شهادات صحفية عن الموسيقار البحراني السجين مجيد مرهون

في عام 1985، وعشية المهرجان العالمي الثاني عشر للشبيبة والطلبة الذي انعقد في موسكو، أطلقت جبهة التحرير الوطني البحرانية واتحاد الشباب الديمقراطي البحراني "أشدب" حملة تضامن عربية وأممية واسعة مع المناضل مجيد مرهون القابع، آنذاك، في سجن جزيرة جدا يقضي عقوبة السجن المؤبد، وقد اختارته اللجنة التحضيرية الوطنية البحرانية رئيساً فخرياً لها في نطاق الجهود لتسليط الضوء على قضيته.

في نطاق الاستجابات لتلك الحملة التضامنية فان صحفاً ومجلات عربية عديدة كتبت تتضامن مع قضية مجيد مرهون الذي كان قد أتم، يومها، أكثر من ثمانية عشر عاماً في سجون البحرين..!

أدناه نعيد نشر شيئاً مما كتب عنه في الصحافة العربية، ووثقته مجلة "الفجر" الناطقة باسم جبهة التحرير الوطني البحرانية، للتعرف على بعض صور التضامن مع قضية مجيد مرهون في تلك الظروف الصعبة.

 

وليد معماري: مرافعة البلبل في القفص

 

تكلم فنحن نسمعك.. دق على جدران زنزانتك لتصير ذراعاك فوهتي مدفع تسقط كل الزنازين.. اعزف على قيثارتك، سيحمل الحمام ألم وحدتك، وينشره ابتسامة لغد حرية.. مجيد مرهون.. أيها البحراني المعتق بخمرة شعبك. قل كلمتك وانتظر:

 

"أنا سجين في جزيرة (جدا)، وليس لدي أية إمكانيات، وبمعنى آخر ليست لدي أية آلة موسيقية، وظروفي صعبة قاسية، ولكني أحاول التغلب على هذه الظروف بكتابة الموسيقى".

 

من سمع بهذا الاسم من قبل؟.. ها نحن نسمعه الآن، ونرهف حواسنا وقيمنا الحضارية لموسيقاه مطبوعة على اسطوانة رقيقة "ذكريات" عزفتها أوركسترا الإذاعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

 

سبعة عشر عاماً في السجن.. والمدة المقررة له: مدى الحياة! والتهمة تفجير سيارة ضابط جهاز المخابرات الاستعماري في البحرين عام 1968.. ومصدر الحكم هو المحتل الأجنبي.. رحل المستعمر وبقي البلبل في القص.. لا يملك إلا أصابعه، يعزف عليها، ويكتب ألحانها دونما آلة موسيقية.. مجيد مرهون.. أيها الصقر الجارح المقيد بالأصفاد.. تقدم إلى منصة الإنسانية وقل دفاعك..

 

أنا سجين جزيرة "جدا".. أقف على نافذة السجن وأغني، فهل تسمعون صوتي أيها البشر؟.. ولدت في بيئة فنية، وتشربت نغمات الموسيقى والإبداعات الراقصة، والمواويل الشعبية.. أنهيت دراستي الابتدائية عام 1958 والتحقت بمركز التدريب المهني في شركة نفط البحرين "بابكو" وتفوقت دراسياً فيه، ثم أصبحت عاملاً في مصنع التكرير بالشركة.

 

أعزف على آلات متعددة: الأكورديون، والكمان، والفلوت، لكني متميز في العزف على السكسفون، ومتميز في العزف على الوتر الثوري، والاندغام في لحن شعبي المكافح.. ولهذا كنت واحداً من المشاركين البارزين في انتفاضة آذار 1965 ضد المحتل.. اعتقلت عام 1968، وبعد عام من العزف البريطاني الوحشي على جسدي بالسياط، حكم علي بالسجن المؤبد بعد محاكمة صورية.. ومازلت أغني فهل تسمعون صوتي؟..

حصلت في السجن على شهادة تقديرية من الأكاديمية الملكية في السويد حول أعمالي الموسيقية.. هل أسمعكم لحن "الحنين إلى الماضي" سأرسله لكم على جناح حرية.. هو تعبير عن خيالات الماضي الجميل، منطلقاً من خلال قضبان زنزانتي إلى أمس يبدو كأنه بعيد، له طعم خاص يعطيني الراحة العميقة.. ورغم وجود أنغام متداخلة، إلا أنها جميعاً توحي بوجود الصمت والوحدة القاتلة.. وحيد في الزنزانة، سوى صوتي الذي يعرش على الجدران الرطبة.. وما زلت أغني.. فهل تسمعون صوتي؟.

 

قادم من "العدامة".. هل تعرفون العدامة؟.. انقرض هذا الحي، وانقرضت فيه تلك البيوت الفقيرة المبنية من سعف النخيل.. أحرقوها.. لا يريدون رؤية وجه الفقر أمامهم.. لكن الفقر هو الذي أنبتني عنيداً، متمرساً، صلباً، وهذا لم ينف طبيعتي الفنية المرهفة، شفافيتي المفرطة، وإحساسي الجمالي بعذوبة الألحان، ولهذا عزفت للحرية، وغنيت للشمس، وما زلت في عتمة الزنزانة أغني، فهل تسمعون صوتي؟..

 

اسمي مجيد مرهون، محكوم من قبل المستعمر البريطاني بالسجن المؤبد.. خرج المستعمر، ولم أخرج من زنزانتي، أعزف على السكسافون.. وبسبب هذه الآلة أصبت بآلام حادة في أذني.. لكنني أعشقها، ذلك أنها قريبة من "الليوة" و"الفجري" و"الطنبورة" المنتمية بدورها إلى جذور تلتقي مع طبيعة الموسيقى الزنجية لعازفي الجاز.. ألحان "البلوز" الحزينة والعالية الروح، المعبرة عن جوهر زنوج أمريكا وهم يعملون على نهر الميسيسيبي حين يغنون أغاني العمل.. وحين في المساء يعودون إلى أكواخهم ليبدؤوا أغنيات الليل الحزينة ملائمة مع حياتهم الشاقة المريرة.. كذلك كان أبناء شعبي يعزفون على "الليوة" حين كانوا يحملون صليب عبوديتهم.. ردحاً من الزمن عند سادات القبائل، وظلوا يسكبون أحزانهم في ألحانهم المثقلة بالكآبة والعذاب والمعاناة.. يصير الحزن إلى المناضل فيتحول في يده إلى سيف مبهر في صنعته وزخرفته ومعدنه، يكون في الآن ذاته آلة جارحة بل قاتلة ضد المستغلين.. داهمني الحزن، لكنه لم يفترسني.. ماتت شقيقتي، وشريكتي في موسيقاي بين يدي، فلم تزدني المأساة الشخصية إلا رهافة، وتصميماً على متابعة الدرب.

 

مازلت في سجني أدخل إلى الواقع بالخيال.. أحلم في يقظتي بالتحليق في فضاء رحب.. ف مصافحة أيدي الكادحين الخشنة.. في سماع أنينهم وضحكاتهم.. وأحلم أني أغني ليومهم وغدهم، لا أخاف من التجديد والتطوير وكسر السائد، فأنا ضد الجمود والتخلف في الموسيقى، ضد أن يزل وطني على هامش الحضارة العالمية.. أبطال موسيقاي يعانون في الحياة، ويواجهون الصعوبات.. بشر محملون بالآلام يتجاذبهم اليأس والأمل.. هل استمعتم إلى مقطوعتي أزميرالدا؟ نعم هي بطلة "هوغو" التي ولدت معاصرة في.  هل وصلكم لحن "رسالة مسجونة"؟ لا تبحثوا عن السر، فواقعي له جاذبيته غير المرئية.. إني أبحث عن الحبيبة بالتذكار المجنون للحب، البعيد في صراعه مع الرياح والقراصنة، الحب ينتصر على الحرب والأمل أقوى من اليأس.. ولهذا أغني فهل تسمون صوتي؟.

 

أنا مجيد مرهون البحراني، سجين "جدا".. أحييكم بحب.. الشمس تطلع من الشرق، والعصفور يحب الفضاءات ويكره أقفاص العبيد.. فانتظروا جناحي..

 

 

جريدة تشرين السورية

13/10/1985

 

محمد فرحات: موسيقى وراء القضبان.. في البحرين

 

مجيد مرهون، موسيقي من البحرين، يرزح في سجنه هناك منذ 17 عاماً، حينما حكمت عليه سلطات الاستعمار البريطاني بالسجن المؤبد، وقد أنجزت البحرين استقلالها والفنان لا يزال ينفذ حكم المحكمة البريطانية، وفي سجن بلا أمل يكتب موسيقاه.

