طارق الملاح، إيهاب يزبك، فراس بو زين الدين وبلال علاو. موقوفون منذ الأربعاء الماضي، لدى «فرع المعلومات»، بإشراف المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود. المتورطون بقضية حجز حرية الشبان الأربعة لا يخفون أن الهدف هو تأديبهم بحجّة التحقيق معهم. التهمة: رشق سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس ببعض من أكياس النفايات التي رشقت بها الحكومة عموم «المواطنين»
حسين مهدي - الاخبار
التحقيق مع الشاب طارق الملاح ورفاقه الثلاثة لم يتوقف منذ يومين، كما لو أنه مجرم خطير يهدد الأمن القومي للبلاد بكيس نفايات رماه على سيارة وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس خلال اعتصام «طلعت ريحتكم». الوقاحة بلغت بالمتورطين في عملية التوقيف الاعتباطي أنهم يجاهرون بأن الشبان الأربعة سيبقون قيد التحقيق طوال المدة التي يسمح بها القانون، أو بمعنى أوضح، يجاهرون بأنهم ينفذون تعليمات سياسية بحجز حرية مواطنين تعسفاً.
عملية توقيف الملاح، يوم الأربعاء الماضي، كانت الأسرع في تاريخ عمل «فرع المعلومات»، الذي اعتقل الملاح ورفاقه بعد أقل من نصف ساعة على ادعاء وزير الشؤون الاجتماعية رشيد درباس عليه واتصاله بالمدعي العام للتمييز سمير حمود، للضغط من أجل نيل «حقه» من الملاح، وإلا « فأنا أعلم كيف آخذه»، بحسبما ما صرّح لموقع «النهار».
ما هو هذا التحقيق المستمر منذ يومين؟ عمّ يُسأل اليتيم ورفاقه بالتحديد؟ كم كيساً من النفايات رميت على السيارة؟ في هذا الوقت، سعى تيار المستقبل إلى استغلال حادثة رشق سيارة درباس بالنفايات، لخلق قضية «مظلومية» جديدة ضد «الطائفة السنية»، بهدف إعادة شدّ العصب «الطائفي» وتوظيفه في حماية مصالح سياسية ومالية، حتى ولو تطلب ذلك إطلاق كذبة فاقعة تقول إن هؤلاء الشبان مجندون لدى سرايا المقاومة للتعرض لرموز الطائفة، علماً أن المشاركين في هذه الاعتصامات، وتحديداً الذين اعتُقلوا، منخرطون في نشاطات ذات طابع حقوقي مطلبي، أو منتسبون إلى تنظيمات شبابية يسارية، وهذا أمر لا يمكن تيار المستقبل إثبات عكسه مهما أثار شائعات عبر وسائل الإعلام التابعة له وتصريحات نوابه وهيئاته الأهلية والمنتفعين منه. من جهته، وجد وزير الشؤون الاجتماعية في هذه الحادثة فرصة للانتقام من الملاح، فالأخير كان قد لجأ إلى وزير الشؤون الاجتماعية لإنصافه في قضية اغتصابه داخل دار الأيتام الإسلامية، ولحماية باقي الأطفال، إلا أن درباس أعلن صراحة تخليه عن مسؤولياته في الوصاية والإشراف على دور الرعايا، متهماً الملاح بالكذب، علماً بأن دار الأيتام الإسلامية نفسها كانت قد أقرت في وقت سابق بوقوع الحادثة، عبر بيان لفتت فيه إلى استعدادها لـ»الوقوف إلى جانب الملّاح». يضاف إلى ذلك أن درباس لم يتوان عن الذم والقدح بحق الملاح مراراً وتكراراً، إذ دعاه مرة «لستر عورته» كي لا يتعرض للاغتصاب، ومرة وصفه ورفاقه «بالفئران». تضامناً مع الملاح ورفاقه الثلاثة إيهاب يزبك، فراس بوزين الدين وبلال علاو، نفّذت جمعية المفكرة القانونية ورفاق طارق اعتصامين. الاعتصام الأول عند التاسعة صباحاً أمام مبنى قصر العدل، والثاني عند الساعة السادسة أمام مبنى وزارة الشؤون الاجتماعية، ثم انتقل المعتصمون مجدداً إلى أمام قصر العدل، مطالبين المدعي العام التمييزي القاضي سمير حمود بالإفراج الفوري عن الموقوفين الأربعة. القاضي حمود قال في حديث مع «الأخبار» إن التحقيق مع الملاح والموقوفين الآخرين «يأخذ مجراه القانوني، وقد يمتد لستة أيام، تنتهي إما بالتوقيف وإما بإخلاء السبيل»، علماً بأن مدة التوقيف القانونية هي 48 ساعة قابلة للتجديد 48 ساعة أخرى فقط! المدير التنفيذي للمفكرة القانونية، المحامي نزار صاغية، صرّح بأنها المرة الأولى في مسيرته المهنية يُمنع من التواصل مع موكله، ويُمنع عن موكله التواصل معه، رغم مرور أكثر من 24 ساعة على التوقيف. ورأى صاغية أن لا شيء يبرر التأخر الحاصل في التحقيق، وما يمارس حالياً هو تنفيذ «عقوبة مقنعة» و»انتقام مقنع» بحق الملاح «تحت غطاء التحقيق».
وأشار صاغية إلى أنه حين تتضرر الناس من النفايات، وحين تكون صحة مليوني مواطن مهددة بفعل ذلك لا تحرك الدولة ساكناً، لكن حين تُمس هيبة وزير بفعل كيس نفايات «هيدي عندها وزنها في المنظومة القضائية الأمنية»، واضاف صاغية ساخراً: «إن وزير تهان كرامته هذا شيء لا يجب السكوت عنه، وتُحرّك كل أجهزة الدولة لأجله، وتذهب أبعد ما يمكن بالتحقيقات». واحدة من الأمور التي يعيبها صاغية على النيابة العامة التمييزية، هي عدم تمكينه من التواصل مع طارق الملاح بصفته وكيله القانوني، علماً «أننا تقدمنا بطلب لأجل ذلك في نفس اليوم الذي اعتقل فيه، وهذا يشكل انتهاكاً كبيراً للمادة 47 من أصول المحاكمات الجزائية»، وأسف صاغية لأن يصدر مثل مخالفة كهذه عن النيابة العامة التمييزية نفسها. «المعركة» الحاصلة حاليا تذكر بـ»أهمية استقلالية القضاء» أحد الشعارات الأساسية التي رفعت خلال الاعتصامات تضامناً مع الملاح. وندد المعتصمون أمس بـ»درباس الحساس»، واتهموه بـ»حماية المغتصبين» والضغط على القضاء للانتقام من المواطنين. إضافة إلى تهديد درباس العلني لطارق الملاح، عبر «تحصيل حقه بنفسه إن لم يقم القضاء بذلك».
«الوزير صار في ملفات كبيرة عليه»، يقول صاغية. الأول هو ملف تخليه عن كل مسؤولياته في موضوع دار الأيتام الاسلامية، ودور الرعاية، بينما كل مسؤولية وزارته تنصب في هذا المضمار، 71% من موازنة وعملها الوزارة يقع على دور الأيتام، «وهذا المحل لازم يكون الشغل الشاغل للوزير، ولكن هو قرر إنو هيدول غير قابلين للمحاسبة، ويكون قد تخلى بذلك عن مسؤولياته». الملف الثاني هو القدح والذم بحق الملاح، من تاريخ فضح الملاح لملف الاغتصاب في دار الأيتام حتى اليوم، حيث استخدم الوزير كلاماً بذيئاً، وآخره أول من أمس حين وصف طارق ورفاقه بأنهم أوسخ من الزبالة. والملف الثالث الذي يحكي عنه صاغية هو التهديد المباشر للملاح. ووعد صاغية باستكمال المعركة إعلامياً وقضائياً حتى رفع الحصانة عن الوزير وتحويله إلى المجلس الأعلى لمحاسبة النواب والوزراء. وقالت المحامية نرمين سباعي من جمعية بدائل، إن هناك دعوة قضائية مرفوعة بالتعاون مع المفكرة القانونية ضد وزارة الشؤون الاجتماعية، وقد تخطى الأمر موضوع الملاح، ونطالب بالتحقيق والمسائلة وإقرار قانون مدني للرعاية البديلة، وأن تكون الوزارة العين الراقبة على هذه المؤسسات في المرحلة الحالية.