خالد صاغية من النادر أن يعثر المرء على وزير دفاع يتمتّع بحسّ فكاهة. لكنّ الولايات المتحدة الأميركية تملك واحداً من هؤلاء. فلمناسبة سحب عدد من الجنود الأميركيين من العراق، علّق روبرت غيتس قائلاً: «إنّ مشكلة الحرب بالنسبة إلى الأميركيّين تكمن في أنّ الأسباب التي قُدِّمت لتبريرها لم تكن صالحة»، أي إنّ الحرب خيضت بحجّة أسلحة دمار شامل، تبيّن أنّها غير موجودة. لكنّ ذلك لم يمنع السيّد غيتس من التوصّل إلى خلاصة مفادها أنّه بالرغم من هذا التضليل في البداية، فإنّ «النتيجة جيّدة من وجهة النظر الأميركيّة». إذا وضعنا الفكاهة جانباً، فمن الصعب الاستنتاج كيف وصل وزير الدفاع الأميركي إلى هذه النتيجة «الجيّدة». فالأرقام المتوافرة تشير إلى 4400 قتيل أميركي، أكثر من 35000 جريح، وما يفوق 700 مليار دولار حُرِم المواطن الأميركيّ منها كي تستخدمها حكوماته لتمويل حربها في العراق. علماً بأنّ رقم المليارات المتداول هذا متواضع قياساً لحسابات قام بها اقتصاديّون ضمّنوا نفقات الحرب مليارات إضافيّة من التكاليف غير المباشرة. فلنضع الأرقام جانباً، إذ يمكن وزير الدفاع أن يعتبر كلّ ذلك عَرضياً لو كانت الولايات المتحدة الأميركية قد تمكّنت من تعزيز موقع هيمنتها على العالم. لكنّ الوقائع تشير إلى أنّ أحد الدروس العراقيّة المهمّة هو أنّها أظهرت حدود استخدام التفوّق العسكري الأميركي، وإن كانت الإدارة الأميركيّة عازمة على عدم التعلّم من هذا الدرس، فتراها تكرّر الأخطاء نفسها في أفغانستان. لكنّ الأهمّ هو أنّ التعثّر العسكريّ الأميركيّ في القرن الحادي والعشرين لا يشبه التعثّر الذي أصاب الإمبراطوريّة خلال حرب فييتنام. فبخلاف ستّينيّات القرن الماضي، لم تعد الولايات المتحدة تملك تفوّقاً في مجال الإنتاج الاقتصادي، الذي انتقل إلى مناطق أخرى من العالم تتمتّع بيد عاملة رخيصة. وبخلاف بدايات هذا القرن، سقطت أسطورة الاقتصاد المالي، وها هي الإمبراطوريّة تعاني أسوأ أزمة اقتصاديّة منذ عام 1929. الولايات المتحدة الأميركية اليوم هي أمّة تلبس ممّا لا تنسج، وتنفق ممّا تقترض، وتقترع لمن يعدها بإعادة جيشها إلى البيت. هذا لا يعني بالطبع نهاية الإمبراطوريّة، لكنّه يعني أنّ الإمبراطوريّة ليست بخير. أمّا العراق، فحكاية أخرى.
عدد الخميس ٢ أيلول ٢٠١٠محمد بدير
دخلت وسائل الإعلام الإسرائيلية على خط السجال الداخلي اللبناني بشأن القرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، فتنبأت بالتداعيات المحتملة وأهمها نشوء أزمة سياسية وتزايد الدعوات إلى تجريد حزب الله من سلاحه.يأتي الدخول الإعلامي هذا استكمالاً للمواقف التي سبق أن صدرت عن عدد من كبار المسؤولين الإسرائيليين، والتي تمنّي القيادة الإسرائيلية النفس بها، وهذا ما قد يفسر الرغبة الإسرائيلية الدائمة في اقتحام الشأن اللبناني وصب الزيت على نار السجال فيه.وقدمت صحيفة هآرتس أمس قراءة للوضع اللبناني الراهن، في ظل السجال القائم بشأن المحكمة الدولية، فرأت أن الساحة اللبنانية تتجه نحو السخونة في أعقاب الخطاب الأخير للأمين العام لحزب الله، السيد حسن نصر الله، الذي «شن فيه هجوماً عنيفاً على المدعي العام الدولي الذي يتوقع أن يحمّل حزب الله مسؤولية اغتيال» الرئيس رفيق الحريري.ورأت الصحفية أن لدى حزب الله أسباباً جيدة للخشية من القرار الاتهامي الذي سيصدر عن المحكمة الدولية، مشيرة إلى أنه قد يعني وضع نهاية للائتلاف الحكومي بين الحريري وحزب الله وسيجعل من الصعب على الحزب الحفاظ على تحالفه مع «الجنرال المسيحي ميشال عون». وتنبأت هآرتس بأن يواجه لبنان أزمة سياسية حادة، وخصوصاً في ظل ما رأت أنه وضع حرج للحزب على خلفية الانتخابات البلدية الأخيرة التي نجح فيها «بشق الأنفس». واسترسلت الصحيفة في تحليلها لتعقيدات الوضع الداخلي لحزب الله، فرأت أن «المشاكل» التي يواجهها تشمل «الانتقاد المتزايد في الفترة الأخيرة حيال التأثير الكبير للمنظمة الشيعية داخل الدولة وحيال نشاطها العسكري جنوب الليطاني الذي لا يتناقض مع القرار 1701 فحسب، وإنما من شأنه أيضاً أن يورّط لبنان بحرب أخرى مع إسرائيل رغم أن جراح الجولة السابقة قبل أربعة أعوام لم تندمل بعد».ولم تتحرج الصحيفة من حجز مكان لإسرائيل في سياق التضييق الذي يتعرض له حزب الله، فصرحت بأن «الحملة الإعلامية التي تشنها إسرائيل في الأشهر الماضية بدءاً من كشف مخازن السلاح التابعة للحزب في القرى الجنوبية، وصولاً إلى الكشف عن معلومات مفصلة حول مقارّه وخنادقه في بلدة الخيام، تحظى باهتمام كبير في لبنان وتثير القلق من مخططاته».
صدور معلومات بشأن تورط حزب الله سيحرج صداقة جنبلاط وتحالف عونوإذ أقرت الصحيفة بعدم وجود «قوة يمكن أن تمثّل تهديداً على حزب الله في لبنان من الناحية العسكرية»، رسمت ما يمكن وصفه بالخيار البديل من الخيار العسكري في مواجهة الحزب. وفي هذا السياق قالت إن «الزعيم الدرزي، وليد جنبلاط، تحول من عدو إلى حليف للحزب، والجنرال عون يمنحه الغطاء العلني في كل مناسبة، لكن في حال صدور معلومات تتضمن إثباتاً قاطعاً بشأن تورط الحزب في قتل الحريري، فإن هذا الدعم سوف يكون موضع شك، وستحل مكانه الدعوات المتزايدة لتفكيك سلاح الحزب الذي يعتبر الميليشيا المسلحة الأخيرة في الدولة».وتطرقت القناة العاشرة في التلفزيون الإسرائيلي لما سمّته «العاصفة المشتدة» في لبنان على خلفية «الكشف اليومي» عن شبكات تجسس تعمل لحساب إسرائيل «كانت تتنصت تقريباً على كل الشبكة الخلوية والسلكية هناك».وكانت وسائل الإعلام الإسرائيلية قد تجاهلت ما يحدث في لبنان خلال الفترة الماضية، مكتفية بنقل موجز لأخبار كشف العملاء دون إيراد أي تعليق عليها. ورأى محلل الشؤون العربية في القناة، تسفي يحزقيلي، أن الاتهامات الحالية لإسرائيل هذه المرة ليست دون أساس «لأننا حين نشاهد كل التقارير الآتية من لبنان، فإن أي واحد يعرف أن هناك شيئاً ما». ورأى يحزقيلي أنه «ليس صدفة أن يسود صمت في إسرائيل» حيال ما يحصل في لبنان، مضيفاً: «في لبنان يقولون إن هذا الصمت مقصود، فهناك واقع وهناك شهادات، وهناك محاكمات، وهرب عبر الحدود». وفي تحليله لأسباب هذا الصمت الإسرائيلي، رأى يحزقيلي أن ذلك يعود «إما أننا لا نأخذ ما يقال في الصحافة العربية على محمل الجد، أو أن لدينا رقابة قوية».من جهة أخرى، تطرّقت الصحيفة إلى أداء قوات اليونيفيل في لبنان بمناسبة الذكرى الرابعة على عدوان تموز. ورأت أن إجراء تقويم لنشاطات القوات الدولية في هذا التوقيت بالذات قيمة خاصة «لأسباب عديدة، منها المعلومات المتداولة عن الانتشار الواسع لحزب الله، سواء على مستوى المقاتلين أو الوسائل القتالية، في منطقة جنوب الليطاني، إضافة إلى أسباب تتصل بالساحة الفلسطينية، وخاصة بعد المعلومات التي تحدثت عن أن الرئيس الفلسطيني محمود عباس قدم اقتراحاً يدعو إلى نشر قوات من الناتو أو بصيغة اليونيفيل، في المناطق التي سيخليها الجيش الإسرائيلي في الضفة الغربية. هذا الى جانب الحديث المتزايد عن الخروق المتواصلة للقرار 1701».ورأت الصحيفة أن هذا الأمر يفرض التوقف عند نقاط الضعف المتأصلة التي تعانيها قوات اليونيفيل، كي تكون ماثلة أمام صناع القرار في إسرائيل لدى دراسة اقتراح نشر قوة دولية في الضفة الغربية التي قد يخليها الجيش الإسرائيلي ضمن اتفاق دائم مع الفلسطينيين. وإذ رأت أن كلاً من الحكومة اللبنانية واليونيفيل ينفذان القرار 1701 على نحو جزئي جداً من الناحية العملانية، أكدت الصحيفة أن الهدوء النسبي السائد منذ نهاية الحرب في عام 2006 يعود الى توازن الردع القائم بين إسرائيل وحزب الله، لا الى نجاح الحكومة اللبنانية واليونيفيل في تنفيذ القرار الذي كان من المفترض أن يضع الأسس لمنع الانزلاق نحو حرب جديدة.
من «سألوني الناس» إلى «مش كاين هيك تكون»، تحوّل التعاون بين المطربة وابنها إلى مشروع تأليفي وتلحيني متكامل عام 1956، أعطت فيروز الحياة لصبيٍّ عاد وأعطاها حياةً ثانية بعد عاصي. صحيح أن التعاون بين السيّدة والابن الشقي، بدأت قبل رحيل عاصي بسنوات، لكن ديمومة المسيرة باتت رسمياً بيَد زياد بعد 1986. يقال دائماً إن فيروز كانت ليلفها النسيان في الأوساط الشبابية، لولا أعمالها مع ابنها. لكن من قال إنّ فيروز ما كانت لتصل إلى أبناء الجيل الجديد لولا زياد؟ ثانياً من قال إن ما أنجزه زياد مع فيروز لم يصِل إلاّ إلى الشباب؟ فبالأمس كان الناس يشربون الماء. اليوم يشربون الخمر. ما فعله زياد هو أنه حوّل الماء إلى خمر. لكن، لا جيل الأمس يرفض اليوم قليلاً من الخمر، ولا جيل اليوم يستطيع العيش من دون ماء. تقسَمُ فترة التعاون بين فيروز وزياد إلى ثلاث مراحل أساسيّة (نستثني منها الحفلات الحيّة المسَّجلة، في لندن عام 1986 وبيت الدين عام 2000). الأولى تحمل عنوان أغنية. الثانية تحمل عنوان ألبوم. والثالثة تحمل عنوان مشروع كبير.
تعود المرحلة الأولى إلى عام 1973. كان زياد الرحباني قد أنهى امتلاكه الأسرار الضرورية في الموسيقى الشرقية والغربية الكلاسيكية. قدّم على أثر ذلك تقريره الموسيقي الأول لفيروز: «سألوني الناس» (في مسرحية «المحطة» موَجَّهة إلى عاصي الذي غاب عن التحضيرات بسبب المرض). شكّلت هذه الأغنية انطلاقة قوية لِما لحق بها من أعمالٍ لم تتخطاها يوماً. إذ، كيف يمكن تخطي نغمة رشيقة مثل فراشات باخ، وفي الوقت عينه، لا تقاومها أذنٌ شرقية؟ هذه الأغنية هي أجمل ما قدّم زياد لفيروز. هذا رأي كثيرين، ورأي زياد، وفيروز أيضاً. غير أن موسيقى أغنية زياد عموماً، مقسومة إلى نصفَيْن: اللحن والتوزيع. لذا، يجب الإشارة إلى أن قمّة «سألوني الناس» مقصودٌ بها قمّة في التلحين. أما قمّة التوزيع فيصعب تحديدها. لكن يمكن الجزم بأن الألبوم الجديد سينافس «سألوني الناس» في اللحن، وقد يكتسحها وبعض الأعمال القديمة في التوزيع.تلت الأغنية الأساس، في السنة ذاتها، أغنية «قدّيش كان في ناس» التي تحمل مقوِّمات أغنية ذات ملامح عالمية، يمكنها أن تصبح يوماً من الكلاسيكيات. مع الإشارة إلى أنها قد شقت طريقها نحو هذه المرتبة، إذ استعادها في السنوات الأخيرة فنانون نمساويون، مُبدّلين النص العربي بآخر جرمانيٍّ مناسبٍ للحن فعلاً. بعدها لحّن (أو لحّن وكتب) زياد الرحباني العديد من الأغنيات لفيروز. بعضها في المسرحيات، وبعضها للحفلات («نطرونا كتير»، «حبّو بعضن»، «يا جبل الشيخ»...). لكن سنتوقَّف في ما يلي عند الألبومات التي تجمع الثنائي الأسطوري الحيّ. ونصل إذاً إلى المرحلة الثانية، أي «وحدُن» (1979)، الألبوم الذي كلما مرّ عليه الزمن، مِلْنا إلى اعتباره أنجح أسطوانة قدّمها زياد لفيروز. في هذا الألبوم أغنية وحيدة، ستمهّد للمرحلة الثانية (المشروع)، نصاً وموسيقى. إنها «البوسطة» التي أراد من خلالها زياد إعطاء صورةٍ عن محوَر تعاونهما المستقبلي: اليوم، غنينا «البوسطة»، غداً سنغني للرَفيق الزبّال، سنصلّي، سنعشق، سنغضب، سنسهر ونسكَر... وسيكون هناك زيتون، وليمون، وكميون، وعيّاش، وLight أيضاً. بالأمس، كانت القضايا أحلاماً سامية. اليوم وغداً، ستسقط الحياة علينا عاريةً. وستبدأ قريباً المرحلة الثالثة، أو المشروع. في «وحدُن» استدعى زياد نصوصاً إضافية من مصدرَيْن. الأول يرضي «الستّ» بالتأكيد (الأخوين رحباني)، أما الثاني فيُرضي الطرفَيْن، ويتألف من جوزيف حرب وطلال حيدر. غلاف الألبوم الجديدأولى ثمار المرحلة الثالثة أتت عام 1987، مع صدور أسطوانة «معرفتي فيك». هنا استعان زياد بشِعر جوزيف حرب مرّة جديدة، لتأمين أكثر من نصف الألبوم لناحية الكلمة. سجّلت فيروز يومها إعلان «معرفتي فيك» بصوتها. وسجّل زياد نقطته الثمينة في مشروعه لفيروز، ما دفعه إلى تحقيق الخطوة الأكبر، أي «كيفك إنت» (1991). نتجت عن هذه الأسطوانة ظاهرة غريبة جداً، إذ سجَّلت أعلى رقمَيْن قياسَين متناقضَيْن في منطِق التسويق. إنها السلعة الأكثر انتقاداً والأكثر مبيعاً في فئتها! إنها إذاً، صورةٌ نقيةٌ عن زياد. بعد ذلك، ستشهد المرحلة الثالثة الظاهرة الأقرب إلى «كيفك إنت»، لكن لسببٍ مختلف، ونقصد «إلى عاصي». في «كيفك إنت» كانت الكلمة سبب المشكلة. في «إلى عاصي» ظهر وجهٌ جديدٌ لـ «المخرّب»، أي، زياد الموزِّع الموسيقيّ. اعتاد بعض الناس على الموضوع. وطالب البعض الآخر بالمزيد. لكنّ زياد سيفاجئ الجميع بخطوة أبعد، لناحية الكلمة هذه المرّة. إذ، لم يقنع فيروز بأداء «مش كاين هيك تكون» (1999) فحسب، بل ستعطي هذه الأغنية عنوانها لألبومٍ، وستأتي ألحان الفنان الراحل محمد محسن «لتخفف من حدّته» في نظر المحافظين. بعد حوالي سنتَيْن صدر ألبوم «... ولا كيف» حاملاً بُعدَيْن مهمَّين. الأول، يبيِّن أن الرحباني لم يتنازل عن مشروعه، وأن الجمهور اقتنع جدياً بهذا المشروع. والثاني، تقني، ويتمثّل، بالنقلة النوعية لناحية التنفيذ الموسيقي والتسجيل اللذين عانى زياد من إدارتهما في السابق على طريقة «بالتي هي أحسن» (بالنسبة إلى رؤيته المتطلِّبة في المجاليْن). أمّا آخر الغيث، فانتظرناه طويلاً، مردّدين «إيه في أمل». في كل ذلك، أمرٌ عبثي واحد. لقد هاجم جزءٌ من الجمهور زياد، مستنداً إلى أعمال الرحابنة. الغريب، أن مِن بين هذه الأعمال، تلك التي قد يظن من يسمعها للمرّة الأول أنها بريشة زياد، نصاً وموسيقى. والغريب أيضاً أن الأغنية التي تعتبَر شرارة انطلاق مشروع زياد (أغنية «البوسطة»)، يقال إنها كانت الأحب إلى قلب عاصي. أمّا أغرَب الأمرَيْن فهو الانتقاد المستمر لـ «مش كاين هيك تكون» (الأغنية)، وتحديداً كلماتها. ألا تنضح كل كلمة في هذه الأغنية بعلامات الأسى على زمن الأخوين؟ ألم يتأسف زياد هنا على كلّ ما لم يعُد موجوداً ممّا تمحورت حوله أعمال الرحابنة؟ نسينا أغنية قديمة. إنها «الأرض لكم» التي سيضمّا الألبوم الجديد.بشير ...
