في ذكرى جمول: جورج وكمال وعمر «مرّوا» في مزارع شبعا

من احتفال الحزب الشيوعي بعيد جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة أمس (مروان طحطح)

قبل تحرير الجنوب في 25 أيار 2000، لم تكن مزارع شبعا وتلال كفرشوبا في القاموس السياسي اللبناني. كانت مجهولة قبل أن تحتل المرتبة الأولى في سلم اهتمامات لبنان الرسمي والحزبي، وصولاً إلى الإقليمي والدولي.

لكن كان لمقاومين مجهولين تاريخ مجيد هناك

عفيف دياب مثّلت مزارع شبعا وتلال كفرشوبا ومرتفعات جبل الشيخ وهضابه، مسرحاً مهماً لعمليات جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية منذ أن حررت البقاع الغربي وراشيا سنة 1984. وضعت الجبهة هذه المنطقة اللبنانية المحتلة من إسرائيل على مراحل من 1967 وحتى 1979 في سلم مهماتها القتالية. مهمات لم تكن «نزهة» ريفية للمقاومين، فالمزارع والتلال وجبل الشيخ هي منطقة استراتيجية وفق المنطوق العكسري الإسرائيلي، ولا يمكن أياً كان«هزّ» هذا المنطق الاستراتيجي الذي كان ينعم بهدوء عسكري تام منذ 1973. فالمقاومة الفلسطينية قبل 1982 كانت ملتزمة القرار السياسي«الإقليمي» بعدم «الرقص» على حبال جبهة «خط الهدنة» في جبل الشيخ، نزولاً نحو مزارع شبعا. التزام رفضته جبهة المقاومة بعد عام 1985، حيث اتخذت قراراً جريئاً باستهداف العدو الإسرائيلي هناك و«ضمن الأراضي اللبنانية المحتلة». قرار أثّر في علاقة جبهة المقاومة (الحزب الشيوعي) بالقيادة السورية، ولا سيما بعد العملية النوعية للجبهة ضد موقع السماقة (1989) التي عدّتها القيادة السياسية الإسرائيلية «خرقاً سورياً» لاتفاق الهدنة منذ حرب تشرين 1973، وحمّلت دمشق المسؤولية واتهمت الحزب الشيوعي اللبناني بمحاولة استدراج الجيش السوري إلى فتح حرب مع إسرائيل. عملية السماقة التي وتّرت العلاقة بين جبهة المقاومة ودمشق، سبقتها عمليات أخرى ضد الاحتلال الإسرائيلي في رمثا ورويسات العلم، واستهداف مواقع في عمق المزارع وأعالي جبل الشيخ بالصواريخ (موقع النخيلة ومرصد جبل الشيخ سنة 1985)، ومثّلت جميعها قلقاً متزايداً في المؤسسة العكسرية الإسرائيلية التي كانت ترسل«التهديد» تلو الآخر إلى دمشق التي كانت تتمنى على جبهة المقاومة «التنسيق» قبل تنفيذ أي عملية في جبل الشيخ ومزارع شبعا. وقررت القيادة الميدانية للمقاومة وضع مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وجبل الشيخ في دائرة عملها العسكري المقاوم للاحتلال الإسرائيلي. ويروي أحد مسؤولي الجبهة لـ«الأخبار» أنه بعد تحرير البقاع الغربي سنة 1984، كُلف الشهيد جورج نصر الله مع مجموعة من الرفاق، من بينهم كمال الحجيري (استشهد في جبل الشيخ سنة 1986) البدء بوضع دراسة ميدانية عن خريطة الانتشار العسكري الإسرائيلي بعد انسحابه من البقاع الغربي وراشيا. يضيف: «أنجز جورج وكمال وآخرون الدراسة في أقل من أسبوع، ورسموا خريطة الانتشار العسكري للاحتلال في منطقة القطاع الشرقي، وصولاً إلى مزارع شبعا وتلال كفرشوبا وأعالي جبل الشيخ. وقد لفتت انتباهنا نوعية مواقع المزارع التي لا تضم إلا جنوداً إسرائيليين، خلافاً لمواقع أخرى