«ناجي العلي» و«مريم»: هل تبخّر حلم الإبحار إلى غزّة؟

ليس ما يشير في الأفق إلى أن مصير رحلة كسر الحصار عن قطاع غزة المنطلقة من لبنان سيكتب لها النجاح، إذ يبدو أن ضغوطاً ــ داخلية وخارجية ــ تمارس على المنظمين والحكومة معاً، لغضّ النظر عن محاولة ستكون لها «تداعيات» تفوق، حسب البعض، قدرة لبنان على تحمّلها طرابلس ــ عبد الكافي الصمد تراجع على نحو ملحوظ الاهتمام السياسي والإعلامي والشعبي الذي اكتسبته في الأيام السابقة باخرتا «جوليا» و«جودت» اللتان كانتا تستعدان للإبحار إلى قطاع غزة، محمّلتين مساعدات إنسانية، في محاولة لكسر الحصار الخانق الذي يضربه الإسرائيليون حوله منذ أكثر من 3 سنوات ونصف سنة ، وذلك بعد مرور 12 يوماً على رسوّ الأولى على الرصيف الرقم 5 في مرفأ طرابلس، وبقاء مصير الثانية حتى الآن مشوباً بالغموض. وتبين بعد مرور هذه الأيام أن هناك أكثر من عقبة لا تزال تعترض عمل المشرفين على الرحلة، وهم ناشطون من منظمة «صحافيون بلا قيود» و«حركة فلسطين حرة» كانوا قد أطلقوا على باخرة «جوليا» اسم «ناجي العلي» تيمّناً برسام الكاريكاتير الفلسطيني الراحل، وعلى باخرة «جودت» اسم «مريم» تيمّناً باسم السيدة العذراء، إذ لا يزالون يرفضون إعطاء تفاصيل عن موعد إبحارهم من مرفأ طرابلس، وتوضيح العوائق التي تواجههم، فضلاً عن أن أي نشاط ملحوظ ولافت لهم لم يظهر (مثل تجهيز الباخرة، وصول مساعدات، توضيح بعض النقاط بشأن من سيكون معهم على متن الباخرتين)، ما يدل على أنهم لم يتجاوزوا بعد العراقيل التي تعترضهم في أكثر من مجال. مصادر مسؤولة في مرفأ طرابلس طلبت عدم ذكر اسمها، أوضحت لـ«الأخبار» أن «أي جديد لم يطرأ على موضوع الباخرة منذ أكثر من 5 أيام على التوالي، ما يدفعنا إلى الشك في ما إن كانت ستبحر أو لا، حتى إنه لا أحد من السفارات الغربية أو المسؤولين والمهتمين يتصل بنا لمعرفة آخر التطورات المتعلقة بها، بعدما كانت إحدى السفارات الغربية قد اتصلت بنا منذ أيام بعد الواحدة والنصف ليلاً لتسألنا إنْ كانت الباخرة قد أبحرت من عندنا أو لا؟». وإذ أشارت المصادر إلى أن «الحراسة المشددة في محيط الباخرة لا تزال على ما هي عليه منذ لحظة دخولها المرفأ»، كشفت أن «بقاء الباخرة على حالها سيدفعنا إلى إبعادها عن رصيف المرفأ، الذي يشهد هذه الأيام ازدحاماً في البواخر التي تريد الرسوّ فيه». ومع بقاء أسئلة كثيرة بلا أجوبة عن أسباب هذا الغموض ومصير الرحلة، رد وزير الأشغال والنقل غازي العريضي على سؤال بهذا المعنى خلال جولة تفقدية له أمس في مرفأ طرابلس، قائلاً: «قمت بكل ما طلب مني، وكان شكر من منظمي الرحلة لإدارة المرفأ، وشكر رسمي أبلغت به شخصياً على موقفي وعلى التسهيلات التي قدمت. أما موضوع تنظيم الرحلة أو لا، فهذا الأمر لا يعود لي»، موضحاً أنه «التزمنا بكل القوانين المرعية الإجراء، وتحت هذا السقف قدمنا كل التسهيلات المطلوبة. أما بالنسبة إلى عواطفنا وإلى اقتناعاتنا السياسية فهي واضحة، والنقاش لا يدور حول حق الشعب الفلسطيني في فك الحصار، ولا يدور حول إرهاب إسرائيل هذه الدولة المارقة الإرهابية في هذه المنطقة». وأكد العريضي أن «موقفي معروف في هذا الموضوع، أنا لا أناقش هذا الموضوع ولا أحد يناقشه معي. نحن نناقش المسؤولية الرسمية للدولة اللبنانية عن مرافقها. قلت نحن نتحمل المسؤولية عن المرافق اللبنانية، وفي إطار هذه المسؤولية حيث يجب أن نقول لا نقول لا ونبرر هذا الكلام ونتحمل المسؤولية، وحيث يجب أن نقول نعم نقولها، لا مسايرة لأحد إلا لاقتناعاتنا وضميرنا ومسؤوليتنا وأمانتنا». وسط هذه الأجواء، أكد المشرفون على باخرة «ناجي العلي» لـ«الأخبار» أنهم سيتحركون في الأيام القليلة المقبلة «بأقل قدر ممكن من الضجيج الإعلامي، وسنبقي نشاطنا بعيداً عن الأضواء، لأننا نريد أن نخفف الضغوط التي تمارس على الحكومة اللبنانية من الخارج، والذي تترجمه سفارات أجنبية في بيروت». وكشف المشرفون عن «معلومات لديهم تفيد بأن مسؤولاً أميركياً اتصل بمرجع حكومي وطلب منه الضغط علينا