يبدأ المعلمون والموظفون اليوم انتفاضة متجددة على «النفاق السياسي»، مقاطعين من يقف من النواب بوجه حقوقهم في السلسلة. الآمال معلقة على اعتصام حاشد في وسط بيروت يعيد النبض إلى الشارع في مواجهة «حيتان المال»
فاتن الحاج - الاخبار
فجّر إعلان نائب رئيس مجلس النواب فريد مكاري، تأجيل النقاش في سلسلة الرتب والرواتب، غضباً عارماً في أوساط أصحابها من معلمين وموظفين إداريين ومتعاقدين وأجراء ومتقاعدين. في لحظة التأجيل، علا الوجوم وجوه أعضاء هيئة التنسيق النقابية، وانصبّ جام الغضب على كل القوى السياسية من دون استثناء بلا تمييز بينها، باعتبار أنّ «كلهم قرطة كذابين» و«غير مؤهلين لدخول المجلس النيابي وتشريع حقوق الناس»، أو هكذا وصف بعض النقابيين المحازبين نواب أحزابهم.
البعض الآخر ذهبت به الحماسة إلى القول إنّه سيضع استقالته في تصرف حزبه أو تياره، فنصحهم نقابيون مستقلون بأن تكون مثل هذه الاستقالات جماعية كي تؤتي مفعولها، اعتراضاً على ما سموه «النفاق السياسي». بعض هؤلاء كان أكثر وضوحاً حين قال: «لو كان السياسيون يشكّون في أن لدينا نقابيين أقوياء قادرين على تجاوز أحزابهم، لما تجرأوا لحظة واحدة على الاستهتار بحقوقنا». وبعد أخذ وردّ بين قادة هيئة التنسيق، استقر الرأي في نهاية المطاف على مقاطعة النواب «الذين وقفوا ويقفون ضد إقرار السلسلة وحقوق اللبنانيين». من هم هؤلاء النواب ولماذا لا تزال هيئة التنسيق تتردد في الإشارة إليهم بالبنان؟ «لا حاجة للتسمية، هم يعرفون أنفسهم»، يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، ويَعد اللبنانيين باعتصام مركزي حاشد، عند الحادية عشرة من قبل ظهر اليوم، سيذكرهم بمشهد الانتفاضة الأخيرة، وخصوصاً أنّه سيترافق مع إضراب عام سيشمل كل الإدارات العامة والوزارات والمدارس والثانويات الرسمية والخاصة ومعاهد التعليم المهني والتقني والموظفين الإداريين في الجامعة اللبنانية. وتسبق الاعتصام جمعيات عمومية لتعبئة الجماهير استعداداً للمواجهة الجديدة. وكان هناك إصرار واضح وصريح لنقابة المعلمين في المدارس الخاصة على المشاركة الكثيفة في التحرك إضراباً واعتصاماً. على المقلب الآخر، لم تكن الجلسة الصباحية للجان المشتركة بحجم غضب المعلمين والموظفين. وجع الناس لم يعكّر هدوء النواب غير «المستعجلين» لإقرار السلسلة قبل «إنهاء البحث عن أفضل الحلول لتمويلها، حرصاً على المصلحة العامة في البلد»، كما باتوا يرددون دائماً. طيف حاكم مصرف لبنان رياض سلامة، خيّم أمس على المجتمعين تحت قبة البرلمان، فيما تردد في أوساط المتابعين أنّ حضوره إلى المجلس النيابي لم يكن ليحصل لو لم يكن هناك «اتفاق» سياسي بين أكثر من طرف. بعض النواب بدوا متمسكين بكلماته ليبرروا المماطلة والتسويف، أو ما وصفوه هم «بالجدية» في نقاش تمويل السلسلة، فيما بقيت الضبابية وتضييع الوقت السمتين الأساسيتين، بدليل عدم التوصل إلى نتائج ملموسة بعد 3 أيام من المفاوضات. يقول النواب إنّهم وصلوا إلى البند 14 من البنود الضريبية المقترحة في تقرير اللجنة النيابية الفرعية وعددها 17. وقد اختلفت وجهات النظر بشأن زيادة الضريبة على القيمة المضافة، فكان الحل بسحب هذا البند من النقاش ورُهن بتّه بالهيئة العامة للمجلس النيابي. تيار المستقبل كان أقرب إلى زيادة 12% على كل السلع من دون استثناء. نواب التيار نادوا بقرار سياسي يتحمل الجميع مسؤوليته «لكي لا تزيد الأعباء على الفقراء». أما التيار الوطني الحر، فبدا متحفظاً على إمكان أن يكون هذا الاقتراح الحل الأعدل لتمويل السلسلة؛ لأنه سيطاول الطبقات الفقيرة ويصيب كل اللبنانيين. التيار لم يرفض زيادة هذه الضريبة على بعض السلع التي تصنف من الكماليات، وهذا الموقف عبّر عنه نوابه في اللجان المشتركة، وورد أيضاً في الموقف الأسبوعي لـ«تكتل التغيير والإصلاح»، الذي لم يتردد من جهة ثانية في ربط إقرار الملف بالإيرادات من جهة والإصلاحات المقترحة داخل تقرير اللجنة الفرعية من جهة ثانية، باعتباره مشروعاً متكاملاً. أمس، برز أيضاً كلام على مقترحات ضريبية تدرسها وزارة المال تمهيداً لعرضها على المناقشة في الجلسات المقبلة للجان المشتركة. وقال وزير المال علي حسن خليل إنها أفكار جديدة لتمويل السلسلة، وهي: - فرض ضريبة على أرباح البيوعات العقارية (152 مليار ليرة). - خفض حق استرداد الضريبة على القيمة المضافة لغير المقيمين (35 ملياراً). - ضريبة على الأراضي (20 ملياراً). - ضريبة على شركات الهولدينغ والأوف شور (120 ملياراً). - الرسم المقطوع على المهن (100 مليار). - اخضاع المدارس غير المجانية للضريبة (10 مليارات). - تعديل الضريبة على الأملاك المبنية وفرض ضريبة على الشقق والمكاتب الشاغرة (100 مليار). - رفع الضريبة على ربح الفوائد من 5% إلى 7% (250 ملياراً) وشمول المصارف بهذه الضريبة بنسبة 7% (260 مليار ليرة). - فرض رسم الانتقال على الودائع بنسبة 3% (20 ملياراً). - إلغاء بعض الإعفاءات الضريبية للشركات (30 ملياراً). المجموع: 1000 مليار الجدير ذكره أنّ اقتراحات اللجنة النيابية الفرعية تتمثل بـإيرادات دائمة 2294 ملياراً وإيرادات استثنائية 1400 مليار وفيما شكك بعض أصحاب السلسلة بموقف النائب وليد جنبلاط «الذي لم يقف يوماً معنا»، استغرب الأخير أن تناقش «قضية محقة بطريقة أقل ما يقال فيها أنها شعبوية وغير علمية وحفلة من المزايدات الإعلامية»، متعجباً «كيف تدور النقاشات حول السبل الأمثل لتمويل السلسلة التي هي مطلب محق للعاملين في القطاع العام، من دون أن تقارب عمق المشكلة الأساسية في الوضع القائم الذي ترهل بشكل غير مسبوق بفعل الهدر والفساد الذي يطاول معظم المرافق العامة، ولا سيما الجمارك، وتحديداً في المرفأ والمطار». ومع ذلك فإنّ كل مواقف القوى السياسية من السلسلة لم تعد تنطلي على أي من أصحابها. باتوا مقتنعين بأن السلسلة هي مجرد «شماعة لفرض الضرائب على الفقراء وأصحاب الدخل المحدود عبر إصرار البعض على زيادة الضريبة على القيمة المضافة أو رفع الرسوم الجمركية على السلع الاستهلاكية، أو رفع رسوم الكهرباء». هم متيقنون بأنّ المسؤولين على اختلاف توجهاتهم «يريدون استخدام السلسلة وسيلة لسد عجز الخزينة المتزايد جراء سياسات المحاصصة في الإنفاق، وتغطية تكاليف خدمة الدين العام، والهدر والفساد والصفقات والتهريب وضعف الجباية»، أو هذا على الأقل ما قاله غريب في مؤتمر صحافي تحذيري سبق انتفاضة اليوم. صوّب المؤتمر سهامه باتجاه رياض سلامة ومعه «الهيئات الاقتصادية» على خلفية التهويل وتخويف الرأي العام الذي يمارس عبر التذرع بالانهيار الاقتصادي لضرب الحقوق. غريب رفض مرة أخرى تجزئة السلسلة على 5 سنوات، سائلاً الحاكم: «منذ 18 سنة ورواتبنا لم تصحح، فلماذا ازداد التضخم ووصل إلى 121%؟ كم ازدادت خلال هذه الفترة خدمة الدين العام ولم تنطقوا بكلمة إلا عندما جئنا نطالب بتصحيح أجورنا؟ هل قارنت رواتبنا المقترحة في السلسلة مع رواتب موظفيك في مصرف لبنان، وهو حق لهم؟ هل قارنت تعويضاتهم مع تعويضاتنا عند نهاية الخدمة؟ هل قارنت رواتب موظفي الإدارات الرديفة التي تصل إلى ألوف الدولارات مع رواتبنا نحن الموظفين الأصيلين؟». وأردف: «إن أرقام السلسلة لا تساوي شيئاً يذكر مما يدفعه مصرف لبنان لموظفيه، وهو حق مشروع لهم». وأعلن غريب «يوم الانتفاضة لبناء دولة للرعاية الاجتماعية بدلاً من مزرعة المحاسيب لأصحاب النفوذ ورفض المماطلة وسلاح التيئيس وإحباط الناس»، مشيراً إلى أنّ «هيئة التنسيق تراهن على هذا اليوم لكسر حاجز الخوف والترهيب والتهويل من السلسلة لخدمة استمرار الهيئات الاقتصادية بنهب المال العام ورفع الأسعار والأقساط».