أبدع زياد في صناعة الأغنية الشعبية. لكنه منذ الصغر بدا مسكوناً بهاجس الموسيقى الآلاتية، حيث الكلمة للموسيقى فقط. غير أنّ الرحباني الابن كان يعرف جيّداً أن المستمعين – وبالتالي المنتجين – لا يكترثون لغير الأغنية. لذا راح يهرِّب موسيقاه تحت عباءة فيروز في الألبومات (والحفلات) التي وضعها لها. حصل ذلك في «معرفتي فيك» («مقدِّمة 84» وهي نسخة معدَّلة جينيّاً لـ«مقدمة 83»)، وفي «كيفك إنت» («مقدِّمة 87» و«ضيعانو»، وأيضاً «يا ليلي ليلي ليلي»)، وفي «مش كاين هيك تكون» («وقمح...»)، وأخيراً في «إيه في أمل» («ديار بكر» و«تلّ الزعتر»).باستثناء القضية الفلسطينية، ابتعدت فيروز في مرحلة الأخوين عن إعلان مواقف سياسيّة واضحة. وإذا كانت قد غنّت أجمل الأغاني الوطنية قبل زياد، ثم معه أيضاً (شِعر جوزف حرب)، فإن التزامها بات في السنوات الأخيرة أكثر وضوحاً. المفاجأة الأولى، جاءت في بيت الدين، حين أدّت فيروز «المقاومة الوطنية اللبنانية». الثانية، في «... ولا كيف»، حين راحت تناجي رفيقها «صبحي الجيز». ولمّا كان الصمت أبلغ من الكلام، أتت المفاجأة الثالثة موسيقيّة، مع مقطوعتَيْ «تل الزعتر» و«ديار بكر» في الألبوم الجديد. والرمز ليس جغرافياً هنا بطبيعة الحال!
عدد الخميس ٧ تشرين الأول ٢٠١٠رشا أبو زكي تتعدّ الضريبة على القيمة المضافة، في تعريفها، ضريبة على الاستهلاك. والمنطق يفترض أن ثقل هذه الضريبة يرتفع كلما ارتفع استهلاك الأسر، بمعنى أن ثقلها الكبير يتركّز لدى الأسر ذات المداخيل المرتفعة التي تستطيع زيادة استهلاكها. إلا أن الواقع في لبنان لا يدعم هذه الفرضية، بل على العكس، فإن تركّز الثروة والمداخيل لدى قلّة من الأسر، في ظل تراجع الدور التوزيعي للدولة، يجعل من ثقل هذه الضريبة لدى الأسر المتوسطة الدخل والأسر الفقيرة مبالغاً فيه إلى درجة تهدد بالمزيد من الاختلالات الاجتماعية والاقتصادية، وهو ما أكّدته دراسة جاد شعبان في الجامعة الأميركية، التي توصّلت إلى أن زيادة الضريبة إلى 12% تؤدّي إلى زيادة عدد الفقراء من مليون و490 ألف لبناني حالياً إلى مليون و863 ألف لبناني. أمّا إذا ازدادت الضريبة إلى 15%، فإن عدد الفقراء سيبلغ مليونين و680 ألف لبناني، أي أكثر من 50 في المئة من اللبنانيين المقيمين، على أساس أن عدد السكان يبلغ 4 ملايين و139 ألف نسمة، وفق تقرير البنك الدولي في عام 2008!
ضريبة غير عادلة
لا شك في أن الإعفاءات من الضريبة على بعض السلع الغذائية والخدمات، كالتعليم والصحّة والثقافة، هي إعفاءات ضرورية، إلا أن التدقيق فيها يبيّن أن الأسر ذات المداخيل الأعلى هي التي تستفيد أكثر من هذه الإعفاءات. بل إن قانون الضريبة على القيمة المضافة أعفى سلعاً مخصصة للأغنياء، كاليخوت ونشاطات التأمين والمصارف وألعاب المراهنة وبيع العقارات. وهذه الأمثلة تُسقط الادّعاءات أن الإعفاءات مخصصة للفقراء حصراً. بل إن الوقائع القائمة تثبت أن للإعفاءات كلّها حقائق مغايرة عمّا يُسوّق له. فالإعفاءات تبرّرها أسباب اجتماعية واقتصادية، وهذا بعيد عن الواقع! إذ إن أكلاف الصحة والتربية في ميزانيات الأسر الفقيرة تغطي الجزء الأكبر منها الصناديق الضامنة ووزارة الصحّة والمنح المدرسية والمدارس الحكومية والمجانية وشبه المجانية...
الـ TVA مفروضة على المحروقات وهي تدخل في تركيب كلفة انتاج المواد الغذائية ونقلهاحيث إن إنفاق الأسر الفقيرة على التعليم، مثلاً، لا يتعدى 5،3%، وفقاً لدراسة وزارة الشؤون الاجتماعية عن «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان»، فيما ذوو الدخل المرتفع ينفقون نحو 13،8 في المئة من ميزانياتهم الاستهلاكية. قد يقول البعض إن الفقراء ومتوسطي الدخل لا يستفيدون كلّهم من التقديمات المتصلة بخدمتي التعليم والصحّة، وهذا صحيح، ولكنه الدليل، في الوقت نفسه، على الثقل الكبير للضريبة، باعتبار أن أكلاف هاتين الخدمتين المعفيّتين من الضريبة ترتبط ارتباطاً وثيقاً بالكثير من المكوّنات التي تخضع للضريبة. إذ يؤكد رئيس مصلحة التعليم الخاص في وزارة التربية عماد الأشقر أن زيادة الـTVA تؤثر مباشرة على كلفة النقل في المدارس الخاصة، وترفع أسعار الورق وعدداً من المواد الأساسية المستخدمة في المدارس، وهذه القيمة الإضافية تدخل إلى كلفة التعليم، مشيراً إلى أن العمل حالياً يقوم على تعديل القانون 515 الذي يضع أصولاً معينة لتحديد أقساط المدارس، وستؤخذ زيادة الـTVA في الحسبان! وما ينطبق على أكلاف التعليم ينطبق على أكلاف الصحة أيضاً، فهي تطال، وفق ما تشير مصادر استشفائية، صيانة المعدات الطبية في المستشفيات والعيادات، إضافة إلى ارتفاع أسعار مواد التنظيف وبعض المواد الغذائية والمحروقات، كذلك ترتفع أكلاف بعض عمليات التجميل الضرورية في الكثير من الأعمال الجراحية.
