السادس من أيار، يوم عادي؛ لا إضراب ولا تظاهرة ولا اعتصام ولا حتى بيان أو موقف يواجه السلطة وأحزابها الممعنة في التنكّر لحقوق الاساتذة والمعلمين والموظفين والجنود والمتعاقدين والمتقاعدين. هيئة التنسيق النقابية، التي أُخضعت كلياً للمصالح المتعارضة مع مصالح من تدّعي تمثيلهم، قررت البقاء في «الكوما»؛ فبعد دعوتها الى تظاهرة تعيد ضخ الدم في عروق العمل النقابي المجمّد، تراجعت من دون أن تعلن تراجعها أمام قواعدها، مرسّخة بذلك انعدام الثقة بالقيادة الجديدة وكاشفة عن موقعها الحقيقي كأداة بيد السلطة
فاتن الحاج - الاخبار
شو عاملين الأربعاء؟ هذا السؤال الذي طرحه الأساتذة والموظفون عشية تظاهرة 6 أيار بقي بلا جواب. فهيئة التنسيق النقابية قررت في اجتماعها أمس إلغاء الإضراب والتظاهر المقررين غداً الأربعاء، إلا أنها لم تصدر بياناً بذلك، وفضّلت إعلانه قبل 24 ساعة فقط، بعد لقاء تعقده ظهر اليوم مع البطريرك بشارة الراعي.
التخبّط في صفوف الهيئة حلّ محل تعبئة قواعد المعلمين والموظفين في الأيام الفاصلة بين إضراب 23 نيسان وتظاهرة 6 أيار. بعض مكونات الهيئة أبدى حماسة للعودة الى الضغط، بل طالب بتسريع الخطى باتجاه رفع سقف المواجهة مع السلطة السياسية، إلا أن مكونات أساسية، ومنها رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي، أحبطت هذه الحماسة وأعادت الهيئة الى «الكوما» الارادية. لا يخفي رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمة محفوض أنّ «جو الأساتذة الثانويين يؤخر هذا الضغط، باعتبار أنّهم يتذرعون بأخذ رأي مجالس المندوبين، فيما كان يمكن أن يفعلوا ذلك قبل المؤتمر الصحافي الذي أعلن فيه رئيس رابطتهم الإضراب والتظاهر في 6 أيار». وقال إننا «لن نسمح لأحد بأن يصرّح باسم هيئة التنسيق، فنحن أصحاب القرار في ما يخص الامتحانات الرسمية هذا العام والعام الماضي»، وذلك في ردّ مباشر على وزير التربية وبعض المتحدثين باسم الهيئة الذين أعطوا ضمانات علنية بعدم تعليق الدروس أو الامتحانات. كيف توزعت مواقف المكوّنات من تحرك 6 أيار؟ رابطة موظفي الإدارة العامة أيّدت في اجتماع هيئة التنسيق النقابية أمس المضي في الإضراب الرمزي والاستعاضة عن التظاهرة بتحديد مكان للاعتصام المركزي. ولفت نائب رئيس الرابطة وليد الشعار إلى أننا «أعجز من أن ننفذ تظاهرة كبيرة، إلاّ أن ذلك يجب ألا يعني انكفاءً أو تراجعاً، بل البحث عن عناوين مطلبية تكون السلسلة أحدها، لتبديد الملل والإحباط الذي أصاب القواعد وإعادتها إلى العمل النقابي».
مكوّنات أخرى بررت التراجع عن تحرك 6 أيار بسقوط الرهان على حلحلة سياسية مثل تحديد جلسة تشريعية تعطي للتحرك معنى وتضمن مشاركة كثيفة للقواعد، على حدّ تعبير مسؤول الدراسات في رابطة التعليم الأساسي الرسمي عدنان برجي. قال إنّنا «لا نريد أن نكرر تجربة الاعتصامات الخجولة في 23 نيسان الماضي، ونحن غير ميالين إلى تنفيذ إضراب يكون بمثابة يوم عطلة ولا يترافق مع خطوة ميدانية كبيرة». وشرح كيف أن «التحركات الحاشدة لهيئة التنسيق تزامنت في كل مرة مع توقعات بإجراءات كنا ننتظرها من السلطة السياسية؛ فتظاهرة 21 آذار 2013 تزامنت مع جلسة لمجلس الوزراء لإحالة السلسلة على المجلس النيابي، وتظاهرة 14 أيار 2014 نفذت في اليوم نفسه الذي انعقدت فيه الهيئة العامة لمجلس النواب بهدف إقرار السلسلة». في ما عدا ذلك، رأى برجي أن التحرك هو استنزاف للوقت والجهد والمال بالنظر إلى التكاليف التي تتكبّدها الروابط في انتقال الأساتذة من المناطق إلى العاصمة. الرغبة في عدم الاستمرار في تظاهرة 6 أيار عبّر عنها أيضاً رئيس رابطة أساتذة التعليم المهني والتقني عبد برجاوي. قال إنّ «المصلحة العامة تقتضي منا مساعدة الطلاب وعدم اللجوء إلى الإضراب، وخصوصاً أننا بتنا على أبواب نهاية العام الدراسي، فيما تبدأ الامتحانات الرسمية العملية في التعليم المهني في 11 الجاري، ولا تلوح في الأفق أي حلول سياسية». رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي عبدو خاطر بدا مستاءً لاتهام الرابطة بفرط التحرك. «هذا افتراء»، يقول، مشيراً الى «أننا لم نتفق مع أحد ولم نعد أي مسؤول بعدم اللجوء إلى التصعيد، فنحن أصحاب القرار». وقال إن «الهيئة الإدارية للرابطة لم تتفرد بأي قرار، وكل ما يصدر عنها نابع من استمزاجها لآراء الجمعيات العمومية ومجالس المندوبين». ولفت إلى أنّه جال شخصياً على الأساتذة في كل المحافظات ولمس حالة القرف التي وصل إليها الأساتذة الثانويون. هؤلاء يشعرون، بحسب خاطر، بأنهم يتعاطون مع هياكل عظمية وليس مع مسؤولين، ويتساءلون ما الجدوى من التظاهر من أجل سلسلة تضرب الحقوق، لا سيما أن الغبن لحق بهم بصورة خاصة أكثر من المكونات الأخرى لهيئة التنسيق؟ وأقرّ خاطر بأن «الأساتذة منقسمون بين مؤيد ومعارض لاستمرار التحرك، وسوف نجوجل من يريد ومن لا يريد ونخرج بالقرار النهائي». لكن نصّ البيان الأخير للرابطة جاء محبطاً للأساتذة الثانويين، فهي دعتهم إلى إعطاء آرائهم الواضحة بالمشاركة في التظاهرة ليبنى على الشيء مقتضاه! ثم أرفقت هذه الدعوة بكلام من نوع «إننا لسنا هواة الإضراب أو التظاهر، بل نحن حريصون على الطلاب وعامهم الدراسي والشهادة الرسمية». لم يكن هذا هو الموقف قبل 25 يوماً عندما انعقد مجلس المندوبين المركزي للرابطة، وأصدر توصية تدعو الى «العودة إلى الجمعيات العمومية لإقرار مختلف أشكال التحرك النقابي المشروع (إضرابات، اعتصامات، تظاهرات، وصولاً إلى مقاطعة تصحيح الامتحانات الرسمية)، إذا استمر تمادي المسؤولين في سياسة التسويف والمماطلة وتجاهل المطالب وعدم إقرار حقوقنا في السلسلة». المفارقة أن البيان المذكور صدر بعد ساعات على تصريحين لوزير التربية الياس بو صعب في مناسبتين مختلفتين، هدّد فيهما بأنّ «ما حصل العام الماضي في الامتحانات الرسمية لن يتكرر ولمن يهدد بعرقلتها أقول له القرار ليس لك... وهذه السنة تفاهمنا مع الاساتذة لتصحيح الامتحانات ونتابع مع المسؤولين المطالب المحقة، ولا أحد يستطيع أن يوقف العام الدراسي الحالي، وما حصل السنة الماضية كان درساً لنا، لذلك سوف نكون جاهزين للامتحانات الرسمية، والجامعات في لبنان سوف تستقبل الطلاب في الموعد المحدد». هذه الوقائع وضعها التيار النقابي المستقل في إطار «التراجع الخطير والانقلاب غير المسبوق على أصول العمل النقابي». ورأى أن «ما يحصل هو ترجمة عملية للاتفاق على عدم التحرك الذي أعلنه وزير التربية أمام وسائل الاعلإم مراراً وأنكرته الهيئة». وتحدث التيار في بيان له عن تسييس التحرك الذي لا يتم إلا بإيعاز من قيادات الأحزاب السلطوية، وسأل: «لمَ أعلنتم التظاهرة إذا كنتم تعلمون أنكم ستتراجعون عنها؟ وهل هذا هو الغيث الذي وعدتونا به في خطبة 23 نيسان؟ وكيف للمشاركة أن تتحقق في ظل هذا التخبط والتراجع المتكررين، وفي ظل سوء الإعداد؟ وإذا لم تكن هناك سلسلة، لمَ لا تتحرك الهيئة للضغط على وزير التربية كي يرفع مشروع قانون خاص الى مجلس الوزراء يحفظ الموقع الوظيفي لأستاذ التعليم الثانوي، ويعمل على إقراره؟». لم تطرح الرابطة، بحسب التيار، أي خطة تحرك بديلة سوى الفراغ والتيئيس والمزيد من إحباط الأساتذة الثانويين، كأن المطلوب إلغاء العمل النقابي من ذاكرة الناس والاستخفاف بجدواه، واستبداله بثقافة استجداء المكرُمات.