غسان ديبة - الاخبار
«اعلموا أيها الرفاق أن على هذا العلم الذي ستحملونه خلال مسيرتكم المنتصرة نحو الشيوعية هناك أيضاً نقاط من دمي» نيكولاي بوخارين
من بين الأشخاص التاريخيين الذين أثاروا ولا يزالون يثيرون الجدل العنيف حولهم، إن كان في كلام سريع حول العشاء أو في اجتماع أكثر جدية، يحتلّ الزعيم السوفياتي الراحل جوزيف ستالين المرتبة الأولى بامتياز.
لماذا يثير ستالين كل هذه العواطف والآراء؟ والتي قد تختلف أيضاً باختلاف الحقبة التاريخية؟ على سبيل المثال، أحبّ الأميركيون «العم جو»، وهو الاسم الذي أطلقه عليه روزفلت وتشرشل خلال الحرب العالمية الثانية. بعد الحرب، أصبح العم جو الشيطان بعينه مع بداية الحرب الباردة التي أطلقها الأميركيون والغرب ضد الاتحاد السوفياتي، لا لسبب بل لامتلاكه السلاح النووي واتساع نفوذه في أوروبا واحساس الغرب بالتململ في المستعمرات والخوف من الاشتراكية هناك. لم يرد ستالين ولا الاتحاد السوفياتي إشعال الحرب الباردة، وحتى إعلان دولة ألمانيا الديمقراطية في 1949 في المناطق الخاضعة للسيطرة السوفياتية لم يكن مخططاً له بل جاء رداً على إعلان جمهورية ألمانيا الفدرالية، إذ نقل الاتحاد السوفياتي قبل ذلك الكثير من الأصول الثابتة الموجودة في مناطق نفوذه إلى الداخل السوفياتي كتعويضات حرب ضد ألمانيا. على المستوى الفكري يحلو لبعض الماركسيين أن ينفي عن ستالين صفة الماركسية وهذا خطأ شائع، إذ أن الستالينية، بكل انحرافاتها، تبقى إحدى تجليات الماركسية على المستويين السياسي والتاريخي. كما يحلو للبعض من أعداء الشيوعية، أن يساوي بين الستالينية والماركسية وهذا أيضاً غير صحيح. في المقلب الآخر، يعظم الكثيرون ستالين وهناك الآن عودة كبيرة للاحتفاء به، إذ أعلن الشيوعيون في مدينة بنزا في روسيا أن عام 2016 هو عام ستالين، وترتفع صوره في أرجاء المناطق التي تخضع لسيطرة المتمردين في أوكرانيا. كما أن هناك حملة لإعادة تسمية فولغوغراد بستالينغراد وهو الاسم الذي استبدل في عام 1961 بعد فترة من المؤتمر العشرين للحزب الشيوعي السوفياتي وخطاب خروتشوف الشهير الذي انتقد عبادة الشخص وفضح الانتهاكات الستالينية. وكان المجلس المحلي للمدينة قد أقر في 2013 أن تتحول مؤقتاً فولغوغراد إلى ستالينغراد 9 مرات سنوياً خلال الأيام التذكارية. كيف صعد ستالين إلى السلطة؟ لقد كانت فترة العشرينيات التي تلت ثورة اكتوبر في 1917 حافلة على جميع الصعد السياسية والاقتصادية والثقافية في الاتحاد السوفياتي. على المستوى الاقتصادي جرى في تلك الفترة ما عُرف بـ»نقاشات التصنيع» التي وقف فيها ستالين إلى جانب نيكولاي بوخارين المنظر الأساسي لفكرة التطور التدريجي نحو الاشتراكية بالتحالف بين العمال والفلاحين. في المقلب الآخر كانت المعارضة اليسارية والتي مثّلها على المستوى الاقتصادي المنظر الأساسي لفكرة «التراكم الاشتراكي الأولي» يفجيني بريوبرجينسكي وكان هذا اليسار يريد التصنيع السريع على حساب الفلاحين عن طريق نقل القيمة من الريف إلى المدن عبر أنظمة أسعار تمتصّ الفائض في الزراعة من أجل استخدامه في عملية التصنيع السريعة. في نفس الوقت، احتدم الصراع السياسي داخل الحزب حول قضايا كثيرة وكان لتسلّم ستالين منصب الأمين العام (كان في تلك الفترة منصباً تنظيمياً لم يرده غيره من القادة البولشفيين التاريخيين) الفرصة التي استخدمها للإمساك بأكثر مفاصل الحزب الأساسية. بعد هزيمة اليسار ونفي تروتسكي وبعد انهيار الانتاج الزراعي في 1927 رأى ستالين أنه لم يعد هناك معوق سياسي للانعطاف إلى اليسار وأنه لا بد من التصنيع السريع لبناء الاشتراكية وتبنّى أفكار بريوبريجينسكي، الذي أطلقه من منفاه في سيبيريا. انقض ستالين بعد ذلك على بوخارين الذي بقي على مواقفه، وأقرّت الخطة الخمسية الأولى في عام 1928 معلنة بدء التخطيط المركزي للاقتصاد الاشتراكي، وتلى ذلك عملية تطهير سياسي داخل الحزب تُوّجت بمحاكمات موسكو الشهيرة وإعدام بوخارين في آذار 1938. هكذا على شفير الحرب العالمية الثانية تمكّن ستالين من إحكام سيطرته على الحزب، والدولة وبذلك الوقت كان أكثر أعضاء الهيئات القيادية التي شاركت في ثورة 1917 قد أعدمت أو نفيت إلى الداخل والخارج. كانت نقاشات التصنيع على مستوى عال من العلم وقد شارك بها ألمع مفكرين في الحزب اللذين كانا كتبا سوية «ألف باء الشيوعية» ولا تزال تحتلّ مركزاً في الفكر الاقتصادي، إذ خصّص لها جوزيف ستيغلتز فصلاً في كتابه «الضرائب وعبء التنمية الاقتصادية» الصادر في 2002. وعلى المستويين التقني والتاريخي كان للتخطيط المركزي الأثر البارز في نقل الاتحاد السوفياتي إلى مصاف الدول الصناعية المتقدمة، وكان ذلك السبب الرئيسي في الانتصار على النازية وتحوله إلى قوة عظمى. إلا أن الصراع مع بوخارين أفقد الحزب روحه فقد كان بوخارين أصغر قادته وألمعهم وقد كان حبيب الحزب كله. اعتبره الكثيرون وعلى رأسهم لينين أنه أهم منظري الحزب البلشفي ولقد حمل لواء الماركسية حتى في أحلك الظروف خلال إبعاده عن المكتب السياسي وعن تحرير جريدة الازفستيا وخلال محاكمته القاسية وإعدامه. في عام 1988 بعد 50 سنة، حكمت المحكمة العليا السوفياتية ببراءة بوخارين من جميع التهم التي وجهت إليه. في «عام ستالين» نتذكر ضحايا الستالينية ولكن في نفس الوقت وكما قال أحد مسؤولي جمهورية لوهانسك الشعبية في أوكرانيا لمراسل الاندبندنت البريطانية دفاعاً عن احترامهم لستالين «اقترح أن تقرؤا تاريخكم أنتم- إن الملوك الانكليز هم بعيدون كل البعد عن المثالية». نعم، ستالين لم ولن يكون مثالاً أعلى يُحتذى به، ولكنه جزء كبير من التراث الماركسي في تجليه السياسي. هذا لا يمكن نكرانه كما لا يمكن في نفس الوقت نكران أن ستالين والستالينية ارتكبا اخطاء جسيمة لعبت دوراً كبيراً في أفول ما عُرف بالاشتراكية المحققة في نهاية القرن العشرين. اليوم عام 2016، سيكون في بعض من روسيا عام ستالين، وهذا ربما لجيد في يومنا هذا، ولكن في العالم أجمع نريده عام انبثاق جديد لافكار الاشتراكية والسلام والتقدم.