التأثير على مؤشر الأسعار
أما بعض المواد الغذائية غير الموضّبة، والمشمولة بالإعفاء من ضريبة الـTVA، فتطالها هذه الضريبة مباشرة من ناحية أكلاف الإنتاج، إذ إن الأسر الفقيرة تنفق 38 في المئة من إجمالي نفقاتها على المواد الغذائية، وإعفاء هذه المواد من الـTVA لا يجعلها في منأى عنها. فالضريبة مفروضة على المحروقات مثلاً، التي تدخل في تركيب كلفة إنتاج هذه المواد الغذائية ونقلها. أما المواد الغذائية المصنّعة، فأسعارها سترتفع وفق رئيس نقابة مستوردي المواد الغذائية بنفس نسبة زيادة الـTVA، ويشدد نصراوي على أن هذه الكلفة الإضافية سيدفعها المستهلك، فيما سيعاني التجار من المنافسة الشديدة في السوق اللبنانية. ويؤكد رئيس مركز البحوث والاستشارات كمال حمدان لـ«الأخبار» أن أثر زيادة الـTVA يطال مؤشر أسعار الاستهلاك ويؤثر حكماً على نسبة الأسر التي تعيش على الخطين الأعلى والأدنى للفقر، إذ أثبتت البحوث أن هذا الأثر موجود، بحيث من المتوقع أن ترتفع نسبة اللبنانيين تحت الخط الأعلى للفقر (وفق دراسات برنامج الأمم المتحدة الإنمائي) من 22 في المئة إلى أكثر من 40 في المئة، كذلك فإن هذه الزيادة من الممكن أن تتزامن مع تصحيحات في أكلاف خدمات ومرافق عامة، مثل زيادة معدلات الاشتراك في الضمان، فضلاً عن أن معظم الدراسات تتجه نحو زيادة تعرفات جديدة للكهرباء قد لا ينجو منها الفقراء والطبقة ما دون المتوسطة. ويلفت حمدان إلى أن التضخم انخفض في عام 2009 مقارنة مع عام 2008 حوالى 3 إلى 4 في المئة، لكن عندما يندفع قسم كبير من تعرفات الخدمات العامة نحو الارتفاع ويُتجه نحو زيادة الاقتطاع الضريبي، فيما الفوائد تنخفض ببطء والفروقات مع معدلات الفائدة في الخارج أصبحت شاسعة، ففي هذه الحالة لا يمكن توقع سوى المزيد من المشكلات الاجتماعية مع زيادة الـTVA. ويرى حمدان أن خدمة التعليم تقدم منذ 4 إلى 5 سنوات بنحو شبه مجاني لذوي الدخل المحدود، والإعفاء الضريبي الذي يطالها هو «لزوم ما لا يلزم»، فيما اعتبار الصحة مشمولة بالإعفاء من دون الخروج بنظام تأمين صحي يغطّي جميع اللبنانيين هو ذرّ للرماد في العيون.
30.6% مضمونونهي نسبة الأُسر التي تضطرّ إلى الاستدانة قبل نهاية كل شهر لتوفير حاجاتها الأساسية، فيما 51.5% من الأسر تنفق كامل الدخل قبل نهاية الشهر، و4.6% تضطر إلى استخدام المدّخرات، وذلك وفق دراسة «الوضع الاجتماعي والاقتصادي في لبنان»
زيادة في سوء توزيع الدخلرأى الخبير الاقتصادي غسان ديبة في تصريح لـ«الأخبار» أن زيادة الـ TVA إلى 15 في المئة ستؤثّر في رفع أسعار السلع عموماً، بحيث ستحدث زيادة في التضخم لمرة واحدة، أما النتائج، فهي في حصول تأثير سلبي على القدرة الشرائية، لافتاً إلى أن نتائج دراسة أعدّها عام 2004 بيّنت أن الضريبة انعكست زيادة في أعباء ميزانيات الاستهلاك لأصحاب الدخل المحدود بنسبة 7%، فيما ارتفعت في ميزانيات ذوي الدخل المرتفع بنسبة 4 في المئة فقط، وهذا أسهم في زيادة سوء توزيع الدخل، وارتفاع معدّلات الفقر، وانخفاض الاستهلاك لدى الأُسر.
فاتن الحاج ـ راجانا حميّة لم يكد النقابي العنيد، حنا غريب، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، يفجّر أمس مفاجأته التي أعلن فيها إضراب وتظاهرة أساتذة التعليم الثانوي وطلابه، في 23 آذار الجاري، حتى علا التصفيق الحاد في قاعة قصر الأونيسكو. هناك، كان التعليم الرسمي بقطاعاته الثانوي والأساسي والمهني يُحيي، أمس، عيد المعلم. عيد أرادته الروابط الثلاث مناسبة تجمع ولا تفرّق، توحّد ولا تقسّم. بل إنّ غريب ذهب إلى أبعد من التضامن بين المعلمين الرسميين ليقول: «هذا عيد كل أساتذة لبنان ومعلميه في القطاعين الرسمي والخاص». كذلك استند الرجل إلى ما قاله نقيب المعلمين نعمة محفوض بأنّ «أساتذة التعليم الثانوي الرسمي عصب التعليم في لبنان»، ليؤكد «أننا لن نكون إلاّ معاً، وبوحدتنا وتضامننا نزيح الجبال». بدت لافتة التحية التي وجهها غريب إلى الأساتذة والمعلمين الشهداء الذين سقطوا دفاعاً عن وحدة لبنان وحريته واستقلاله الحقيقي، وضد الاحتلال الإسرائيلي والعنف الطائفي والمذهبي والاعتقال والقمع، وأولئك الذين سقطوا وهم في طريقهم إلى مدارسهم وثانوياتهم، إيماناً منهم ببقاء أبوابها مفتوحة للتعليم إبان الحرب الأهلية المشؤومة. كذلك، لم ينس النقابي أن يحيي زملاءه الرواد الأوائل من النقابيين الذين «أسسوا روابط الأساتذة والمعلمين، التي لولاها لما بقي اليوم شيء اسمه عمل نقابي مستقل في ذاكرة اللبنانيين». يعلو الصراخ في المكان حين يتوجه غريب إلى المسؤولين: «يا سادة، نحن جزء من تاريخ لبنان، أساتذة لبنان لا أساتذة الهونولولو». ثم ترتفع نبرة صوته عندما يسأل: «ألم يعنِ لكم شيئاً أن يعتصم نصف أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في 24 شباط الماضي حاملين مطلباً واحداً تجمعوا حوله وتوحّدوا في ساحة واحدة وهتفوا له جميعاً ومن أجل تحقيقه؟ أتريدون أن يخرج التعليم الثانوي عن بكرة أبيه إلى الشارع؟ إذا كان الأمر كذلك، فلكم ما تريدون: إن الهيئة الإدارية لرابطة أساتذة التعليم الثانوي تدعو جميع الأساتذة في الثانويات الرسمية ودور المعلمين إلى عقد الجمعيات العمومية والتصويت على توصيتها بتنفيذ الإضراب والتظاهرة، الحادية عشرة من قبل ظهر 23 الجاري». أما رابطة أساتذة التعليم المهني «التي ورطت نفسها معنا في المعركة»، على حد تعبير غريب، فأعلن رئيسها جورج قالوش الإضراب والتظاهر جنباً إلى جنب مع رابطة أساتذة التعليم الثانوي. لكن غريب لم يقفل باب الحوار، إذ ستقوم الرابطة، وحتى يوم التظاهرة، بحملة واسعة من الاتصالات مع المسؤولين «لشرح القضية ودعوتهم إلى تحمل كامل المسؤولية والإسراع باستصدار مشروع قانون يحقق مطلبنا ويعيد حقنا المهدور». وإذا كان هذا الحق لا يشمل معلمي التعليم الأساسي، فهذا لا يعني، كما قالت عايدة الخطيب، رئيسة رابطة المعلمين الرسميين في بيروت، «أنّه ليس لدينا القدرة على التنسيق في ما بيننا والتحرك، وإن كان أحياناً بشكل منفصل، للوصول إلى تحقيق مطالبنا من دون الانتقاص من حقوق زملائنا».