قيادي في التيار العوني... عميلاً للموساد!

فايز كرم.: من السجن إلى السجن

الخيبة نفسها تشاركها العماد ميشال عون والتيار الوطني الحر أمس. الأول وجد صديقاً يشاركه خبز السياسة وملحها منذ نحو ثلاثين عاماً يتهم بالعمالة لإسرائيل، والثاني تزعزعت ثقته بنفسه بعد الشك بأحد أبرز القياديين العونيين وأكثرهم اندفاعاً

غسان سعود حين التزم الجنرال فايز ك. بقرار العماد عون وانسحب من الانتخابات النيابية في دائرة زغرتا عام 2009، خاطب العماد عون والحشد الذي رافقه إلى الرابية، قائلاً: «أنا أكبر في هذا التيار كما كبرت في الجيش اللبناني. أنا تربيت في بيت عسكري ونشأت تنشئة عسكرية، شعاري: شرف، تضحية ووفاء. تعلمت في هذا البيت أن ألتزم بالمناقبية والأخلاقية. لا ولم ولن نلهث أمام أي مركز سياسي أو أي مقام. مقامنا منا وفينا. أنا عملت مقامي، بفضل الجنرال».ابتسم الجنرال، عانقت عيناه عيني رفيق السلاح والمنفى، وأجاب: «بالنسبة إليّ، فايز الأخ الأصغر الذي رافقني في كل مرحلة جهادي، العسكري والوطني. كل تقديري ومحبتي لفايز».كان فايز واحداً من مرشحين عونيين معدودين يملكون حيثيتهم الشعبية الخاصة، ولم يتخلَّ العونيون عنه حين قرر لفترة المضي بالترشح خلافاً لرغبة الجنرال عون. فالمتهم الجديد بالعمالة كان بالنسبة إلى معظم عونيي الشمال، الجنرال الثاني بعد الجنرال عون. فهو ليس من «جنرالات السيغار»، متفرغ بالكامل تقريباً لهموم القاعدة (افتتح منذ نحو سنتين مكتباً للتواصل والخدمات في منطقة الزوق)، يُسمعها خطباً بلهجة عونية في ما ترغب بسماعه. أضف إلى ذلك أن سيرته العونية تجعله واحداً من الرموز القليلة التي تحيط بالعماد عون، وهو عرف كيف يحافظ على مكانته عبر ابتعاده عن مختلف أشكال الصراعات العونيّة ـــــ العونيّة.ولد فايز ك. في 17/10/1948، وهو ابن العميد الزغرتاوي وجيه ك. تخرج ملازماً من المدرسة الحربية عام 1972. وكوّن العسكريون الذين خدموا معه عصب الحالة العونية التي تكوكبت حول العماد عون في قصر بعبدا، إثر إعلانه حرب التحرير التي شغل فايز خلالها موقع رئيس فرع مكافحة الإرهاب والتجسس في الجيش اللبناني، واتهم بالوقوف وراء محاولة اغتيال قائد القوات اللبنانية سمير جعجع في منطقة جسر الباشا. ولاحقاً، بعد الاجتياح السوري لقصر بعبدا، اعتقل فايز (كان برتبة مقدم) واقتيد مع 6 عمداء من الجيش اللبناني إلى سجن المزة حيث اعتقلوا مئة وخمسين يوماً، انتهت بموافقتهم على مقايضة حريتهم باستقالتهم من الجيش اللبناني. لكنّ ملاحقة الجنرال الزغرتاوي لم تنتهِ هنا، إذ اتهمته الأجهزة الأمنية بالوقوف وراء بعض التفجيرات التي تستهدف المراكز العسكرية السورية، ودهم بعض الضباط المقربين منه شركة التأمين التي أسّسها في منطقة الحازمية. فاختفى فايز ليطل مجدداً على الرواية العونية من باريس (يتردد اليوم أنه انتقل عبر جزين إلى إسرائيل، ومنها انتقل إلى باريس بعد التعرف إلى بعض ضباط الاستخبارات الإسرائيليين). هناك كاد يكون ملازماً للجنرال، قبل الظهر يدير مصبغة سرعان ما تحولت إلى سلسلة مصابغ تغطي مدناً فرنسية عدة. بعد الظهر، عند الجنرال. ومساءً، يكتب مقالات للنشرة اللبنانية التي كانت توزع في بيروت، من دون أن يقطع تواصله مع بعض المجموعات الطلابية والعسكرية التي كان يوجهها بالنيابة عن عون. أثناء وجوده في المنفى الطوعي، نشط في نقل الرسائل بين عون وجهات عدّة، وكان مطّلعاً على كل الموجود في المطبخ العوني. مع العلم بأن الصداقة كانت وما زالت وطيدة بين زوجة فايز وزوجة الجنرال، والاثنتان زحلاويتان. وهو كان، بحسب أحد القياديين في التيار، من أكثر المشجعين للجنرال على الانفتاح على خصوم الماضي، وأدى دوراً في تقريب وجهات النظر بين عون والسوريين إثر اغتيال الرئيس رفيق الحريري عبر أحد الضباط المقربين عائلياً من والدته السورية الجنسية. وقبيل عودة عون من المنفى في 7 أيار 2005، أرسل فايز الصادرة بحقه مذكرات توقيف ليتأكد من نيات السلطة، فأوقف الجنرال الزغرتاوي نحو نصف ساعة فقط ثم أطلق سراحه.