رهيف فياض: وسط بيروت هو الضاحية الوحيـدة

رهيف فياض: وسط بيروت هو الضاحية الوحيـدة
10 Jun
2015

هديل فرفور - الاخبار

 

بعيدا من المقاربات التي تطرحها بعض الحملات المدنية والإعلام حول أهمية المجالات العامة المشتركة في المدينة، يقدّم المعماري رهيف فياض مقاربته المعمارية الاجتماعية حول المجال العام المديني. يرفض تسمية «المساحات العامة»، ذلك أن «المساحة» مصطلح هندسي صرف لا يستخدم في المدينة والعمارة. في المدينة، هناك مدى عام ومجال عام وحيّز عام.

ينطلق فياض من التسمية ليؤكد ان المدينة، ليست أبنية وجسورا هندسية، «هي جماعات تتلاقى في امكنة ومجالات عامة، تتفاعل في ما بينها من أجل الدفاع عن مصالح مشتركة»، فتكون المجالات العامة مركز التفاعل والتلاقي. «أين يصاغ الرأي العام؟ في الحدائق والساحات، امكنة التظاهرات والإضرابات».

البعد السياسي للحيز العام المديني

«التغيير السياسي لا يأتي من الأرياف، بل ينمو في قلب المدينة، كيف استطاعوا ان يحوّلوا قلب المدينة الى فراغ؟»، يشير فياض الى بيروت «التاريخية» (اي وسط المدينة)، التي سُلّمت الى «سوليدير». ويشرح كيف ان الأخيرة «محت الساحات والأسواق ولغتها من الثقافة ومن الذاكرة. استبدلتها بأبراج لا نعرف ساكنيها، وقتلت المجال العام، وطردت الفقراء وحولت بيروت الى مدينة للأغنياء». هل يمكن التظاهر امام ساحة «الزيتوناي باي مثلا؟»، المشروع الذي قام على انقاض خليج «مار جريس» بحجة اقامة ساحة للعموم، وهل يمكن ان يمارس اهل المدينة عملا سياسيا أو اجتماعيا حرّا في هذا «المرفق العام»؟ هل يكفي ان يكون الدخول اليه مجانا كي يسمى مكانا عاما؟ يرفض فياض تسمية «الزيتوناي» ويعدها تزويرا لهوية المكان، تماما كما يرفض اعتبارها ملكا عاما، بالنسبة إليه هي أقرب الى «اغتصاب ملك عام»، على اعتبار ان الملك العام، كما تدل تسميته، تكون ملكيته للعموم، يمارسون حقهم فيه بحرية تامة، ويشير الى ان هذا المعيار هو الذي يحكم تصنيف المكان. «املاكنا العامة، رُدمت تحت رصيف «الزيتوناي»، ردمت بأتربة البيوت السكنية المهدمة في عين المريسة فباتت ملكا لأشخاص معروفة خلفيتهم الطبقية، المارينا ليست لابن بيروت». من هنا، يشير فياض الى بقية الأماكن العامة التي قتلها الرأسمال والسلطة بهدف حجب الناس عنها استكمالا لعملية طردهم من المدينة.

يقول فياض ان عملية «الطرد» بدأت مع قانون البناء وأزمة السكن والاقتصاد الريعي والمضاربات أولا، قبل ان تنتقل الى معركة الحيز المديني والصراع عليه. أمّا الهدف فهو تمزيق المدينة وتحويلها الى مجموعات مستقلة. يلفت فياض الى أن التطوير، الذي شهدته المدينة لتسهيل عبور السيارات، حوّل المدينة الى اماكن للعبور، وجعلها تختنق اجتماعيا وحولها الى احياء ممزقة، «عند كل مناسبة، نجدهم يتغنون بأنهم تمكنوا من شق طريق من اماكن الفنادق في وسط بيروت الى المطار على نحو لا يتطلب اكثر من سبع دقائق بالسيارة، لكنهم أغفلوا تمزيق الاحياء وبعثرتها».

تغير الهوية تجانساً مع الرأسمال

«حرش بيروت هو حرش العيد، لا بارك غربي، شوهوا طابعه وهويته الهندسية، هو افقي ورملي، زرع فيه الصنوبر كي يقي المدينة هجوم الرمال الآتية من جنوب غرب المدينة، هو حامي بيروت من الرمال لا بارك!»، يكرر فياض ويعيد: «هو امتداد اساسي للمدينة، قتل «الحرش» جريمة، هذا تغيير هوية، ويشبه ما فعلته الكولونيالية عندما عمدت الى تحويل بيروت الى مدينة غربية. هو قتل لروح المدينة، مثلما حصل في وسط بيروت». يرى المعماري المخضرم أن ما حصل «لحرش» الصنوبر، جريمة مزدوجة، جرى تشويهه وتغيير طبيعته الحرجية اولا، ثم حرموا العموم استخدامه، لافتا الى أن «حرش» العيد هو اهم مجال عام للمدينة، واقفاله امام العموم يمثل انتهاكا لحق مكتسب. انتقاد فياض لتغيير هوية الحرج، ينطلق من المفهوم القائم في معظم المشاريع «الإنمائية» والأعمال «التأهيلية» للاماكن العامة وغيرها حول نقل «المفهوم الغربي اليها». «لم نعد نجد مشروعا لا يرافقه ميوزيك بارك ولا حدائق ايكولوجية ولا مواقف باركينغ ضخمة، نحن مقلدون بصورة سيئة للغرب، فيما المطلوب ان ندرك من نحن، وما الذي يعبر عن هويتنا وما يشبهنا».

بيروت طاردة للسكان

يشدد فياض على أن بيروت باتت مدينة طاردة لسكانها، وجاذبة للمستثمرين، إقصاء الفقراء فيها ابتدأ مع ازمة السكن، وبالتالي ما يجري في ملف الحيز العام «هو نوع من التجانس بين طبيعة المدينة الحالية وما تحويه من رأسماليين ومع طبيعة الحيز العام الذي سترتاده هذه الفئة حصرا»، الا ان فياض يستطرد: «الاغنياء لا يصنعوا مدنا، لانهم لا يخرجوا من منازلهم، يركبون سياراتهم ويتجهون الى مصاعد أبراجهم دون ان يمروا بالمدينة. الفقراء والناس العاديون هم من يسكنون ويصنعون المدن». ويضيف في هذا الصدد: «ان اسوأ ما حصل للمدينة هو انهم انشأوا ضاحية للأغنياء (وسط البلد)، هذه الضاحية فارغة وستبقى فارغة». وبخلاف ما يُشاع: «حارة حريك وبرج البراجنة والباشورة هي المدن، فيما الضاحية الوحيدة هي وسط بيروت».

بيروت لم تعد مدينة

يقول المعماري رهيف فياض إن بيروت لم تعد مدينة، «هي مجموعة جماعات مستقلة عن بعضها بعضا، ان وجود المجالات العامة في المدينة هو احد اهم معايير جودة الحياة فيها، بيروت لا تمتلك هذه المجالات، وبالتالي تفتقر الى شروط جودة الحياة»، لافتا الى «ان استرجاع الروح المدينية، يكون عبر استرجاع المجالات العامة فيها». ويضيف: «علينا، أولا، ان نتثقف أننا حرمنا ذاكرة المدينة، نحكي عن اغتيالات المجالات العامة السابقة، ان نقول ان المدينة قتلت، وهناك من عمل على عدم وجودها»!

الأكثر قراءة