وأردفت: «لكل قطاع خصوصيته التي تستوجب تحركاً منفرداً في بعض الأحيان»، مجددة تأكيد «رفضنا القاطع للجوء المسؤولين إلى ضرب وحدة الحركة المطلبية والجسم التربوي الذي سنعمل دائماً على إبقائه موحداً رغم العقبات». فبالنسبة إلى التعليم الأساسي، لفتت الخطيب إلى أنّ العيد تُوّج هذا العام بتحقيق قانون 3 درجات ابتداءً من 1/1/2009، كذلك تحققت استفادة المدرسين المجازين من القانون 344، فيما تَعِد الخطيب بإقرار المساواة بين الإجازة الجامعية والإجازة التعليمية قريباً جداً. قالوش عدّد هو الآخر مطالب قطاعه، ويأتي في مقدمتها الاعتراف بشهادات التعليم المهني والتقني اللبنانية الصادرة عن وزارة التربية من الجامعات اللبنانية، تماماً كما تعترف كل جامعات العالم بهذه الشهادات. استنكر الرجل التنكر الرسمي لشهادات التعليم المهني العالي الذي بدأ بشهادات اختصاص التمريض ويستمر في اختصاص التربية الحضانية، وخصوصاً أنّ حملة شهادة الإجازة الفنية سيحرمون التدريس في مختلف المدارس الرسمية. كذلك ذكّر قالوش بأهمية استعادة الموقع الوظيفي والاجتماعي والمادي للأستاذ المساعد (الفئة الثانية وظيفياً) والأستاذ المعيد وأستاذ تعليم فني (الفئة الثالثة) وهو مطلب مشترك مع أساتذة التعليم الثانوي. في الأونيسكو، كان احتفال عيد المعلم الحاشد فرصة لاستعراض مواهب فتية في التعليم الرسمي تمثّلت بلوحات راقصة جسدتها طالبات ثانوية عمر فروخ الرسمية، فيما قدم كورال ثانوية عرمون الرسمية وصلات غنائية. أما في المقلب الآخر، وتحديداً في مدرسة القلب الأقدس أو فرير الجميزة، فكان التعليم الخاص يحتفل بالعيد على طريقته. فالاستياء بدا واضحاً على وجه نقيب المعلمين نعمة محفوض الذي كان ينتظر مشاركة أوسع في الاحتفال. هذه «المفاجأة» غير السارة دفعت بالنقيب إلى البدء باستطراد استبق به سلسلة المطالب التي كان قد أعدّها لوزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة ممثلاً بمستشاره سامي عجم. فأولى العبارات التي أطلقها بصوته الأجش: «كنت أتمنى أن تعجّ القاعة بالأساتذة، لكن يبدو أن بعض الزملاء مع إداراتهم فضلوا الغداوات على أن نلتقي هنا». ولم يكد محفوض ينهي عبارته، حتى ارتفعت بعض الأصوات من المقاعد الخلفية: «مقصودة يا نقيب». لكن النقيب حاول العودة إلى العيد «وأجوائه المفرحة التي هي قدرنا». لكن جردة محفوض للمطالب لم تترك مكاناً للفرح، لجهة «استمرار مشكلة ارتباط نقابة المعلمين مع وزارة العمل بدلاً من وزارة التربية». وتطرّق محفوض من جهة ثانية إلى أزمة معلمات مرحلة الروضة «المرتبط عملهن بالأطفال، من دون وجود ساعات فراغ»، ولهذا وضع محفوض المعنيين أمام خيارين: «إما تحديد الدوام لجهة ساعات التعليم من خلال إعطائهن ساعات فراغ، وإما أن يصبح هناك تعويض مادي لهن، وقد طرحنا هذا الأمر مع المؤسسات التربوية». سلسلة المطالب لن تقف هنا، فجعبة محفوض مليئة على ما يبدو، ولعل أهم ما بقي هو «مشاركة المعلمين في الضمان الصحي لكوننا من الشركاء الأساسيين». وتحت عنوان خطة تطوير التعليم ورفع مستواه، تطرق ممثل الوزير إلى ما يقوم به منيمنة لجهة وضع قانون جديد للجامعة اللبنانية وإعداد مشروع مرسوم للاستفادة من الفائض، إضافة إلى إقامة دورات تدريبية للمدرسين المتعاقدين في التعليم الأساسي الذين لم يتخطوا مباراة مجلس الخدمة المدنية». عندها علّق عريف الحفل قائلاً: «كنا منحب يا دكتور أن نسمع من بين تلك الإنجازات شيئاً عن المدارس الخاصة». التعليق استوجب رداً من عجم: «الوزارة تعد الجسم التعليمي بقطاعيه الرسمي والخاص جسماً واحداً». نقابة المعلمين كرّمت النقابية الراحلة وداد شختورة التي كانت عضواً فيها لفترات طويلة، وكرمت كذلك 50 أستاذاً خضعوا لدوراتٍ تدريبية.
رسائل ومطالببدا لافتاً في احتفالات عيد المعلم ما قاله المدير العام لجمعية المبرات الخيرية الدكتور محمد باقر فضل الله، في رسالة وجهها إلى معلمي مدارس المبرات، لجهة ضرورة «أن ينطلق المعلم في عمله من موقع الخائف على تلامذته طالباً راحتهم قبل راحته الشخصية». وقال: «لا ينبغي أن يواجه المعلم إحباط تلاميذه بإحباط مماثل لأن ذلك يؤدي إلى انعدام الرؤية ويحد من الحماسة والاهتمام ويقضي على الحيوية، ويؤدي إلى نقص في الإنتاجية والفعالية ويقود إلى الانزواء والوحدة». وجاء تكريم المدير السابق لمعهد زغرتا الفني سايد الجعيتاني، ليمحو «سحابة الصيف» التي عصفت بأجواء المعهد منذ تسلم المدير الجديد طوني العم إدارة المدرسة خلفاً له. حفل التكريم أقيم في مطعم مسايا قضاء زغرتا (فريد بو فرنسيس)، بدعوة من اللجنة الاجتماعية في المعهد وبمشاركة أفراد الهيئة التعليمية. وبرزت في اللقاء التربوي في بلدة الفاكهة مطالب، منها إنجاز الملاك الموحد لأفراد الهيئة التعليمية في كل مراحل التعليم، إجراء المباراة المفتوحة لسد حاجات التعليم لكل المراحل، وصولاً إلى إلغاء بدعة التعاقد نهائياً، إعادة النظر بالهيكلية التعليمية الجديدة بعدما خضعت للتجربة عشر سنوات.
توافق منطقي على المطالبكلّف وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة، الذي يشارك حالياً في مؤتمر تربوي عربي في سلطنة عمان، المدير العام للتربية فادي يرق (الصورة) ليمثله في احتفال التعليم الرسمي. يرق حرص على التركيز في كلمته على انتماء الوزير إلى المدرسة الرسمية والجامعة اللبنانية الوطنية. لذا، فهو منكب، كما قال، منذ اللحظة الأولى على وضع الخطط وآليات تنفيذها لتحقيق قفزة نوعية في التعليم الرسمي ما قبل الجامعي. وافترض يرق أن يكون الهم الأول لروابط الأساتذة قيام مدرسة رسمية متطورة. كذلك، أكد أنّ العمل في الوزارة يتركز على إعداد مشروع مرسوم لإدخال أساتذة المواد الإجرائية من رياضة وفنون موسيقى ومسرح ومعلوماتية إلى ملاك التعليم الأساسي. أما بالنسبة إلى المطالب المادية، فالوزير، كما قال يرق، يؤكد الاستعداد الدائم لمتابعتها، وصولاً إلى توافق منطقي ومرضٍ يتناسب مع مصلحة المعلمين وقدرة الدولة.
فاتن الحاج لم تغيّر مفاوضات اليومين الماضيين بين وزير التربية وروابط الأساتذة والمعلمين في التعليم الرسمي ونقابتهم في التعليم الخاص بشأن استعادة الحق المكتسب بالدرجات السبع، في المشهد التربوي النقابي. هكذا، خرج أساتذة لبنان تماماً كما كانوا منذ اليوم الأول للتحرك النقابي موحدين، في وقت رمى فيه وزير التربية والتعليم العالي حسن منيمنة الكرة في ملعب الحكومة، واعداً بنقل المطلب من دون أن يعترف بأحقيته. أما ما سيقوله الوزير على طاولة مجلس الوزراء، فهو الآتي: «ما يطالب به الأساتذة ليس حقاً مكتسباً باعتبار أنّ الـ60% التي يتحدثون عنها دُمجت في صلب الراتب، لكن لو كان لهم هذا الحق، تكون لهم الدرجات السبع». مبادرة استقبلتها الروابط ونقابة المعلمين في المدارس الخاصة بحسن نية وإيجابية على قاعدة إنهاء الامتحانات الرسمية بنجاح، فأعلنت، في مؤتمر صحافي عقدته، أمس، تعليق مقاطعة وضع أسس التصحيح والتصحيح لامتحانات الشهادة المتوسطة. لكن الروابط لوّحت بالعودة إلى المقاطعة مجدداً ما لم يقرّ مجلس الوزراء «حقنا المهدور قبل موعد وضع أسس التصحيح والتصحيح لامتحانات الشهادة الثانوية العامة (البكالوريا)». وبالتعامل الإيجابي مع المبادرة، يقطع النقابيون الطريق أمام البازار السياسي الذي نشط في الآونة الأخيرة ليساوم على الدرجات، «فإما أن نكون أصحاب حق، وهذا ما نؤمن به، فننال الدرجات السبع أو أنّنا لسنا أصحاب حق، كما يعتقد الوزير، فلا نأخذ شيئاً»، يقول لـ«الأخبار» حنا غريب، رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي.
ماذا جرى أولاً في مكتب وزير التربية؟ في مفاوضات اليوم الثاني، استعجل الوزير الحل قائلاً: «خلينا نخلص من هيدي الدوامة اللي مش عم تنتهي». هكذا، لم يكن منيمنة مستعداً لخوض نقاشات عقيمة، على خلفية أنّ هناك «موقفين مختلفين لكلا الطرفين ولن يتراجع أيّ منهما عن موقفه، وبالتالي لا جدوى من النقاش في الموضوع». وقال: «هل هناك إمكانيّة للحلول؟ لقد تقدمنا بحل يتمثل بالدرجات الأربع إلى مجلس الوزراء، وأريد تعليقكم عليه، وأتمنى عليكم المشاركة في أسس التصحيح والتصحيح وأن تقوموا بمبادرة إيجابية في هذا الإطار». هنا، أصرّ حنا غريب على العودة إلى الأرقام التي أوردتها مطالعة المستشار القانوني لوزير التربية القاضي سميح مداح التي تمنع على الأساتذة حقهم بالدرجات السبع. وسأل غريب الوزير: «هل صححتم أرقام المطالعة؟»، متمنياً عليه نقل وجهة نظر الروابط إلى مجلس الوزراء. وأكد غريب «أن الهيئات النقابية مسؤولة، ولا أحد أكثر منا حريص على مصلحة الطلاب». أما الحسابات المصححة لحسابات المطالعة التي قدمتها رابطتا أساتذة التعليم الثانوي والمهني الرسمي، مستندتين فيها إلى القانون 87/45: إعطاء 50% للأساتذة دون خمس سنوات خدمة (الباقي: 50% ــ 25% (حصل عليها الأساتذة في عام 2000 وفق القانون 148) = 25%، فإذا كانت نسبة الدرجة: 3.8% يصبح عدد الدرجات: 25% ÷ 3.8% = 6.5 درجات. وبالنسبة إلى الأساتذة فوق 5 سنوات خدمة يعطيهم القانون: 60% (الباقي: 60% - 25%= 35%، أما نسبة الدرجة فتبلغ 4%، وبالتالي فعدد الدرجات= 35% ÷ 4% = 8.75 درجات). وبناءً على ذلك، فالأساتذة يطالبون بحقهم الذي هو على الأقل 7 درجات. ومع ذلك، بدا لافتاً ما أدلى به وزير التربية بعيد الاجتماع حين سئل: «هل نُطمئن الأهالي إلى أنّ التصحيح سيحدث فعلاً؟»، أجاب: «التصحيح سينجز بأي طريقة كانت!». ماذا يعني ذلك؟ وهل صحيح أنّ وزارة التربية بادرت فور إعلان روابط الأساتذة والمعلمين مقاطعة التصحيح في الامتحانات الرسمية إلى الاتصال بكل المدارس الخاصة المجانية وغير المجانية والمؤسسات التربوية، مطالبة إياها بإرسال مصححين في الشهادة المتوسطة (البريفيه) من حملة الإجازات التعليمية، علماً بأنّ من بين هؤلاء من يدرّس الصفين الأول والثاني ابتدائي، ما يعطي فرصة لكل راسب في الامتحانات لأن يرفع دعوى يشكك فيها بصدقية الشهادة؟ فالأصول تقتضي أن يكون المصحح معلماً في صف الشهادة الذي يدرّس فيه، وأكثر من ذلك يجب أن يكون معلماً في الصف في السنة الدراسية التي يصحح فيها، ويكون قد مضى على تعليمه هذا الصف سنوات عدة. وبعد اللقاء الصباحي في مكتب الوزير، اجتمعت الروابط في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي لبحث نتائج الحوار مع منيمنة، ثم أعلنت في المؤتمر الصحافي الذي عقدته بعد ساعتين ونصف موقفها المشترك الذي وقّعته كل من رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي في لبنان، رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني الرسمي، نقابة المعلمين في لبنان والمجلس المركزي لرابطات المعلمين في التعليم الأساسي الرسمي. وتلا غريب الحيثيات التي قادت إلى اتخاذ موقف العودة عن المقاطعة، ومنها «الوعد الذي قطعه وزير التربية بنقل حقنا بالدرجات السبع إلى مجلس الوزراء مجتمعاً لاتخاذ الموقف المناسب بخصوصها، عدم إقرار المجلس مشروعي القانونين اللذين رفعهما وزير التربية بالدرجات الثلاث والدرجات الأربع ـــــ بناءً على رغبتنا ـــــ متمنّياً على الوزير استكمال الحوار مع روابط الأساتذة، ما اعتبرناه إشارة ايجابية من مجلس الوزراء مجتمعاً، الإفساح في المجال أمام مجلس الوزراء مجتمعاً لدراسة الأرقام الصحيحة لحقّنا وإقرارها وفقاً لذلك، وتقدير مواقف الرؤساء الثلاثة والوزراء والقوى والهيئات والفاعليات والمكاتب التربوية التي وقفت إلى جانبنا ودعمت تحرّكنا وحقنا، إتاحة الفرصة للحوار ليأخذ مداه لوصول المساعي والمبادرات إلى حل نهائي يعيد حقنا المهدور، والثناء على موقف الأساتذة والمعلمين الرائع الذي تجلّى في وحدتهم وتماسكهم والتفافهم حول أدواتهم النقابية والتزامهم الأطر الديموقراطية والممارسة النقابيّة المشروعة للتعبير عن حقوقهم ومطالبهم». وأعلن غريب إبقاء اجتماعات روابط الأساتذة والمعلمين ونقابة المعلمين في لبنان مفتوحة لمتابعة المستجدات واتخاذ الموقف المناسب في ضوئها. ولم يكد المؤتمر الصحافي ينتهي، حتى أصدر المدير العام للتربية، رئيس اللجان الفاحصة، فادي يرق، البرنامج الجديد المكثّف لوضع أسس التصحيح لمسابقات الشهادة المتوسطة، حدد فيه المواعيد على الشكل الآتي: ـــــ السبت 12 حزيران (اليوم): رياضيات (8.00 ـــــ 10.00 ) وفيزياء (10.30ـــــ12.30)، في قاعة المسرح في مبنى قصر الأونيسكو. جغرافيا (8.00 ـــــ 10.00)، لغة فرنسية (10.30ـــــ12.30 )، لغة إنكليزية (13.00ـــــ14.30 )، تاريخ (15.00 ـــــ16.30) وتربية (17.00ـــــ18.30 )، في الطبقة الثانية عشرة في مبنى وزارة التربية والتعليم العالي. ـــــ الاثنين 14 حزيران المقبل: علوم الحياة والأرض (9.00ـــــ 11.00)، كيمياء (11.30ـــــ13.30)، ولغة عربية (14.00ـــــ16.00).
وبرز، أمس، موقف للمكتب المركزي لأساتذة التعليم الثانوي الرسمي في تيار المستقبل أكد فيه «حرصه على وحدة الرابطة كأداة نقابية جامعة وأنّه جزء لا يتجزأ منها». وانتقد المكتب ما سماه «الخلل في مستوى الأداء في إدارة الحوار والنقاش مع وزير التربية بشأن المطالب، ما أدى إلى انزلاق قيادة الرابطة في فخ التجاذبات السياسية واستدرجت العروض لتدخلاتهم في شؤونها». ولفت بيان المكتب إلى أنّ «قيادة الرابطة أظهرت بدائية غير معهودة في تاريخ نضال الحركة المطلبية للأساتذة الثانويين، متجاهلة بديهيات العمل النقابي الذي يهدف إلى جمع أوسع قاعدة قطاعياً وشعبياً حول مطالبها، لكن النتائج التي حصلت كان تأليب الأهالي والطلاب والهيئات الأهلية ضد الأساتذة». وحمّل أساتذة المستقبل قيادة الرابطة المسؤولية كاملة للحالة التي وصل إليها التحرك وتشتيتها للإطار الجامع له نتيجة التشبث بعنوان واحد هو شعار «هذا المطلب أو لا شيء» عوضاً عن تطبيق المبدأ النقابي البديهي «خذ وطالب». وأعلن المكتب «تمسكه بالحقوق المكتسبة للأساتذة، وخصوصاً في ما يتعلق بساعات التناقص، وأن أيّ توافق يجري التوصل إليه مع الوزارة بالنسبة إلى الدرجات يجب أن تدخل في صلب الراتب واحتسابها اعتباراً من عام 2010». ورأى المكتب أن مشاريع القوانين المقترحة من وزير التربية تصلح منطلقاً لبناء قاعدة نقاش وحوار هادف ومسؤول يسهم في تحصيل المطالب المحقّة للأساتذة. ورفض تفرد قيادة الرابطة بأي اقتراح يقترحه الوزير قبل مناقشته وتقويمه من الجمعيات العمومية. وفي هذا المجال، أوضح مصدر في رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي أنّ «الجمعيات العمومية تتحكم بمسار العمل النقابي داخل الرابطة والتوصيات التي ترفعها مجالس المندوبين والجمعيات العمومية تصبح ملزمة للهيئة القيادية، فالجمعيات العمومية هي التي رفضت مشروعي القانونين المقدمين من وزير التربية إلى مجلس الوزراء. أما ممارسة الضغط ومن ثم تخفيفه فتدخل ضمن التكتيك النقابي وتستند إلى التفويض الذي حصلت عليه الهيئة الإدارية من الجمعيات العمومية نفسها لاتخاذ ما تراه مناسباً، وهو أسلوب تضيق به ذرعاً القوى التي تمارس العمل الديموقراطي، بل تفرض قراراتها فرضاً».
الدرجات الأربع ليست غلاء معيشةحتى اللحظة الأخيرة، بقي وزير التربية حسن منيمنة متمسّكاً بمشروعَي القانونين اللذين رفعهما إلى مجلس الوزراء، إذ يعطي الأول «3 درجات استثنائية لأفراد الهيئة التعليمية في ملاك التعليم الرسمي في المرحلة الثانوية، ولأفراد الهيئة التعليمية عن الفئتين الثالثة والثانية في المديرية العامة للتعليم المهني والتقني، لقاء تعديل أحكام التناقص التدريجي في ساعات التدريس الفعلية المطلوبة أسبوعياً من كل منهم». والمشروع الثاني ينص على «تعديل أحكام التناقص في ساعات التدريس لأساتذة التعليم الثانوي في القطاعين العام والخاص، وإعطائهم بدلاً مالياً لقاء هذا التعديل بما يوازي 4 درجات». لكنّ الأسباب الموجبة لكلا المشروعين ركّزت على التناقص، ولم تذكر غلاء المعيشة، أو تصحيح الأجور، كما حاول الوزير أن يصوّر الموضوع في معرض ردّه على سؤال: «على أيّ أساس اقترحتم للأساتذة الدرجات الأربع؟»، حيث أجاب: «رأينا أنّ الأساتذة في حاجة إلى زيادة أجور نتيجة الأوضاع الاقتصادية». هل يمكن أن يشمل غلاء المعيشة الأساتذة دون غيرهم من الفئات الاجتماعية الأخرى؟ كذلك، إنّ الأسباب الموجبة تتحدّث بشكل أو بآخر عن بدل زيادة عدد ساعات تدريس الأساتذة الثانويّين في الثانويات الرسمية، ما يؤكّد وجهة نظر الأساتذة بحقّهم وفق القانون 66/53 وتعديلاته، الذي لا تستطيع وزارة التربية أن تهرب منه.
أرنست خوريلم يكن أكثر المتشائمين يتوقعون أن تكون حصيلة إرهاب الدولة الإسرائيلية، على حدّ وصف رئيس الحكومة التركية رجب طيب أردوغان، بهذا الحجم. رغم ذلك، لم ينم الآلاف من الأتراك ليلة الأحد الاثنين. فمنذ قرابة الساعة الواحدة من فجر أمس، تحديداً منذ اقتراب قوارب جيش الاحتلال الإسرائيلي من السفن الستّ من طاقم «أسطول الحرية» في المياه الإقليمية الدولية، وبدء استفزازاتها تجاههم، احتشد مئات الأتراك حول جميع المباني الإسرائيلية في مدنهم الرئيسية، أنقرة وإسطنبول خصوصاً، من قنصليات وسفارات ومنزل السفير الإسرائيلي غابي ليفي، وسط استنفار أمني كثيف، وباتوا ليلتهم هناك على شكل تظاهرات واعتصامات وصلت أعداد المشاركين فيها إلى أكثر من عشرة آلاف في ساعات النهار.صحيح أنّ رقم عشرة آلاف متظاهر في أبرز المعالم العمرانية في تركيا، أي ساحة «تقسيم» وسط إسطنبول، هو رقم كبير، إلا أنّ الأهم من العدد، كان نوعية الشعارات التي تكشف عن مدى الكره الذي يكنّه عدد كبير من الأتراك للدولة العبرية. دعوات صريحة لإعلان الحرب على إسرائيل على شاكلة: «أردوغان، حرّر مدافع الجيش»، أو «العين بالعين والسن بالسن»، و«أيها الجنود الأتراك توجهوا إلى غزة». نموذج آخر عن نوعية الشعارات عبّرت عنها جمل من نوع «إسرائيل المجرمة، غادري البحر المتوسط»، أو «دماء الشهداء ستزيل إسرائيل الصهيونية الإمبريالية»، و«يا أبناء هتلر وأبناء الفرعون، أبناء السلطنة آتون إليكم». أما الأكثر اعتدالاً منهم، فقد عبّروا عن موقفهم بكتابة شعارات من نوع: «نطلب من الحكومة طرد السفير الإسرائيلي، وإذا اقتضت الضرورة، فنحن مستعدون للحرب».ونتيجةً للغضب الشعبي التركي، وقعت بعض الإشكالات التي نُقل على أثرها بعض المواطنين إلى المستشفيات، بعدما اشتبكوا مع الشرطة التي منعتهم من دخول منزل السفير الإسرائيلي ومبنيي القنصلية والسفارة الإسرائيليتين.وسارع المسؤولون الأتراك في منظمات الإغاثة والمجتمع المدني إلى تكذيب الرواية العبرية التي بررت المجزرة، على اعتبار أنّ السفينة التركية «mavi marmara» (مرمرة الزرقاء) كانت تحمل أسلحة لتسليمها للمقاومين في غزة. وقال نائب رئيس منظمة الإغاثة التركية İHH المشاركة في الحملة، محمد كرا، إنّ الأطباء الأتراك الذين حاولوا إسعاف الجرحى، كانوا أول من استُشهد، مشيراً إلى أن هذه المجزرة «ستكون نهاية إسرائيل، بما أنه بعد اليوم، سيكون من الصعب جداً على تل أبيب تبرير ما فعلته».وكان أكثر من طبيعي أنّ رد الفعل الشعبي التركي غير راضٍ عن المواقف الرسمية للقادة. فحسابات الشعوب تختلف جذرياً عن حسابات الحكام. إلا أنّ جزءاً كبيراً من إسلاميي تركيا، «المعتدلين»، والمنتمين أو المؤيدين لخطّ حزب «العدالة والتنمية» الحاكم، يتفاءلون خيراً بما سيحمله الموقف المتوقع أن يكون «تاريخياً» لرئيس حكومتهم رجب طيب أردوغان اليوم.إعلامياً، توحّدت جميع وسائل الإعلام التركية، متناسية الانقسام السياسي الكبير الذي يُعبَّر عنه بـ«العداوات» بين الصحف والتلفزيونات التركية. وحدها عملية حزب «العمال الكردستاني»، التي أودت بحياة 7 جنود أتراك في منطقة الإسكندرون، نافست الحدث الغزّاوي، من دون أن تطغى عليه.وحتى لو كان الوقت مبكراً للتحليلات، إلا أنّ صحيفة معارضة كـ«حرييت»، أبقت على الصفحة الأولى من موقعها على الإنترنت، تحليلاً واسعاً رأى أنّ مجزرة «أسطول الحرية» ستكون «الرصاصة الأخيرة في جسد العلاقات التركية ـــــ الإسرائيلية»، وهو ما تبنّاه عدد من مسؤولي الحزب الحاكم للصحيفة.
رشا أبو زكي لنفترض أن الاعتراضات على الحالة المزرية للكهرباء ذات خلفية سياسية، إلا أنه لا أحد يمكنه تغليف واقع حال الأُسر وتجميله وتسييسه، في ظل العتمة المطبقة والحر الشديد ليلاً ونهاراً، الذي يُعَدّ مأساوياً فعلاً. ففي منطقة الخندق الغميق مثلاً، يعيش المواطنون منذ السبت الماضي في حضرة الظلام المطبق، وفقراء المنطقة الذين جهزوا «مونة رمضان» في بداية الشهر، كانوا أكثر المتضررين من تلف هذه «المونة» بسبب انقطاع الكهرباء، وقد دفع الحر الشديد ليل أول من أمس الأسر والشبان في هذه المنطقة ومحيطها إلى الشارع، ملتزمين الصورة النمطية للاعتراضات: إحراق إطارات ومناوشات مع القوى الأمنية. والحالة هذه تنطبق على عدد كبير من القرى والبلدات خارج بيروت، التي عادت إلى الشمعة، وإلى السهر في الشارع لعل الهواء الحار أقل مرارة من حر المنازل وعتمتها!... وإن كان انقطاع الكهرباء نقمة في معظم المناطق، إلا أن المواطنين في بعض أحياء الضاحية الجنوبية، وخاصة في منطقة السان تيريز، يتمنون لو أنها لا تأتي! فقد شهد أبناء هذه المنطقة يوم أمس كارثة حقيقية، بعدما جاءت الكهرباء بقوة 60 فولت لتحرق الأدوات الكهربائية في عدد كبير من المنازل!
معاناة تتحول محور نزاع!
ومعاناة اللبنانيين كالعادة تحولت إلى حربة بيد السياسيين، وكل فريق وظّف «العتمة» وفق مصالحه الخاصة! وكالعادة أيضاً، اختلط «الحابل بالنابل»، فاصطفّ كل من تيار المستقبل والتيار العوني جنباً إلى جنب في موضوع «تسييس التحركات»، الأول للدفاع عن رئيس الحكومة سعد الحريري، والثاني للدفاع عن وزير الطاقة جبران باسيل! وتيار المستقبل ربط أزمة الكهرباء بإقرار الموازنة، وذلك للضغط على لجنة المال والموازنة للإسراع في إقرار موازنة تحمل وزناً ثقيلاً من المخالفات! وإذا برئيس لجنة الطاقة النيابية النائب محمد قباني يضع العتمة التي تسيطر على بيوت اللبنانيين في إطار الدفاع عن سياسات الرئيس رفيق الحريري الكهربائية، مختصراً حقبة الأخير بعامي 1997 و1998، حيث «وصلت التغذية إلى قمتها 24/24»! ورأى قباني أن «الضغط على رئيس مجلس الوزراء سعد الحريري بمعظمه ليس في موضوع الخدمات، بل في السياسة»، لافتاً إلى أن «التحركات التي تحصل باسم الكهرباء تثير سؤالاً عمّا إذا كانت كلها عفوية أو أن لها خلفية سياسية»!أما موقف التيار العوني، فجاء على لسان عضو تكتل «التغيير والإصلاح» النائب آلان عون، الذي رأى أن «التيار الوطني الحر اعتاد التعرض لإطلاق نار في كل ملف»، قائلاً إنّ هناك تضخيماً في «الاحتجاجات على الكهرباء ومحاولات لتوظيفها سياسياً، وبالتالي لا عصا سحرية لمعالجة الموضوع، بل هناك مسار».وإطلاق النار الذي يتحدث عنه عون منبعه حركة أمل. فقد توجه عضو كتلة التنمية والتحرير النائب قاسم هاشم في حديثه أمس مباشرة إلى باسيل، قائلاً: «تمنينا على أهلنا في قضاءي حاصبيا ومرجعيون التمهل في عدم القيام بأي تحرك سلبي لإعطاء الوزارة فرصة لاعتماد العدالة في توزيع التيار، لكن المعنيين ظنوا أن التمهل يعني الضعف، لذلك لا بد من مطالبة وزير الطاقة بالاطلاع على الحقيقة في كل ما يجري، وتصحيح الخلل والتزام التوزيع العادل للتيار بين مختلف المناطق... وإلا فإننا سنحرض أهلنا على رفع الصوت واتباع كل الأساليب المتاحة لنيل حقوقهم»!أما حزب الله، فرأى أن التحركات غير مسيسة، وهي تلفّ جميع المناطق. وأبعد النائب علي عمار بعد لقاء جمع وفداً من حزب الله بوزير الطاقة والمياه جبران باسيل، السهام عن باسيل ليوجهها إلى الحكومة، وقال إنه «مع احترامنا للمراسيم الحكومية، إلا أن التمييز بين المناطق في ساعات التغذية هو مخالفة دستورية، لأن من المفترض أن يكون المواطنون سواسية في الحقوق والواجبات»، ناقلاً عن المدير العام لمؤسسة كهرباء لبنان أن نسبة الجباية في الضاحية هي أعلى نسبة في لبنان على الإطلاق وقد وصلت إلى 93%.أما وزير الأشغال العامة غازي العريضي فرأى أن أزمة الكهرباء هي فضيحة تاريخية، داعياً إلى إقرار الموازنة، ومن ثم تنفيذ خطة الكهرباء وفق المراحل التي أدرجت فيها. ودعا إلى استئجار محطات كهربائية، وإن موقتاً، «وليتحمل الجميع المسؤولية والكلفة».
الاحتجاجات مستمرة
وهكذا، بعد التحركات الاحتجاجية وقطع الطرقات التي امتدت إلى جميع الأراضي اللبنانية، بسبب التقنين القاسي للكهرباء، وخصوصاً في الضاحية الجنوبية والجنوب والبقاع والشمال، أشعل أهالي عدد من المناطق أول من أمس الإطارات في الخندق الغميق والملا تحديداً، لتمتد التحركات إلى طريق صيدا القديمة. وحصلت مواجهات بين الشبّان والقوى الأمنية، فيما رفعت شعارات ومطالب بإعادة التيار الكهربائي إلى المنطقة. وقد أشار عدد من الشبان إلى أن مؤسسة الكهرباء تتذرع منذ السبت الماضي باحتراق محول الكهرباء في الخندق الغميق، إلا أنها حتى اليوم لم تُصلح العطل! كذلك، قطع عدد من الشبان إحدى الطرقات الرئيسية في حي الشيخ حبيب في بعلبك احتجاجاً على الانقطاع شبه الدائم للتيار الكهربائي. وطالب المحتجون بتوزيع التيار داخل المدينة بعدل، مهددين بتوسيع دائرة قطع الطرقات، وصولاً إلى باحة القلعة الأثرية. وقد فتح عناصر قوى الأمن الداخلي الطريق بعد نحو نصف ساعة من إقفالها.واللافت في هذا الإطار، أن أصحاب المولدات عادوا لاستغلال حاجة الناس للكهرباء، فرفعوا تعرفة الـ5 أمبير إلى 100 ألف ليرة، وفق ما يؤكد أحمد الفضل الذي دفعه هذا الواقع كذلك إلى الشارع! أما في منطقة الزهراني التي تشهد بدورها انقطاعاً متواصلاً في التيار الكهربائي، فعلمت «الأخبار» من مصادر مطّلعة أنّه في إحدى الجلسات التي جمعت الفاعليات في تلك المنطقة مع إحدى المرجعيّات السياسيّة، كشف موظّف في مؤسسة الكهرباء في معمل الزهراني أنّ عمالاً في المؤسّسة استبدلوا أخيراً المحوّل الكبير في المحطّة بمحوّل أصغر بقدرة تحمّل متواضعة، ما يؤدّي إلى فصل التيار ساعات طويلة، حتّى في خلال فترات التغذية المحدّدة وفقاً لجدول. ونُقل المحوّل الكبير لتزويد شرقيّ صيدا بالكهرباء!