تستمر «الهيئة المدنية لحرية الاختيار» بتحركاتها المطالبة بتوقيع عقود الزواج المدنية المعقودة على الأراضي اللبنانية، مصوبةً اتهاماتها بشكل مباشر باتجاه وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق. بدوره، يستمر المشنوق في رفض التوقيع على هذه العقود، وهو أكد ذلك بقوله عبر «الأخبار» إنه «لن يوقّع»
إيفا الشوفي - الاخبار
عشرات الشبان والشابات تجمعوا أمس أمام وزارة الداخلية والبلديات، بدعوة من «الهيئة المدنية لحرية الاختيار»، هاتفين شعاراً موحداً «حيّد يا مشنوق». نضال وخلود، نجما تسجيل عقد الزواج المدني الأول في لبنان، وقفا الى جانب الأزواج المدنيين الذين يعانون اليوم جراء عرقلة تسجيل عقود زواجهم. الطفلة ناتاشا غطاس حضرت أيضاً، وهي الابنة الأولى لرواد غطاس ورشا عزو اللذين تزوجا مدنياً في لبنان، إلا أن عقدهما لم يمرّ مع العقود السبعة التي خرقت جدار النظام الطائفي وتم تسجيلها.
بقيت عقود زواج عدّة عالقة في أدراج وزارة الداخلية. وجّه المتظاهرون اتهامات كثيرة للمشنوق، معتبرين أنه «جاهل بالقانون»، وحاملين شعارات تقول إنه «داعش في الأحوال الشخصية». إحدى المشاركات رفعت لافتة عليها «دخل المحاكم الدينية الذي بلغ 17,865,035 دولاراً». وزير الداخلية والبلديات نهاد المشنوق كان يشاهدهم ويسمعهم، حتى إنّ هناك «شخصيات» في المسيرة أثارت انتباهه. رد المشنوق على مطالب المتظاهرين أتى حازماً وواضحاً، إذ أكّد لـ»الأخبار» أنّ موقفه «لن يتغيّر، فالزواج المدني لا يتم وفق قرار إداري. الحل هو فقط بتشريع قانون مدني للأحوال الشخصية، أمّا غير ذلك فلن يحصل. فليتوجهوا إلى مجلس النواب ويطالبوا بقانون مدني للأحوال الشخصية، عندها سأكون من أوائل الموقعين عليه». شدّد المشنوق مجدداً على أن مطالب الهيئة غير قانونية، معتبراً أن «ما يطالب به المتظاهرون يسبب المزيد من المشاكل والتعقيدات القانونية المتعلقة بالإرث، الوظيفة، الترشيح…».
يعتبر المشاركون أن المشنوق لا علاقة له بالقانون، صارخين «يا مشنوق بدك درس بالقانون». تلفت المحامية نايلة جعجع، التي شاركت في مسيرة أمس، الى أنه «لا يمكن لوزير الداخلية التذرّع بأي حجج قانونية لأننا سبق أن أثبتنا قانونية العقود، والبيان الذي أعلنه المشنوق سابقاً مليء بالمغالطات القانونية، ما يعني أنه لم يطّلع على الملف جيداً». أمّا الكاتب العدل جوزيف بشارة، الذي كان أول من وقع عقد زواج مدني على الأراضي اللبنانية، فيرى أن «شاطبي الإشارة هم أشخاص قرروا أن علاقتهم الإدارية مع الدولة ليست طائفية، إنما بناءً على قانون مدني، وهذا القانون موجود مثل قانون الإرث لغير المحمديين الذي لا يعني المسيحيين فقط، وإنما يشمل أيضاً غير المنتمين إلى طائفة». بدوره، يقول عضو الهيئة عربي العنداري، إنه «منذ عام 2007 شطب الإشارة عن القيد وشارك في انتخابات عام 2009 بشكل طبيعي. أما في موضوع التوظيف، فهم من يخالفون القانون الذي ينص على التوزيع الطائفي في وظائف الفئة الأولى فقط». وكشف المشنوق لـ»الأخبار» أن هناك 13 عقداً فقط في الوزارة، فيما تتحدث الهيئة عن أكثر من 40 عقداً. على مدى سنة، تواصلت «الهيئة المدنية لحرية الاختيار» مع المشنوق بعدما تمنّع عن توقيع العقود. تقول جعجع إنّ «حجة المشنوق كانت وجوب التأكد من قانونية الخطوة قبل المضيّ بها، لذلك أرسلنا له جميع الوثائق والاجتهادات القانونية التي تثبت قانونية الزيجات المدنية. لكن عندما أعلن أن قبرص مش بعيدة، علمنا أن الأمر يتجاوز الإطار القانوني». يرى العنداري أن المعضلة الأساسية بالنسبة إلى النظام اليوم «ليست تسجيل عقود الزواج المدني، إنما لب المشكلة هو مسألة شطب الإشارة لأنها تثبت إمكان وجود مواطنين لا ينتمون إلى أي مجموعة قبلية، سواء كانت طائفة أو حزباً». يضيف «عندما رأت القوى السياسية أن الزواج المدني سيكرس حق الناس بالوجود كأفراد أحرار خارج طوائفهم، ما سيحتّم على هذه القوى لاحقاً إقرار قانون مدني، تيقّنوا أن الأمر خطير وله مفاعيل أكبر، إذ سيشكّل خرقاً أساسياً لطبيعة النظام». قد يكون المشنوق اليوم المعرقل المباشر لعملية تسجيل العقود، إلا أن القوى السياسية الأخرى غارقة في صمتها على الرغم من بعض البيانات التي أطلقتها لتأييد الزواج المدني من دون أي تحرك سياسي جدي للتقدّم في هذا الإطار. يصرّ المشاركون على أن هناك 19 وزيراً كانوا سيعارضون المشنوق في حال إحالة الموضوع الى مجلس الوزراء. يستغرب المشنوق أن المتظاهرين توجهوا إلى وزارة الداخلية عوض التوجّه الى مجلس النواب، مقترحاً عليهم «الاتفاق مع 10 نواب لطرح مشروع قانون مدني للأحوال الشخصية على مجلس النواب». يؤيد وزير الداخلية السابق زياد بارود طرح المشنوق، فيُعلن أن «القضية لن تتقدم إلا إذا أحيلت الى مجلس النواب أو مجلس الوزراء، عندها فلتتحمل القوى السياسية مسؤوليتها ويتبيّن من هو فعلاً مؤيد لهذه الخطوة ومن يقف ضدها». يقول بارود، الذي التقى المشنوق أول من أمس، إن «القضية ليست قانونية، إنما سياسية بامتياز. وما طرح المشنوق إحالة الأمر الى مجلس الوزراء سوى طلب من القوى السياسية بتغطية هذه العملية كي لا يتحمّل تبعاتها وحده». يؤكد بارود «أن العقود سليمة ومثبتة، وما يحصل جراء الامتناع عن التوقيع هو خرق لأحد أهم المبادئ الدستورية، أي مبدأ المساواة في المعاملة القانونية». إلا أن الهيئة ترى أن لعبة المشنوق المزدوجة مكشوفة، فهو من جهة يُرضي رجال الدين بعدم توقيع العقود، ومن جهة أخرى يدعم قانوناً مدنياً اختيارياً للأحوال الشخصية وهو أمر لن يمر بسهولة في مجلس النواب، ما سيؤدي إلى الاستمرار في عملية التأجيل.