ليال حداد - شباب السفير
صباح الخير يا بيروت.. صباح كل من يستيقظ متفائلاً بأن دوّامة الموت اليومي لن تصيبه. صباح الزحمة التي تجعل المسافات بين الحمرا ووسط بيروت أسطورية. صباح الكورنيش والسيارات التي تصرّ على تشغيل أغاني جورج وسوف ولو الساعة السابعة صباحاً. صباح الأطفال المنتشرين في شوارعك يحاولون إقناع كل سائق بشراء وردة حمراء «للقمر اللي حدك». صباح الخير يا بيروت. صباح فنجان القهوة على شرفة منزل في مار الياس أو مار مخايل أو كورنيش المزرعة، وصباح الناس التي تبتسم في وجوهنا رغم أن لا شيء يدعو للفرح. صباح كل ترويقة فول وفتة من محلات القاووق في التاسعة صباحا داخل مكاتب العمل. صباح أبو كريم صاحب الفرن الذي بلغ الستين ولا يزال يبحث عن «بنت حلال معلّمة وبنت عيلة وبتحكي لغات». صباح كل فتاة تخرج من منزلها وفي حقيبة مدرستها أحمر شفاه وقلم كحل لتتبرّج قبل دخول أستاذ الرياضيات الشاب إلى الصف. صباح الموظف في الدوائر العقارية صاحب القميص المزركش الذي يردد بصدق واقتناع «اذا الموظف بيرتشي يعني الدولة بترتتشي، والدولة اللبنانية نضيفة بترتشيش». صباح الخير يا بيروت. صباح كل أم هاجر أولادها كلّهم، وتتعلّم بصعوبة استعمال الـ«سكايب» لترى وجوههم ووجوه أطفال ولدوا هناك. صباح مقاتل قديم يشارك في فعاليات «تنذكر تما تنعاد» ويبكي وهو يروي ما صنعته يداه. صباح شاب يقف أمام المرآة لساعتين قبل النزول إلى يومه الأول في الشغل. صباح الأب الخائف في زفاف ابنته. صباح أطفال ما زالوا يلهون بالمراجيح في العيد. صباح أستاذ مدرسي يردّد في أذن تلاميذه قصصاً عن لبنان الجميل. صباح نازحة سوريّة تبحث عن عمل لتعيل زوجها وأولادها. صباح حنا غريب ونعمة محفوض اللذين أعادا إلى بيروت هواء نقياً نتنشقه. صباح كل سيدة خرجت من بيتها ولم تعد لأن «ضرب الحبيب مش زبيب». صباح شباب يخططون لسهرة رأس السنة قبل شهر. صباح أم تقف على شرفة المنزل ترافق بعينيها ابنها الذاهب إلى جامعته وفي قلبها تردد كل الأدعية التي تبعد حسد الجيران والرفاق. صباح النساء المجتمعات في بيت واحد لتحضير معمول العيد. صباح كل كأس شربناه ونحن نغنّي «امانة عليك يا ليل طوّل». صباح كل دمعة ذرفناها ونحن نشاهد رفاقنا هناك، يهتفون بسقوط الأنظمة، وسقوط العسكر. صباح الخير يا بيروت.. صباح رجل يبكي في سرّه لأنه عاجز عن تأمين مدخول يكفي لآخر الشهر.. صباح الرجل نفسه الذي يشتري الخضار والفاكهة بالدين واعدا صاحب الدكان «آخر الشهر منسكر الحساب». صباح كتب قرأناها ولم نفهم منها شيئاً. صباح نقاش سياسي قد لا ينتهي بتبادل الشتائم. صباح ناشطين مدنيين مقتنعين بأن تغيير العالم ممكن. صباح طفل يرنّ جرس باب الجيران ويهرب.. صباح صبية أثيوبية تتبرج وترتدي أجمل ما عندها يوم الأحد. صباح كاسات المغلي التي تصل فجأة إلى البيت لأن «كنة جارتنا، التي لا نعرفها، ولّدت». صباح أب يتحدّث بفخر عن أولاده للموظف على براد الأجبان والألبان في السوبرماركت. صباح الخير على شوارع جميلة وفخمة نشتمها لأننا لا نملك القدرة على السكن فيها. صباح رجل يصرخ في وجه الـ«فاليه باركينغ» لأنه يحتلّ الشارع. صباح حبيبين يعرفان أن علاقتهما مستحيلة، لكنهما يتحابان. صباح الفخر الذي نتحدث فيه عن مدينتنا أمام أصدقاء من مصر والجزائر وتركيا. صباحنا نحن جميعا الذين نلعن مدينتنا ألف مرّة في اليوم، ولا نزال هنا.. المقال مستوحى من كتاب «ست الحاجة مصر» للكاتب المصري بلال فضل