بات واضحاً أن الكتل النيابية تتعاطى مع مشروع موازنة عام 2010 المرتقبة انطلاقاً من تسويات سياسية، إذ إن غالبيتها لم تعلن مواقف واضحة وصريحة من الزيادات الضريبية التي سيتضمنها المشروع، وخصوصاً زيادة الضريبة على القيمة المضافة من 10% إلى 12% أو 15%، تسهيلاً للتوافق خارج المؤسسات الدستورية، أي مجلسي الوزراء والنواب
محمد وهبة كان لافتاً تحذير رئيس الحكومة سعد الحريري من أن مشروع موازنة عام 2010 سيكون «اختباراً لحكومة الوحدة الوطنية»، ما يوحي بأن مناقشتها في مجلسي الوزراء والنواب ستكون مبنية على حسابات سياسية أكثر منها مالية واقتصادية واجتماعية. فقد باتت مواقف غالبية الكتل السياسية مرهونة بطبيعة تحالفاتها والتسويات المحتملة وتأثيرات هذا الأمر على المناخ العام، إذ تقول مصادر وزارية من قوى المعارضة السابقة، إن هناك محاولة للمساومة على «إقرار مشروع الموازنة بهدوء مقابل عدم توتير المناخ السياسي، بما في ذلك تأجيل الانتخابات البلدية». ربما لهذا السبب تستمهل بعض الكتل في إطلاق مواقف واضحة من طرح رئيس الحكومة سعد الحريري ووزيرة المال ريّا الحسن، لجهة زيادة ضريبة القيمة المضافة من 10% إلى 15% أو 12%. لكن الأكيد حتى الآن أن كتلة التغيير والإصلاح ترفض رفضاً قاطعاً زيادة الـTVA وتقول إن في جعبتها 100 بديل لتغطية الإنفاق الزائد على الموازنة، غير أن باقي الكتل تنتظر التفاصيل المتعلقة بالموازنة التي قد تدفعها إلى الموافقة على الزيادة أو رفضها، أي ليس لديها موقف مبدئي من زيادة الضريبة على الاستهلاك عموماً.
TVA المستقبل: نعم للـ
يرى النائب سمير الجسر أن هناك ضرورة للموازنة بين النفقات والواردات، وبالتالي فإن «أي زيادة أو طلب لزيادة الإنفاق يجب أن يُغطّى بزيادة الإيرادات حتى لا يزيد العجز والمديونية العامة، وإلا ستكون الموازنة وهمية»، ويشير إلى أن الخزينة تحقق فائضاً أوّلياً، لكن خدمة الدين العام تستنزفه، أي إنها تعاني عجزاً قبل زيادة الإنفاق. وفي رأيه، إن «موارد الخزينة مبنية على الضرائب، ولا سيما الضريبة على القيمة المضافة التي يعتمدها العالم كله، فيما هي ضريبة سريعة التحقق وتؤمّن واردات مضمونة، أما باقي أنواع الضرائب فهي مرتبطة بالحركة الاقتصادية والربح والخسارة والأزمات...»، ويلفت إلى أن للـTVA أهمية أساسية، فهي تسمح للدوائر الضريبية بالدخول إلى حسابات التجار ومنعهم من التهرّب الضريبي». لذلك، فإن موقف كتلة المستقبل من مشروع الموازنة لن يكون معلّقاً على زيادة الضريبة بمعزل عن زيادة الإنفاق، إذ يرى الجسر أنها «ضريبة عادلة ولا تطال إنفاق الأسر الفقيرة والأشد فقراً، لأن ضريبة الـTVA تتضمن سلّة إعفاءات مرتبطة بالاستهلاك، وخصوصاً استهلاك الكماليات بنسبة 95%».
التغيير والإصلاح: 100 بديل
في المقابل، درس تكتل التغيير والإصلاح موضوع موازنة عام 2010 في أحد اجتماعاته، وكان رئيسه النائب ميشال عون واضحاً وصريحاً في رفض الزيادات الضريبية، وقال إن لدى التكتل 100 بديل. وفي الواقع، جرى لقاء بين وزراء التيار ووزيرة المال ريّا الحسن، وأُبلغت أن التكتل لا يرى أي مبرر لأي زيادة ضريبية في ضوء وجود فائض في حساب الخزينة، وبالتالي إذا كان لا بد من الدخول في نقاش بشأن هذا الأمر، فالأجدى أن يكون بهدف تصحيح الاختلالات المالية والاقتصادية والاجتماعية، والتوافق على الأهداف النقدية، لا أن يكون نقاشاً في زيادة الإيرادات فقط. وفي هذا الإطار، يقود النائب إبراهيم كنعان، بصفته رئيساً للجنة المال والموازنة، محاولة لإلزام الحكومة بتطبيق أحكام الدستور وقانون المحاسبة العمومية في إعداد الموازنة، ولا سيما لجهة إحالة مشاريع قوانين منفصلة لكل حالة من حالات التعديل الضريبي.
