وطنية: نظم اتحاد الشباب الديموقراطي اللبناني لقاء مع وزير الاتصالات الدكتور شربل نحاس في مسرح المدينة، بمشاركة عدد من الخبراء الاقتصاديين وفاعليات في المجتمع المدني وممثلين لقوى حزبية ونقابية وحشد من المهتمين.
ألقى الوزير نحاس كلمة قال فيها: "لقد شهد لبنان تطورات هائلة في الستينات وسبعينيات القرن الماضي، فقد نزحت الرساميل العربية الى لبنان مستفيدة من السرية المصرفية، وتسارعت الهجرة الداخلية من الريف الى المدينة، وكان توسع سريع في التعليم بمختلف مستوياته وتأمين الطرقات والكهرباء والمياه، وبداية تكثف الاقتصاد لناحية نشوء انشطة مختلفة وجديدة في تصنيع عدد من الخدمات التي كانت تشكل نسبة كبيرة من الصادرات كسلع وخدمات. وفي أوائل السبعينات، بدأ هذا البنيان يشهد تسارعا في تكثيفه الداخلي، وحراك سياسي يواكب موجات متسارعة من النزوح، وارتفعت نسبة الصراع الاجتماعي مع مرحلة نهوض المقاومة الفلسطينية وانتقال جزء من نشاطها الى لبنان، أما السلطة الفعلية التي كانت ممسكة بالبلد فلم تستطع مواكبة هذه التطورات، فالبنيان الداخلي الذي يسمى بالمرحلة الشهابية بدأ من نهاية الستينات ينفرط عقده، والقوى الاكثر انتشارا وتنظيما والتي كانت مكونا اساسيا لسلطة الدولة بدأت تنفك عن السلطة وهي خصوصا حزب الكتائب والحزب التقدمي الاشتراكي، فشهدت بنية السلطة تخلخلا كبير جدا، ولم تستطع مجاراة التغيرات في المطالب الاجتماعية والاقتصادية الجديدة، ما ساهم في خلق جو من ارتباك شهد حدة متصاعدة من الصراع، الى أن تم تأريخ الحرب في العام 1975 التي استمرت حتى التسعين، وها نحن حتى اليوم نحمل آثار فشل السلطة في ادارة التحديات المحيطة والداخلية منذ ذلك الحين". أضاف: "بداية من غير المعقول ان تدوم حرب 15 سنة، لأنها مكلفة، ولأن الناس تفقد جزءا اساسيا من مداخيلها، فكان لا بد من تأمين مصادر دخل بديلة للناس للاستمرار، وتغذية الآلة الحربية في آن، وهكذا تزامنت الحرب مع ظاهرة مهمة وهي القفزة النوعية التي شهدتها اسعار النفط في الفترة نفسها. فالفوائض النفطية وصلت الى ارقام غير مسبوقة، في حين هاجر عدد كبير من اللبنانيين بفعل بداية الحرب الى الخارج، وبين تحويلات اللبنانيين وبين المال السياسي الذي جزء اساسي منه نفطي تأمنت المستلزمات المادية لاستمرار الحرب. وخلال هذه الفترة، البنية الاساسية للدولة انهارت في أواسط الثمانينات واهم مؤشر لذلك انهيار العملة الوطنية، وهو يعني عملية تحويل هائلة للثروة التي لا تزال آثارها قائمة حتى اليوم بين الشرائح والطبقات الاجتماعية، فليس فقط أصحاب المدخرات خسروا أموالهم والمستدينون استفادوا من فقدان قيمة ديونهم، وانما اضافة الى ذلك انخفضت الاسعار في الداخل ومن كان لديه مداخيل في الخارج اصبح لديه قدرة شرائية عالية، فتغيرت البنية الطبقية للمجتمع اللبناني، كما ان الدخل المبني على الاجر وخاصة في الدولة تم ضربه، وكذلك حل الدولار (وهو عملة غالبية المنطقة المحيطة بلبنان) محل