روسيا تستعدّ للاحتفال بالنصر على النازيّة: لا لتشويه الصورة السوفياتيّة
اقتربت الذكرى الخامسة والستّون لانتهاء الحرب الوطنية الروسية الكبرى، والانتصار على النازية، لكن محاولة استحضار جوزف ستالين في احتفال هذا العام أخرجت إلى العلن صراعاً داخلياً في موسكو العاصمة الحمراء، موسكو، منهمكة في الإعداد. ستلبس ساحتها زيّ الأيام الغابرة لتعيد تمثيل مشهد الانتصار على النازية يوم 9 أيار من عام 1945، في احتفال ضخم، يراد منه تثبيت الصور التاريخية في أذهان الروس؛ من عايش منهم تلك المرحلة، ومن لم يسعفه صغر سنه فقرأ عنها في كتب التاريخ أو سمعها من حكايات الأجداد.يتميّز العرض هذا العام بأنه سوف يكون الأضخم عسكرياً منذ انهيار الاتحاد السوفياتي، إنْ من خلال مشاركة 130 طائرة وحوّامة، أو لناحية الآليات العسكرية التي استعملها الروس في الحرب للدفاع عن ستالينغراد يوم ذاك، سوف يقودها جنود يرتدون زيّ الجيش الأحمر المعتمد في تلك الحقبة. وبحسب صحيفة «كمسمولسكايا برافدا» الروسية، فإن العرض سيشهد مشاركة بعض الجيوش الأجنبية للمرة الأولى، من أميركيين وبريطانيين وفرنسيين. وأوضحت أن «70 طياراً فرنسياً سيشاركون في العرض، ويسيرون في الساحة الحمراء تحت راية فوج نورماندي نيمان، الذي تكوّن في الاتحاد السوفياتي أثناء الحرب من طيارين فرنسيّين». وهذا الفوج أسهم بدعم سلاح الطيران السوفياتي في تحرير السوفيات من النازيين. كان يُخطط لهذا الحدث أن يكون استثنائياً ولا يعكّر صفوه أي أمر طارئ، لكنْ لستالين الكلمة الفصل في هذا النهار كما كانت قبل خمسة وستين عاماً. رجل قال رئيس الوزراء البريطاني السابق ونستون تشرشل فيه: «إنه رجل ذو طاقة عالية وقوة إرادة لا تقهر، لم أستطع أنا الذي تربى في البرلمان البريطاني أن أرفض له شيئاً». هذا الزعيم السوفياتي الذي ارتبط اسمه بالحرب العالمية الثانية والانتصار على النازية، إضافةً إلى مسائل أخرى، أثار أخيراً زوبعة في روسيا، بعدما أعلن رئيس لجنة الإعلام التابعة لبلدية موسكو، فلاديمير ماكاروف، نية لنشر صوره خلال احتفال التاسع من أيار المقبل، معلّلاً قراره بأن الصور «ستكون عبارة عن لوحات إعلانية تتحدث عن دور القائد الأعلى للجيش خلال الحرب الوطنية العظمى».
أطلق هذا الإعلان أو القرار موجة رفضٍ لتمجيد زعيم يرى الكثيرون أنه ارتكب أخطاءً كثيرة ليس أقلّها سفك دماء مواطنيه السوفيات. واتهمت رئيسة مجموعة «هلنسكي» لحقوق الإنسان، لودميلا ألكسييفا، البلدية بالسعي إلى «بث إرهاب الدولة». حتى رئيس مجلس الدوما، رئيس المجلس الأعلى لحزب «روسيا الموحدة» بوريس غريزلوف، عبّر عن استغرابه لقرار سلطات موسكو، وأشار إلى أن ذكرى الانتصار على النازية «مناسبة للاحتفاء بالمحاربين لا الزعيم السوفياتي، الذي لا يقل دموية وطغياناً عن عدوه هتلر». لا تبدو روسيا غافلة عن احتمالات مشاعر الغضب التي ستثيرها خطوة كهذه. بل إنها انطلاقاً من إدراكها لضرورة الحفاظ على هيبة الاتحاد السوفياتي، الذي كان صنيعة زعماء ارتبط اسمه بهم، كان لا بد من سياسة مواجهة للسياسات التي تعمل على تكريس المساواة بين هتلر وستالين. الأمر الذي تعدّه روسيا تشويهاً لتاريخ الحرب العالمية الثانية. ويكفي استعراض بعض أحداث العام الماضي: في حزيران، أقرت اللجنة البرلمانية لمنظمة الأمن والتعاون في أوروبا مقترحاً يساوي بين النازية والستالينية، كذلك اقترحت الاتفاق على يوم لإحياء ذكرى ضحايا النازية والستالينية. ومع الاقتراب من عام 2010، وافقت الجمعية العمومية للأمم المتحدة على مشروع قرار روسي يدين تمجيد النازية وحدها. وكانت الولايات المتحدة هي الدولة الوحيدة التي صوّتت ضد القرار. أما دول الاتحاد السوفياتي السابق، جورجيا وأوكرانيا ومولدافيا واستونيا ولاتفيا، فقد امتنعت عن التصويت، إضافةً إلى جميع دول الاتحاد الأوروبي. ستالين ليس هتلر. أزاح شبح النازية. حقّق الانتصار في الحرب العالمية الثانية. وإن كان البعض يرى فيه ديكتاتوراً، فلا بأس. للجميع أخطاؤهم. هذه هي رسالة روسيا الجديدة. ولهذا ستنتشر صوره وقصص بطولاته. ولسبب آخر أيضاً، هو كبح احتمال انسحاب السياسة الليتوانية (على سبيل المثال) على باقي دول الاتحاد السوفياتي السابق، بعدما وافق البرلمان الليتواني على حظر جميع الرموز السوفياتية والنازية في البلاد. وقد يعبّر الفن عن الصراع بين تاريخين، أحدهما قاتل والآخر منتصر. ففي إحدى اللوحات التي ضمّها معرض للفن المعاصر في موسكو إحياءً لضحايا جنود الحرب العالمية الثانية، يظهر جسد الفنان الكسندر بونوماريف الذي مات في ستالينغراد، كُتب في أسفلها عبارة لستالين: «ولا خطوة إلى الوراء...». هذا الربط التهكمي بين الصورة وعقلية ستالين إنما يشير إلى ما يراه البعض تحكّماً لستالين في عقول جنوده وشعبه وأوامره لهم. في يوم النصر، سترفض روسيا وضع ستالين وراء قضبان هتلر، وستترك تناقضات هذا الرجل تمر في وسائل الإعلام بصورة ديموقراطية
ربى أبو عمو.