في ندوة نظمها اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني وزير الاتصالات شربل نحاس: الموازنة ولأول مرة منذ السبعينات ستكون شاملة

*ما يعانيه اللبنانيون اليوم في السياسة الاقتصادية والمالية المتبعة هو آثار خلل النظام منذ الحرب الاهلية

 * انها حلقة مترابطة: دفق اموال المغتربين يغذي الهجرة، والهجرة تغذي دفق الاموال.

*المؤسسات تحكمها مليشيات الحرب لأداء دورين: توزيعي وخدماتي، ما يضرب الخدمة العامة ويوجّه المواطنين نحو البدائل

 زيتوني:

السلطة تعيد انتاج نفسها لتحفظ بقائها وهيمنتها الطبقية

نظم اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني لقاءاً مع وزير الاتصالات الدكتور شربل نحاس في مسرح المدينة، بمشاركة عدد الخبراء الاقتصاديين وفاعليات في المجتمع المدني وممثلين عن القوى الحزبية والنقابية، وحشد من المهتمين.

وقال مدير الندوة عضو المجلس الوطني في اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني حسان زيتوني "لغة الارقام عادة ما تكون أبعد اللغات عن اهتمام المواطنين وفهمهم، وهي الوسيلة التي تستغلها السلطة لتمرير افكارها مشاريعاً، مكرسة بذلك نهجاً يعيد انتاجها ويحفظ بقائها وهيمنتها الطبقية، والارقام لا تعيش بتفلت عن الفكر والسياسة لا بل هي الحاملة والمحمولة في آن، فالاقتصاد هو البناء التحتي للمجتمعات، وهو المحدد بالسياسة، يَظهر وبالأرقام يُظهِر وينفَّذ. فالاقتصاد منحاز بالضرورة والسياسة لا بد ان تخدم اقتصاد ما. وغالباً ما يكون الاقتصادي بخدمة الاثنين معاً، اي الرؤية الاقتصادية، والسياسة الملائمة لها، وقد يكون بخدمة رجل السياسة أيضاً، موظفاً، مزوِّراً، مهللاً، مبجلاً...".

وتابع "ظنوا أنه كذلك، سموه تكنوقراطياً، اعتقدوا أنه سرعان ما سيسقط في اللعبة الملوثة، لكنه وقف كالحجرة العاثرة في طريق سرقاتهم، خافوه في الاقتصاد والمالية، فخرج لهم في الاتصالات، لم لا؟ وهو الاقتصادي المنحاز لقضايا الناس، الخارج من همومهم ومعاناتهم. اليوم الموازنة لن تمر مرور الكرام كما تعودنا في السنوات الماضية ، لن تمر موازنة الصناديق والضرائب المضافة على القيمة المضافة، لن تمر موازنة النفقات غير المنظورة. هذه الموازنة ستواجه خبيراً بلغة الارقام، شفافاً في طرح المسائل، مشاكساً حتى مع الاصدقاء".

نحاس: من الشهابية الى الحرب

وكانت كلمة الوزير نحاس الذي قال "لقد شهد لبنان تطورات هائلة في الستينات وسبعينيات القرن الماضي، فقد نزحت الرساميل العربية الى لبنان مستفيدة من السرية المصرفية، وتسارعت الهجرة الداخلية من الريف الى المدينة، وكان توسع سريع في التعليم بمختلف مستوياته  وتأمين الطرقات والكهرباء والمياه، وبداية تكثف الاقتصاد لناحية نشوء انشطة مختلفة وجديدة في تصنيع عدد من الخدمات التي كانت تشكل نسبة كبيرة من الصادرات كسلع وخدمات. وفي أوائل السبعينات، بدء هذا البنيان يشهد تسارع في تكثيفه الداخلي، وحراك سياسي يواكب موجات متسارعة من النزوح، وارتفعت نسبة الصراع الاجتماعي مع مرحلة نهوض المقاومة الفلسطينية وانتقال جزء من نشاطها الى لبنان، أما السلطة الفعلية التي كانت ممسكة بالبلد فلم تستطع مواكبة هذه التطورات، فالبنيان الداخلي الذي يسمى بالمرحلة الشهابية بدء من نهاية الستينات ينفرط عقده، والقوى الاكثر انتشارا وتنظيما والتي كانت مكون اساسي لسلطة الدولة بدأت تنفك عن السلطة وهي خصوصا حزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي، فشهدت بنية السلطة تخلخلاً كبير جدا، ولم تستطع مجاراة التغيرات في المطالب الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، ما ساهم في خلق جو من ارتباك شهد حدة متصاعدة من الصراع، الى أن تم تأريخ الحرب في العام 1975 التي استمرت حتى التسعين، وها نحن حتى اليوم نحمل آثار فشل السلطة في ادارة التحديات المحيطة والداخلية منذ ذلك الحين".

وشرح الوزير نحاس "بداية من غيرال معقول ان تدوم حرب 15 سنة، لأنها مكلفة، ولأن الناس تفقد جزء اساسي من مداخيلها، فكان لا بد من تأمين مصادر دخل بديلة للناس للاستمرار، وتغذية الآلة الحربية في آن، وهكذا تزامنت الحرب مع ظاهرة مهمة وهي القفزة النوعية التي شهدتها اسعار النفط في الفترة نفسها".

وتابع "فالفوائض النفطية وصلت الى ارقام غير مسبوقة، في حين هاجر عدد كبير من اللبنانيين بفعل بداية الحرب الى الخارج، وبين تحويلات اللبنانيين وبين المال السياسي الذي جزء اساسي منه نفطي تأمنت المستلزمات المادية لاستمرار الحرب. وخلال هذه الفترة، البنية الاساسية للدولة انهارت في أواسط الثمانينات واهم مؤشر لذلك انهيار العملة الوطنية، وهو يعني عملية تحويل هائلة للثروة التي لا تزال اثارها قائمة حتى اليوم بين الشرائح والطبقات الاجتماعية، فليس فقط أصحاب المدخرات خسروا أموالهم والمستدينين استفادوا من فقدان قيمة ديونهم، وانما اضافة الى ذلك انخفضت الاسعار في الداخل ومن كان لديه مداخيل في الخارج اصبح لديه قدرة شرائية عالية، فتغيرت البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، كما ان الدخل المبني على الاجر وخاصة في الدولة تم ضربه، وكذلك حل الدولار (وهو عملة غالبية المنطقة المحيطة بلبنان) محل الليرة، والتحق لبنان بهذه المنظومة النقدية، وهكذا  تغيرت معالم توزع الثروة وبنية المداخيل نهائيا، وما الايجارات القديمة وغيرها من الظواهر القائمة حالياً الا رواسب هذه المرحلة".

وأضاف الوزير نحاس "وخلال هذه المرحلة انتقل الصراع الى مرحلة انزواء أجزاء جغرافية واجتماعية من السكان ضمن اطر ومناطق المليشيات التي لم تكن تمتلك مشاريع لتغيير الدولة، وتأسست هذه الوضعية، وبدات المليشيات هذه تؤسس لتعاون وترابط فيما بينها وجباية ايرادات وغيرها... وهذه المرحلة كانت تعيش من التحويلات من الخارج أي من المهاجرين وخاصة الشباب".

من الطائف الى اليوم

وقال نحاس "جاءت مرحلة الطائف، التي شهدت قبلها انهيار لليرة وبعدها انهيار آخر، ما ادى الى  تشكيل ضربة اضافية لما تبقى من البنية التقليدية لتوزع الثروة والدخل لصالح المداخيل الخارجية والمداخيل النقدية، واستمرت مرحلة ما بعد الطائف لتقيم نظام مؤسس وفق الوضع الذي كان قائماً في نهاية الثمانينات، فأقامت تآلف منظم بين الكيانات التي هي ما دون الدولة، وكانت المقايضة بين سلطات محلية قليلة الفاعلية هي التالية: ان ما يخسره الكيان السياسي ما دون الدولة من سلطة على موقعه، يحصِّل بدل منه شرعية أعلى في المشاركة في الدولة، وموقع في توزيع الدفق الخارجي من الاموال. هذا البنيان الذي نشأ في الثمانيات وأخذ شكله المؤسسي في بداية التسعينات بدأ يتطور الى اليوم وهو قائم على ما يلي: مخزون من الهجرة الذي يحول الى لبنان أموالاً، وآليات مركزية من الداخل تتولى توزيع هذه الاموال من خلال قنوات توزيع وهي قنوات عائلية مرتبطة مباشرة بالطوائف، التي تثبت قدرتها على الاستمرار في التوزيع عبر وظائف ومواقع مركزية في الدولة. وهنا أصبحت كل أجهزة الدولة لها دورين: التوزيع، والثاني تأدية خدمات، ما جعل الخدمة الاساسية ذات مستوى متدني ويستعاض عنها كما في الثمانيات بحلول رديفة من الجامعات الخاصة ومولدات الكهرباء والالتصالات غير الشرعية...

وبالمحصلة، اصبح هنالك مخزون كبير من الهجرة في تزايد، في مقابل مخزون موجودات مالية يتراكم كذلك، وكلا العنصرين دفق وتراكم، اذ ترتفع الودائع ومعها الهجرة، والرابط بينهما هو: تحويلات من  المهاجرين لاموال غير ناتجة عن انتاج محلي، يكون مصيرها اما التوظيف في الخارج أو أن تتحول من رساميل وافدة الى ما يظنه الناس دخلاً اضافياً ويستخدم للاستهلاك، وهنا يزيد حجم الاستيراد، ولكن يوجد اشياء غير قادرة للاستيراد مثل البناء والمطاعم وهنا يزداد عليها الطلب ما يرفع سعرها، وبالنتيجة الاسعار الداخلية ترتفع والاقتصاد يصبح مركزا على هذه الانشطة البسيطة فترتفع كلفة المعيشة، ويتم الاعتماد على اليد العاملة الاجنبية فتتقلص فرص العمل للبنانيين نسبة الى كلفة معيشتهم، وبالتالي فإن دفق هذه الاموال يغذي الهجرة، والهجرة تغذي دفق الاموال".

وأضاف الوزير نحاس "هذا النمط غير بسيط وادارته ليست بسيطة، "فليست هينة" ان نحول هذه الاموال الى ما يشعر الناس الى انه دخل متاح لهم، فالتحويل يتم عبر المصارف التي تقرض الاموال للدولة والاخيرة تنفقها أجور وتعويضات على الناس، وبالتالي من يقبض هذه الاموال يقتنع انه دخل فيذهب الى استهلاكه. من جهة أخرى، يتم شراء موجودات ثابتة بهذه الاموال اي العقارات، أو تقوم المصارف باقراض هذه الأموال للمؤسسات او لتمويل الاستهلاك، وبالتالي تضخ طلب اضافي في السوق، وننتهي بنتيجة عجائبية، فمن يضع الاموال في المصارف يظنها ثروة ولكن المبلغ ذاته يكون قد استخدم للاستهلاك، فهي بالوقت ذاته استهلكت ولا تزال موجودة! هذه العملية ادارتها صعبة، وتمر بحلقة مالية لضمان عدم الارتباك وأخرى تتعلق بضبط الايقاع السياسي، بحيث تتوزع الحصص بشكل متوازي بين الاطراف المسيطرة.

وفي تطور أداء هذه العملية أو هذا النظام الذي يشارك جميع اللبنانيين فيه، يتناقص عبر السنوات المردود الفعلي لهذه التحويلات، وهذا ما حدث منذ العام 1995 اذ استمرت هذه العملية حتى العام 1997، ففي هذا العام بدأت العلاقات السياسية في الداخل تتوتر، وبقيت الوضعية متشنجة حتى الـ 2001، حينها خفت الحركة وانخفض الاستتراد وحل الجمود العقاري وغيره، وفي 2002 كان مؤتمر باريس 2 ما جدد استمرارية النظام حتى العام 2005، حيث وعلى فداحة الاحداث الامنية، عاد سعر النفط وقفز وتضاعف حجم التدفقات الى لبنان وشهدنا خلال السنوات الماضية تجدد لهذا النمط الوظيفي ولكن مع قفزة نوعية صعودا، بحيث عادت السيولة وارتفعت الاسعار الداخلية وخاصة اسعار العقارات واصبح هناك ضرورة اعادة ضخ تمويل توزيعي بحيث عاد التوسع في القروض الداخلية، وعدنا لنعيش ما عشناه في مطلع التسعينات".

موضوع الموازنة

وأضاف نحاس "إن الموازنة، هي نقطة التقاطع بين الاعتبار المالي والسياسي، واهمية الموازنة تكمن، في انه حين تكون منظومة مؤسسية وهي الدولة في هذا الظرف، حين يكون هناك قبول انه يوجد تعطل اصاب آلية الاداء التابع للمؤسسة، فهنا لا بد من مواجهة ما". ولفت الى أن "الموازنة، تقوم على ادارة تدفق الاموال وفق سياسة الفوائد والنظام المصرفي، ومن جهة ثانية ضبط قنوات التوزيع"، مشيراً الى أنه حين "نقول ان الموازنة يجب ان تكون شاملة فهذا الحديث يطاول مباشرة شروط اداء هذا النظام، اتمنى ان تتثبت هذه القرارات في المستقبل، إذ ان موازنة 2010 ولأول مرة من السبعينات تكون شاملة، فاليوم في لبنان الجميع مقتنع انه يوجد انفاق من خارج موازنة وهبات ذات حسابات خاصة وغيرها، هذا الامر ترسخ في الاعراف وتسلل حتى الى النصوص، وبالتالي تم اقرار انه لا انفاق من خارج الموازنة، وبالتالي فإن الوزراء سيناقشون على طاولتهم من الآن فصاعداًخيارات اقتصادية واجتماعية، وكذلك الامر على مستوى مجلس النواب او غيره. والقرار الاخر انه في العام 2011 وبعد اقرار شمولية الموازنة، سينطلق النقاش من انه يوجد فائق في التمويل وضعف في قدرة اتخاذ القرارات وبالتالي سيتم وضع قواعد ليس فقط في تقاسم المغانم وانما كذلك التكاليف، لأن الدين هو ترجمة مباشرة لعجز أداء الدولة".

وتبع اللقاء نقاش مع الحاضرين.

إتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني 

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة