جوي سليم - السفير
تزامناً مع انتشار شائعات حول مقتل أحمد الأسير، عقب استعادة الجيش السوري السيطرة على مدينة يبرود، أعادت قناة «صيدا تي في» على «يوتيوب» نشر حلقة «الأسير مرّ من هنا» من سلسلة حلقات برنامج «حقك تحكي حقك تعرف». تعرض الحلقة (12:22) ما خلّفته المعركة الشهيرة بين مناصري أحمد الأسير والجيش اللبناني، في عبرا شرقي صيدا. تستحقّ التجربة التوقّف عندها، إذ انّها تستعرض أحداثاً ومواقف نسمعها للمرّة الأولى، ولم تجد مكاناً لطرحها على شاشات التلفزيون. يقول علي خليفة، أحد معدّي البرنامج، إنّ «الحلقة صوّرت بعد أسبوع من المعركة، ونُشرت على «يوتيوب» بعد ذلك بفترة وجيزة، لكنّ الموقع حذف قبل مدة قناة «صيدا تي في» لأسباب تتعلق بحقوق النشر، ما دفع القيمين على القناة إلى إعادة نشر الحلقات تباعاً من جديد». تعرض قناة «صيدا تي في» الالكترونية برنامج «حقك تحكي، حقك تعرف»، وهو يرمي بحسب خليفة إلى «إظهار القدرة على إنتاج إعلام بديل. ويتابع قائلاً: «إن الإعلام التقليدي مرتهن إما للطوائف أو لشركات الإعلان، وهو بالتالي لا يعوّل عليه». يعدّ الشريط وثيقةً لما شهدته المدينة، بعد المعركة التي اندلعت يوم 23 حزيران 2013. ترصد الكاميرا آثار النيران واضحةً على جدران المنازل في محيط مسجد بلال بن رباح. زواريب لم تنجح كاميرات الشاشات المحليّة في دخولها، بذلك العمق. يختار معدّو البرنامج الاستماع إلى شهادتين لشابين من سكان المبنى الذي كان مقراً لعمليات القصف والقنص، وهما فادي حريري، وصلاح سكافي. يروي الاثنان تفاصيل ما اختبرته العائلات المقيمة هناك، أثناء الاشتباكات، قبل أن يلوذ الأسير بالفرار. يحكي الجاران عن أزيز الرصاص، وبكاء الأطفال المرتفع فوق كل الأصوات الأخرى. يسرد سكافي بالتفصيل، حيثيّات ما سبق «المعركة الذروة». يروي التعديات التي قام بها الشيخ الفار وأنصاره على عناصر الجيش اللبناني، وعلى سكان ما سمّي بـ«المربع الأمني للأسير». تدحض شهادات سكان الحيّ المحيط بالمسجد، ما قيل عن تشكيلهم حاضنة شعبية لحالة أحمد الأسير. فلقد كان الشيخ ومناصروه يتحكمون بحياة السكان اليومية، ويحتكرون الكهرباء، ويعتدون على خصوصية جيرانهم بحجة الأمن، كما يرد في الشريط. ذلك بالإضافة إلى فرضه على الجميع، عبر مكبرات الصوت، سماع خطبه الحافلة بشتائم تحريضيّة ومذهبيّة. يتذكّر سكافي كيف بدأت المعركة الأخيرة حين قام مسلحون من مناصري الأسير باستفزاز عناصر الجيش كالعادة، قبل أن يخرجوا من المسجد بأسلحتهم ويفتحوا النار على الجيش. بدوره يخبر فادي حريري الجالس بين أنقاض منزله، كيف استنجد أهله بجيرانهم في الطوابق السفلى للحماية. يشير إلى أن جيرانه «ينتمون إلى الطائفة الشيعية وهم من قاموا بعمليات الإطفاء». ولكن في المقابل يتحدث عن عدد من جيرانه الذين شاركوا في أعمال القنص. استخدام تلك التصنيفات المذهبيّة، لم يكن من البديهيات بين سكان ذلك الحي قبل تلك الأحداث، بحسب الشاهديْن. يطالب الجاران بإعدام أحمد الأسير بعد القبض عليه بتهمة قتل عناصر من الجيش اللبناني، والتحريض على القتل. ونرى في خاتمة الفيلم عمالاً يزيلون الأنقاض وأعمال ترميم، كأنّ الحي يلملم نفسه وينفض عنه غبار مرحلة بشعة بكاملها. يعدّ مضمون الشاهدتين وثيقةً مهمة عن معركة عبرا.. لكنّ الأهمّ ما صوّره علي شريم وعلي خليفة، في شريط يعدّ وثيقة مصوّرة نادرة عمّا خلّفته تلك المعركة على الأبنية المحيطة، وعلى سكانها، وذلك ما لم تعطه التلفزيونات حقّه بالمعالجة بشكلٍ وافٍ، منشغلةً بتداعيات الحدث السياسية.