مهزلة التعطيل ... إلى تأجيل البلدية

علي الأمين - صدى البلد ما بين الدولة المؤجلة والدولة المعجّلة يتسيد التعطيل مفاصل الوطن ويعرّش على الإستحقاقات الدستورية، ويكاد يختصر سمات السلوك السياسي في عهد الرئيس ميشال سليمان، واخيرا وليس آخرا في حكومة الرئيس سعد الحريري. والتعطيل هذا بات يتخذ وجوها عدة، عبر جدل بيزنطي حينا، او اجترار جدال طائفي يعززه أحيانا، او ابتداع وسائل جديدة عبر استخدام البعض شماعة الاصلاح، إذا لاحت في الافق فرصة لتملص ما من شباك التعطيل. هكذا يبدو المشهد اليوم امام استحقاق الانتخابات البلدية، ويستحكم التعطيل في هذا الاستحقاق عبر شعار الاصلاح، لتتقدم معادلة تأجيل الانتخابات البلدية، بذريعة اجراء الاصلاحات في قانونها، كبديل عن فكرة إجراء الانتخابات من دون اجراء اي اصلاح. هذه المعادلة التي ابتدعها العماد ميشال عون وتبعه لاحقا في تقويتها "حزب الله" عبر الوزير محمد فنيش، تعبر عن رغبة، لدى الطرفين على الاقل، بتأجيل الانتخابات البلدية. وهي رغبة، وإن كانت مموّهة بشعارات اصلاحية، الا انها حجة غير مقنعة اذا ما علمنا ان مجلس الوزراء قد توصل الى توافق على جملة بنود اصلاحية، سواء بخفض مدة ولاية المجالس البلدية الى خمس سنوات، او اعتماد الكوتا النسائية، وصولا الى اعتماد النظام النسبي. واذا كان الاخير تحول الى مادة جدل سياسي واستدرج وجهات نظر موضوعية ومتباينة حوله، عشية اقراره المفترض في مجلس الوزراء السبت الآتي، فإنّ استخدام هذا الجدل لتقويض الاستحقاق الدستوري، ضمن "استراتيجية التأجيل"، هو استخدام تعسفي في مسيرة اعادة الاعتبار للدولة ومؤسساتها. فاجراء الانتخابات، وإن في الحد الادنى من الاصلاحات، يبقى الاقل كلفة. كما ان القوى السياسية في مجلس الوزراء درجت في ادبياتها السياسية على التأكيد ان الاصلاح السياسي والاداري يتطلب وقتا وزمنا، ولا يمكن اختصاره في سنوات. هذا ما ورد ويرد في خطابات ومواقف مروحة واسعة من السياسيين المؤيدين لتشكيل الهيئة الوطنية لالغاء الطائفية السياسية، او المعترضين على اصل وجودها. وهذا ما يرشح من هذه الادبيات حين مقاربة اي قضية تتطلب جرعة اصلاحية على المستوى الدستوري والقانوني. لذا فان احترام الاستحقاقات الدستورية هو الوسيلة المتاحة لحماية اسس الدولة والنظام الديمقراطي، وهي خطوة تؤسس لخطوات لاحقة في الطريق الى قيام الدولة الوطنية. وبالتالي لا يمكن تقويض الانتخابات البلدية تحت ذريعة "إمّا إصلاح كامل أو لا انتخابات". ثمة مساحة وسطية تتيح الخروج من الاستقطاب الحاد، او من مقولة كل شيء او لاشيء بتاتا. ما تقدم هو من مقولات احترام الدستور، وهي مسؤولية تقع على عاتق سلطات الدولة، وفي الدرجة الاولى على حامي الدستور، رئيس الجمهورية الذي ينجح بعض خصومه في ضرب هالة رئاسته بهدوء وتدرج مدروسين. وهو مدعو إلى إثبات العكس. فالدستور هنا لا يجوز ان يستدرج الى زواريب السياسات الضيقة، او أن يدخل في لعبة المقايضات. وتحويل الاستحقاق الدستوري إلى لقمة سائغة لاستراتيجية التأجيل بهدف ترسيخ التعطيل، واستدراج الرئاسة الى حيث لا تريد، او الى ملعب الاخرين، هو تنازل لا يمهد الا لمزيد من التنازل. لا يتوهمنّ أحد أنّ الانتخابات البلدية ستقلب التوازن السياسي رأسا على عقب، ولكن تاجيلها بالتاكيد صفعة للمواطن وللدستور، ويعكس ميلا متزايدا لدى البعض الى الاستهانة بالمواطن وخياراته. واذا كانت نغمة التهديدات الاسرائيلية دخلت اخيرا كذريعة اضافية لتاجيل الانتخابات، فان السؤال الذي يبرز الى الاذهان: هل تشكل الانتخابات خطرا على المواطن ام ان غيابها هو لب الخطر على الدولة؟ نزعات الاستحواذ والالتهام والاحتكار على المستوى السياسي لا يمكن اشباعها ولا يمكن ضبطها وتهذيبها بغير الدستور والقانون، ومنها العودة الى مصدر السلطات، المواطنين، لاكتساب الشرعية القانونية والدستورية. والإنتخابات تبقى الوسيلة الاقل سوءا بين ما هو معروف من وسائل على هذا الصعيد. في مجلس الوزراء، خلال ساعات، سيبرز التحدي. وبعض السحرة في المجلس، سيدخلون من بوابة النظام النسبي وسواه لتعقيد النقاش وتطويعه لحساب التأجيل الذي لا مكان له الا في مهزلة التعطيل
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة