تشهد فرنسا اليوم تظاهرات احتجاجاً على سياسة نيكولا ساركوزي في مجال الرواتب والتقاعد في صفعة جديدة للرئيس الذي أجرى تعديلاً حكومياً
لا يمكن القول إنّ الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي بنهج القطيعة والانفتاح الذي يتبعه، لم يتحاور مع النقابات العمالية ولم يدعها إلى اجتماعات ماراتونية في قصر الإليزيه. لا بل إنّ محازبيه وأعضاء حزب تجمع الأكثرية الشعبية يلومونه على «انفتاحه الزائد عن اللزوم» على الاشتراكيين وعلى شخصيات من خارج إطار مؤيديه. ويرى هؤلاء في هذا السلوك أحد أسباب «هجرة الناخب اليميني» الذي أوصل الساركوزية إلى هذه الهزيمة النكراء في انتخابات يوم الأحد الماضي التي أعطت اليسار حكم ٢٤ منطقة من أصل ٢٦. كذلك لا يمكن القول إنّ الناخب الذي صوّت أول من أمس للاشتراكيين أو للخضر أو حتى لليمين المتطرف كان يضع نصب عينيه مطالب النقابات، التي قررت أن تنزل اليوم إلى الشارع في إضراب، يرى البعض أنّه يمكن أن يأخذ بعداً سياسياً على ضوء نتائج الانتخابات، وخصوصاً مع وزن سكرتيرة الحزب الاشتراكي مارتين أوبري «الرابح الأكبر» للانتخابات المناطقية، الذي تجاوز البعد المناطقي المحلي للاقتراع، فطالبت ساركوزي بـ«تغيير سياسته». وكما كان متوقعاً، أجرى الرئيس تعديلاً حكومياً طال وزارات المالية والوظيفة العامة والعمل، استغنى بموجبه عن وزير العمل كزافييه داركو، الخاسر في الانتخابات، وحلّ مكانه وزير الموازنة إريك فيرت. وعين في حقيية المالية، النائب فرانسوا باروان، أحد المخلصين للرئيس السابق جاك شيراك. كما ضم إلى الحكومة أحد المقربين من منافسه اليميني دومينيك دوفيلبان. وكلّف النائب جورج ترون حقيبة الوظيفة العامة. وبالعودة إلى أجواء الاضراب المنتظر، يبدو أنّ ساركوزي لم يفطن لأهمية اختيار تاريخ «اليوم التالي للمعركة الانتخابية» بسبب اعتقاده أنّ ربح الانتخابات كفيل بـ«تنفيس» هذه الإضرابات. إلا أنّ النتائج جاءت مخالفة ومطابقة لجميع استطلاعات الرأي التي لم يلتفت إليها ساركوزي ولا حاشيته، وهو ما يلومه عليه أشخاص من داخل فريقه قبل خصومه. وتنظم خمس نقابات الاحتجاج الوطني في القطاعين العام والخاص. وينتظر أن يكون التشديد على إلغاء «مشروع إصلاح نظام التقاعد» إلى جانب محاولة الضغط على ساركوزي لسحب مشاريع إلغاء عشرات الآلاف من الوظائف في القطاع العام.في المقابل، وعدت الحكومة بمواصلة سياستها والاستمرار في الإصلاحات، مؤكدة أنّه ليس لديها من خيار في ظل الأزمة الاقتصادية. إلا أنّ ساركوزي كان قد تحدث قبل الانتخابات بيومين لصحيفة «فيغارو»، وقال بـ«إمكان وقف مسار الإصلاحات» ووصف الأمر بأنّه استراحة، وفسره البعض بأنّه استباق لنتائج الانتخابات التي خسرها، بينما رأى آخرون أنّه تمهيد للانتخابات الرئاسية عام ٢٠١٢.
ورغم عدم وجود جبهة موحدة، إلا أنّه يتوقع أن يشارك عدد كبير في الإضراب، وخصوصاً من الهيكل التعليمي والموظفين. ويتفق المراقبون على أنّ إضراب اليوم لن يكون سوى مقدمة وتحضير لمعركة كبيرة. فأحزاب المعارضة لا تزال في نشوة الانتصار، ولم تبدأ بعد بالتشاور في طروحات أساسية لمعركة مرتقبة بين المعارضة والحكومة. مشاورات قد تكون خشبة خلاص لساركوزي، إذ من المتوقع أن المفاوضات بين الأحزاب المعارضة مثل الخضر والاشتراكيين سوف تكشف أنّ «المعارضة هي معارضات» وأنّ توافقها كان فقط انتخابياً.