كانت تضم فقط عملاء لبنانيين، فقررنا أن نركز ضرباتنا على جنود الاحتلال و«التسلية» بمواقع جيش العملاء». مكث جورج نصر الله ورفيق له أسابيع في مزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وقررا دعم مجموعات «الداخل» بما يكفي من أسلحة رشاشة وصواريخ وعبوات، وتخزينها تمهيداً لبدء العمل العسكري في منطقة المزارع، وصولاً إلى جبل الشيخ، فدعمت مجموعات سرية في كفرشوبا وكفرحمام وراشيا الفخار وشبعا والهبارية بكميات كبيرة من الأسلحة بإشراف مباشر من الشهيد نصر الله ومجموعته، فيما تولى كمال وماهر وأبو أحمد وسمير إجراء تدريبات خاصة لمجموعات على اقتحام مواقع الاحتلال التي تختلف شكلاً ومضموناً عن مواقعه السابقة في البقاع الغربي وراشيا، أو تلك التي يسيطر عليها العملاء في قضاءي حاصبيا ومرجعيون. بعد إنجاز الاستعدادات ورسم الخرائط وتخزين أنواع الأسلحة في المنطقة المحتلة قرب المزارع، وتنظيم مجموعات الداخل على نحو سري، بدأ العمل الميداني الذي ترجم بداية بزرع عبوة لدورية إسرائيلية على طريق موقع رمثا سنة 1985، تبعها قصف بالصواريخ لموقع رويسات العلم، إلى أن أصدرت قيادة الجبهة قراراً بتنفيذ عملية أسر لجنود إسرائيليين من مزارع شبعا تحديداً. ويقول أحد المسؤولين السابقين إنه كلف الشهيد جورج نصر الله متابعة «القرار وتنفيذه»، حيث مكث أكثر من 15 يوماً داخل مزارع شبعا مع أحد رفاقه، وعادا بوجهة نظر تؤكد استحالة تنفيذ عملية أسر داخل المزارع والانتقال بالأسرى إلى المناطق المحررة، ولا سيما أن المسافة طويلة جداً، والأمر بحاجة إلى وسائل نقل غير ممكن توافرها في المنطقة المحتلة. يضيف أن «الرفيق جورج استنتج أن نجاح عملية أسر لا يمكن أن يتحقق إلا في منطقة جبل الشيخ، وتحديداً في محلة جنعم (بين شبعا وعين عطا). ونزولاً عند هذه الدراسة الميدانية كلف الشهيد كمال الحجيري تنفيذ هذه المهمة التي نجحت في نصف ساعتها الأولى، حيث استطاع مع الشهيد عمر المحمد (الكردي) أسر جندي إسرائيلي قرب وادي جنعم، لكن فقدان العدو صوابه ألزمه باستهداف كمال ومحمد ومعهما الجندي مباشرة فقتلوا جنديهم واستشهد الرفيقان». تكثيف جبهة المقاومة عملياتها في جبل الشيخ ومزارع شبعا وتلال كفرشوبا، وصل إلى ذروته في عام 1987، حيث كانت أضخم المواجهات وأكبرها مع كوماندوس إسرائيلي في جبل الشيخ، إذ دارت معركة استمرت نحو 15 ساعة اعترف العدو بمقتل 4 من ضباطه وجرح 5 آخرين وأسر أنور ياسين، حيث استتبعت هذه العملية بمواجهة أخرى مع قوات الاحتلال امتدت من شمال بلدة شبعا حتى تخوم بلدة عين عطا قبل نهاية عام 1987، وكانت تهدف إلى أسر جنود للاحتلال. في صيف 1988 كلف الشهيد جورج نصر الله مهمة تنفيذ عملية أسر في جبل الشيخ. ويقول أحد مسؤولي الجبهة إنه في حزيران 1988 خاض جورج ومجموعته مواجهة مع دورية إسرائيلية في جبل الشيخ، حيث استطاع أسر أحد الضباط والسير به لمسافة لا بأس بها، «لكن للمرة الثانية، يقتل العدو أحد ضباطه كي لا يقع في الأسر، ويستشهد جورج ومخايل إبراهيم ويقع في الأسر غسان عليان». استشهاد جورج نصر الله أصاب جبهة المقاومة بوجع كبير، ولا سيما 

أنه من كبار قادتها الميدانيين، وأبرز العمليات التي شارك فيها وقادها كانت عملية قتل ضابط الموساد إبان احتلال البقاع الغربي المعروف باسم أبو النور، إضافة إلى أنه كان مخططاً ومنفذاً لعشرات العمليات، أبرزها عملية وادي كفرمشكي (اعترف العدو بمقتل وجرح 14 من جنوده سنة 1983) وتدمير إذاعة العميل أنطوان لحد (1985) وعملية الشهيد جمال ساطي (1986)، وعملية الشهيدة وفاء نور الدين (1986). استشهاد جورج نصر الله لم يمنع أو يحد من مواصلة العمليات في مزارع شبعا وجبل الشيخ، حيث نفذ أكثر من 17 عملية مواجهة وقصف صواريخ وزرع عبوات على مدى سنة كاملة، إلى أن كانت العملية النوعية التي نفذت ضد موقع الاحتلال في تلة السماقة جنوب كفرشوبا وعلى تخوم وادي العسل الذي يفصل المزارع عن الAffinityCMSن المحتل. ويقول أحد مسؤولي الجبهة إن القيادة الميدانية كلفت الشهيد محمود الحجيري قيادة هذه العملية وتنفيذ استطلاعها الميداني حيث استغرق الإعداد لها أكثر من 4 أشهر، توجت في أيلول 1989 باقتحام الموقع وقتل ضابط إسرائيلي كبير وجرح 6 آخرين وفق اعترافات العدو، واستشهاد محمود الحجيري وإصابة إيلي حداد الذي استشهد في مواجهة لاحقة مع الاحتلال قرب مرجعيون بعد أشهر على إصابته... إلى أن كانت العملية النوعية في تموز 1990 في جبل سدانة واقتحام موقع الاحتلال شرق بلدة شبعا وقتل وجرح أكثر من 7 عناصر للعدو.

الخطوط الحمراء

يقول مسؤول جبهة المقاومة الوطنية اللبنانية وعضو المكتب السياسي السابق في الحزب الشيوعي اللبناني حسين قاسم لـ«الأخبار» إن في أرشيف جبهة المقاومة الكثير من الملفات والعمليات الأمنية التي حققتها وخرقت بها قوات الاحتلال الإسرائيلي. ويوضح أن «جهاز أمن جبهة المقاومة حقق اختراقات نوعية في بنية قوات الاحتلال الإسرائيلي وأجهزتها الأمنية، وخاصة بعد تنفيذ الرفيقة سهى بشارة عمليتها النوعية ضد أنطوان لحد في عقر داره في جديدة مرجعيون». ويكشف قاسم أنه في عام 1988 «ورد تقرير أمني لقيادة الحزب الشيوعي، مصدره نقطة ارتكاز للمقاومة في الأمن السياسي الإسرائيلي في شمال فلسطين المحتلة، يفيد بأن الحزب الشيوعي قد تجاوز الخطوط الحمراء». وأكد التقرير أن إسرائيل قررت «توجيه ضربة قوية وموجعة للحزب الشيوعي اللبناني».

الشيوعيّون بين بسترس والوردية

كما في السادس عشر من أيلول من كل عام اجتمع الشيوعيّون أمام صيدليّة بسترس، الصنائع، مكان أولى عمليّات جبهة المقاومة الوطنيّة اللبنانيّة، وأحيوا «مناسبتهم الوطنيّة الأغلى»، ذكرى كتابة جورج حاوي (الصورة) ومحسن إبراهيم بيان إعلان المقاومة ضد الاحتلال الإسرائيلي في 16 أيلول 1982. حضروا من جميع المناطق، أنشدوا الأغاني الثوريّة ورفعوا أعلام جبهة المقاومة والحزب الشيوعي وأعلنوا استمرارهم في نهج المقاومة. ولم يقتصر إحياء المناسبة هذا العام على التجمّع أمام بسترس وإلقاء الكلمات، بل توجّه الشيوعيّون في مسيرةٍ من بسترس إلى مكان تاريخي آخر في بيروت، مشوا إلى موقع استشهاد المقاومين جورج قصابلي ومحمد مغنية وقاسم الحجيري، وهناك عُرض فيلم عن المقاومة. وقد تحدّثت أمام بسترس نائبة الأمين العام للحزب الشيوعي ماري الدبس ولجنة إحياء ذكرى شهداء صبرا وشاتيلا، ورئيس تحرير صحيفة «الأومانيته» الفرنسيّة، والسفير الكوبي في لبنان داريو دي توريينتو وعضو المكتب السياسي في الجبهة الشعبيّة لتحرير فلسطين مروان عبد العال.

آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة