ديوان المحاسبة: وزارة المال تتلاعب بأرقام قطع الحساب

فضح الديوان زيف الادعاءات بعدم إمكان قطع حساب عهد السنيورة (أرشيف ــ هيثم الموسوي)بعد إطلاق الرئيس نبيه برّي تهديده برفع الصوت ضدّ المخالفات في إدارة العمل الحكومي، طلب ديوان المحاسبة، أمس، من وزارة المال إيداعه قطع حسابات الموازنة عن الأعوام الماضية. خطوة قانونيّة، هذه المرّة، لمحو آثار المرحلة السياسية السابقة

محمد زبيب نأى ديوان المحاسبة بمسؤوليته في السجال الدائر في شأن الحسابات المالية النهائية للسنوات الماضية بين أعوام 2006 و2009، وحاول في بيان مفاجئ أصدره أمس أن يعوّض الخطأ الذي ارتكبه في السابق بتغاضيه عن إنفاق الحكومة نحو 38 مليار دولار من دون أي سند قانوني، وقبوله، على مضض، بمبدأ الظروف الاستثنائية، وعدم ملاحقته المسؤولين في وزارة المال بسبب تقاعسهم المقصود عن أداء واجباتهم الوظيفية في إعداد حسابات المهمّة وحسابات القطع لسنوات طويلة، وهو تقاعس يعاقب عليه القانون، ويرتّب مسؤولية قانونية وسياسية بسبب مخالفته الدستور والقوانين المرعية الإجراء.

إلا أن الديوان وجّه ضربة إلى فريق رئيس الحكومة سعد الحريري، ولا سيما وزيرة المال ريا الحسن، بإعلانه بعض الوقائع التي تنبئ بوجود تلاعب في الحسابات، وهو ما أكّده رئيس تكتل التغيير والإصلاح النائب ميشال عون، إذ حذّر في تصريح له أمس من «التلاعب بالأرقام»، قائلاً إنه «لا أحد يريد تبرير صرف 11 مليار دولار فوق ما تجيزه القاعدة الاثني عشرية في السنوات الأربع الماضية».

فقد عقد مجلس ديوان المحاسبة جلسة طارئة بدعوة من رئيسه القاضي عوني رمضان وحضور أعضائه، رؤساء الغرف بالوكالة القضاة: عبد الرضا ناصر، ناصيف ناصيف، إنعام البستاني، والمدعي العام لدى الديوان بالإنابة القاضي بسام وهبة، ودعيت رئيسة الغرفة بالوكالة القاضية نيللي أبي يونس للمشاركة في الجلسة. وعرض القاضي رمضان، بحسب البيان الصادر عن الديوان، موضوع قطع حساب الموازنة العامة عن سنة 2008، واللغط الدائر حوله في بعض الأوساط. وبعد المناقشة، تبين أن قطع الحساب لم يرسل إلى ديوان المحاسبة بعد، وأن مديرية المحاسبة العامة في وزارة المال أرسلت قطع حسابات السنوات 2005 و2006 و2007 إلى الديوان، ثم طلبت شفهياً استردادها بغية إعادة صياغتها مجدداً. ولما طلب إليها تقديم كتاب خطي بالاسترداد، لم تفعل، لكنها لجأت إلى إرسال قطع حساب سنة 2005 مرة ثانية إلى ديوان المحاسبة، مغاير للأول. وتطرق المجتمعون إلى موضوع قطع حساب الموازنة الذي يُعَدّ مرتبطاً عضوياً بحساب المهمة، وقال البيان إن «عدم إرسال وزارة المال حسابات المهمة إلى ديوان المحاسبة منذ سنة 2001، حال عملياً دون تمكّن الديوان من تدقيق قطع حسابات الموازنة وفقاً للأصول». وقرر مجلس ديوان المحاسبة الطلب رسمياً إلى وزارة المال المسارعة إلى إيداع الديوان قطع حسابات الموازنة عن السنوات الماضية، بما فيها قطع حساب سنة 2008، إضافة إلى حسابات المهمة العائدة إلى السنوات من 2001 إلى 2008، وذلك بعد التدقيق فيها من مديرية المحاسبة العامة لدى الوزارة عملاً بأحكام المرسوم الرقم 3373 تاريخ 11/12/1965 (تحديد أصول تنظيم الحسابات المالية ومهلها)، لأنه يستحيل على ديوان المحاسبة، من الناحيتين الحسابية والعملية، أن يدرس قطع حساب سنة معينة ويدقق فيه بمعزل عن حساب المهمة العائد إلى السنة عينها. ماذا يعني مضمون البيان الصادر عن ديوان المحاسبة؟ بحسب مصادر معنية، فإن الديوان أراد بهذه الطريقة أن يضع حدّاً لما يجري منذ فترة في المديريات المعنية في وزارة المال، ولا سيما في مديريات المحاسبة والمعلوماتية والصرفيات؛ إذ بلغته شكاوى ومعلومات عن عمليات تزوير تحصل في الحسابات بهدف إخفاء بعض النفقات المحققة في عهد رئيس الحكومة السابقة النائب فؤاد السنيورة ووزيري المال السابقين جهاد أزعور ومحمد شطح. وقد أشار بيان الديوان بوضوح إلى حالة محددة، إذ غيرت وزارة المال قطع الحساب الخاص بسنة 2005 بعد ورود نسخته الأصلية إلى الديوان! وهذا يخالف أبسط القواعد المحاسبية المتعلقة بمسك الحسابات على نحو دقيق، بما لا يسمح بإحداث أي تعديلات عليها. وكشف الديوان عن أن وزارة المال لم ترسل حسابات المهمّة إليه منذ سنة 2001، وهو سلوك يخالف قانون المحاسبة العمومية ويعرّض المسؤولين عن المال العام لملاحقات جزائية. وفضح الديوان زيف ادعاءات وزيرة المال بعدم إمكان قطع حساب السنوات من 2006 إلى 2009 لتبرير تقديم مشروع القانون العالق في مجلس الوزراء والرامي إلى إعفائها من هذا الموجب الدستوري، إذ تحدث البيان عن تسلمه قطع حساب سنتي 2006 و2007، وطالب بقطع حساب سنة 2008... ما يعني أن وزيرة المال لم تقل الحقيقة في مشروع القانون المذكور، ولا سيما ما ورد في أسبابه الموجبة عن أن «الظروف الاستثنائية التي مرت بها البلاد حالت دون إقرار الموازنات للأعوام الممتدة من عام 2006 إلى عام 2009، ما أدّى حتماً إلى عدم إمكان قطع حساب لتلك الأعوام».

عدد الاربعاء ٦ تشرين الأول ٢٠١٠
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة