بعد ثلاثة عقود على مشاركته في الدورة الأولى من المهرجان، يعود الفنان اللبناني مع فرقته لتقديم أمسية موسيقية مساء الأربعاء 5 آب (أغسطس). الموعد يحمل رمزية بالنسبة إليه، فالموسيقى هي الطريقة الوحيدة لمواجهة الهجمة المتطرفة على المنطقة اليوم
محمد همدر - الاخبار
في عام 1985، انطلقت «مهرجانات بيت الدين» في عامها الأول. كانت الحرب اللبنانية قد دخلت عامها العاشر، فجاء المهرجان رسالة لاستمرار الحياة. انطلق من الجبل، تلك المنطقة التي كانت أيضاً مسرحاً لحرب ضروس. حينها، شارك مرسيل خليفة وفرقة «الميادين» في العام الأول من المهرجان الذي كان محليّاً، وتحوّل ليصبح دولياً بعد انتهاء الحرب. واليوم، يحتفل المهرجان بعيده الثلاثين في ظروف محلية وإقليمية ليست أفضل بكثير من عام الانطلاقة.
بعد إطلالته الأولى في «مهرجانات بيبلوس» العام الماضي، يشارك مرسيل خليفة وفرقة «الميادين» في الاحتفال بالعيد الثلاثين لـ «مهرجانات بيت الدين» ويعود بالذكريات الى الإطلالة الأولى عام 1985. في اتصالنا معه، يقول: «سنة 1985، افتتحت «مهرجانات بيت الدين». تحوّل قصر بيت الدين آنذاك إلى قصر الثقافة وإلى مكان فسيح لجمهور بالآلاف قدم من مناطق لبنانية عديدة.
وبدأ المهرجان باستضافة فرق عالميّة وتحوّل القصر إلى معرض تحف وكتب وايقونات». يعود خليفة إلى الحفلة التي قدمها في المهرجان، يقول: «أتذكر يوم السبت ٧ أيلول (سبتمبر) عام ١٩٨٥، قدمت و«الميادين» حفلة استثنائيّة في باحة القصر الداخليّة. الحشود خلعت الأبواب وألقت البطاقات. السطوح حول الباحة امتلأت. الكل كان هنا للفرح رغم مرارة الحرب».
مرسيل خليفة الذي تخرّج من «المعهد الوطني العالي للموسيقى» عام 1971، كان قد انطلق «صرخة ثائر» (موسيقاه وكلام محمود درويش) في صمت تلك الحقبة، حقبة الثورة والحرب والأحلام... لم تكن مشاركته الوحيدة في المهرجان الذي يقام في القصر التاريخي، لكنه يعتبر المشاركة هذا العام بداية جديدة «هذه السنة في ٥ آب (أغسطس) سنبدأ مع المهرجان من جديد رغم انني شاركت أكثر من مرّة خلال هذه السنوات. سنغني للفرح خلف أجفان العيون الخائفة والمذعورة من تلك الوحشيّة التي تغطّي منطقتنا وأعود مع «الميادين» وموسيقيين متميزّين». هو الفنان الذي حمل عوده وحمل الكلمة والرسالة في فنّه، لا يترك حدثاً إلا ويهديه نغماً، من لبنان الى فلسطين وسوريا والعراق، واليوم ومع هذه الهجمة السوداء المظلمة على المنطقة، التي لا تستثني لا البشر ولا الحجر ولا التاريخ ولا الحضارات، يقول مرسيل لـ «الأخبار»: «نتمالك أنفسنا ونعيّد ثلاثين المهرجان، ملتمعين ببريق الامل وقدرة الانبعاث بالتغيير، تغيير الانسان نحو الجمال والفرح.
نعود بيقين أقوى من الايمان بأن هذا العالم المعادي لا يواجه إلاّ بقوّة الخيال وكبرياء الابداع في عالم أفضل هنا على هذه الارض». الأمسية التي يحييها مرسيل خليفة مساء الأربعاء 5 آب (أغسطس) ضمن «مهرجانات بيت الدين الدولية» تحت عنوان «وعود من العاصفة»، سيشاركه فيها كل من رامي خليفة ( بيانو)، وبشّار خليفة (ايقاع)، واسماعيل رجب (كلارينيت)، وجوليان لابرو (أكورديون)، وحسن معتّز (تشيلو). ربما كانت هذه الهجمة المتطرفة الجاهلة على المنطقة اليوم الأكثر بشاعة والأكثر خطراً وتدميراً للقيم الإنسانية، هل يستطيع الفن الوقوف في وجهها؟ هل ما زال هناك أمل؟ يصف خليفة المواجهة الجديدة، قائلاً: «هل من مكان اليوم بعد للموسيقى، للشعر، للأغنية؟ نعم، كل المكان للموسيقى في هذا الزمان الإجرامي السافل خصوصاً، فكل موسيقى تضيء الآن هي شمس كبيرة، شمس تعيد الينا الحب والكرامة والحرّية، شمس تذكرنا بأن الجمال هو العالم. شمس تعيدنا إلى الحياة، تنقذنا. كل فن يضيء هو انتصار على الموت والحرب والوحشيّة والابادة الروحيّة والنفسيّة والجسديّة. ووسط هذا المشهد المرعب المؤلف من الجثث والاشباح والانقاض والزكام والضباع الكاسرة والغربان والعقبان، يبدو حب الموسيقى عملاً أحمق وفي منتهى الانانيّة، يبدو كذبة، فهو مستحيل، اذ من يستطيع أن يحب ويغني وهو يعيش في الموت؟ ذلك بالضبط هو الجنون، ذلك بالضبط هو الخلاص. الخلاص من حقارة الواقع وعجز الحقيقة والخلاص من فكرة الموت. وأن يقدر مهرجان على المضي حباً رغم كل شيء، فهذا هو ما يجعلنا نأتي الى بيت الدين لنقول إنّ هناك أملاً بعد».