يستعرض عضلاته: «نحن نسحب جماعتنا»... و«نحن نطلب من رفاقنا»... ثمّ تلت ذلك زيارات لوفود «وهميّة» من الأساتذة والأهالي، أمّت كلّها مبنى وزارة التربية كي تتضامن... ضدّ نفسها. وكاد وزير التربية يضطر نزولاً عند رغبة الجماهير إلى فصل كلّ الأساتذة المعترضين، لو لم تراوده فكرة أكثر ديموقراطيةً: إذا كان الأساتذة لن يصحّحوا الامتحانات، فلنلغِ الامتحانات ونوزّع إفادات نجاح على الطلاب. وربّما يقترح الوزير لاحقاً إلغاء المدارس من أصلها ما دامت تسبّب له ولـ«فلان ابن فلان» وجع الرأس. أخيراً، تراجع رئيس الحكومة، فتنازل ووافق على مقابلة وفد من الأساتذة اليوم. يا لروعة التواضع. فها هو دولته، بين سَفرة وأخرى، يجد وقتاً كي يسهر على شؤون الرعيّة.

عدد الثلاثاء ٢٢ حزيران ٢٠١٠ |
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة