قانون الإيجارات نافذ: الإقامة في الكارثة

قانون الإيجارات نافذ: الإقامة في الكارثة
08 May
2014

بعد النواب، وخفّتهم الرهيبة في إقرار قانون الإيجارات، ها هو رئيس الجمهورية يودّع اللبنانيين بعدم ردّ القانون إلى مجلس النواب، بل وبعدم الطعن به أمام المجلس الدستوري... رغم إقراره بـ«عدم عدالته الاجتماعية»! قانون بدا أشبه بـ«الجيفة» التي تتهرب الدولة من نتنها، وما هو إلا صنع يديها، لتضع المالكين والمستأجرين على حد سواء في وجه المجهول... المعلوم

محمد نزال - الاخبار

«إن لم يُستدرك قانون الإيجارات الجديد، سريعاً، فنحن مقبلون، بعد نحو سنتين أو ثلاث ليس أكثر، على انفجار اجتماعي كبير. الموضوع لا يحتمل المزاح، عشرات آلاف العائلات ستُشرّد، عشرات آلاف الدعاوى ستنهال على المحاكم القضائية، لن يكون باستطاعة أحد عندها لملمة تبعات هذا القانون الكارثي... الحرب الأهلية عام 1975 لم تندلع فجأة، جاءت بعد أزمات اجتماعية كثيرة، بعد قضايا مماثلة لما نعيشه اليوم، فالله أعلم إلى أن يُراد الوصول بهذا البلد».

هذه الكلمات لعضو مجلس نقابة المحامين في بيروت سابقاً، المحامي ماجد فيّاض، وهو ربما كان الخبير القانوني الوحيد، أقله بين الذين تكلموا، الذي قرأ القانون المذكور بعين النقد القانوني، بعيداً عن ضوضاء «المعارك» الدائرة في الشارع بين المالكين والمستأجرين.

فعلها رئيس الجمهورية ميشال سليمان، أمس، ولم يوقّع على قانون الإيجارات. وقّع على رزمة قوانين أخرى، كانت محالة إليه، باستثناء القانون المذكور. ظن البعض، بعد إذاعة الخبر، أن هذا يعني رد القانون إلى مجلس النواب. لكن لم تدم فرحة هؤلاء طويلاً، إذ تبيّن أن سليمان اكتفى بعدم توقيعه، من دون ردّه، ما يعني أن القانون سيصبح بحكم الأمر الواقع بحسب نص الدستور. إذاً، إنها «خطوة في الهواء». لا تُقدّم ولا تؤخر، عملياً، فهي فقط تسجيل موقف من القانون. بدا سليمان، في هذه الخطوة، كمن لا يريد أن يلبس ما فصّله النواب، إذ ربما أدرك أن القانون المذكور هو بمثابة «الورطة»، وبالتالي لا يريد ربط اسمه به. إلى هذا الحد يبدو قانون الإيجارات الجديد، المقر في مجلس النواب، بعد سنوات طوال من الدراسة والتمحيص... قانوناً لا توضع اليد فيه. إلى درجة أن سليمان نأى بنفسه عنه! لم يجد رئيس الجمهورية ما يعلل به قراره عدم التوقيع، سوى القول: «إن أي قانون لا يوفّر العدالة الاجتماعية سيكون مجحفاً في حق فئة معينة أو فئة أخرى من المواطنين». وبحسب الخبر الذي نقلته الوكالة الوطنية للإعلام، فإن القانون «سيُنشر حكماً بعد مرور المهلة الدستورية استناداً إلى المادة 56 من الدستور، حيث ينبغي التحقق من دستوريته، ومطابقته القواعد القانونية والعدالة الاجتماعية والمساواة بين المواطنين، وتقديم مراجعة طعن أمام المجلس الدستوري عملاً بالمادة 19 من الدستور». هنا يبدو أن النص المنقول يتضمن خطأً لغوياً، إذ إن المادة المعنية بالشأن المذكور هي 57 لا 56 من الدستور. هذا ما لفت إليه المحامي فيّاض في اتصال له مع «الأخبار» تعليقاً على الإجراء الحاصل. لم يُعرف إن كان هذا الخطأ مصدره القصر الجمهوري أو الوكالة الوطنية للإعلام. على كل حال، كان لافتاً أن سليمان، فضلاً عن عدم رده القانون إلى مجلس النواب، لم يعلن إحالته إلى المجلس الدستوري حتى، مكتفياً بالإشارة إلى إمكانية فقط! (ليفعلها غيري يعني). فهو، بصفته رئيس الجمهورية، إلى جانب رئيس مجلس النواب ورئيس الحكومة، وكذلك 10 أعضاء في مجلس النواب، له «حق مراجعة المجلس الدستوري في ما يتعلّق بمراقبة دستورية القوانين» (المادة 19 من الدستور - باستثناء رؤساء الطوائف المعترف بها لعدم اختصاصهم هنا). يعود المحامي فيّاض بذاكرته 13 عاماً إلى الوراء، حين ردّ رئيس الجمهورية، آنذاك، القانون المتعلق بتعديل قانون أصول المحاكمات الجزائية. يومها «تحاشى مجلس النواب مواجهة رئيس الجمهورية، فأخذوا بملاحظاته التي وضعها، وأعادوا إقراره بالصيغة التي رضي بها، ليُنشر بعدها في الجريدة الرسمية». لماذا لم يفعل سليمان، أمس، الأمر عينه، ما دام هذا ضمن صلاحيته الدستورية؟ وما دام قد اعتبر هو أن قانون الإيجارات الجديد «لا يوفّر العدالة الاجتماعية»؟ لماذا لم يضع ملاحظاته عليه من هذا المنطلق، أي بمعنى آخر تقويمه، ثم ردّه إلى مجلس النواب؟ وأقلّه، لماذا لم يحله إلى المجلس الدستوري؟ كلها أسئلة بقيت أمس بلا أجوبة. الكل يتحاشى الحديث في شأن هذا القانون «المسخ». كأنه «جرثومة»، الكل يريد الابتعاد عنها. هكذا، تظهر الدولة، رئيس الجمهورية هذه المرة بعد مجلس النواب، تترك المواطنين لمصيرهم المجهول. دولة تترك المالكين والمستأجرين يقفون متواجهين بفائض من الغضب والغوغائية، إلى حد ملاحظة أن بعضهم بات على استعداد لارتكاب «جرائم»، رفضاً لإخلاء المأجور أو للعمل على إخلائه بالقوة من الطرف الآخر. هكذا، يمكن القول إن قانون الإيجارات الجديد أصبح نافذاً حُكماً، وسوف تبدأ مفاعليه بعد نشره في الجريدة الرسمية، مع ملاحظة مهلة الستة أشهر الذي نص عليها كـ«مهلة سماح» بين المالك والمستأجر، بحسب ما يوضح المحامي فيّاض. إذاً، لقد وقع المحظور، إلا إذا قرر رئيس مجلس النواب أو رئيس الحكومة، أو عشرة نواب، الطعن في القانون أمام المجلس الدستوري في الأيام المقبلة. هنا يُشار إلى أن بعض نواب حزب الله كانوا قد اعترضوا على القانون، يوم مناقشته وإقراره في مجلس النواب، فهل سيأخذون اليوم هذه المهمة على عاتقهم ويطعنون فيه، أقله لإعادة دراسته على نحو يبعد شبح «الانفجار الاجتماعي»؟ لننتظر ولنرَ، فالأيام المقبلة... مقبلة. المحامي فيّاض، الذي سهر على قراءة نص القانون، المعقّد جداً، يقول: «هذا القانون كارثة إنسانية - اجتماعية - قانونية، وذلك نظراً إلى الثُّغَر والهفوات القانونية فيه. فهو لم يُحدد القانون الواجب السريان من تاريخ 31/3/2012 حتى تاريخ نشره والعمل به، إذ تُرك الأمر غامضاً، بلا نص، وذلك في ظل عدم تمديد العمل بالقانون 92/16 (القديم). هذا أدخل كل القضايا القضائية العالقة في نزاع قانوني جديد، فبات يسري عليها قانون الموجبات والعقود، ما يعني أن العلاقة بين المالك والمستأجر أصبحت رهن حرية التعاقد». أكثر من ذلك، يضيف فياض، هذا القانون «لم يحسم مسألة الجدل القانوني الجدي الدائر بشأن الزيادة الواجب إقرارها بعد صدور مرسوم تصحيح الأجور في عام 2012. فهل هي 12.5 أم 12.8 أم 17 أم هي 50 في المئة؟ هذه لم تزل عالقة فمن يحلها؟ كذلك هذا القانون أقدم على خطيئة في المادة 29 منه، حين أحل محل المستأجر بعد وفاته أو تركه المأجور زوج المستأجر، أو من حل محله قانوناً، وذلك قبل تاريخ 23/7/1992. فماذا سيحدث في مئات الحالات لأولئك الذين حلوا محل المستأجر بعد ذلك التاريخ؟ هل يخلون اليوم ويعتبر أن حقهم في التمديد قد سقط؟ هل اللجنة المختصة المنصوص عليها مثلاً، تلك اللجنة المؤلفة من قاضٍ و4 أعضاء، ستحل المشكلة القانونية، في حين لا شيء يوجب أن يكون هؤلاء الأعضاء من القانونيين والحقوقيين! كيف يحصل هذا؟ هذه خطيئة. ولماذا لم يعطِ القانون حق استئناف قرارات اللجنة! هذه خطيئة أكبر، كأننا أمام محكمة عسكرية!». يختم فياض كلامه: «بكل صدق، الثُّغر والهفوات والخطايا الكبرى في هذا القانون لا تتسع لها جريدة كاملة... ما ذكرته بعض من ذاك القانون الكارثة».

الأكثر قراءة