أسعد أبو خليل* لم تكن تغطية حادثة العديسة عاديّة. صدحت وسائل الإعلام بما حصل كأن نصر تحرير الجنوب، وحتى نصر القضاء على الكيان الغاصب، بات قاب اليديْن. التهليل للجيش اللبناني ملأ الأسماع، والمطربون والمطربات ظهروا وظهرن بثياب الميدان. صور الجنود وهم يلتهمون الأفاعي (لماذا؟ هل هي ضرورة عسكريّة؟) عادت إلى الشاشات. وحده (؟) مجلس المطارنة الموارنة شذّ عن الإجماع على التنديد بالعدو الإسرائيلي. لم يكن بيان المطارنة عاديّاً حتى في إهانته للشعب اللبناني وقضيّة تحرير أرضه بالرغم من سوابق. أصرّ على تجاهل الفاعل. لم يرد ذكر إسرائيل في البيان مرّة واحدة. هذا هو توجّه بطريرك أنطاكية وسائر المشرق وديدنه: لا يبدو ان له شأناً بالصراع مع إسرائيل. هو مشغول، لا بل مهووس، بصراعه مع سوريا. رفض ان يحضر حلف تكريم الملك السعودي والرئيس السوري في بعبدا لأنه لا يريد ان يلتقي بشّار الأسد، وهو الذي بجّل قيادة ديك تشيني أثناء عدوان تمّوز. لكن ما حصل لا يمكن ان يكون مناسبة للتهليل ـــــ أو للتهليل فقط. طبعاً، إن كل رشقة رصاص وحجارة وقنابل ضدّ العدوّ يجب ان تُقابل بالتهليل والترحيب. لكن عقيدة الجيش اللبناني ما زالت على المحك، وعقيدة الجيش هي فعل وممارسة لا بيان وكراريس مطبوعة وخطب رنّانة. تصرّ قيادة الجيش على الاحتفاء بالبطولة فقط من خلال التذكير بمجزرة نهر البارد. لا، لا مكان للبطولة في نهر البارد أبداً. ما هكذا تُصاغ عقيدة الجيش المبنيّة على التضاد مع إسرائيل. صحيح ان الجيش فقد أكثر من خمسين من عناصره في حرب تمّوز لكن معظهم قضى في أسرّتهم أو في مقاعدهم، أي إن البطولات آنذاك كانت فرديّة، وقد تكون بطولة الضابط الذي أمر بإطلاق الرصاص في العديسة بطولة فرديّة، وخصوصاً أن أوامر الحكومة اللبنانيّة وقيادة الجيش (التي تخضع لأمر السلطة السياسيّة) أتت في اليوم التالي لتعاكس أو لتبطل أمر الضابط الشجاع الذي أمر بإطلاق الرصاص على العدوّ.
لكن ردود الفعل كانت كالعادة نافرة ومُنسّقة. وبعض المواقف كان مضحكاً للغاية. حزب الكتائب اللبنانيّة ـــــ الحليف التاريخي للصهيونيّة بيننا ـــــ مثله مثل باقي فصائل 14 آذار، رأى أن مجرّد إطلاق الرصاص على القوات الإسرائيليّة المُحتلّة من الجيش اللبناني يثبت بالقاطع أن الجيش مجهّز ومُعدّ لمواجهة إسرائيل، وأنه صلب الاستراتيجيا الدفاعيّة. أي إن صلب الاستراتيجيا الدفاعيّة لرئيس اتفاق 17 أيّار هو رشقة رصاص على العدوّ. أما عقاب صقر، فقد كان نجم المحطّات السعوديّة والحريريّة، وإن كان يستفيض أكثر في الحديث عن «خادم الحرميْن» في التلفزيون السعودي حتى خِلت أن المذيعة تريد منه ان يتوقّف عن التملّق لأنه «زادها». عقاب صقر هذا قال ما يلي: 1) أن سعد الحريري «قطع إجازته» ـــــ من دون ان يقطعها ـــــ فقط لأنه استعمل الهاتف لإجراء بعض الاتصالات بحلفاء النظام السعودي في المنطقة. أي إن الإجازة، وفقاً لمنطق صقر، تُقطع بمجرّد استعمال الهاتف في سردينيا. 2) أفتى حضرته أن الذي يحمي لبنان ـــــ يا لبنان «بِحِبك» عن جدّ عقاب صقر ـــــ هو «شبكة أمان عربيّة»، حسب وصفة قريطم. و«شبكة الأمان العربيّة» كانت موجودة أثناء عدوان تمّوز لكنها، على ما نذكر ـــــ مثّلت شبكة أمان لحماية إسرائيل من الانتقاد وحرصت على تحميل حزب الله مسؤوليّة الحرب. وجوقة تيّار المستقبل، كعادتها، اجترّت كلاماً عن «عدم إعطاء الذريعة» ـــــ أي إن على لبنان الترحيب باعتداءات إسرائيل وتلقّف قنابلها وصواريخها بصدر رحب خشية «إعطاء الذريعة». أي إن ذرائع حروب إسرائيل كان مصدرها عربيّاً. يعني تيّار الحريري يُفضّل لو أن شعب فلسطين لم يعط الذريعة لإسرائيل لتحتل أرضه وتهجّر شعبه. أي إن القاوقجي والقسّام والحسيني أعطوا الذريعة لإسرائيل قبل ان تولد عنوةً في أرضنا. هناك من تطرّف في التعليق. جيزيل خوري تكاد تكون أقوى حجّة في تصوير الموقف الإسرائيلي من دعاة الحكومة الإسرائيليّة أنفسهم. قالت إنه ليس مهمّاً تحليل ما حدث في العديسة لأن هناك وجهة نظر إسرائيليّة وهناك وجهة نظر لبنانيّة، والموضوعيّة جيزيل ترفض ان تدخل طرفاً في نزاع بين إسرائيل وطرف عربي، لأنها موضوعيّة وغير منحازة، على طريقة «إيلاف» التي تنشر دعوات صهيونيّة وتأييد لحروب إسرائيل من باب الموضوعيّة الصحافيّة (نشرت «إيلاف» اسم الضابط اللبناني الذي أمر بإطلاق الرصاص على العدوّ الإسرائيلي في العديسة لكنها، للأمانة، لم تنشر عنوان منزله لإرشاد صواريخ إسرائيل إليه). وجيزيل خوري (التي يرصد مركزها «سكايز» التعدّي على الحريّات الصحافيّة في تلك البلدان غير النفطيّة، والتي لا تتمتّع بعلاقات جيّدة مع السعوديّة) أضافت في آخر برنامجها «استديو آل سعود» اقتراحاً لقطع كل الأشجار في المنطقة المُتنازع عليها من أجل أن تتضح الرؤية أمام كاميرات التجسّس الإسرائيليّة. النائب سمير الجسر رأى أن الدفاع عن لبنان هو «من اختصاص الجيش» وحده. لم يسأل أحد الجسر عن سبب تمنّع الجيش عن ممارسة اختصاصه في الدفاع عن لبنان في عدوان تمّوز؟ لماذا ترك الجيش مهمّة التصدّي لإسرائيل لصبية من المقاومين الذين مارسوا بمهارة ما بعدها مهارة اختصاصهم في الدفاع عن لبنان؟ أما مفتي صور المطرود، علي الأمين، فلم يبدُ عليه انه لاحظ ما حصل في الجنوب. لعلّ في ما حصل إحراجاً له ولدعواته ضد المقاومة. أما دوري شمعون، فقد هاله النزاع مع إسرائيل. شمعون هذا ـــــ وهو غير شمعون الذي رعى أنطوان لحد ـــــ سخر من انتصار تمّوز ورفض ان يصدّق الحكومة الإسرائيليّة نفسها بأنها أُذلّت في عدوان تمّوز. لا يزال شمعون يصرّ على أنه كان بمستطاع إسرائيل ان تقضي على المقاومة لو أرادت لكنها لم ترد لأن العدو الإسرائيلي رحيم وحريص على حقوق الإنسان العربي وعلى حياته. لعل دوري نسي كيف طُرد أبوه من قصر السعديّات شرّ طردة. لعلّه نسي لقاءات والده المُذلّة مع الإسرائليّين. لعلّه. والتفجّر في الالتفاف حول الجيش قد يكون سابقاً لأوانه وقد يكون مشكوكاً في دوافعه. وفريق آل الحريري سارع ليجد أن لا حاجة إلى مقاومة إسرائيل بعدما أطلق جندي النار. هذا مثل الذين قالوا بعد 7 أيّار إنهم لا يثقون بسلاح المقاومة بعد هذا اليوم لأنه استُعمل «في الداخل»، وكأنهم كانوا يؤيدون المقاومة قبل 7 أيّار. لكنّ أحداً لم يقل جهاراً إن المثال التاريخي واضح: كل مقاومة تستعمل سلاحها في الداخل، ويجب أن تستعمل كل مقاومة سلاحها في الداخل لأن لا احتلال من دون أعوان... في الداخل. لو لم تستعمل المقاومة الفرنسيّة سلاحها في الداخل، لكان عملاء النازيّة قد سادوا ومادوا أكثر بكثير مما فعلوا. وقيادة الجيش رضخت بصمت في اليوم التالي لأمر القيادة السياسيّة بترك إسرائيل تفعل ما تشاء وتقطع من الأشجار ما تريد دون ردّ. هذا الموقف لا علاقة له أبداً بالكرامة الوطنيّة والسيادة. جريدة «الحياة» نقلت رواية مهينة جداً للبنان عن تهديد إسرائيلي مفاده أن إسرائيل ستقطع من الأشجار ما تريد (وهو موقف جيزيل خوري نفسه، ولكنها الصدفة لا غير) وأنها ستقصف كل مواقع الجيش لو ردّ أو اعترض. فما كان من الحكومة اللبنانيّة إلا أن رضخت، كعادتها، لتهديد إسرائيل. أي إن عقيدة الجيش الجديدة تطبّق في نهر البارد وغيره من المخيّمات فقط. يعني أن الضابط الشجاع الذي لم يرد أن يقف الجيش ليرى العدو وهو يقطع الأشجار في أرض لبنانيّة تعرّض للمهانة من الحكومة اللبنانيّة. لو أن لبنان أراد أن يثبت حرصه على السيادة، لمنع إسرائيل من قطع أي شجرة في اليوم التالي ولدعم المقاومة في ممارسة اختصاصها في مقاومة إسرائيل وصدها. عاجلَ متحذلقو الفريقيْن بالاستشهاد بمعادلة «الشعب، الجيش، المقاومة». لكن المعادلة محاولة تلفيق سياسي ولا معنى لها ـــــ لا سياسيّاً ولا عسكريّاً. كيف نخترع كذبة إجماع الشعب اللبناني على المقاومة؟ أنسينا افتتاحيّات جريدة «النهار» في التسعينات ضد المقاومة؟ أنسينا جوقة جريدة «النهار» في تسويغ اتفاق 17 أيّار؟ أنسينا كيف وقف قطاع من اللبنانيّين ضد المقاومة على مرّ تاريخها (في طورها العلماني والإسلامي على حدّ سواء)؟ الكلام على أن «الكل قاوم» على طريقته، يسفّه المقاومة ويسخّفها ويحقّرها، إلا إذا أقحمنا دموع السنيورة وشاي أحمد فتفت وعلاقة سمير جعجع وأمين الجميّل وجورج عدوان (الماضية) بإسرائيل، في خندق المقاومة. أهذا ما يعنيه فؤاد السنيورة في كلامه الممل عن «النضال الحضاري» ـــــ وهل إفراطه في اصطناع الشوق والحرقة في مصافحاته للملك السعودي يدخل هو أيضاً في باب النضال الحضاري؟ ليس هناك مقاومة تحظى أو حظيت بمساندة كل الشعب. هل كنا نتوهّم ان بعض لبنان كان يهزج للجيش الإسرائيلي العدو في عدوان تمّوز وقد صرّح بعضهم بذلك لبعض الأجانب (كما صرّح بذلك رضوان السيّد أمام الأكاديميّة الأميركيّة، سابا محمود، التي نقلت الرواية لي)؟ هل كنا نتوهّم ان الجيش لم يقم بواجباته في عدوان تمّوز؟ هل الجيش هو الذي قاوم والمقاومة ساندت، أم أن العكس هو الصحيح؟ وإذا كان العكس صحيحاً، ألا يجعل ذلك المقاومة نفسها بدون إضافة ولا نقصان المُخوّلة الوحيدة والمُختصّة بالدفاع عن الوطن وصدّ العدوان؟ وقد ذكرت محطة «إن.بي.أن» أن الجيش و»بعض الأهالي» هم الذين صدّوا العدوّ في العديسة، ألا يتوجّب علينا إذن شكر «بعض الأهالي» الشجعان؟ أما رئيس الجمهوريّة، فقد قام بزيارة محمودة إلى جنوب لبنان، كما فعل قبله قائد الجيش اللبناني. لكن كلام رئيس الجمهوريّة يطرح أسئلة أكثر ما يجيب عنها. أما أن الجيش اللبناني بحاجّة ماسّة إلى تسليح، فهذا من نافلة القول. لكن مسألة جمع التبرّعات تصرف الأنظار وتبتعد عن لبّ المشكلة. لبنان لا ينفكّ يشكر دولاً، شرقاً وغرباً على عطاياها، حتى لو كانت بعض العطايا مسمومة (مثل العطايا السعوديّة أثناء حرب تمّوز التي أتت لتدعم السنيورة ولتغطّي على الخطيئة السعوديّة في تبنّي الحرب الإسرائيليّة، ظنّاً انها ستقضي على حزب الله، أو الدعم الأميركي والفرنسي للجيش، الذي يهدف صراحة إلى ضرب حزب الله والمخيّمات الفلسطينيّة). الجيش «يلمّ» تبرّعات؟ ماذا علينا ان نتوّقع الآن؟ أن يجمع الجيش جرحاه ويدور بهم في سيّارات مكشوفة (كما تفعل «دار الأيتام الإسلاميّة» التي تجمع الأطفال اليتامى في باصات وعربات مكشوفة وتجول بهم وبهن في شوارع بيروت طلباً للتبرّعات)؟ أما أن الجيش يحتاج إلى تسليح وإلى أسلحة مضادة للطائرات فهذا الأمر معروف من أيّ رضيع في جنوب لبنان. ولكن لماذا لم يقل ميشال سليمان هذا الكلام من قبل؟ لماذا لم يقله وهو يسلّم درع رئاسة الجمهوريّة إلى السفيرة سيسون وهو يعلم ان حكومتها هي (بالإضافة إلى إسرائيل) مسؤولة عن حرمان الجيش السلاح الضروري الذي يحتاج إليه والذي لا مناص منه إذا قرّر لبنان ولو متأخراً الدفاع عن السيادة وعن الحريّة وإلى ما ذلك من كلام دبلوماسي أميركي لا معنى له ولا طعم؟ لو كان رئيس الجمهوريّة والحكومة اللبنانيّة جديّين في مسألة تسليح الجيش وفي مسألة الدفاع عن لبنان لوجب أولاً (بعد إقصاء إلياس المرّ، وزير الدفاع الهزلي الذي ضمن للبنان طائرات حربيّة روسيّة ما لبث ان أكّد ان لا حاجة إليها البتّة) إعلان الحقائق، من نوع: إن الولايات المتحدة، لا الشح المالي، هي المسؤولة عن حرمان لبنان سلاحه، لأنها ترضخ للشروط الإسرائيليّة في تسليح كل الدول العربيّة. لكن الحكومة لا تعلن تلك البديهيّة ليس فقط لأنها لا تريد إغضاب أميركا، بل لأن الجيش يتمتّع ويتلذّذ (على مستوى القادة) ببعض ما يصله من سيّارات وامتيازات ودورات تدريب أجنبيّة تسعد كبار الضبّاط ولا تتعلّق أبداً بجهوزيّة الجيش وبإعداده للدفاع عن لبنان، لأن أميركا واضحة في مراميها من حيث حض الجيش على استخدام ما لديه ضد الأعداء الداخليّين دون سواهم. ليس في الأمر لغز أبداً، والصحافة الأميركيّة والإسرائيليّة ذكرت ما لا يُذكر في صحافة لبنان: ان أميركا تمدّ الجيش اللبناني بالمساعدة لاستخدامها ضد حزب الله والمخيّمات الفلسطينيّة. وعندما أعلنت الحكومة الأميركيّة أنها تأكدت أن لا أسلحة أميركيّة استعملت ضد إسرائيل في مناوشة العديسة، ألا يعني هذا انها تلقّت ضماناً في هذا الخصوص من الحكومة اللبنانيّة؟ وإذا كانت أميركا تصرّ على حظر استعمال سلاحها، مهما كان خفيفاً، ضد إسرائيل، فلماذا لا تعلن الحكومة اللبنانيّة من باب الكرامة ـــــ أو ذرّة منها لو توافرت ـــــ أنها لن تقبل الشروط الأميركيّة المهينة مقابل تلقّيها باصات وعربات وأسلحة أميركية ضد الأعداء الداخليّين؟ أما قوّات اليونيفيل، فهي وقفت كعادتها حارسة لأفعال إسرائيل ومُسبغة شرعيّة على عدوانها. لا مهرب من الاعتراف المُزعج: قوات اليونيفيل ما هي إلا قوّات احتلال رديفة للاحتلال الإسرائيلي البغيض. لم تأتِ لنجدة الجنوب، وهي تراقب التسلّح في جانب واحد من الحدود. وقد اختلقت لنا القيادة الصهيونيّة في الأمم المتحدة بدعة ما بعدها بدعة: قصّة «الخط الأزرق». والقصّة، كما يذكّرناأمين حطيط، نسجها الصهيوني المتعصّب تيري رود لارسن (الصديق المقرّب من رفيق الحريري، الذي ورد اسمه معه في الإعداد للقرار 1559) لاقتطاع ما تحتاج إليه إسرائيل من أراض في لبنان. وليس هناك في الحكومة اللبنانيّة، ولا في وزارة الخارجيّة، من يذكّر اللبنانيّين واللبنانيّات بحقيقة القانون الدولي في مسألة الحدود: أن لا دور أبداً للأمم المتحدة في ذلك، وأن ترسيم الحدود مسألة تخضع للعلاقات الثنائيّة بين دولتيْن، ولا تستطيع الأمم المتحدة إلا حفظ الاتفاقات الدوليّة بين الدول، ليس إلاّ. أما أن يفتي تيري رود لارسن او غيره من قوّات احتلال اليونيفيل في الجنوب في تقرير ما إذا كانت قطعة الأرض هذه لبنانيّة أو «إسرائيليّة» فهذا لا ينطلي إلا على اللوبي الإسرائيلي في لبنان، الذي لا يفوّت فرصة إلا يفعل ما بالمستطاع لإنقاذ إسرائيل من ورطاتها (هؤلاء، أعضاء اللوبي، تعرفونهم. كانوا يطلّون في عدوان تمّوز، لا للتنديد بجرائم حرب إسرائيل، بل لإحراج حسن نصر الله في كل واحدة من إطلالاته أثناء الحرب). لم يكن هناك خط أزرق قبل ان تختلقه إسرائيل من أجل ان تزيد من العمق التي تريده لنفسها لحماية احتلالها. قوّات اليونيفيل لا تأتمر بأمر قيادة محايدة، ومندوب الأمم المتحدة في لبنان بات «آخذاً راحته» لدرجة انه يعلّق حتى على الانتخابات البلديّة لأنه تعوّد على بلد يستسيغ بعضه الاحتلال. الأمم المتحدة وقوّاتها تتحرّك ولا تتصرّف من دون أوامر وأذون أميركيّة ـــــ صهيونيّة هناك في 14 آذار من لم يخجل من التصريح بأن ما حدث يدعو إلى دعم قوّات اليونيفيل. كأني به يقول إن ما حدث يدعو إلى تدعيم قوات جيش الاحتلال الإسرائيلي. لا مجال للتذاكي. لا مجال للمناورة. إما أن لبنان يريد ان يستمرّ في إهانة نفسه وسيادته وبنيه، على عهده منذ إنشاء الكيان المسخ، وإما أن لبنان سيحزم أمره ويحترم أهله وأراضيه فيقرّر ان المقاومة هي حامية الوطن وأن الباقي يستطيع ان يساند ـــــ لو أراد. أما الكلام عن انتظار أسلحة من هنا أو هناك فلا يصلح إلا لكتابة مسرحيّة من نوع «الفارس» من تأليف إلياس المرّ. تستحق أرض الجنوب وأهله أكثر من ذلك بكثير، على الأقل قياساً بحجم التضحيات المُتراكمة.