 

اعتقل مجيد مرهون عام 1968، وبعد عام من التعذيب انعقدت محكمة صورية بريطانية حكمت عليه بالسجن المؤبد بتهمة تفجير سيارة ضابط في جهاز المخابرات الاستعماري.. وكان مجيد مرهون قبل سجنه يعزف على آلات موسيقية متعددة، لكنه اعتبر أفضل عازف لآلة السكسفون في البحرين، وأسس فرقة "الزولوس" التي أسهمت بشكل بارز في الحركة الفنية.

 

حصل الفنان السجين خلال فترة سجنه على شهادة تقديرية من الأكاديمية الملكية في السويد حول أعماله الموسيقية "التي تؤكد بأنه على مستوى الاحتراف في الأركسة والتأليف"، وفي العام 1985 عزفت أوركسترا الإذاعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية عملين لمجيد مرهون هما: "ذكريات" التي يعتبرها الفنان من خيرة ألحانه القصيرة. و"الحنين" التي تعبر عن الصمت والوحدة القاتلة للسجين.

 

كتب مجيد مرهون عم 1974: "أنا سجين جزيرة (جدا)، وليس لدي أية إمكانيات، وبمعنى آخر ليست لدي أية آلة موسيقية، وظروفي صعبة وقاسية، ولكني أحاول التغلب على هذه الظروف بكتابة الموسيقى" وقد مر تطوه الموسيقي في السجن بمرحلتين: الأولى بين العامين 1968 و 1973 حين مارس دراسة مكثفة لبعض المؤلفات الموسيقية وكتب مقاطع موسيقية وألحاناً وأناشيد، كما دون نوتات مستوحاة من الأغاني الشعبية.. وتمتد المرحلة الثانية من العام 1974 حتى اليوم.  وفيها تميز مرهون بغزارة الإنتاج الموسيقي، فكتب كراسة "كونشرتو من ثلاثة أجزاء"، كما كتب "كونشرتو جزيرة الأحلام" و"كونشرتو وداعاً يا حبي" و"عزف منفرد على الناي" و"سوناتا" و"أنغام للميلوديكا" ولحن مقتطفات من قصيدة "عاشق في زمن العطش" لعبد الحميد القائد، إضافة إلى أعمال موسيقية أخرى، بينها "أزميرالدا" و"الحنين" و"ذكريات".

 

أما اللحن العظيم لمجيد مرهون فهو بوارق الأمل التي يعبر عنها في سجنه الطويل الصعب، وإمكانية أن يواصل العطاء الموسيقي في حياة الرتابة القاتلة التي يمضيها والعزلة الخانقة.

 

جبهة التحرير الوطني البحرانية ذكرتنا بحال الفنان مجيد مرهون، وتأتي هذه التذكرة مع خبر إعدام الشاعر الجنوب الأفريقي بسبب معارضته للتمييز العنصري في وطنه وارتكابه "جرائم" في مواجهة سلطة التمييز هذه.

 

الشاعر الجنوب أفريقي أعدم رغم مناشدة جهات عالمية عدة.. أما الشهيد الحي مجيد مرهون السجين في جزيرة صغيرة في البحرين فهو يحتاج إلى مؤازرة كافة المبدعين العرب لكي يطلق سراحه، ولكي تنتشر موسيقاه في المكان الذي أحب، وفي كل الأمكنة حيث يحترم الإنسان المبدع المتمسك بحرية بلاده.

 

 

جريدة السفير اللبنانية

20/5/1985

 

 

الياس شاكر: المناضل البحراني العامل والفنان والسجين مدى الحياة:

ألحان له طالعة من "حي العدامة" وسجن جدا إلى الأوركسترات السيمفونية

سنة 1968 ألقي القبض في المنامة، عاصمة البحرين الرازحة، وقتها تحت سلطة الاستعمار الإنجليزي، على شاب في حوالي العشرين من العمر، وبعد سنة من التعذيب الوحشي مثل هذا الشاب العامل في مصنع تكرير النفط التابع لشركة نفط البحرين، وعازف الساكسفون، والمناضل الثوري، مجيد مرهون أمام محكمة استعمارية صورية أصدرت بحقه حكماً بالسجن المؤبد بتهمة تفجير سيارة ضابط جهاز المخابرات الاستعماري في البحرين ويدعى أحمد محسن، ومنذ ذلك الحين، ورغم إعلان استقلال البحرين، لا يزال مجيد مرهون حتى اليوم، وبعد عشرين عاماً من اعتقاله كسجين سياسي، نزيل السجن، في الظروف نفسها التي كانت سائدة قبل الاستقلال، بإشراف المستشارين الإنجليز الخبراء في قمع الحركة الوطنية والعمالية.

