بو مدين الساحلي -المدن
برز اسم النقابي حنا غريب على رأس رابطة اساتذة التعليم الثانوي في السنوات الماضية. حصل على ثقة عدد كبير من اللبنانيين، لم ينل ذلك لأنه يتحدّر من عائلة إقطاعية سياسية، ولا لأن فصيلاً سياسياً حمله على زَبَد المغانم، بل لأنه اخترق بمثابرته وحركته الدؤوبة وصلابته وصدقه وتاريخه النضالي الاصطفافات الطائفيةَ والمذهبية، وأثبت أنه قائد لا يهادن ولا يراوغ ولا يبيع ويشتري على حساب مصالح الذين ائتمنوه، وهو الشيوعي الذي أدرك أن مستقلي الرابطة هم الضمانة الوحيدة لعدم تبعيتها والذي عرف كيف يستعين برفاقه الحزبين من أجل تحقيق المصلحة العامة، فلم يستغل موقعه النقابي لمأرب سياسي، إنما استطاع أن يعيد حزبه إلى بعضٍ من السكة الصحيحة التي ضيّعتها قيادته لسنوات طويلة، وهذا يُحسب له ولا يُحسب عليه لأن الأحزاب وُجِدت لخدمة الناس وليس العكس.** ** ** **نجح حنا في ذلك لأنه مشى بين الناس، تحدث بلغتهم، حكى عن أوجاعهم مثلما حكى عن وجعه، عن أحلامهم كما أحلامه، عن حقهم وحقه بعيش حر وكريم في وطن لا تتناهشه ذئاب الطوائف والمذاهب ولا يرتهن فيه المواطن لسياسي تاهَ عن سبلِ الأخلاق والانسانية.** ** ** **استولى التحالف الرباعي الجديد الذي قاده حزب الله وتيار المستقبل على رابطة اساتذة التعليم الثانوي في الانتخابات التي جرت منذ ايام، النتائج مكّنته من وضع يده على واحد من المعاقل الأخيرة للعمل النقابي الذي عقد الكثير من الفقراء آمالهم عليه من أجل بناء مدماك صحيح في وطن يعبر إليه المواطن من بوابة الحقوق والواجبات وليس من خرم الاستزلام والمحسوبية. بذلك يصبح الوطن أكثر فأكثر مجرد قطعان مذهبية وطائفية ترعى كَلأَها في المراعي المخصصة التي يتقاسمها أهل السياسة بدقة متناهية وفقاً لأحجامهم التابعة بالمال وبالسلطة.عموما نالت لائحة حنا 43% من مجموع الأصوات، ذلك يشير أن النجاحَ كاد أن يكون حليف أعضائها لو أن حزباً واحداً فقط خرج عن سياق العصبة الحاكمة. تلك الانتخابات أثبتت من جديد أنهم يختلفون على التبعية ونهب خيرات الوطن ويتفقون على تجويع الفقير وإفقاره وغذلاله في لقمة عيشه.** ** ** **هذه المصادرة جاءت بعد نضال مرير قادته في السنوات الماضية هذه الرابطة وهيئة التنسيق النقابية من أجل إقرار سلسلة الرتب والرواتب، في سياقه أجمعت مواقف أهل السياسة على أهمية تنفيذ هذا المطلب المعيشي، لكنهم تنبّهوا لاحقا أنه يأخذ بيد المستفيدين منه –وهم غالبية- صوب الوطن ويبعدهم –بفعل الاكتفاء- عن مصادر الرشوة السياسية التي لعبت وتلعب أوسخ الأدوار منذ تأسيس الكيان اللبناني وحتى اليوم. بناء عليه جرت مراجعة الحسابات وتمّ الانقضاض على الحقوق والمكتسبات.** ** ** **للتذكير، في ما يلي بعض من المواقف الكثيرة التي أطلقها معظم قادة التحالف الرباعي -المستجدّ مؤخراً- خلال الصيف الماضي الذي شهد تصاعد الحركة المطلبية:أمين عام حزب الله حسن نصر الله قال خلال احتفال تأبيني للشيخ مصطفى قصير قبل ايام من موعد بدء الامتحانات الرسمية "إن إيصال الأمر إلى هذا الحد سيء وغير مسؤول. من فعل ذلك؟ هي الطبقة السياسية وعليها معالجة هذا الوضع، هذه الطبقة كلها مسؤولة عن معالجته في الأيام القليلة المقبلة.. من واجب كل الكتل النيابية، الأخلاقي والإنساني والوطني، أن تتوجه إلى مجلس النواب لحسم هذه المسألة في جلسة أو أكثر، لإنصاف الطلاب والامتحانات الرسمية، ومن يتخلف هو من يتحمل المسؤولية".النائبة بهية الحريري أبلغت وفد هيئة التنسيق النقابية أن سلسلة الرتب والرواتب ستقرّ وطلبت منهم تصحيح الامتحانات بناء على وعد نقلته إليهم عن لسان ابن اخيها زعيم تيار المستقبل الرئيس سعد الحريري.أما الرئيس نبيه بري قائد حركة أمل فقد ترأس اجتماعا لكتلته النيابية جرى فيه تبني السلسلة، ثم أكد أمام زواره أنه لن يقوم بالدعوة لأي جلسة نيابية إذا لم تكن السلسلة أولاً في جدول الأعمال.** ** ** **في تشرين الأول الماضي اجتمع المجلس النيابي العاطل عن التشريع -بشهادة رئيسه- لإقرار تمديد مصالح أعضائه ونهبهم المنظم لما تبقى من مقدرات الوطن.. وطارت السلسلة.** ** ** **العجين الذي خرجت منه هذه الطبقة السياسية الحاكمة واحدٌ، الفارق الوحيد بين خبز وآخر هو في الوقود المستعمل لزوم إنضاجه، بعضه من بلاد نجد والآخر من بلاد فارس، وما بين هذا وذاك يغرق الوطن أكثر فأكثر.هم عملة واحدة بوجوه متعددة.** ** ** **المفارقة أن حنا المتحدر من أسرة مسيحية يدافع عن مصالح الغالبية من الفقراء وهم مسلمون سنة وشيعة: السلام عليك يا ابن مريم.