لمنعنا من الإبحار، وأن المرجع الحكومي وعده بأنه سيقوم بجهده لمنعنا من ذلك»، مشيرين في الوقت ذاته إلى أن «نقاشاً داخلياً يدور في داخل صفوف الحكومة، يؤكد مروجوه أن الناشطين لن يتعدى مشوارهم قبرص، وأنهم سيذهبون إليها ثم سيضطرون للعودة إلى بيروت!». لكن المشرفين سلطوا الضوء على جانب عدّوه «الأكثر إثارة واستغراباً في هذا الموضوع» حسب قولهم، إذ أوضحوا أنه «ما من سفارة أجنبية في بيروت، ولا حتى منظمة تابعة للأمم المتحدة أو مكتبها الإعلامي، إلا اتصلت بنا للاستفسار عن موعد إبحارنا، وعن جنسيات من سيكونون على متن الباخرة، وهل هناك أحد من جنسيات دولهم؟ فكنا نبلغهم أننا لسنا موظفين عندهم، ورفضنا إعطاءهم أي معلومة، كذلك طلبنا منهم التزام معاهدة جنيف التي تحظر على السفارات الاتصال بمواطنين في دول أخرى، وأن يقتصر اتصالهم على وزارة الخارجية في البلد الموجودين فيه». ورأى المشرفون أنه «يجب على حكومتنا ووزارة الخارجية وضع حد لهذا الخرق لمعاهدة جنيف وأصول العمل والأعراف الدبلوماسية للسفارات العاملة في لبنان»، مستغربين «كيف أن وزارة الخارجية لم تتحرك لمتابعة هذا الأمر، ولا حتى بإصدار بيان تنبّه فيه السفارات إلى خرقها المعاهدة التي تنظم وجودها وعملها في بلادنا». مصادر مرفأ طرابلس: لا جديد في موضوع الباخرة منذ أكثر من 5 أيام وصول الأمر إلى هذا الحد رآه المشرفون «عملاً غير مقبول من السفارات، ويمثّل انتهاكاً فاضحاً للسيادة اللبنانية، وخصوصاً أن لا أحد منا يحمل جنسية أخرى غير الجنسية اللبنانية»، لافتين إلى أنه «نعد عبر وكيلنا القانوني رفع دعوى قضائية على السفارات الأجنبية التي اتصلت بنا وخرقت القوانين». في موازاة ذلك، أوضحت أوساط اللجنة المنظمة لباخرة «مريم» لـ«الأخبار» أنه «لا نزال ننتظر وصولها بين وقت وآخر»، لافتين إلى أن «هناك إجراءات تقنية وفنية وإدارية يجري إنجازها، وبعدها ستكون الباخرة في مرفأ طرابلس». لكن الأوساط كشفت أن الباخرة «جودت»، وهو الاسم البحري للباخرة «مريم»، «استُبدلت بباخرة أخرى لأسباب فنية، وأن الباخرة الجديدة ستحمل اسم «مريم» أيضاً، وهي ستصل في غضون أيام إلى لبنان»، رافضة الإفصاح عن مكان وجودها حالياً، في عرض البحر أو في موانئ إحدى دول البحر الأبيض المتوسط أو غيره، لافتة إلى أن «عقبات فنية ولوجستية تؤخر وصولها إلى لبنان». ونفت الأوساط المذكورة تعرضها لضغوط «لمنعنا من الإبحار إلى غزة»، وقالت في هذا الصدد إنه «لا أحد من المسؤولين تعاطى معنا في هذا الشأن منذ إعلان إطلاق حملتنا في 13 حزيران الماضي، ولم نلمس وجود ضغوط مباشرة أو غير مباشرة تمارس علينا». وعن خطتهم في الأيام المقبلة، أشارت الأوساط إلى أن «خطتنا في المرحلة المقبلة هي استكمال الإجراءات القانونية والإدارية المشابهة لباخرة «ناجي العلي»، والانتهاء من كل الترتيبات المتعلقة بالرحلة قبل تحديد موعد الساعة الصفر. أما ما قد يعقب ذلك من ضغوط، فتلك مرحلة أخرى من حملتنا سنتعاطى معها في حينه». لا إيرانيون في «ناجي العلي» يؤكد المشرفون على باخرة «ناجي العلي» اتخاذهم قراراً «يمنع سفر أي إيراني معنا في الرحلة، سواء كان نائباً كما أُشيع أخيراً، أو مواطناً عادياً»، لافتين إلى أنه «إذا أراد الإيرانيون أن يذهبوا فليفعلوا ذلك بمفردهم أو بالمشاركة مع غيرنا»، مبررين ذلك بأن «وجودهم معنا حسّاس جداً، ويحمل أبعاداً وتبعات نحن بغنى عنها». في المقلب الآخر، يؤكد القائمون على باخرة «مريم» أنها «ستقل على متنها نساءً فقط»، موضحين أن «اللواتي تقدمن بطلبات للذهاب معنا بلغن 508 سيدات، لكن العدد المقبول للإبحار في الرحلة سيتراوح بين 50 ـــــ60 سيدة على الأغلب». وكشف القائمون أن «النساء اللواتي سيغادرن معنا بينهن لبنانيات، وأخريات من جنسيات عربية وأجنبية، بعضهن وصلن إلى بيروت للمشاركة في الرحلة منذ 10 أيام، وأخريات منذ 3 أيام، وهن أتين من البحرين، الهند، تونس، مصر، الكويت، سوريا، صربيا، فرنسا وغيرها».
آخر تعديل على Tuesday, 01 September 2009 11:26

الأكثر قراءة