نعم، هي ضد لعبة الحب، والكعب العالي ومساحيق التجميل أو حتى الانجذاب للرجل؟! لا غرابة مما قد نقرأ من تصريحات الكاتبة المصرية المثيرة للجدل نوال السعداوي وذلك في حوار صريح وشيق ومباشر تقود دفته الكاتبة عايدة الجوهري مع السعداوي التي لم تتوان أبداً عن نقد المجتمع العربي الذكوري. وذلك في الكتاب الصادر حديثا «نوال السعداوي وعايدة الجوهري في حوار حول الأنوثة والذكورة والدين والإبداع»، عن شركة المطبوعات للتوزيع والنشر، بيروت. مما لا شك فيه أن نوال السعداوي، محطة فارقة في تاريخ الخطاب الفكري العربي وفي الخطاب النسوي خصوصاً، يقاس رسوخ خطابها بالضجيج المعرفي والوجداني الأخلاقي الذي أحدثته وتحدثه طروحاتها في نفوس قرائها، والعائد إلى جدة وعمق وحساسية الموضوعات التي قاربتها والتي تندرج، بمعظمها، في إطار المسكوت عنه، والمحظور. خاضت، على سبيل المثال، في مفاهيم العذرية، والختان والبغاء والأطفال اللقطاء والحجاب، وفي مفاهيم الزواج التقليدي والحب والأبوة والأمومة، وفي مفاهيم الذكورة والرجولة والأنوثة، وفي مشاكل النساء والرجال الجنسية، أي بكل ما يتعلق بالجنسانوية. هنا، في هذا الكتاب تصرّ السعداوي على آرائها القديمة ولا نلمس إلا المزيد من الحماسة بشأن كل ما آمنت به أو اقتنعت به يوماً. عايدة الجوهري تخوض غمار معركة سلسة وذكية ضمن حوار مبني على الاعجاب الكبير من قِبل المحاورة لكن من دون أن تقع في مطب « الاعجاب الأعمى» وهذا أمر يتضح منذ الصفحات الأولى من الكتاب أو الحوار. نحن هنا بصدد الاعجاب «الناقد» لمقولات السعداوي المعروفة بالعموم. فلا جديد في قولها: «الجمال عندي هو الطبيعة التلقائية المبدعة وليس الصناعة والتصنع. الجمال الانثوي أو الذكوري السائد مزيف بسبب النظام الفاسد، أنا ضد الإغراء والإغواء أو لعبة الحب، هذه أمراض النظام الفاسد. لست ممن يحبون التنافس في أي مجال، بما فيه الحب أو الابداع أو غيرهما، التنافس هو قانون الرأسمالية والسوق والتجارة والخداع من أجل الربح، الفن والابداع الناتج من التنافس ليس فناً إنسانياً عريقاً» تطلق النار على ما تسميه «فن السوق»، الذي يحصد الجوائز والأموال، فن هوليوود والصناعة الأميركية المبهرة الرخيصة القيمة. لهذا لا يكرم المبدع الحقيقي الصادق إلا نادراً، لا تكرم المبدعة الصادقة إلا بعد موتها بسنين أو قرون، لا تنال المرأة المبدعة الصادقة في حياتها إلا التعب والألم، هذا إن لم تدخل السجن أو تتعرض للقتل، على حد قول السعداوي. إنها ضد الانشغال بتدليك الجسم بالكريمات وإهمال تدليك العقل بالأفكار الثورية الجديدة. عايدة الجوهري خلال الحوار تنبهها إلى التناقض بين كلامها وفعلها وذلك عندما تذكرها بما باحت به في «مذكرات طبيبة»، ففيها أنكرت احتياجها للرجل لكنها بأي حال فقد تزوجت ثلاث مرات! الكتاب قد لا يأتي بشيء جديد بشأن أفكار السعداوي، لكنه يسلط الضوء على بعض اشكاليات وتناقضات كاتبة كشفت في دروبها البحثية والابداعية، الازدواجية المفاهيمية والأخلاقية التي تلف المجتمعات العربية، التي تؤدي إلى توزيع القيم الأخلاقية وفق جنس الفرد وطبقته. وفي المجال الروحي استنكرت أن يوظف الحاكم الدين ضد المحكوم المنزوع القوة، والرجل ضد المرأة، وأن تؤدي بعض المفاهيم والممارسات الدينية المشوهة إلى تخريب صحة الفرد العقلية والنفسية، كما استهجنت أن يؤدي تراكم الأفعال السياسية إلى استئثار الأقلية الحاكمة بالقرارات والثروات ضد غالبية الشعب، أي إنها لم تقارب قضية المرأة كجزئية مستقلة عن سائر القضايا الثقافية والسياسية، جامعة بين موقعها ككاتبة نسوية وكمواطنة. ووظفت في حفرياتها المعرفية مناهج متنوعة: علوم الطب والنفس والاجتماع والانتربولوجيا، والفلسفة والتاريخ والاقتصاد. ولتجسيد مشروعها الفكري التحرري زاوجت بين الأبحاث الأكاديمية وأنواع أدبية مختلفة: القصة والرواية، والمسرحية، المذكرات، أدب الرحلات، المقالة، مستثمرة في المعرفة والمشاهدة والتخييل والابتكار والجماليات الفنية، لرسم الواقع. لينا هويان الحسن -السفير