عام 2005، ترشح فايز ك. باسم التيار الوطني الحر والمردة وحلفائهما عن المقعد الماروني في طرابلس. ولاحقاً، فشل في إدارة ملف العلاقة بين عون والوزير سليمان فرنجية وتوترت العلاقة قليلاً بينه وبين الجنرال عشية انتخابات 2009 حين أبلغه عون استحالة ترشحه عن المقعد الماروني في زغرتا. لكنه استمر مسؤولاً عن التيار في منطقة الشمال، يمثل الجنرال في معظم المناسبات الشمالية (كان آخرها عشاء في منطقة الكورة قبل بضعة أيام). وفي السياسة، كان فايز واضحاً وجازماً في مواقفه، فأعلن عبر شاشة المنار مثلاً في 10 حزيران 2010 رفضه توقيع معاهدة سلام مع العدو الإسرائيلي. وحيّا في احتفال لمناسبة ذكرى التحرير في 25 أيار الماضي في منطقة أميون كل «مقاوم، واجه وقاتل واستبسل دفاعاً عن وطنه وأرضه وأهله وكرامته»، مؤكداً أن «سلاح المقاومة ضرورة وحاجة». وختم مردداً: يا رفاقَنا، المقاومة اليوم تزيدني فخراً وعزّة وتنقلني من حالة الخضوع والتبعيّة إلى حالة التمرد بوجه الظلم والتفرد والاستئثار. (...) أنا من وطن انتقل شعبُه من حالة الضعف والانهزام والخضوع إلى حالة الاعتزاز والتحرر».المعلومات الأمنية التي توافرت أمس، أكدت أن فرع المعلومات رصد إجراء المتهم اتصالات عدة بأرقام يشتبه في أن الاستخبارات الإسرائيلية تستخدمها، قبل أن تسهم اعترافات بعض الموقوفين بتهمة العمالة لإسرائيل في تأكيد شكوك فرع المعلومات الذي كثف منذ نحو أسبوعين تركيزه على الجنرال الزغرتاوي. وقد تستر فرع المعلومات عن هوية «صيده الثمين» حتى أمام شركائه في اصطياد المعلومات، حتى اللحظة الأخيرة، حين أبلغ استخبارات الجيش في جبل لبنان بنيّته دهم أحد المنازل لاعتقال أحد المشتبه في عمالتهم من دون تحديد هوية الشخص، مسقطين بذلك مبدأ الحصانة عن بعض السياسيين. وهكذا دهم فرع المعلومات بعد منتصف الليل منزل فايز في زوق مكايل واعتقله. ولاحقاً فتش عناصر من الفرع المنزل ووجدوا جهازاً ذكرت المعلومات أن فايز أكد إدارته لعمله في باريس بواسطته. ونتيجة معرفة فرع المعلومات أن عدم اعتراف الموقوف بالعمالة خلال أقل من 36 ساعة سيضطره إلى الإفراج عنه نتيجة الضغط السياسي، إضافة إلى خشية قيادة الفرع من الانتقام السياسي إذا فشلت في إثبات الشبهة، لجأ المحققون إلى خطوة غير مسبوقة في التحقيق، فعرضوا معظم المعطيات التي بين أيديهم، فاعترف فايز خلال أقل من ربع ساعة. لكن المحققين لم يستطيعوا الجزم بعد إن كانت العلاقة بين فايز والاستخبارات الإسرائيلية قد بدأت عام 1992 حين دخل الأراضي الإسرائيلية عبر جزين هرباً من الأجهزة الأمنية اللبنانية، أو عام 1982 حين كان يلتقي ضباطاً إسرائيليين في لبنان، أو عندما كان يشارك في دورة تدريبية في الولايات المتحدة الأميركية. وفي كل الحالات، تبين أن علاقته مع الإسرائيليين استمرت خلال وجوده في باريس، ثم تفعلت أكثر بعد عودته إلى لبنان. مع العلم بأن فايز جزم خلال التحقيق معه بعدم زيارته إسرائيل إلا مرة واحدة، وعدم تقديمه أي معلومات جدية للإسرائيليين ومحاولته تضليلهم. وأشار الموقوف إلى عدم لقائه الإسرائيليين إلا في باريس، حيث كان يواظب على التردد للّقاء بهم في السنوات والشهور الماضية. ويركز المحققون الآن على حجم معرفته بالمسؤولين في حزب الله.وكان وزير الداخلية والبلديات زياد بارود قد بادر إلى الاتصال فور تبلور بعض معالم القضية برئيس تكتل التغيير والإصلاح العماد ميشال عون، وأبلغه أن الموقوف اعترف بعمالته. فطلب الجنرال، الذي كان شديد التوتر صباح أمس، من زوجة المتهم بالعمالة أن تزوره في منزله حيث احتضنها بحنان، قبل أن يطلب منها تكليف محامٍ ليدافع عن زوجها، ويبلغها أنه سيرفع الغطاء عنه بالطبع إن ثبت تورّطه. وأشار عون إلى أن القيادي العوني استفاد من قربه منه ليوطد علاقته ببعض القياديين في حزب الله وبمسؤولين سوريين.على هامش التوقيف ـــــ الحدث، تتشعب الآراء السياسية. هناك من يرى في الخطوة محاولة لإحراج الأمين العام لحزب الله السيّد حسن نصر الله المؤمن بوجود «بيئة حاضنة للعملاء»، وهناك من يجدها إثباتاً إضافياً على حجم الاستهداف الإسرائيلي الذي يتعرض له العماد عون. وهناك من يرى فيها استباقاً لتوقيفات أكثر خطورة لن يتشكك في خلفيتها أحد بعد توقيف القطب العوني.

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة