خرج اليوم جموع المعلمين والموظفين إلى الشارع للمطالبة بسلسلة رواتب عادلة غير مشوّهة، في وجه «اصطفاف مالي سلطوي شفط أكثر من 30 مليار دولار إلى الأرباح والريوع منذ تجميد الأجور عام 1997». خط سير التظاهرة له دلالاته الرمزية: من مصرف لبنان إلى البرلمان، مروراً بغرفة التجارة وجمعية المصارف... هذه هي الأهداف في صراع مفتوح الآن من أجل بعض العدالة الاجتماعية
فاتن الحاج - الاخبار
أمس، شغلت مكاتب فروع مكونات هيئة التنسيق النقابية بوضع اللمسات الأخيرة على تنظيم وصول قواعد المعلمين والموظفين إلى التظاهرة المركزية التي تنطلق عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم من مصرف لبنان، مروراً بغرفة التجارة والصناعة، فجمعية المصارف، وصولاً إلى ساحة رياض الصلح.
جاء ذلك ليتوّج أسبوعاً مكثفاً من التحضيرات ليوم 29 نيسان إضراباً وتظاهرةً. وقد استنفدت خلال الأيام الماضية وسائل التحفيز والتحشيد، إن عبر الآليات النقابية الداخلية من مجالس مندوبين وجمعيات عمومية أو عبر عقد الندوات والتفاعل من خلال مواقع التواصل الاجتماعي التي شهدت نقاشات حرة عكست انطباعات جمهور هيئة التنسيق، فمنهم من بدوا متحمسين ليكون يوم التظاهر مدوياً «لنزلزل الأرض، لنصرخ من أمام مصرف لبنان ومن أمام غرفة التجارة كفى جشعاً وطمعاً وكذباً، كفى امتصاصاً لدماء الشعب اللبناني الفقير»، وآخرون وصفوا المعركة بالمصيرية ضد «أشكال الاستبداد والفساد لتحسين مستوى عيشنا وحماية حقوقنا». وبعضهم لم يتردد في مطالبة هيئة التنسيق بإعادة النظر بآليات تحركها «لكون أصحاب الوعود لا يملكون تنفيذها وسيستمرون في الانخداع المتمادي، ما يتطلب من الهيئة تغيير الأداء لا اختراع الأسباب لتجنب اللوم وخداع الأساتذة»، وهناك من سأل: «إذا كانت كل الأحزاب وهي موجودة في الحكومة وفي مجلس النواب موافقة على السلسلة والمطالب وتريد منّا المشاركة في المظاهرة، فمن يبقى إذاً ضد السلسلة؟ نطلب منهم أن يحترموا عقولنا قليلاً إلّا إذا كانوا يطلبون منّا أن نتظاهر ضدهم».
اقتطاع الضريبة من الريوع لا يؤدي إلى رفع الأسعار والفوائد في مقر رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي مثلاً، انكبت أمس مسؤولة الشؤون التربوية في الرابطة بهية بعلبكي، والمسؤولة الإعلامية في مكتب فرع بيروت ليلى كوجان على كتابة اللافتات التي نسقوا مضمونها بالتشاور مع رئيس الرابطة حنا غريب. وكانت كوجان قد تولت إعداد رسائل نصية تحفيزية وصلت تباعاً إلى المندوبين والأساتذة عبر هواتفهم الخلوية، منها: «السلسلة في خطر تنتظر جهودكم للمحافظة عليها وإخراجها بالصيغة التي تحفظ الحقوق المكتسبة». اللافت أن يواجه الإضراب في المدارس الخاصة انكفاء معلمين كثر عن التزام قرار نقابتهم، وهم لا يُضربون إلا إذا أتى القرار من مسؤولي المؤسسات التربوية التي يعملون فيها أو من الأحزاب التي تمون على هذه المؤسسات، وإن كان ذلك لا يعني بالضرورة المشاركة في التظاهرة. فهل ستفلح دعوة رئيس النقابة نعمه محفوض إلى المعلمين في كل المناطق، ولا سيما معلمو صيدا بالقدوم إلى العاصمة والانخراط في التظاهرة المركزية على خلفية «المعلمون هم المضربون لا أصحاب المدارس»؟ محفوض أكد على الأقل أن الشمال سيزحف إلى بيروت بعد حجز نحو 23 حافلة كبيرة. في مؤتمرها الصحافي، غمزت هيئة التنسيق من قناة الاتحاد العمالي العام من دون أن تسميه، مؤكدة أن 29 نيسان سيكون يوم وحدتها والتزامها الموقع النقابي المستقل البعيد عن الانقسامات السياسية، ويوم التمسك بهذه الوحدة بوجه الساعين إلى احتواء تحركها ومصادرة تمثيلها بشكل أو بآخر. الهيئة دعت جمهورها إلى التقيد بنقابية التظاهرة وسلميتها وعدم رفع إعلام فئوية واقتصار الهتافات على الأمور المطلبية فقط. وعشية تحركها، واجهت الهيئة ما سمته الاصطفاف المالي السلطوي بمجموعة أسئلة وأرقام. وتحدث باسمها رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر فسأل: «لماذا ارتفعت الأسعار ولا تزال ترتفع، بسلسلة ودون سلسلة، ودون رقيب أو حسيب، حتى بلغ التضخم 130% حتى نهاية العام 2013؟ لماذا تضاعفت رساميل المصارف 100 مرة؟ لماذا ارتفعت أرباح المصارف من 400 مليون ليرة إلى 2600 مليار ليرة؟ لماذا ارتفعت أسعار الاراضي بما يزيد على عشر مرات عما كانت عليه؟». كل ذلك حدث، بحسب حيدر، والرواتب مجمدة. برأي هيئة التنسيق، كل كلام على عجز الدولة والمؤسسات التعليمية الخاصة عن تصحيح الرواتب المتآكلة ليس سوى تمويه للحقيقة، لكون الناتج المحلي قد ارتفع من 17.8 ألف مليار ليرة سنة 1995 إلى 64.8 ألف مليار ليرة سنة 2012، أي 3.6 مرات (264%)، فيما ارتفعت إيرادات الدولة من 1.7 ألف مليار ليرة إلى 14.2 ألف مليار ليرة، أي 8.3 مرات (730%)، وتضاعفت الأقساط المدرسية أضعافاً مضاعفة، ومعلمو التعليم الخاص لم يتقاضوا حتى تاريخه زيادة غلاء المعيشة. وتبديداً للتشويش، أكد حيدر أن «تصحيح الرواتب الذي لا يقابله طبع للنقد أو زيادة في الاستدانة لن يؤدي إلى ارتفاع الأسعار ولا إلى ارتفاع الفوائد، إلا بنتيجة قرصنة مالية وعمل احتكاري لصوصي موصوف يعاقب عليه القانون، باعتبار أنّ هذا التصحيح يجب أن يقابله اقتطاع في الأرباح الريعية، أي انتقال قسم من الكتلة النقدية الموجودة حالياً من جيوب أصحاب الثروات الفاحشة في الهيئات الاقتصادية وأصحاب المصارف والمضاربين العقاريين إلى أصحاب الحقوق». وجدد عدم القبول بأن يكون «تحصيلنا لحقوقنا على حساب الفقراء وصغار المستهلكين وصغار المودعين والمقترضين والمؤسسات المنتجة، والعاملين بأجر وأهالي التلاميذ في المدارس الخاصة وفي التعليم الرسمي، بل سنعمل جميعاً لفرض الضرائب على حيتان المال ووقف الهدر والفساد، ليس فقط لتصحيح رواتبنا، بل أيضاً لتأمين الضمان الصحي والاجتماعي لهم». واستدرك قائلاً: «لقد شفطوا أكثر من 30 مليار دولار إلى الأرباح والريوع منذ تجميد الأجور عام 1997، فلا يقول لنا أحد، هناك استحالة لتمويل السلسلة من هؤلاء الحيتان». لا صدقية لأي كلام على إصلاح الإدارة، بحسب حيدر، في ظل إقفال باب التوظيف وفتح باب التعاقد «الذي يجب أن يتوقف بكل أشكاله، مع وجوب أن تحترم الدولة قوانينها في تطبيق قانون العمل وإعطاء المتعاقدين والأجراء والمياومين والمستخدمين حقوقهم المشروعة وشمولهم بالزيادة كاملة أسوة بالموظفين». ورفضت الهيئة أية صيغة ستصدر عن اللجنة النيابية المكلفة من الهيئة العامة إذا لم تأخذ بزيادة 121% لجميع القطاعات دون خفض أو تقسيط أو تجزئة، كما أعطي للقضاة وأساتذة الجامعة اللبنانية، وإذا لم تحفظ الحقوق المكتسبة للقطاعات وفق خصوصية كل منها، ومن أجل التمسك بوحدة التشريع بين المعلمين في القطاعين الرسمي والخاص واحتساب المفعول الرجعي اعتباراً من 1/7/2012 وشمول الزيادة المتعاقدين والأجراء والمياومين والعاملين بالساعة، وإلغاء جميع البنود التخريبية الهادفة إلى تصفية الوظيفة العامة.