قانون التقاعد يحرّك المعارضين والنقابات تطالب بـ «تعديلات ملموسة»
لم يكن قانون التقاعد إلا العنوان العام للتظاهرات الفرنسية أمس. فمعارضة سياسات الرئيس نيكولا ساركوزي كانت المحرك الأبرز للمتظاهرين، وهو ما بدا واضحاً في اللافتات التي رفعوها
باريس ــ بسّام الطيارة اختلفت النقابات والسلطات المحلية الفرنسية على تقدير عدد المشاركين في التظاهرات التي نظمت أمس احتجاجاً على مشروع إصلاح نظام التقاعد الفرنسي، إلا أنها اتفقت على وجود رقم «مليون». تقديرات الشرطة قالت إن نحو مليون شخص شاركوا في ٢٣٢ تظاهرة عمّت أرجاء فرنسا قاطبة، بينما النقابات تشير إلى أن العدد يجاور ثلاثة ملايين. وبغض النظر عن عدد المشاركين، يمكن القول إن النقابات ربحت معركة الحشد، على الرغم من كل المناورات التي قامت بها الحكومة عبر تلويحات بإمكان «القيام ببعض التعديلات» عندما يمر قانون التقاعد أمام مجلس الشيوخ. إلا أن ما يلوح في أفق تصريحات المسؤولين النقابيين هو أن «المعركة خاسرة»، وأن أقصى ما يمكن أن يحصل هو تعديلات طفيفة يعتقد عدد من المراقبين أن الرئيس الفرنسي نيكولا ساركوزي قد يسمح بها «لحفظ ماء وجه النقابات» والسماح لها بإعلان «انتصار صغير». ومن المتوقع أن تطال التعديلات الطفيفة تعديل سن التقاعد للمعوقين بحيث يبقى بحدود الـ٥٥ عاماً، والعمل على مساواة رواتب النساء بالرجال مع إمكان تغريم الشركات والمؤسسات التي تميز بينهم، إضافة إلى الأخذ في الاعتبار العاطلين من العمل الذين تتجاوز سنهم الستين والسماح لهم بالتقاعد قبل السن القانونية الجديدة، ٦٢ عاماً. إلا أن هذا لا يحمل أي مدلول ربح لساركوزي. إذ يكفي النظر إلى اللافتات، التي زينت رفعها الحشود، للانتباه إلى أن عدداً كبيراً من الذين نزلوا إلى الشارع، أتوا ليعارضوا سياسة ساركوزي خصوصاً: أول لافتة رفعها المتظاهرون في باريس خُطّ عليها: «لسنا غجراً»، وبين كل فاصل وآخر لافتة عليها رسم ساخر لساركوزي أو انتقاد مباشر لطريقة إدارته البلاد. وكانت أرقام استطلاعات الرأي، التي سبقت التظاهرات، قد بينت أن ٦٤ في المئة من المواطنين يؤيدون التظاهر. وأظهر أن القلق الذي ينتاب الفرنسيين يتجاوز مسألة نظام التقاعد الذي يتفق الجميع على ضرورة إصلاحه للمحافظة عليه. إلا أن الشعور بـ«هشاشة أوضاعهم الحياتية» بارزة في جميع الإجابات عن أسئلة الاستفتاءات. كذلك بدا ظاهراً أن «الشباب بين ١٨ و٢٤ عاماً» يمثّلون نواة معارضة قوية لتوجهات ساركوزي، إذ أجاب ٨٠ في المئة بأنهم يدعمون بقوة الحركة المطلبية مثل حال ٧٣ في المئة من الشريحة التالية، أي ما بين ٢٥ و٣٤ عاماً. ويقول خبير إن هذا يجب أن يمثّل «جرس إنذار لليمين الفرنسي». بالطبع يمثّل «تمديد العمل حتى ٦٢ عاماً» محور توافق فرنسي على رفضه، وهو لا يحرك الشباب خصوصاً مثل الخوف من البطالة، إلا أن ٥١ في المئة من شريحة الـ٥٥ إلى ٦٤ عاماً يرفضونه رفضاً قاطعاً، بسبب إطالة مدة عملهم على المدى المنظور، إضافة إلى اعتباره «كسباً اجتماعياً بارزاً»، وهو ما يبرر وجود نعش حمله المتظاهرون كتب عليه نعي: «من مات قبل التقاعد». ساركوزي قال إنه لن يتراجع، بينما قال زعيم نقابي: «إن إعلان الإضراب المفتوح مسألة دقيقة»، قبل أن يستطرد بقوله «إن العمال لا يستطيعون الإضراب أكثر من يومين في الشهر»، مشيراً إلى خسارة أيام العمل التي تضاف إلى تراجع القدرة الشرائية. إلا أن هذا لا يعني بأي شكل أن النقابات قد قررت التوقف بعد تسجيل هذه الأرقام العالية في حشد المتظاهرين. فقد ذكر فرانسوا شيريك، زعيم الاتحاد العمالي العام، ثاني الاتحادات العمالية، أن «الضغط لن يتراجع» مع اعترافه بإمكان «القبول بتعديلات ملموسة» في حال التوافق عليها. وهو ما يرفضه برار تيبو، زعيم الاتحاد العام، أكبر الاتحادات النقابية، الذي صرح بأن «على مجلس الشيوخ أن يعدل المشروع خلال القراءة الثانية»، مشدداً على سن الستين للتقاعد». وهو ما رأى فيه البعض «إعلاناً عن الإطار المقبول» لعدم العودة إلى الشارع في إضراب مفتوح ترفضه النقابات الأخرى. أما المعارضة السياسية، فقد نزلت هذه المرة إلى الشارع مع المتظاهرين، فيما عم هدوء غريب شوارع المدن التي لم تشهد أي زحمة. وقد كشف أحد المعنيين بالسير أن السبب يعود إلى أن غير المضربين بقوا في منازلهم خوفاً من الازدحام.