الليرة، والتحق لبنان بهذه المنظومة النقدية، وهكذا تغيرت معالم توزع الثروة وبنية المداخيل نهائيا، وما الايجارات القديمة وغيرها من الظواهر القائمة حاليا الا رواسب هذه المرحلة". وتابع: "وخلال هذه المرحلة انتقل الصراع الى مرحلة انزواء أجزاء جغرافية واجتماعية من السكان ضمن اطر ومناطق المليشيات التي لم تكن تمتلك مشاريع لتغيير الدولة، وتأسست هذه الوضعية، وبدأت المليشيات هذه تؤسس لتعاون وترابط في ما بينها وجباية ايرادات وغيرها وهذه المرحلة كانت تعيش من التحويلات من الخارج أي من المهاجرين وخاصة الشباب". وقال الوزير نحاس: "جاءت مرحلة الطائف، التي شهدت قبلها انهيارا لليرة وبعدها انهيارا آخر، ما ادى الى تشكيل ضربة اضافية لما تبقى من البنية التقليدية لتوزع الثروة والدخل لصالح المداخيل الخارجية والمداخيل النقدية، واستمرت مرحلة ما بعد الطائف لتقيم نظاما مؤسسا وفق الوضع الذي كان قائما في نهاية الثمانينات، فأقامت تآلفا منظما بين الكيانات التي هي ما دون الدولة، وكانت المقايضة بين سلطات محلية قليلة الفاعلية هي التالية: ان ما يخسره الكيان السياسي ما دون الدولة من سلطة على موقعه، يحصل بدلا منه شرعية أعلى في المشاركة في الدولة، وموقع في توزيع الدفق الخارجي من الاموال. هذا البنيان الذي نشأ في الثمانينات وأخذ شكله المؤسسي في بداية التسعينات بدأ يتطور الى اليوم وهو قائم على ما يلي: مخزون من الهجرة الذي يحول الى لبنان أموالا، وآليات مركزية من الداخل تتولى توزيع هذه الاموال من خلال قنوات توزيع وهي قنوات عائلية مرتبطة مباشرة بالطوائف، التي تثبت قدرتها على الاستمرار في التوزيع عبر وظائف ومواقع مركزية في الدولة. وهنا أصبحت كل أجهزة الدولة لها دورين: التوزيع، والثاني تأدية خدمات، ما جعل الخدمة الاساسية ذات مستوى متدن ويستعاض عنها كما في الثمانينات بحلول رديفة من الجامعات الخاصة ومولدات الكهرباء والاتصالات غير الشرعية". أضاف: "بالمحصلة، اصبح هنالك مخزون كبير من الهجرة في تزايد، في مقابل مخزون موجودات مالية يتراكم كذلك، وكلا العنصرين دفق وتراكم، اذ ترتفع الودائع ومعها الهجرة، والرابط بينهما هو: تحويلات من المهاجرين لاموال غير ناتجة من انتاج محلي، يكون مصيرها اما التوظيف في الخارج أو أن تتحول من رساميل وافدة الى ما يظنه الناس دخلا اضافيا ويستخدم للاستهلاك، وهنا يزيد حجم الاستيراد، ولكن توجد اشياء غير قادرة على الاستيراد مثل البناء والمطاعم وهنا يزداد عليها الطلب ما يرفع سعرها، وبالنتيجة الاسعار الداخلية ترتفع والاقتصاد يصبح مركزا على هذه الانشطة البسيطة فترتفع كلفة المعيشة، ويتم الاعتماد على اليد العاملة الاجنبية فتتقلص فرص العمل للبنانيين نسبة الى كلفة معيشتهم، وبالتالي فإن دفق هذه الاموال يغذي الهجرة، والهجرة تغذي دفق الاموال". وتابع الوزير نحاس: "هذا النمط غير بسيط وادارته ليست بسيطة، فليس من السهل ان نحول هذه الاموال الى ما يشعر الناس الى انه دخل متاح لهم، فالتحويل يتم عبر المصارف التي تقرض الاموال للدولة والاخيرة تنفقها أجورا وتعويضات على الناس، وبالتالي من يقبض هذه الاموال يقتنع انه دخل فيذهب الى استهلاكه. من جهة أخرى، يتم شراء موجودات ثابتة بهذه الاموال اي العقارات، أو تقوم المصارف باقراض هذه الأموال للمؤسسات او لتمويل الاستهلاك، وبالتالي تضخ طلبا اضافيا في السوق، وننتهي بنتيجة عجائبية، فمن يضع الاموال في المصارف يظنها ثروة ولكن المبلغ ذاته يكون قد استخدم للاستهلاك، فهي بالوقت ذاته استهلكت ولا تزال موجودة. هذه العملية ادارتها صعبة، وتمر بحلقة مالية لضمان عدم الارتباك وأخرى تتعلق بضبط الايقاع السياسي، بحيث تتوزع الحصص بشكل متواز بين الاطراف المسيطرين". وقال: "في تطور أداء هذه العملية أو هذا النظام الذي يشارك جميع اللبنانيين فيه، يتناقص عبر السنوات المردود الفعلي لهذه التحويلات، وهذا ما حدث منذ العام 1995 اذ استمرت هذه العملية حتى العام 1997، ففي هذا العام بدأت العلاقات السياسية في الداخل تتوتر، وبقيت الوضعية متشنجة حتى 2001، حينها خفت الحركة وانخفض الاستيراد وحل الجمود العقاري وغيره، وفي 2002 كان مؤتمر باريس 2 ما جدد استمرارية النظام حتى العام 2005، حيث وعلى فداحة الاحداث الامنية، عاد سعر النفط وقفز وتضاعف حجم التدفقات الى لبنان وشهدنا خلال السنوات الماضية تجددا لهذا النمط الوظيفي ولكن مع قفزة نوعية صعودا، بحيث عادت السيولة وارتفعت الاسعار الداخلية وخاصة اسعار العقارات واصبحت هناك ضرورة اعادة ضخ تمويل توزيعي بحيث عاد التوسع في القروض الداخلية، وعدنا لنعيش ما عشناه في مطلع التسعينات". أضاف: "إن الموازنة، هي نقطة التقاطع بين الاعتبار المالي والسياسي، واهمية الموازنة تكمن، في انه حين تكون منظومة مؤسسية وهي الدولة في هذا الظرف، حين يكون هناك قبول انه يوجد تعطل اصاب آلية الاداء التابع للمؤسسة، فهنا لا بد من مواجهة ما. الموازنة، تقوم على ادارة تدفق الاموال وفق سياسة الفوائد والنظام المصرفي، ومن جهة ثانية ضبط قنوات التوزيع". وختم الوزير نحاس: "حين نقول ان الموازنة يجب ان تكون شاملة فهذا الحديث يطاول مباشرة شروط اداء هذا النظام، اتمنى ان تتثبت هذه القرارات في المستقبل، إذ ان موازنة 2010 ولأول مرة من السبعينات تكون شاملة، فاليوم في لبنان الجميع مقتنع انه يوجد انفاق من خارج موازنة وهبات ذات حسابات خاصة وغيرها، هذا الامر ترسخ في الاعراف وتسلل حتى الى النصوص، وبالتالي تم اقرار انه لا انفاق من خارج الموازنة، وبالتالي فإن الوزراء سيناقشون على طاولتهم من الآن فصاعدا خيارات اقتصادية واجتماعية، وكذلك الامر على مستوى مجلس النواب او غيره. والقرار الاخر انه في العام 2011 وبعد اقرار شمولية الموازنة، سينطلق النقاش من انه يوجد فائق في التمويل وضعف في قدرة اتخاذ القرارات وبالتالي سيتم وضع قواعد ليس فقط في تقاسم المغانم وانما كذلك التكاليف، لأن الدين هو ترجمة مباشرة لعجز أداء الدولة". وتبع اللقاء نقاش مع الحاضرين.