 

سنة 1985 صدرت أسطوانة صغيرة (45 دورة) وزعتها جبهة التحرير الوطني البحرانية، تتضمن أعمالاً سيمفونية عزفتها الأوركسترا السيمفونية لإذاعة جمهورية ألمانيا الديمقراطية في برلين للمؤلف الموسيقي البحراني مجيد مرهون الذي لم يغادر سجنه ولا حتى استطاع أن يحصل على آلة موسيقية في سجنه.

 

عشرون عاماً تغيرت فيها أشياء كثيرة لكن وراء القضبان، في سجن "جدا" البحراني كانت تنضج موهبة موسيقية فذة ما لبثت أن وصلت إبداعها إلى أرجاء العالم المتحرر في أسطوانات وألبومات وعلى موجات الأثير، وفي ملصقات يوزعها الديمقراطيون والثوريون في أرجاء العالم تحمل صورة الشاب البحراني الأسمر وتطالب بإطلاق سراحه وتحرير مواهبه الفذة ليعود إلى النضال مع موسيقاه في سبيل تحرير وطنه وطبقته العاملة.

 

 

جريدة النداء البيروتية

27/10/1985

 

نور الدين الطاهري: من قلب السجن تنبع الألحان

 

وأنا أقرأ مقالة بإحدى المجلات، حول الموسيقى في جمهورية ألمانيا الديمقراطية، أثار انتباهي وجود اسم عربي ضمن خانة التأليف لأعمال أوركسترا الإذاعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية.

 

أعمال هذا الاسم العربي: مجيد مرهون، تشمل على معزوفتين هما: "ذكريات" و"حنين إلى الماضي".

 

ومن هنا، حاولت التعرف على جوانب من حياة هذا الموسيقي العربي وأعماله الفنية، ولكن دون جدوى، مجيد مرهون المعروف لدى الألمان، مجهول في دياره العربية!!

 

وبعد هذه المحاولات الفاشلة، أتيحت لي فرصة الاطلاع ضمن كراس وزعته جبهة التحرير الوطني البحرانية (نشرت أجزاء من هذا الكراس، بمجلة "بيروت المساء" عدد 170) على تعريف واف عن حياة الفنان البحراني مجيد مرهون، ونضاله، ومعاناته، وأعماله الفنية.

 

(...) ثمانية عشر سنة مضت على اعتقال الفنان مجيد مرهون، وهو يتنقل بين سجون جزيرة "جدا" و"القلعة"، وهو "يحلم أن يجد نفسه خارج القضبان حراً وطليقاً مع أسراب الحمام الأبيض المسافر نحو عالم السلام والسكينة".. ألف أسبوع بالتمام والكمال، مضت على اعتقال الفنان مجيد مرهون، ومن قلب سجنه تنبع ألحانه دافئة، ويزداد عطائه..

 

أزيد من 6500 يوم، بأيامها ولياليها وفصولها، مضت على اعتقاله وهو يبدع، ويقاوم، ويحول سجنه إلى "كونسار فاتوار"، وصل إشعاعه كل أرجاء الدنيا، فحصل، وهو في السجن، على شهادة تقديرية من الأكاديمية الملكية في السويد حول أعماله الموسيقية الرفيعة، وخلال سنة 1985، كما أشرنا قبلاً، عزفت أوركسترا الإذاعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية اثنين من أعماله.

 

متى يحقق الفنان المناضل مجيد مرهون أمله في العيش، خارج القضبان، وفي وطن حر، وسط شعب سعيد؟.. الجواب عن تساؤلنا نجده بين ألحان وأنغام وأصوات النشيد الكفاحي الذي لحنه الفنان في زنزانته: "طريقنا أنت تدري".

 

 

مجلة الاتحاد الاشتراكي المغربية

19/12/1985

 

 

غسان زقطان: مجيد مرهون عامل ميكانيكي في سجن جزيرة "جدا"

يكتب موسيقى ويضئ على الجزيرة

لم أكن أعرفه، لم أسمع به قبلاً.. وفجأة يتقدم من خلال "كراس" رديء الطباعة.. وصورة قديمة ربما أخذت من شهادة مدرسية أو من صديق دراسة.  فيما بعد حصلت على اسطوانة سجل عليها بعض أعماله الأولى.

