السفير
عند دوار المنارة في وسط مدينة رام الله وقفت شاحنة شاحبة تحمل على متنها رجالا ونساء وأطفالا وشبانا، تسير في طريق وهمي عائدة إلى فلسطين، لكنها في الحقيقة كانت تعيد تمثيل مشهد مرّ عليه 66 عاما، ولم يمل الفلسطينيون من إحياء ذكراه ليبقى الأمل حيا من أجل العودة يوما إلى حيفا ويافا وعكا والرملة واللد. وتقدمت الحافلة تحمل على متنها فلسطينيين أعادوا تمثيل مشهد النكبة، وهم حقيقة أناس شردوا من ديارهم قبل 66 عاما، ولم يكن لهم ذنب سوى أنهم «ضحايا ظلم تاريخي» كما يقول الحاج ابو محمود وهو على متن الحافلة لـ«السفير»، فيما زغردت امرأة كانت على متنها وصرخت» رح نرجع». مشهد الحافلة هذا كان الحدث الأكثر بروزا في فعاليات إحياء الذكرى لهذا العام، لأنه جسد جزءا من التاريخ وأحياه في نفوس مئات الفلسطينيين. لكنه لم يكن الوحيد بل كانت هناك «مشاهد إبداعية كثيرة ظهرت هذه السنة خلال إحياء ذكرى النكبة، ربما تعبر عن شغف العودة» يقول عمر عساف في حديثه إلى «السفير»، وهو عضو في اللجنة الوطنية لإحياء فعاليات النكبة. ويضيف: «حاولنا في هذه المرة أن نغيّر قليلا في الطرق التي نريد من خلالها القول للعالم إنّ نكبة فلسطين لم تنته ومستمرة، وإن اللاجئين عائدون إلى ديارهم لا محالة». وقد جابت مسيرات مركزية شوارع المدن الفلسطينية، أمس، وحملت الأعلام الفلسطينية والرايات السوداء تعبيرا عن الحزن على ما ضاع ويضيع من فلسطين، كما حمل المتظاهرون مجسمات لمفاتيح العودة. وفي تمام الساعة الثانية عشرة من ظهر أمس انطلقت صفارات الإنذار لمدة 66 ثانية في مختلف المدن الفلسطينية، وهي عدد سنوات النكبة. في هذا الوقت، وإمعاناً بتنكيل الاحتلال بقضايا الشعب الفلسطيني، استشهد فلسطينيان خلال مواجهات مع جيش الاحتلال قرب «سجن عوفر» العسكري قرب مدينة رام الله في الضفة الغربية، فيما أصيب ثمانية آخرون احدهم حالته حرجة. وذكرت وكالة «وفا» الفلسطينية أنه «استشهد مواطنان وأصيب ثمانية خلال قمع قوات الاحتلال لمسيرة سلمية انطلقت بالقرب من معسكر عوفر الاحتلالي المقام على أراضي بلدة بيتونيا غرب رام الله، إحياء لذكرى النكبة». وأوضحت أنّ «جثماني الشهيدين نقلا إلى مجمع فلسطين الطبي وهما الفتى نديم نوارة (17 عاما) ومحمد أبو ظاهر (20 عاما)»، مشيرة إلى أنّ «قناصة الاحتلال استهدفوا المشاركين بالمسيرة بالرصاص الحي، وأن غالبية الإصابات تركزت على الجزء العلوي من الجسم». وتظاهر نحو 150 فلسطينيا قرب «سجن عوفر»، أمس، مطالبين بالإفراج عن آلاف الأسرى الفلسطينيين، فيما تظاهر المئات في مدن القدس والخليل ونابلس وجنين وبقية محافظات الضفة الغربية إحياء لذكرى النكبة. من جهته، أعرب الرئيس الفلسطيني محمود عباس، في كلمة في ذكرى النكبة بثت مساء أمس الأول، عن أمله في أن «يكون العام الـ66 للنكبة عام النهاية لمعاناتنا الطويلة». وقال: «آن الأوان لإنهاء أطول احتلال في التاريخ، وآن الأوان لقادة إسرائيل أن يفهموا أنه لا وطن للفلسطينيين إلا فلسطين». وأضاف الرئيس الفلسطيني أنّ «الحكومة الإسرائيلية الحالية لا تزال تعيش عقلية الماضي، بل إنها تزداد تطرفا وتعصبا، فتتراجع عن اتفاقيات والتزامات سابقة وتضع شروطا تعجيزية جديدة كالمطالبة بالاعتراف بيهودية دولة إسرائيل وتسابق الزمن لتهويد القدس والتوسع في المخططات الاستيطانية». واحتلت إسرائيل الأراضي الفلسطينية العام 1948، وشمل ذلك 774 قرية ومدينة فلسطينية، قامت بتدمير 531 منها عن بكرة أبيها، كما اقترفت القوات الإسرائيلية أكثر من 70 مذبحة ومجزرة بحق الفلسطينيين، ما أدى إلى استشهاد ما يزيد عن 15 ألف فلسطيني خلال فترة النكبة، وتهجير نحو 800 ألف آخرين.