النداء: قطيش: ما حاول ان يقوم به مهدي هو توطين الماركسية ببلادنا...كاترين ضاهر في يوم الإنتصار لحرية الكلمة والبحث العلمي، ذكرى استشهاد المفكر والمناضل مهدي عامل، أقام اتحاد الشباب الديمقراطي اللبناني، ندوة بعنوان "مهدي عامل المفكر والإنسان"، مع د. حسان حمدان ود. مفيد قطيش.بداية عرض د. حمدان نبذة عن حياة مهدي التربوية والحزبية والفكرية والثقافية...ثم قدم د. مفيد مداخلة وقال "عندما نريد التحدث عن مهدي عامل كمفكر، لا نتحدث عنه كمفكر عادي، بل نتحدث عن مفكر نقدي ومفكر مبدع ومفكر إنساني ومفكر ثوري، لأنه نقدي ومبدع وإنساني فهو مفكر ثوري. وهدف المفكر الثوري هو رسم طريق للثورة أي للتغيير، وطريق الثورة هي المعرفة العلمية، من أقوال مهدي "من يقبض على اللحظة، يقبض على التاريخ" واللحظة لديه هي المعرفة، من يعرف الواقع كما هو يستطيع ان يتحكم بصنع التاريخ فيه. كل مشروع مهدي جاء كترجمة لهذه المعادلة الرائعة التي صاغها لينين "لا حركة ثورية دون النظرية الثورية" وأمضى مهدي حياته في إنتاج وترجمة هذه المعادلة على الصعيد اللبناني والعربي كي يعرّف النظرية الثورية التي تحتاجها الحركة الثورية في بلادنا. ولأن الثورة فعلاً مادياً وليس مثالياً هي تستند الى الفهم المادي للتاريخ، واذا ترجمنا مشروع مهدي أكثر نراه هو ترجمة لهذا الفهم على الواقع اللبناني والعربي. الفهم المادي لهذا الواقع بأدق تفاصيله وعناصره الإجمالية. الفهم المادي للتاريخ هو تأسيس الثورة..."وأضاف "ما حاول ان يقوم به مهدي هو توطين الماركسية ببلادنا، وتوطينها لا يعني نقلها، لا بالكتب ولا نقل النظرية. توطين الماركسية أي جعلها جزء من الثقافة الوطنية العربية، وان تكون جزء من الثقافة الوطنية العربية يعني أن تتعاطى في هموم المجتمع العربي وان تبحث فيها وتجد الحلول لها، هذا هو التوطين الماركسي، ولا قيمة لنظرية ولأي ثقافة أو فكر داخلي أو خارجي لا يتعاطى بالمسائل الوطنية للواقع الذي نتحدث عنه. وقد كرّس مهدي حياته لهذا المشروع، الذي تجسد في الثلاثية المشهورة التي سنتحدث عنها باختصار.كيف وطّن مهدي الماركسية في بلادنا، أي كيف جعل الماركسية نظرية الثورة والانتقال الى الإشتراكية؟كتابه "في التناقض" يعرض في المقدمة كيف نبرر ان هذه الماركسية هي الفكر الثوري الاشتراكي في بلادنا. إبداع مهدي أنه تعاطى مع المفاهيم الماركسية بشكل نقدي، وفي الكتاب فصل عن كونية الماركسية وتميزها، كما أنه بنى هذا العنوان من جملة للينين "ان المفاهيم النظرية لا تدخل واقع إلا متميزة"، بمعنى ان هذه المفاهيم اما ان تغتني واما ان لا تفعل نهائياً. وان اغتناء مفاهيم الماركسية يجعلها كونية. لقد تعاطى مهدي مع الواقع نقدياً لهذا السبب هو مفكر نقدي. ورفض هذا الواقع. ومن هذا النقد وهذا الرفض نجد المعرفة العلمية عنده. أين توجد هذه المعرفة التي انتجها مهدي عامل؟".واستكمل "كماعرضت فإن مشروع مهدي يوجد في ثلاثية هي " في التناقض"، "نمط الانتاج الكولونيالي"، و"تمرحل التاريخ"، هذه الثلاثية تضمنت الزبدة الفكرية الخاصة بمهدي، لكن تلك الزبدة حصلت على توسيع وتطوير في جزء ثاني من نشاط مهدي، هو النشاط الحواري النقدي الوارد في 5 كتب - في نقد الايديولوجية الطائفية، والدولة الطائفية و أزمة الحضارة العربية وأزمة البرجوازيات العربية، الى نقد الفكر اليومي، وحواره مع ادوارد سعيد... ومعالجة العديد من القضايا التربوية والثقافية.. في هذه المساهمات عرض مهدي انتاج المعرفة".وشرح "طبعاً المشروع الأساسي يبقى في الثلاثية والتي للأسف لم يسمح له القدر من أن ينجز الجزء الأخير من كتاب "تمرحل التاريخ" أي أنه لم ينجز صياغته النظرية لكن تجدون تطبيقها العملاني في كتاب "أسباب الحرب الأهلية" عندما يتكلم عن أزمة حركة التحرر وتمرحل الصراعات الطبقية وعن تمرحل التحالفات. هذه هي الثلاثية الرئيسية: فـ "في التناقض" يفكر المرء للوهلة الأولى انه كتاب فلسفي صرف، يتناول التناقضات وغيرها، ولكنه ليس كذلك مع ان التناقض موضوعه، ولكن التناقض والتناقضات هنا في هذا الكتاب هي تناقضات الممارسات المتناقضة، ممارسة الطبقة المسيطرة والطبقة النقيض، بالممارسة السياسية وبالايديولوجية وبالاقتصادية. إذن هنا صاغ مهدي المفاهيم الأساسية وآليات الصراع الطبقي كصراع محوري والذي هو يتحكم ويسيطر بحركة المجتمع.بـ "نمط الانتاج الكولونيالي" هنا الإبداع الذي وضعه عامل في تطبيق الفهم المادي للتاريخ على واقعنا اللبناني، ومن المعروف ان ماركس صاغ هذا الاكتشاف العظيم بكتابه "الايديولوجيا الألمانية". مهدي أخذ هذا الواقع كي يدرسه على ظروف لبنان وفتش عن البنية المادية الأساسية في هذا الواقع التي قال عنها أنها رأسمالية من نوع خاص فيها بنية علاقات إنتاج كولونيالية متميزة عن الرأسمالية النموذجية، الطبقات فيها متميزة، والصراع متميز، حتى دور الطبقة العاملة فيها متميّز".واعتبر قطيش "ان مهدي بهذه المنهجية وصل الى ان في بلادنا العربية الطريق الى الاشتراكية تمر عبر حركة تحرر وطني، بما هي إنجاز ثلاث ثورات بثورة واحدة: الثورة الوطنية، الثورة الديمقراطية، والثورة الاشتراكية. هنا أظهر لنا مهدي التمييز الذي يعيشه مجتمعنا ــ فالصراع الطبقي في بلادنا ليس كالصراع الطبقي بالرأسمالية النموذجية لأنه يأخذ شكل الصراع الوطني، ولهذا السبب ان الطريق نحو الإشتراكية يتم عبر التحرر الوطني".وقال "كان ينبغي أن ينجز مهدي مشروعه في "تمرحل التاريخ" وبالفعل وضع العناصر الرئيسية كي يقول لنا ان التاريخ ليس أحداث التاريخ بل هو التغيير، هو الإنتقال من تشكيلة الى تشكيلة والإنتقال من طور لطور داخل التشكيلة، والانتقال من مرحلة لمرحلة بقلب الطور... هناك مهدي كان ينبغي ان ينجز نظرية التمرحل: تمرحل الصراع وتمرحل التحالفات، لم ينجزه ولكن يمكن ان نعثر عليه وموجود بشكل واضح كثيراً في كتابه "أسباب الحرب الأهلية".وتابع"هذا هو المشروع الرئيسي، ونعتقد أن مهدي الناقد يقول لنا لا يمكن ان تنتج ثورة بدون معرفة الواقع، ومن الوهم ان تنتج ثورة أو تغيير دون معرفة واقعك. بالإنتقال الى تطبيق الملموس لهذه النظرية والفهم في لبنان تناول مهدي موضوع الطائفية والتربية والتعليم والثقافة والعلاقة بين الطبقات الاجتماعية". وختم "عندما نتحدث عن مهدي لا نبالغ في المقارنة بين استدعاء الأزمة المالية العالمية لماركس ورأس المال، من جديد بعد 160 سنة، واستدعاء الثورات العربية الأخيرة لمهدي وفكره من جديد للإستنارة فيه، ونقطة الإنطلاق من بحثه ومن بحث ما جرى ويجري في البلدان العربية هي نظرية مهدي بأزمة حركة التحرر في الوطن العربي، أزمة البرجوازية، أزمة قيادة هذه الحركة وأزمة البديل الثوري، ونعتقد انه لو بقي مهدي حياً كان يجب ان يطوّر هذه النظرية الى نظرية بعنوان "التطور المأزقي في بلادنا" الذي هو عبارة مأزق برجوازية عاجزة ان تقود وتحل أزمتها، وبديل عاجز من ان يحل الأزمة، هذا الأمر اما ان يقود الى ما قاد إليه خلال الأشهر السابقة، حيث انفجرت ازمة هذه البرجوازية، لكن مع الأسف ليس على أيدي ما يسمى بالبديل الثوري أو الأحزاب الرسمية، انما هناك ظاهرة جديدة تستوقفنا كيف انه بهذه الأحداث يولد البديل الثوري الحقيقي لهذه البرجوازية ولهذه الأحزاب الموجودة. فاما يجب ان تغيّر في عقليتها من حيث طريقة الفهم واما ستخرج من التاريخ وتاريخ هذه الشعوب التي تسير الى الأمام".