 

عام 1074 كتب في مذكراته: "أنا سجين جزيرة جدا"، وليس لدي أية إمكانيات، وبمعنى آخر ليست لدي أية آلة موسيقية، وظروفي صعبة، قاسية.. ولكنني أحاول التغلب على هذه الظروف بكتابة الموسيقى".

 

كان ذلك عام 1974، وها نحن على أعتاب عام 1986 وما زال الفنان البحريني "مجيد مرهون" في سجن جزيرة "جدا" يحاول أن يحصل على آلة موسيقية، بعد أن ناضل طويلاً ليحصل وكنه على الاستقلال، منذ سنوات يفاعته الأولى مروراً بانتفاضة مارس (آذار) 1965، إلى أن حكمت عليه السلطات البريطانية بالسجن المؤبد عام 1968.

 

ومنذ ذلك الحين و"مجيد مرهون" يوزع يومه بالتساوي، في النهار مسؤول عن الإصلاحات الميكانيكية والكهربائية في سجن الجزيرة لكونه عاملاً فنياً، وفي الليل يكتب الموسيقى.. واستطاع الحصول من خلال ذلك على شهادة تقديرية من الأكاديمية الملكية في السويد حول أعماله الموسيقية التي تؤكد بأنه على مستوى الاحتراف في الأركسة والتأليف.. وفي عام 1985 عزفت أوركسترا الإذاعة في جمهورية ألمانيا الديمقراطية اثنين من أعماله هما: "الحنين إلى الماضي" و"ذكريات" اللتين يعتبرهما من خيرة ألحانه القصيرة لما تحتويانه من تفاصيل فنية.

 

يقسم الكراس مسيرة "مجيد مرهون" الموسيقي إلى مرحلتين داخل السجن، الأولى تبدأ باعتقاله عام 1968 وتمتد حتى 1973، كان تركيزه فيها منصباً على تجميع وتدوين النوت والإيقاعات للأغاني الشعبية القديمة في البحرين كأغاني: "الغوص والليوه والطنبوره..." بالإضافة إلى وضع الأسس الأولية لفكرة "القاموس الموسيقي".

 

المرحلة الثانية تبدأ من عام 1974 وتمتد إلى 1984، وتميزت "بغزارة الإنتاج الفني والسيطرة على مفاتيح فن التأليف والتلحين والتوزيع.."، ويورد هنا عدداً من الأعمال المتسلسلة زمنياً كالآتي: كونشرتو لثلاثة أجزاء:

 

اللحن الأول بعنوان: "أزميرالدا" مؤرخة في 14/6/1974، تبدأ المقدمة بحركة بطيئة متماهلة، أما التوزيع الآلي مجموعتي آلة الفلوت والكلارينيت والأوبوا والسكسفون والتروميت وآلات نافخة ومجموعتين للفولين (الكمان)، ومجموعة الفيولا والشيلو والكنترباص وآلات وترية، ويمكن لنا أن نشير هنا إلى اختيار الموضوع "فالبطلة المعذبة في رواية (أحدب نوتردام) في هذا اللحن، ما هي إلا مقارنة بين مأساته ومأساتها، وفي هذا العمل يصور حقيقة جوهرية هي التجاذب بين اليأس والأمل، المستمد من شخصية "أزميرالدا" ذاتها المتنازعة بين أحاسيس ومشاعر متداخلة، التاريخ، المسافات، والأزمنة المختلفة، ولكن المأساة متشابهة".

 

اللحن الثاني المسمى "بالحنين" كتبها للسلم "فا الصغير"، والمقدمة تبدأ بآلات وترية بحركة بطيئة.

 

اللحن الثالث على نفس السلم "فا الصغير" بعنوان "راقصات التانغو"، بمقدمة عزف للبيانو المنفرد بحركة سريعة مرحة وحيوية، التوزيع موضوع لآلات الأوبرا، الباصون، الفيولين والفيولا والشيلو والبيانو.

 

-    كونشرتو "جزيرة الأحلام" سجن جزيرة "جدا" عام 1974.

-    كونشرتو "وداعاً يا حبي" كتبه عام 1970، وأعاد كتابته عام 1075.

 

هذه اختيارات لبعض أعمال الفنان "مجيد مرهون" التي يوردها الكراس المخصص له بعنوان "الموسيقي يحلق وراء القضبان"، لعلنا نساهم حين نقدمها في إلقاء الضوء على عامل الكهرباء "مجيد مرهون" في جزيرة "جدا".. المحكوم من قبل البريطانيين بالسجن المؤبد منذ سبعة عشر عاماً.

 

 

مجلة الحرية العدد 136

27/10/1985

 

 

عدنان جابر: إنهم يسجنون الموسيقى

 

يقول شكسبير: الموسيقى غذاء الحب.  كم تبدو المفارقة أليمة حينما نرى في منطقتنا العربية أنظمة لا تقدر مواهب أبنائها، ليس هذا حسب، بل وترميهم في السجون وفي دياجير الظلام والنسيان.

 

مجيد مرهون، موسيقي، لو تواجد في دولة تهمها الحضارة بقدر ضئيل لجعلته قيمة من القيم الحضارية ورمزاً ثقافياً ولكانت كرامته، وجعلت ألحانه ضمن المادة اليومية للراديو والتلفزيون عندها، ورشحته لتمثل بلاده في المناسبات الموسيقية العالمية.

منذ سبعة عشر عاماً، منذ 1968، وحتى الآن، لا يزال مجيد مرهون سجيناً في جزيرة "جدا".  محكوماً بالسجن المؤبد بتهمة تفجير سيارة ضابط جهاز المخابرات الاستعماري في البحرين أحمد محسن.

 

(...) كم هي ساطعة موهبة هذا الفنان الذي تلقى تقديراً من "الأجانب!" في حين يلقى الجحود في بلده.  وهو الذي يمتلك ثقافة موسيقية واسعة ورغبة متوقدة في تحقيق الإنجازات والإبداعات الموسيقية وميلاً إلى التعلم واستعداداً راقياً للتطور والتجاوز.

 

(...) وإذا كان النظام الاستعماري البريطاني سابقاً، والنظام البحراني راهناً، هما المسؤولان عن جريمة سجن هذا الموسيقي الفذ، وإذا كانت السلطات البحرانية ممعنة في إبقائه خلف القضبان، فهذا لا يعني أن الشعب البحراني ومثقفيه قد نسوا هذا الفنان المفخرة.

 

إن التاريخ المستقبلي للبحرين سيكتب اسم مجيد مرهون بأحر من نور وسينغرس إبداعه عميقاً في ذاكرة شعبه، ويكفيه فخراً أنه كتب في السجن لحن النشيد الكفاحي "طريقنا أنت تدري".

 

أخيراً نقول إن سجن هذا الموسيقي المبدع لهو عار كبير.  وأن الحملة الإعلامية من أجل إطلاق سراحه كان يجب أن تبدأ قبل الآن بوقت طويل.  حتى تنقذ هذا المناضل من براثن السجن والنسيان، وتحرر موسيقاه من الأسر لتنطلق بجمالها وجلالها نحو شعبه ونحو الإنسانية جمعاء.

 

 

مجلة الهدف الفلسطينية

العدد 793

 

 

مجلة "فتح": عازف السكسافون الحزين

يا مجيد!

 

ربما كانت هي المرة الأولى التي يقرأ فيها كثيرون اسمك.

 

لكنهم، تواً.. سيعرفون من أنت..

 

سنقول لهم عن السجن المؤبد، وعن أعمالك التي اخترقت قضبان السجن فوصلت.  قبل أن تصلنا.  إلى إذاعة ألمانيا الديمقراطية كي تعزف، وإلى السويد حيث عادت لك بشهادة تقديرية من الأكاديمية الملكية في السويد.

 

تواً.. سنقول لهم عن المستعمر الإنجليزي الذي أصدر عليك الحكم، وعن الحكم "الوطني" الذي قام بتنفيذ الحكم.

 

وسنحدثهم: أخوتك وأشقائك، عن التعذيب الوحشي الذي تعرضت له منذ عام 1968، عن حي "العدامة" الذي ولدت فيه، وفرقة "الزولوس" التي أسستها، ومصنع تكرير النفط الذي عملت فيه، وآلات الأكورديون والكمان والفلوت والسكسافون التي برعت في العزف عليها، ولم تشاهدها منذ (17) عاماً.

 

سنحدثهم يا عازف السكسافون الحزين عن بعض ما عرفناه عنك، وفي ذهننا أننا نفعل هذا تضامناً معك فحسب، وإنما، أساساً، كي يتعلم، المناضل المبدع منك، وكي يعرف بعضنا، كيف أصبحت زنزانتك أكثر سعة من منافينا وأوطاننا! و... عذراً لهذا التعريف، فقد يكون هدفه القول، إن العصافير تحوم على شباك زنزانتك لا على نوافذنا.

 

مجلة فتح/العدد 61

30/10/1985

 

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة