رسالة مقاوم من خلف قضبان سجنه الفرنسي

جورج عبدالله - "الاخبار" لم يصدر عن الحكومات اللبنانية المتتالية طوال الـ26 عاماً الماضية، إذا استثنينا حكومة الدكتور سليم الحص، أي تحرّك إيجابي يمكن أن يوحي بأن القيّمين على مقدرات الدولة اللبنانية معنيون بأوضاعنا كمواطنين أسرى. في الواقع لم يكونوا في الغالب معنيين في أي يوم من الأيام بأوضاع المواطنين بوصفهم مواطنين، لأن ذلك يفترض بهم أن يكونوا بصدد بناء دولة المواطنة، وهم في الواقع أبعد ما يكونون عن ذلك. طبعاً لم نكن ننتظر من وزير العدل مثلاً أن يقف مدافعاً عن النضال ضد الإمبريالية أو عن كرامة المناضلين ضد الإمبريالية، لكننا كنا نتوقع منه وهو يستقبل وزيرة العدل الفرنسية الراهنة أو السابقة أن يسأل كيف يسمح لأيّ منهما أن تتبجّح بالحديث عن استقلالية القضاء وتجرّده، وتعطي دروساً في ذلك له ولأمثاله، في حين أن مواطناً لبنانيّاً محتجَز تعسّفاً في السجون الفرنسية على الأقل منذ أكثر من عشر سنوات، لأن السلطات السياسية في ذلك البلد ترى في الإفراج عنه إحراجاً لها أمام حليفها الإسرائيلي والأميركي، أو تهديداً لمصالح البلاد العليا في المنطقة. كنا نتوقع أن يسأل نفسه كيف يحقّ للسلطات الفرنسية أن تتحرك على أعلى المستويات لتحرير تجار الأطفال الذين ضُبطوا بالجرم المشهود في تشاد، فيما هو وزملاؤه لا يحركون ساكناً للسؤال عن مصير مواطنيهم، كنا نفترض أن هذا الوزير أو ذاك سيمتعض بعض الشيء وهو يستمع إلى كوشنير وداتي وإليو ماري وهم يتحدثون عن معاناة الجندي الإسرائيلي شاليط، هذا هو دأب ممثّلي البورجوازية اللبنانية سماسرة عند الآتين من الغرب الإمبريالي، لا يعرفون حدوداً في الهوان والخذلان والخيانات إلا تلك التي ترسمها القوى الشعبية المقاومة وطلائعها المنظمة، يتحدثون عن السيادة ويعملون بكل ما أوتي لهم من خبث ودهاء على وضع البلد تحت الوصاية، وحدها القوى الشعبية الملتفة حول القرار المقاوم والعاملة عبر أحزابها ومختلف منظماتها النضالية على بناء دولة المواطنة تحول دون التفريط بالمصالح العليا للوطن، تحفظ السيادة وتخلّص البلد من كل تلك الاتفاقات المشبوهة، والقرارات المفروضة، وتحفظ حقوق كل مواطن وكرامته. طبعاً ممثلو البورجوازية في لبنان ليسوا أكثر تفريطاً بالمصالح العليا ولا أكثر عُهراً من هؤلاء الذين يردّدون بكل وقاحة أنه ليست لديهم مشكلة مع من يعتقد أن إسرائيل هي أرض التوراة، أو القائلين بأن النزاع الرئيسي في المنطقة ليس بيننا، أي بين الفلسطينيين والإسرائيليين، بل بين المعتدلين والمتطرفين. الجميع بات يعرف أن هيمنة هذه الشرائح الاجتماعية لا تستتب إلا بالقدر الذي تنجح في تمزيق كل أواصر وحدة الشعب وجماهيره المضطهدة. الهدف المباشر لكل القوى الإمبريالية ولإسرائيل والمتواطئين معها في المنطقة هو بالتحديد البندقية المقاومة، البندقية المقاومة في لبنان، البندقية المقاومة في فلسطين، البندقية المقاومة بالمطلق والقرار المقاوم الملتزم بشرعيتها والدافع باتجاه التفعيل الخلاق لكل أولويات وحدة حركة الجماهير وطلائعها المقاتلة، الكل يعرف والكل يرى أن من يستهدف البندقية المقاومة، يستهدف أيضاً في الوقت نفسه وحدة حركة الجماهير، ويعمل بشتى الوسائل على تعميم كل أشكال التفتت وتعميق الشروخ العمودية، الرد عليهم يكون بمزيد من التمسك بالحقوق الثابتة، وفي طليعتها حق العودة أساس وجوهر القضية الفلسطينية والتصدي لكل مناورات التفريط بها. الرد عليهم يكون بمزيد من التمسّك بالبندقية المقاومة والقرار المقاوم، التمسّك بوحدة الشعب الفلسطيني ومطالبة القوى المسؤولة بإنهاء حالة الانقسام، الانقسام الكارثة بين الضفة والقطاع. مشاعل الحرية في قلاع الكرامة، أسرانا الصامدون والصامدات جسّدوا بتحركهم الوحدوي الشهر الفائت أولويات المواجهة المسؤولة في ظروف غاية في الصعوبة، فألف تحية إكبار وتقدير لهم كأفراد وكطليعة معبّرة كل التعبير عن آلام جماهير شعبنا وعن آمالهم. لتنظر القيادات المسؤولة وتنحنِ أمام تحركهم وتضع حداً لكل حالة الانقسام. الانقسام الفضيحة الكارثة. العدو الصهيوني المدجج بأحدث أنواع الأسلحة والتقنيات والمدعوم من أكبر قوة إمبريالية في العالم، أيعقل أن تنجح قيادته المجرمة في حشد كل الطاقات المتوافرة للكيان كي تقف موحّدة خلف سياسة العدوان والاغتصاب، فيما تعجز قيادات شعبنا الفلسطيني عن تأمين الحد الأدنى من التنسيق بين قواها الفاعلة. أيُعقل أن تعجز القيادات المسؤولة عن تأليف مرجعية وطنية موحّدة ولو مؤقتة تضم كل ألوان الطيف السياسي الفلسطيني وتكون إطاراً للحوار الوطني الشامل، تضع حداً لهذا الانقسام الجريمة، وتبدأ بالمراجعة السياسية لمسيرة أوسلو بعدما وصلت هذه الأخيرة الى الطريق المسدود وباعتراف الجميع. آلاف خلف القضبان يجسّدون بصمودهم اليوم أروع صور العطاء والتضحية ويسجلون في الوقت نفسه بحروف مضيئة سؤالاً مباشراً لكل ذي ضمير حي من أبناء شعبنا. ماذا فعلتم اليوم بالضبط لتعزيز التضامن مع صمود المناضلين والمناضلات الأسرى في فلسطين والمساهمة في تحريرهم؟ النصر كل النصر لجماهير شعبنا المقاوم.. المجد والخلود لشهدائنا الأبرار.. مع خالص التحيات
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة