لن أقبل أبدا أن يدعو أشخاص أو جمعيات أو مسؤولون سياسيون إلى مقاطعة أي بضائع في فرنسا بحجة احترامها للتعاليم اليهودية، أو مجيئها من إسرائيل، وأتمنى أن تظهر النيابة العامة المزيد من الحزم تجاههم». وزيرة العدل ميشيل آليو ماري لم تبخل على مضيفيها إلى طاولة العشاء التقليدي للمجلس التمثيلي للجمعيات اليهودية في بوردو بـ«محاكمة» للسيناتور عليمة بومدين تييري و80 من رفاقها. هؤلاء الذين لم يكفوا منذ خمسة أعوام عن الإغارة على المخازن الكبرى في باريس بحثا عن المنتجات الإسرائيلية التي تتخفى تحت بطاقات «صنع في فرنسا»، أو تضع على رفوف الخضار، منتجات المستوطنات تحت بطاقات إسرائيلية، تستفيد من إعفاءات الاتحاد الأوروبي، ومئات الملايين من اليورو لدعم الاقتصاد الإسرائيلي. ولكي تعفى منتجات المستوطنات من ملايين الرسوم الجمركية في أوروبا التي لا تعترف بالاحتلال، تختم بعبارة «صنع في إسرائيل». وزيرة العدل تجاهلت تقرير الشرطة الفرنسية التي دفعت بعدم وجود أي دوافع «لاسامية» أو عنصرية في الحملة التي تقودها السيناتور عليمة، أو أي كره للبضائع اليهودية، واكتفت بالإصغاء إلى غرفة التجارة الإسرائيلية - الفرنسية، التي أرسلت محاميها باسكال ماركوفيتش باسم الحق المدني إلى بونتواز: الحملة أدت إلى تراجع الصادرات من إسرائيل بنسبة 10 في المئة. محكمة بوانتواز قرب باريس. الباحة والدرج المؤدي إلى بنائها الحديث تحت حماية طابورين من شرطة مكافحة الشغب. لا عصبية ظاهرة، ولا خطر من مواجهات. فباستثناء المغامر الأربعيني الذي ألقى «تحيا إسرائيل» على تظاهرة العشرات من أعضاء الحملة الفرنسية لمقاطعة إسرائيل، وابتعد محتميا بصفي رجال الشرطة. لا شيء في هذه الضاحية التي تسكنها أكثرية عربية وفرنسية من الطبقة الوسطى يحض ميليشيا رابطة الدفاع اليهودية أو شبان البيتار وزعران الليكود في فرنسا على المغامرة بشن غارة على الضواحي. لا يملكون شجاعة شنها إلا على أطراف التظاهرات في باريس، وعندما تحين فرصة للاستفراد بناشط ضل سبيله إلى الجماعة. وكانت السيناتور بومدين تييري تقدمت العام الماضي غارة للناشطين في مقاطعة البضائع الإسرائيلية في مخزن تابع لشبكة «كارفور» في ضاحية باريسية. الغارة ضبطت بطاقات لا تحدد دولة المنشأ: إسرائيل، أو تجعل من جنوب فرنسا مصدرا للخضار الآتية من المستوطنات في الضفة. وقالت بومدين لـ«السفير» إن «60 في المئة من الصادرات الإسرائيلية تسوق في الإتحاد الأوروبي، وهي معفاة من الرسوم. إن مبالغ الإعفاءات هذه تشكل أرباحا لإسرائيل، و40 في المئة من هذه الصادرات تأتي من الأراضي المحتلة لتدني ثمن اليد العاملة الفلسطينية التي توفر لإسرائيل ميزة تنافسية كبيرة. وإسرائيل لا تدفع للسلطة الفلسطينية أي جزء من أرباح الإعفاءات. إنها عملية سلب وسرقة». ما كان لهذا المحاكمة أن تحصل لولا تغيير اليو ماري موقفها بين مجلسين، أمام مجلس النواب العام الماضي، حيث قالت أنه لا يوجد ما يوجب ملاحقة القائمين على حملة المقاطعة في غياب الإدعاء، وأمام المجلس التمثيلي للجمعيات اليهودية الفرنسية حيث وعدت بملاحقتهم. وتحولت مدعية تجاوزت شكوى مخزن «كارفور» الذي لم يطلب أكثر من مقاضاتهم «لخسائر طفيفة»، وطلبت من النيابة العامة أن تلاحق الناشطين بتهمة «التمييز العنصري والقومي والديني». ولكن الحملة لا تنظم من وزارة العدل وحدها، بعد أن دخل على خطها السفير الإسرائيلي في باريس دانيال بن شيخ، الذي قال لصحيفة «هآرتس» في شباط الماضي، «نحث المنظمات على رفع دعاوى ضد منظمي حملات المقاطعة، ونقود من السفارة أنشطة سياسية مباشرة بالتنسيق مع وزراء ومنظمات وطلاب ومستهلكين». لم يلق التصريح أي احتجاج من وزارة الخارجية الفرنسية. بن شيخ لم يذهب مذهب اليو ماري، ولم يلفظ كلمة عنصرية أو لا سامية موضحا أن «الحملة لا أسباب ثقافية أو اقتصادية لها. الهدف نزع شرعية إسرائيل وعزلها». ذلك أن بين الناشطين المدعوين إلى المحاكمة أسماء لا يمكن وصمها «باللاسامية» كستيفان هيسيل، وهو مقاوم بارز ضد النازية ومحرر إعلان حقوق الإنسان العالمي وسفير فرنسي معروف بمواقفه التقدمية. ولا تقف عليمة بومدين وحدها في بونتواز، وهي لم تعدم تأييدا في صفوف مجلس الشيوخ. مؤتمر صحافي استقبله المجلس قبل يومين تحول إلى مساءلة حول ما إذا كان ممكنا انتقاد إسرائيل في فرنسا. «خلف المحاكمة تقف إرادة بفرض الصمت على من ينتقد إسرائيل في فرنسا» قالت لـ«السفير» السيناتور كاترين تاسكا رئيسة الكتلة الاشتراكية في مجلس الشيوخ ونائب رئيس المجلس. شاهد غير منتظر في بونتواز. يائيل ليرير، مساعدة عزمي بشارة في الكنيست وصاحبة دار «الأندلس» ستقول لقاضي بونتواز كما قالت ل«السفير» عن المقاطعة التي لا بد منها «لإبعاد الفاشية التي تتطور وتتصاعد في المجتمع الإسرائيلي. يجب أن يشعر الإسرائيليون بأنه لا يمكن لهم أن يستمروا بما يقومون به تجاه الفلسطينيين من دون حساب». وزيرة العدل تفادت إجراء محاكمة واحدة. الوزيرة ومعها الحق المدني في غرفة التجارة الفرنسية الإسرائيلية ومنظمة يهودية لمحامين من دون حدود اختاروا توزيع الملاحقات على 80 ناشطا في بضعة محاكم ومدينة فرنسية مختلفة، لإدامة السجال وإشغال المحاكم، التي قد لا تتفق على موقف واحد بالإدانة أو البراءة من تهم العنصرية أملا بالحصول ولو على حكم إدانة ناشط واحد يكفي لإدانة الحملة بأسرها محمد بلوط باريس : جريدة السفير .