لأول مرّة في تاريخها، ستحكم البرازيل امرأة، هي ديلما روسيف البالغة من العمر 62 عاماً، ومرشحة حزب العمال اليساري الذي يتزعمه الرئيس البرازيلي الحالي لويس ايناسيو لولا داسيلفا،
حيث حصدت أكثر من 55 في المئة من الأصوات، بحسب النتائج الرسمية التي أعلنتها المحكمة الانتخابية العليا، متقدمة على منافسها الاشتراكي الديمقراطي جوزيه سيرا حاكم ولاية ساو باولو السابق المدعوم من اليمين 44 في المئة من الأصوات، إذ بلغ الفارق بينهما 11 نقطة مئوية، أي ما يعادل 12 مليون صوت. وهذه النسبة تعني أن مرشحة حزب العمال حصدت 55 مليون صوت.
وبذلك ستكون ديلما روسيف الرئيس الأربعين للبرازيل منذ تأسيس الجمهورية في عام 1889 هذا البلد الذي يبلغ عدد سكانه 193 مليون نسمة، وتبلغ مساحته ضعف مساحة الاتحاد الأوروبي ومن المقرر أن يستضيف الأدوار النهائية من كأس العالم لكرة القدم. ومن المتوقع أن تصير البرازيل القوة الاقتصادية الخامسة في العالم بحلول سنة 2016 مع اكتشاف احتياطات ضخمة من النفط قبالة السواحل البرازيلية، وعندما يستضيف هذا البلد الألعاب الأولمبية الصيفية.
بعد ثماني سنوات في الحكم كسب الرئيس الحالي لولا رهانه الأخير، بنجاحه في ضمان انتخاب المرأة التي اختارها لخلافته في رئاسة البرازيل في كانون الثاني 2011، ونقل قسم مهم من شعبيته التي يتمتع بها، والتي تصل إلى ذروتها نحو 82 في المئة من المؤيدين له، بفضل كاريزميته، والعلاقة المفضلة التي أقامها مع شعبه، إضافة إلى قيامه بتحسين مستوى العيش للبرازيليين طيلة الولايتين من حكمه.
ورغم هذا المعدل القياسي من التأييد الشعبي فإن الدستور يمنعه من الترشح لولاية ثالثة وحتى لو غادر هذا العامل السابق في صناعة الفولاذ البالغ من العمر 65 عاما قصر بلانالتو الرئاسي فإن معظم المحللين يقولون إنه سيحافظ على نفوذ كبير داخل الحكومة.
عشية الدورة الثانية من الانتخابات الرئاسية، ظلت المعارضة اليمينية قوية على الصعيد المحلي، فهي تحكم 17 ولاية من أصل 27 أي ما يعادل 54 في المئة من السكان، منها الولايتان الكبيرتان في البرازيل، وهما ساوباولو وميناس جيرايس وبالمقابل فإن الرئيسة الجديدة ستكون طليقة اليد على صعيد الكونغرس أكثر من لولا فهي تتمتع بفضل حزب العمال البرازيلي والأحزاب التسعة المتحالفة معه بأغلبية قوية في مجلس النواب 360 مقعداً من أصل 503 مقاعد وهي في هذه الوضعية تبدو أحسن من لولا، إذ إنها ستتمتع بأغلبية في مجلس الشيوخ وبشكل خاص بالأغلبية الموصوفة بالثلثين في المجلسين النواب والشيوخ، الضرورية لتعديل الدستور.
ولدت الرئيسة الجديدة للبرازيل في 14 كانون الأول عام 1947 في بيلو أورويزنتو عاصمة ولاية ميناس جيريس وكان والدها بيدرو روسيف مهاجراً بلغارياً، وأصبح محامياً شيوعياً، ثم هرب من البرازيل عام 1929 وتنقل بين باريس وبيونيس أيرس قبل أن يستقر في البرازيل في نهاية الثلاثينيات من القرن الماضي بيد أنه أصبح لاحقا مقاولاً كبيراً في البناء وتزوج من برازيلية بنت أحد كبار مربي الأبقار ديلما سيلفا، وأنجب منها ثلاثة أبناء.
درست ديلما روسيف في أرقى المدارس البرازيلية بيد أن الذي غير مجرى حياة هذه الطالبة المثالية باتجاه النضال اليساري الراديكالي، هو الانقلاب العسكري الذي حصل في البرازيل في 31 آذار 1964 وعندما دخلت إلى الجامعة في عام 1967 كلية العلوم الاقتصادية، انضمت إلى منظمة تروتسكية صغيرة، تؤيد ممارسة الكفاح المسلح، وخلق البؤر الثورية، التي كتب عنها المفكر الفرنسي الكبير ريجيس دوبريه.
في سياق مقاومة الديكتاتورية العسكرية وضمن الأعراف الثورية المتبعة في أميركا اللاتينية كانت معظم المنظمات اليسارية المسلحة تقوم بعمليات سطو على البنوك من أجل تمويل ذاتها ففي تموز عام 1969 قامت المنظمة اليسارية التي تنتمي إليها ديلما روسيف بعملية سطو كبيرة في مدينة ريودي جينيرو، إذ استولت على كمية كبيرة من الأموال 2.5 مليون دولار.
وقد شاركت ديلما في التهيئة لتلك العملية العسكرية لكنها لم تطلق أي رصاصة نقلا عن صحيفة لوموند الفرنسية 2 تشرين الثاني2010.
مع اشتداد القمع في البرازيل ولاسيما بعد مقتل شرطيين وضابط أمن أميركي تم اعتقال ديلمار روسيف في عام 1970 وظلت لمدة ثلاث سنوات في زانزانة الديكتاتورية العسكرية وحين تحررت من الأسر التحقت مجددا بالجامعة عام 1974 وعملت كإدارية ناجحة لمدة ربع قرن، توجت باحتلالها منصب وزيرة محلية للمناجم والطاقة في عام 1999. وفي بداية 1980 أسهمت في إعادة تأسيس الحزب الديمقراطي العمالي يسار شعبوي بزعامة ليونيل بريزولا قبل انضمامها إلى حزب العمال اليساري في 1986 الذي كان يترأسه لويس ايناسيو لولا داسيلفا، والذي عندما انتخب رئيساً للبرازيل في سنة 2002 اقترح على ديلما أن تحافظ على الوزارة عينها، ولكن هذه المرة على صعيد فيدرالي.
ترفض ديلما الاسم الذي يطلقه عنها عادة الرجال «المرأة الحديدية» لكنها امرأة مهووسة بالفعالية وإن كانت لم تختبر امتحان صناديق الاقتراع في نظر البرازيليين الذين يحبون رئيسهم لولا، ولايكترثون كثيرا بالحياة السياسية ، يكمن الأمر الجوهري في مكان آخر: ديلما روسيف كانت مرشحة لولا (فقد قالت في حزيران 2010 حين أعلن حزبها حزب العمال اليساري ترشيحها رسميا للانتخابات الرئاسية) بعد هذا الرجل العظيم لولا ستتولى حكم البرازيل امرأة ستواصل قيادة البرازيل على نهج لولا.