أمل: في انتظار المشروع
يقول عضو كتلة التنمية والتحرير النائب غازي زعيتر إن الموضوع لم يقرّ بعد في مجلس الوزراء، فيما هناك ضرورة للاطلاع على الأسباب الموجبة للزيادات الضريبية قبل تحديد موقف منها، موضحاً أن الكتلة ستجتمع «عندما تقرّ الموازنة في مجلس الوزراء وتُرسل إلى المجلس النيابي، وستأخذ الموقف المناسب في حينه». إلا أن مصادر قريبة من رئيس مجلس النواب نبيه بري لفتت إلى أنه «ضد زيادة حجم الدين العام مبدئياً»، لكنّ الموافقة على أي زيادة ضريبية مرهونة «باستنفاد كل الموارد الأخرى في الدولة اللبنانية، وما يشاع عن زيادة الضريبة على القيمة المضافة غير مرتبط بزيادة الإنفاق، بل هو متصل بالزيادات التدريجية الملحوظة في مؤتمر باريس 3».
حزب الله متريّث
حزب الله يفضّل التريّث في إطلاق موقف نهائي من مشروع الموازنة. وبحسب عضو كتلة الوفاء والمقاومة النائب نوار الساحلي، فإن الحزب ينتظر المشروع بتفاصيله التي سيناقشها في مجلس الوزراء أولاً «وحين تصل إلى مجلس النواب ستحدّد الكتلة موقفاً». ويعلّق على سؤال عن موقف الحزب من الزيادة المطروحة على القيمة المضافة: «منذ أيام قال الرئيس الحريري في قطر إن المشروع لن يتضمن زيادة الـTVA». ومرّد هذا التريّث يعود إلى الطروحات التي قُدّمت للحزب بشأن زيادة الضريبة على القيمة المضافة إلى 15%، ثم جرى التنصّل منها لاحقاً، فيما اتّهم بطرح مقايضة «تأجيل الانتخابات البلدية مقابل الموافقة على زيادة ضريبة القيمة المضافة». ولذلك، فإن موقف حزب الله سيُعلن بعد أن يصبح مشروع الموازنة معلناً.
القوات: مع 12% وتقديمات
ويرى عضو كتلة القوات اللبنانية، النائب أنطوان زهرا، أن هناك «بلبلة بشأن الزيادة الضريبية. فقد أجريت حملة على أساس أن هناك زيادة الـTVA، فيما توجّه الحكومة ليس في هذا الاتجاه». ويرى أن الكتلة «سيكون لها موقف سلبي من زيادة الـTVA إلى 15%، أما ما يتداول عن زيادة إلى 12% فيحتاج إلى تقويم. فإذا كان مترافقاً مع تقديمات على المستوى الاجتماعي مثل الصحة وضمان الشيخوخة... فقد تكون مقبولة»، لكنه يعتقد أن ما يُطرح هو مجرد دعايات «لتقطيع الوقت. وعلى أي حال، يجب أن نرى فذلكة الموازنة أولاً، حتى يتسنى لنا مناقشتها والتعليق عليها كطرف سياسي، ولن نعلن موقفنا النهائي من الموازنة قبل أن نرى العناوين المطروحة وماذا تحتوي».
11.8%نسبة نموّ إيرادات الضريبة على القيمة المضافة في عام 2009 مقارنة بالعام السابق، حيث بلغت 2888 مليار ليرة (1.92 مليار ليرة). ومثّلت هذه الإيرادات 22.7% من الإيرادات الإجماليّة للحكومة، التي نمت بدورها بنسبة 20.4%
بعزقة أموال الدولةيؤكد النائب فؤاد السعد (الصورة) أن كتلة اللقاء الديموقراطي لم تتخذ أي قرار بشأن الموازنة والزيادات الضريبية، مؤكداً أن موقفها سيعلن لاحقاً. لكنه يعتقد أنه في إمكان الدولة تحديد مستوى إنفاقها، فإذا كانت هناك حاجة إلى مشاريع يجب تغطيتها، بشرط ألّا تحصل «بعزقة» أملاك الدولة بالخصخصة. ويعلّق على كلام الحريري عن أن الموازنة ستكون اختباراً لحكومة الوحدة: «إذا لم يكن هناك تفاهم فسيتجمد كل شيء بما فيها الموازنة، وإذا كان الجميع يرى أن الحكم لن يسير بهذه الطريقة، يجب البحث عن وسائل أخرى للحكم».