ثورة الجامعات والنقابات... واللاطائفيّين

حسن خليل - "الأخبار" سقطت الأقنعة بسقوط خفض سن الاقتراع، كما سقط قبلها البحث في إلغاء الطائفية السياسية. لكن الأهم من سقوط مشروع الإصلاح، انكشاف الانحدار العميق للمجتمع المدني في لبنان. تاريخياً، كانت الجامعات منبع الحيوية السياسية للمجتمع المقهور. أما اليوم، فعلى الرغم من أن الصفعة ـــــ الإهانة في سقوط المشروعين موجهة خاصةً إلى جامعيي لبنان بكل طوائفهم، نجدهم صامتين، كأنهم جميعاً موالون لـ«ثورة» المطاعم والملاهي فقط، أو أسرى طوائفهم. يطالب العونيون بتفهّم المأزق في محيطهم. يخافون على جمهورهم المسيحي ويسعون إلى التقاطه من التقوقع الذي يدفعه إليه بعض الزعامات المسيحية، التي تخوّفه من ضياع خصوصيته في لبنان، «البلد الوحيد الآمن» بعد مأساة العراق وفلسطين. زيارة «براد» يزول مفعولها بـ«سورنة مار مارون». لذلك، إلى أن يقضي الله أمراً، يطالبون بإقرار استعادة الجنسية واقتراع المغتربين ليتوازن مع خفض سن الاقتراع، لعلّه يحصل الانصهار مستقبلاً في مجتمع أكثريته الجارفة «الطائفة المدنية». في التكتيك يتوافقون مع نقيضيهم: القوات اللبنانية والكتائب، كأنهم كمنقذ غريق يضطر إلى السباحة مع التيار لضمان الوصول إلى بر الأمان. اختلطت مشاهد المسرحية عند الطوائف الأخرى. فتيار المستقبل «السنّي» تحالف مع الإجماع المسيحي بهدف عدم التنازل عن واقع من الامتيازات، إما دستورية أو عرفية في الممارسة لتثبيت الموقع الثالث. هذا يتناقض بالكامل مع سببية الاقتراع المسيحي، وأهدافه. وليد جنبلاط وما يمثّل عند الدروز، اقتنع مع الحلفاء «القدماء الجدد» بأنه لا خلاص للبنان إلا بـ«صَهر» أقلياته في أكثرية مدنية، لأنه يعدّها الضمانة الوحيدة الباقية ضمن هذا الوحش الطائفي الهائج في المنطقة. رجع إلى عرينه السابق الذي شغله بعد رفعه العلم الملوّن سابقاً في الجبل، وعاد إلى شخصية قارئ الصحافة الأوروبية والطامح إلى حضارتها ومدنيتها. يُتَّهَم حزب الله وحركة أمل بأنهما مؤيّدان للإصلاح السياسي بخلفية الاطمئنان إلى الواقع الديموغرافي للشيعة، وبالتالي فإن إضعاف مكاسب الطوائف الأخرى هو تقوية طبيعية لموقعهما السياسي. عليهما مقارعة الاتهام بالسلوك السياسي والاجتماعي، والإجابة الواضحة عن تساؤلات «القلقين». تحالفات مسيحية ـــــ شيعية، وسُنيّة ـــــ درزية ـــــ مسيحية، تحولت إلى شيعية ـــــ درزية، وسُنيّة ـــــ مسيحية. فصل مسرحية بشع. ألا تذكّر عنصرية إسرائيل في المطالبة بالاعتراف بخصوصية يهوديتها بممارسة الطوائف الكبرى في لبنان؟ (الطوائف الصغرى أصلاً مقهورة ومغلوب على أمرها). طبعاً المقارنة ستثير حفيظة البعض وادّعاء العكس تماماً، وأن لبنان هو دليل إمكان تعايش الطوائف، بينما تلغي يهودية إسرائيل الآخرين. أيّ تعايش هذا ولبنان لم ينعم بعشر سنوات استقرار متواصلة؟ أليس واضحاً أن الديموقراطية التوافقية أكذوبة صنعها السياسيون وبعض رجال الدين الأحياء والأموات؟ يعيش اللبنانيون تناقضاً كبيراً منذ نشأة «كيانهم»، بحجة «الحفاظ على الخصوصيات»، وسخافة المنطق أن لبنان «ذو حضارات متعددة» تتفاعل. تناقض بين استحالة الانزواء في الطوائف (تماماً إن لبنان أصغر من أن يُقسَّم) وفشل التوازن بين الطوائف، لأنها جميعاً تمارس الخصوصية كأنها منفصلة، كلّ منها كيان يعدّ نفسه الوطن كله (رحم الله جبران). أية نفوس وأية نصوص يتحدثون عنها؟ أفسدوا النفوس ليكسروا أقلام النصوص. هنا يطرح السؤال: أين اللاطائفيون؟ هل هم «أحياء»، لكنهم عاجزون أمام الانجراف المذهبي، وإن الواقع أبشع مما يتصوّره المتفائلون؟ إذا كان الواقع للمقيم والمهاجر اللبناني طائفياً إلى هذا الحد (تجسّد في مهزلة مجلس النواب الأسبوع الماضي)، فلا يكون لبنان وطناً بل «كياناً جغرافياً»، جاهزاً للسيطرة عليه دوماً من «طرف عاقل» يضبط «المجانين». وإلا فلماذا العجز في البحث عن آليات لإعادة تجميع قواهم والتأسيس لقوة سياسية تتميز عن كل القوى الحالية لبناء مجتمع مدني تحيا من خلاله النقابات والهيئات الاجتماعية مرة أخرى؟ هل يجب تذكير اللاطائفيين بأن الحقوق المدنية هي أقوى من تزلّف متلبّسي التديُّن الذين لا يعكسونه في سلوكهم الاجتماعي، كأن التديُّن الصادق والسلوك الحضاري بين البشر متناقضان عندهم. إذاً، لماذا حالة اليأس، وكيف الخروج منها؟ ألا ترون «الغرب الحضاري» لا يجد عنصرية في يهودية إسرائيل بينما ينشط النظام العربي، وبعض النظام اللبناني، في محاولة لتحجيم أهم إنجاز في التاريخ الحديث، ألا وهو المقاومة، وتصويرها بمنظور لون مذهبي، وبالتالي يجب التخلّص منها؟ من مصلحة الطائفيين دعم اللاطائفيين، ليس حبّاً بهم، بل حتى لا يأتي يوم يتسابق فيه الـ60 مليار دولار من الدَّيْن العام مع ذوبان المجتمع. قد لا يختفي لبنان من الجغرافيا، ولكن كما يتساءل العراقيون عمّا إذا كان حكم صدام أفضل من اليوم، قد يأتي زمن يترحَّم اللبنانيون فيه على أية وصاية من أية جهة... إلا إذا أقنعنا أحد بأن الطلاب والنقابات واللاطائفيين سيخرجون من زواريب «الزبائنية» ويملأون الساحات اعتصاماً في الأيام المقبلة... «إن شاء الله»... «رزق الله أيام زمان»...
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة