حرب طبقية

حرب طبقية
24 Sep
2015

غسان ديبة -الاخبار

«على الكوادر الحزبية أن تكون أمينة للمثل الشيوعية ومؤمنة ايمانا راسخا بالماركسية» شي جين بينغ

 

لا يظن احد ان ما قاله رئيس جمعية تجار بيروت نقولا شماس في مؤتمره الصحافي حول لفظ الصين للاقتصاديين الماركسيين فيه ولو نذر يسير من الصحة. في وقت سابق من هذا العام حضر الرئيس الصيني جين بينغ جنازة وزير دعاية سابق كان يعد من اكثر الماركسيين تشددا، وانحنى ثلاث مرات امام نعشه.

 

ان يحضر الرئيس الصيني جنازة احد المسؤولين السابقين غير التاريخيين أمر غير مألوف، ولكن الحملة ضد الفساد التي اطلقها جعلته يتقرب من اليسار في الحزب، إضافةً الى الامور الرمزية فإن الحزب بدأ منذ فترة بالتشديد على التثقيف الايديولوجي واعلاء شأن الماركسية عبر المدرسة الحزبية المركزية وفي مختلف الجامعات والمعاهد العليا. وتقرر اخيرا عقد مؤتمر للماركسية شبيه بمؤتمر دافوس الشهر المقبل في جامعة بكين. وعلى الرغم من هذا الزخم الجديد، الا ان الحزب منذ اصلاحات دينغ هسياو بينغ كان دائما يضع الخلفيات الايديولوجية لسياسته الجديدة ضمن الماركسية، فهدف ادخال الاسواق والقطاع الخاص والراسمال الاجنبي ليس للتحول الى الرأسمالية بل لبناء القاعدة المادية للاشتراكية. فالاصلاح على الرغم من انه يخلق طبقة راسمالية، لكنها تبقى تحت سيطرة الحزب الشيوعي، وسيأتي اليوم الذي تستنفد فيه هذه الطبقة مهماتها التاريخية وتجري مصادرتها.

اما بشأن الامور الاخرى التي قالها، فاننا نقول له ان الاقتصاديين الماركسيين هم الذين وقفوا، منذ ان انزلق لبنان الى بناء الاقتصاد للقلة، الى جانب الحق والعمال والموظفين والفقراء الذين انتهكت حقوقهم على مدى سنوات، وهم الذين وقفوا ضد تشابك المصالح بين النظام الطائفي والقلة الرأسمالية، التي ترسخت من خلال استدانة الدولة من المصارف ورفع الفوائد وخفض الضرائب على الرأسمال والارباح والثروة، ورفعها على الطبقة المتوسطة والعاملة وتجميد الاجور لفترات طويلة ما استحدث اكبر ميكانيزم لاعادة التوزيع للدخل والثروة في لبنان واصبحنا اليوم من اسوأ الدول في توزع الثروة في العالم. هذه كانت الحرب الطبقية التي شنت بخبث وحقد ضد الطبقات المتوسطة والعاملة والفقراء. بخبث لانها غلفت ولا تزال على انها سياسات عمرت لبنان واعادت إليه وهجه ومكانته في العالم، وهي الاكذوبة التي انطلت على الكثيرين لفترة طويلة، ولكنها تكشّفت الان، ولذلك ترتعد فرائص هذه الطبقة وممثليها من الحراك الشعبي، لانهم يعلمون ان ما يبدأ بالنفايات والفساد والنظام الطائفي قد ينتهي بتغيير اقتصادي يطاول مصالحهم في العمق، فلا مجال بعد الان لان تستمر طبقات تستولي على اكثرية الدخل والثروة في الانفلات من دفع الضرائب والنهل من فوائد الدين العام والاستيلاء على الاملاك العامة وعلى رأسها وسط البلد. كان يمكن للبنانيين ان يتحملوا هذا النمط لو ان الرأسماليين اللبنانيين يراكمون الرأسمال الثابت ويطورون الاقتصاد في المجالات الصناعية والتكنولوجية، ويخلقون الوظائف العالية الاجر ويطلقون العنان للمقدرات العلمية الكامنة لدى الشعب اللبناني المتعلم، كما يحدث في الصين الان وحدث في كوريا الجنوبية وتايوان وغيرها، ولكن هؤلاء الرأسماليين فشلوا في تحقيق رسالة طبقتهم التاريخية وهم يعيشون اليوم الايمان - الفاسد، ويستعملون اقتصاد السحر الاسود والخطابة والدجل لتبرير انهم بدلا من الرأسمال الثابت راكموا الرأسمال المالي غير المنتج والساطي على الثروة المنتجة في الاقتصاد الحقيقي، وبدلا من التطوير الاقتصادي الصناعي والتكنولوجي بنوا اقتصادا ماليا- تجاريا- ريعيا، وبدلا من انتاج الوظائف العالية الاجر، فإنهم يقدمون إلى خريجي الجامعات وظائف قليلة باجور منخفضة، ويدفعون الاكثرية للهجرة، وبدلا من اطلاق المقدرات العلمية الكامنة يضيعونها في العمل الرتيب وغير الخلاق وفي البطالة وفي الهجرة الى الخارج. كل هذا كان من الممكن أيضا تحمله، غير ان انفلاتهم من دفع الضرائب العادلة، ونهلهم الفوائد العالية على مدى سنين طويلة حرم الدولة الموارد المالية، وجردها من القدرة على تقديم الخدمات العامة من كهرباء وماء، ومعالجة النفايات والنقل العام والتعليم الرسمي الجيد، وتسليح الجيش وبناء الطرقات. فعن اي اقتصاد يتكلم السيد شماس، وهم الذين ساهموا في تدميره وتدمير الدولة عبر حربهم الطبقية التي لا افق تاريخيا لها، بل تدميري. فكان بالحري به ان يعترف بهذه الحرب كما اعترف وارن بافيت اغنى اغنياء الولايات المتحدة بقوله «حسنا هناك حرب طبقية، وطبقتي طبقة الأغنياء تشنها وتنتصر». سيرت هذه الحرب الطبقية بحقد على العمال والفقراء لتدميرهم نفسيا واقصائهم وتهجيرهم وتحويلهم الى مستهلكين واصحاب منازل غارقين بالدين والضرائب وغلاء المعيشة واذلاء امام الاغنياء والزعماء الطائفيين. ارادوا ذلك لانهم يعلمون ان هؤلاء هم من كانوا دائما في الصفوف الامامية للقضايا الكبرى في لبنان، وهم الذين استشهدوا من اجل لبنان، ومستعدون للانغماس في العمل النضالي حتى النهاية من دون تقسيم بورجوازي لحياتهم الى مسارات منفصلة. عندما يهاجم السيد شماس «ابو رخوصة» يتخلى حتى عن ليبراليته المزعومة التي يجب ان تكون ضد الاحتكار ومع ارخص الاسعار، فحتى ادم سميث، ابو الليبرالية الاقتصادية، كان حذرا من «التجار» الذين بتنظيمهم يحاولون خلق قوانين واحتكارات، لان «مصالحهم دائماً ليست مطابقة لمصالح الناس، بل على نحو عام لديهم المصلحة لخداع وحتى اضطهاد الناس». هنا ايضا الايمان فاسد وكيف لا والطابع الاساسي للقطاع التجاري الذي يمثله هو الاحتكار ورفع الاسعار. اما بشأن العداء للشيوعية، فاننا بالطبع لا نتوقع غير ذلك، وليس على الشيوعيين التأثر سلبا بهذا، بل بالعكس فإنه وفّر دعاية من دون عناء للشيوعية والماركسية مشكورا عليها السيد شماس. كان من الممكن الخوف لو كان هذا العداء شبيها بعداء الطبقات البورجوازية في اوروبا واميركا اللاتينية الذي مهد في مراحل معينة للفاشية والحكومات العسكرية المعادية للشيوعية واليسار عامة. الا ان هناك ما يجعلني أجزم بأن هذه الطبقة غير جدية ولا عميقة ما فيه الكفاية، لتحمل مشروع كهذا، وما نحن الا امام نموذج كاريكاتوري عن هذا العداء او باروديا (parody) لا اكثر ولا اقل. كتب الان غرينسبان، الحاكم السابق للفدرالي الاميركي، «ان الرأسمالية والاشتراكية واضحتان بشأن الظروف الضرورية لخلق الثروة، أما الشعبوية، فلا». إنّ الرأسماليين اللبنانيين الشعبويين-الطائفيين ليس لديهم مشروع لخلق الثروة، بل للاستيلاء على الثروة. وهؤلاء الذين خربوا الاقتصاد اللبناني لن يغلبهم الرأسماليون الحقيقيون الذين هم قلة في مواجهة جحافلهم، بل يجب ان يهزمهم الشعب الذي بدأ اليوم بالتحرك ليقول لا لسنوات من الاقصاء والتهميش والتحقير، وليعلن بدء مرحلة جديدة من امتلاك المصير وتحقيق الذات في مجتمع اكثر عدالة وانتاجية وحيوية.

الأكثر قراءة