يمكن النظر اليوم إلى قضية الغذاء العالمي باعتبارها أحد العناصر الأكثر وهناً في منظومة الأمن الدولي وحيث باتت مجاميع كبيرة من البشر ضحية لأزمة لا تبدو قاربة حلها مكتملة المعالم.
جاك ضيوف المدير العام لمنظمة الأغذية والزراعة (الفاو) قال في ختام أعمال الدورة السنوية للمنظمة التي عقدت في روما بالأمس: «إن أزمة الجوع التي تشمل اليوم سدس البشرية جمعاء إنما تطرح خطراً جدياً على الأمن والسلام في العالم» والسبب أن أكثر من مليار شخص في العالم يعانون من الجوع بسبب الأزمة الاقتصادية والتغير المناخي والحروب والأزمات والمآسي التي يعيشها العالم الثالث والمطلوب شراكة حقيقية لمكافحة الجوع تترجم إلى موازنة واضحة.
وكان الأمين العام للأمم المتحدة بان كي مون الذي شاطر مدير (الفاو) الرأي قد قال: ليس من الممكن ضمان الأمن الغذائي بلا تحقيق الأمن المناخي فالكتل الجليدية لجبال الهيمالايا إن ذابت فلسوف يؤثر ذلك على موارد المعيشة والبقاء لنحو ثلاثمئة مليون شخص في الصين وما يصل إلى مليار شخص في سائر أنحاء آسيا.
وأكد بان كي مون أن صغار مزارعي إفريقيا ينتجون معظم غذاء القارة ويعتمدون في الأغلب على الأمطار للزراعة من الممكن أن يواجهوا انخفاضاً بحدود 50 بالمئة في إنتاجهم بحلول عام 2020 ولذا يتحتم علينا أن نقدم على تغييرات كبرى ذات دلالة بعيدة المدى تلبية لحاجاتنا الغذائية والعمل على الأخص من أجل حماية أشد الفقراء والضعفاء.
وإذا وصف جاك ضيوف ما يتجاوز المليار جائع في عالم اليوم بأنه «إنجازنا المأساوي في عصرنا الحاضر» فقد شدد على الحاجة الملحة لإنتاج الغذاء حيثما يقيم الفقراء والجوعى وإلى تدعيم الاستثمار الزراعي في تلك الأقاليم وذكر ضيوف أن ما لايزيد على 2 إلى 4 بالمئة من مجموع السكان لدى بعض البلدان الصناعية قادر على إنتاج الغذاء يكفي لسد حاجات أمة بأسرها وحتى للتصدير، أما في معظم البلدان النامية فإن ما يتراوح بين 60 إلى 80 بالمئة من مجموع السكان ليسوا بوسعهم حتى إن يسدوا الحاجات الغذائية المباشرة لبلادهم وأضاف إن الكوكب يملك سد حاجاته الغذائية شريطة أن تنفذ القرارات المتخذة.
وأن تعبأ الموارد المطلوبة بفعالية بينما دعا إلى زيادة المساعدة الإنمائية الرسمية المخصصة للزراعة وتكريس حصة أعظم في موازنات البلدان النامية للزراعة.
وكانت أهداف الألفية الثالثة التي وضعتها الأمم المتحدة تتمثل في خفض عدد الذين يعانون من الجوع وسوء التغذية إلى النصف حتى عام 2015 ليصبح 420 مليون شخص تقريباً، إلا أن هذا الهدف لم يتحقق حيث بلغ عدد الجوعى 700 مليون نسمة قبل أزمة الغذاء العالمية التي ارتفعت فيها أسعار الأغذية الأساسية لمعدلات وصلت إلى 300 بالمئة في بعض الحاصلات، ما أضاف 200 مليون فرد يعانون نقص الغذاء ثم أسهمت الأزمة المالية العالمية في إضافة 100 مليون جديدة للجوعى مع اتجاه الأنشطة الاقتصادية للركود وفقدان أعداد كبيرة من العاملين لوظائفهم حول العالم.
وتحتاج الدول النامية والفقيرة إلى تنمية إنتاجها الزراعي وزيادة إنتاجيته من خلال زيادة الاستثمارات الموجهة إليه حيث يعتبر هو السبيل في معظم هذه الدول للقضاء على الفقر والجوع وخصوصاً أن نحو 70 بالمئة من فقراء العالم يعتمدون في حياتهم على الزراعة بالإضافة إلى دور هذا القطاع الأساسي في النمو الاقتصادي كله.
ويستدل من تقرير نشره موقع «الفاو» الالكتروني أن معضلة انعدام الأمن الغذائي العالمي تتفاقم ولا تزال تمثل خطراً بالغاً على الإنسانية ومع تشبث أسعار الأغذية بمستوياتها العالية في البلدان النامية فإن عدد الذين يعانون من الجوع قد تصاعد من دون رحمة في السنوات الأخيرة وتزيد الأزمة الاقتصادية العالمية من تدهور الوضع بالنظر إلى تبديدها لفرص العمل وتعميقها لظاهرة الفقر.
ووفقاً لتقديرات المنظمة فإن عدد الجائعين يمكن أن يرتفع بمقدار 100 مليون شخص آخر في عام 2010 بحيث يتجاوز عتبة المليار نسمة.
وعليه فإن البلدان النامية تحتاج إلى الأدوات الإنمائية والاقتصادية والسياسية اللازمة للنهوض بإنتاجها وقدرته الإنتاجية في مجال الزراعة.
ومن الواجب تعزيز الاستثمارات في القطاع الزراعي لأن تمتع هذا القطاع بالعافية يعتبر عنصراً لا غنى عنه للتغلب على الجوع والفقر وشرطاً أساسياً للنمو الاقتصادي الشامل في معظم البلدان الفقيرة.
ويرجع السبب في خطورة الأزمة الغذائية الراهنة إلى ما عاناه القطاع الزراعي من إهمال ونقص في الاستثمارات على مدى عشرين عاماً وتوفر الزراعة بصورة مباشرة أو غير مباشرة موارد الرزق لنحو 70 بالمئة من الفقراء في العالم.