نحن وسوريا (1)ـ

خالد صاغية بعد خروج الجيش السوري من لبنان، تواطأ اللبنانيّون والسوريّون على طمس معالم المرحلة السابقة. أو الأصحّ، تواطآ على التعامل معها كباقة شوك يختار كلاهما ما يريده منها. حسم ثوّار الأرز أمرهم سريعاً: ألقيت كلّ مشاكل البلاد الأمنيّة والسياسيّة وحتّى الاقتصادية، على عاتق ما سمّي الجهاز الأمني اللبناني ـــــ السوري المشترك. وهو جهاز، كما يدلّ اسمه، يرفع المسؤولية عن الطاقم السياسي برمّته. فيصبح بعضهم مجرّد أذيال لا فاعلية لهم، وبعضهم الآخر مجموعة من المغلوبين على أمرهم، استقلاليّين بالفطرة قُمعت ميولهم السياديّة. وعلى الضفّة الأخرى، قام السوريّون بواجباتهم أيضاً. جرى فصلٌ بين القيادة الحاليّة ومندوبيها في لبنان، والثلاثيّ الذي تسلّم الملف اللبناني في مرحلة سابقة. فألصقت كلّ شوائب العلاقات اللبنانية ـــــ السوريّة بثلاثيّ عبد الحليم خدّام، حكمت الشهابي وغازي كنعان. كان هذان التدبيران التوأمان كفيلين بإغلاق ملف العلاقات بين البلدين، بإغفال البحث في مسؤولية أي طرف عن أي شيء. وإذ رأت سوريا أنّها أصيبت بالضبط في المكان الذي تخشاه، وهو الانقلاب اللبناني عليها في ذروة توتّر علاقاتها مع الغرب، رأى «لبنان الجديد» في العمق أنّ صيانة استقلاله لا يمكن أن تكتمل ما لم يتغيّر النظام في سوريا. كلمة واحدة من كوندوليزا رايس عن تغيير السلوك لا النظام، كانت كافية لإقناع وليد جنيلاط بأنّ كلّ شيء قد انتهى. فأمام إحجام الغرب عن فرض التغيير بالقوّة، وأمام البون الشاسع بين المعارضة السوريّة والمعارضة اللبنانيّة آنذاك، بات ثوّار الأرز يتسابقون نحو صياغة انعطافاتهم. والواقع أنّ الإحجام عن توزيع المسؤوليات خلال الحقبة السوريّة سهّل الانتقال بخفّة من موقع إلى آخر، كأنّ شيئاً لم يكن. عودة إلى اللعبة القديمة نفسها. ولمَ لا؟ فالأولاد يتوارثون دائماً ألعاب آبائهم. هكذا سيقارن سعد الحريري ببهجة بين الاستقبال الذي لقيه في دمشق وما كان يلقاه والده. وسيذهب سيّد المختارة إلى الشام بهدف وحيد، هو اصطحاب ابنه تيمور وضمان التوريث السياسي. وكلّ طرف سيقنع الآخر بأنّ في إمكاننا فتح صفحة جديدة بعد رحيل النظام الأمني وانتحار غازي كنعان. لم يبقَ سوى لائحة مطالب صغيرة، على العائدين إلى سوريا تنفيذها للتكفير عن ذنوبهم. وعلى رأس اللائحة طبعاً، كمّ أفواه الإعلاميّين. لا حاجة إلى البحث في نوع العلاقات الجديدة بين البلدين. لا حاجة إلى إقفال ملفّات قديمة. لا حاجة إلى تقديم أيّ دليل، وإن وهميّاً، على نيّة بتغيير ما كانت عليه التسعينيّات. السوريّون غير مضطرّين إلى ذلك. واللبنانيّون العائدون إلى سوريا لا يطالبون بذلك. اللعبة القديمة لم تزعج أحداً على ما يبدو. الانقلاب عليها هو ما أفسد المائدة. حين تسدل الستارة على المشهد الأخير، سيكون الشعب اللبناني مطالباً بأمرين؛ الطوائف، كطوائف، عليها الالتحاق بانعطافة زعمائها. الأفراد، كأفراد، عليهم الاستعداد لموجة جديدة من النهب المنظّم. إنّه عام 1993. لقد أطلق الحريري للتوّ وعوده الربيعيّة. (غداً: في اعتذار وليد جنبلاط)
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة