عملية الليطاني.. بداية جديدة للمقاومة

عملية الليطاني.. بداية جديدة للمقاومة
17 Mar
2014

 

نبيه عواضة - السفير

يجلس مقاتل فلسطيني سابق، ممن شاركوا في التصدي للعدوان الاسرائيلي الذي استهدف لبنان في العام 1978، متفكرا في اخطاء طبعت السلوك العام للفدائي الفلسطيني وما سمي حينها «فتح لاند «، من دون أن يجد الإجابة الكافية، فيفضّل الغرق في صمت. بينه وبين نفسه يبوح بالكثير الذي لم يحجبه مرور الزمن، ولسان الحال يقول: «ماذا لو لم تحصل تلك الأخطاء؟ هل سنكون امام سياق آخر من الاحداث لن توصلنا بالضرورة الى ما نحن عليه؟ يناقض هذه الانطباعات مقاتل لبناني ممن رسمت تلك الحرب ملامحه على هيئة مقاوم سيكون له لاحقا باع طويل في رسم مسار استمر، وكان مجديا بين 14 اذار من العام 1978 وايلول من العام 1982 ليعطي انطلاقة المقاومة الوطنية اللبنانية من العاصمة بيروت مفعولا رجعيا لا يعرف تاريخ بدايته، وحكما لا يمكن اختزال مساره النهائي. لم تكد تمضي عدة ايام على تنفيذ «عملية الشهيد كمال عدوان» التي قادتها الفدائية دلال المغربي ومجموعتها (من بينهم الأسير اللبناني حتى الآن يحيى سكاف) عملية جريئة بالقرب من حيفا، حتى اشتعلت جبهة الجنوب اللبناني. ففي 14 اذار اتخذت القيادة العسكرية والسياسية في الكيان الاسرائيلي قرارها بشن عملية عسكرية واسعة في الاراضي اللبنانية سميت «عملية الليطاني». الهجوم كان بداية، عبارة عن قصف جوي وبحري وبري متواصل طال القرى والمدن والبلدات الجنوبية داخل وخارج منطقة الليطاني. لم يميز القصف بين موقع عسكري تابع للقوات المشتركة اللبنانية والفلسطينية التي كان انتشارها مكثفا في المنطقة خاصة لجهة قرى العرقوب، وبين البيوت الآمنة والمدارس والمستشفيات. في انتقام وصل حد العقاب الجماعي للسكان المدنيين بسبب احتضانهم للمقاومة الفلسطينية ورعايتها، لتدور بعد ذلك اشتباكات عنيفة بين المقاومة الفلسطينية ومقاتلي الحركة الوطنية وسكان محليين من جهة وبين جنود العدو من جهة اخرى. اعنف تلك المعارك حصلت عند عدة نقاط ففي محور الناقورة حيث حاولت القوات الغازية التقدم باتجاه تلة البياضة المشرفة على مدينة صور، دارت هناك اشتباكات عنيفة جدا تمكن خلالها المقاتلون من صد محاولات التقدم، رغم التفوق العسكري للعدو. مما اضطر المقاتلين الى الانتشار في «خط ثانٍ» وهو شريط من القرى موازٍ للقرى الحدودية، اي عمليا المناطق المحازية لمجرى نهر الليطاني. في المشهد السياسي لا يمكن فصل اجتياح العام 78 عن مسار التبدلات التي حصلت في العالم العربي آنذاك، خاصة بعد التوقيع على اتفاقية «كامب ديفيد» واخراج مصر من معادلة الصراع العربي الاسرائيلي، فيعتبر استاذ تاريخ لبنان السياسي في الجامعة اللبنانية ـ الفرع الاول الدكتور جهاد بنوت «أن خسارة أهم دولة عربية استفادت منه اسرائيل، وقد ساهم في اضعاف الموقف العربي عموما» . مضيفا: «أن هناك عاملاً اخر نفذت منه القيادة السياسية والعسكرية في اسرائيل لشن عملية الليطاني وهي عشوائية العمل المسلح الفلسطيني «فبعد أن ضعفت الدولة اللبنانية غداة نشوء الحرب الاهلية العام 1975، تنامى الحضور الفلسطيني المسلح بصورة فوضوية فنشأت ارض قتال حقيقية عبر جنوب لبنان». ويقول بنوت «إن الجنرالات في اسرائيل وجدوا ان الظرف صار مؤاتيا لتوجيه ضربة عسكرية قاسية تستهدف إبعاد الصواريخ الفلسطينية الى ما بعد الليطاني، وهو المدى الفعلي لتلك الصواريخ». وبالعودة الى الواقع الميداني يمكن القول إن العدو حقق اهدافه في ثلاث مسائل هامة: فهو تمكن من إبعاد تهديد الصواريخ ومن ثم أقام منطقة عازلة عبر دويلة عازلة بقيادة الرائد المنشق عن الجيش اللبناني العميل سعد حداد. كما استطاع العدو وعبر المجتمع الدولي من اصدار القرار رقم 425 ذي البصمات الاميركية، ضمنت اسرائيل من خلاله أمن حدودها الشمالية في عمق المناطق اللبنانية، مع أن القرار ينص صراحة على سحب القوات الاسرائيلية من لبنان وهو أمر لم يتم الا عن طريق عمليات المقاومة... وبعد 22 عاما. الحرب الخامسة يجمع الباحثون على أن حرب 1978، أو الحرب الخامسة كما سمّاها البعض، على أنها نقطة تحول ايضا في مسار الصراع مع العدو الاسرائيلي، وإن كانت قد شكلت بمثابة تكتيك للعدوان الاشمل الذي حصل في العام 1982 حين اجتاح جيش العدو ثلثي لبنان محتلا العاصمة بيروت. الا أن الوعي اللبناني المقاوم تبلور بشكل عسكري، كرد فعل طبيعي مع انه كان متوفراً وقد تراكم عبر مسار تاريخي من النضال. شكّل اللبنانيون، والجنوبيون تحديدا بيئة حاضنة للمقاومة الفلسطينية. صار الارتباط بالقضية الفلسطينية مجسَّدا بالتضحيات المباشرة، فانخرط الشباب اللبناني بالعمل المسلح ضمن فصائل المقاومة، ولم يختصر الامر على الدعم السياسي، مما ساهم في تعزيز الوعي السياسي والفكر المقاوم عند ابناء الجنوب. بالرغم من ان مقدمات ذلك تعود الى ما قبل نشوء المقاومة الفلسطينية في العام 1965 وتشريع بندقيتها قي لبنان بعد اتفاق القاهرة في العام 1969، وما عناه من استقطاب للمقاومة بعد احداث ايلول الاسود وانتقالها من الاردن الى لبنان وانتشارها فيه. فقد كانت الكثير من القرى الجنوبية واقعة تحت التهديد المباشر من قبل العصابات الصهيونية واعتداءاتها غداة احتلال فلسطين في العام 1948، ما اضطر الجنوبيين الى اقامة «الحرس الشعبي» لحماية الاراضي والقرى، وتصدوا في وقائع كثيرة للهجمات الصهيونية ومجازرها. لكن عندما اجتمع الدور الفلسطيني في تعبئة الجنوبيين، سياسيا وعسكريا، مع الدور الطليعي للاحزاب الوطنية والقومية واليسارية على انواعها وحركة الامام موسى الصدر، نتج عنه ولادة مفهوم المقاومة الوطنية، حسبما يرى الدكتور جهاد بنوت، معتبرا ان ذلك ساهم في «تبلور العنصر المقاوم اللبناني الذي استلم البندقية المقاومة من يد الفدائي الفلسطيني الذي رحل غداة اجتياح 82 واكمل المقاومة». مرّ 36 عاما على الاجتياح الاسرائيلي الأول للبنان، لتكر بعده سبحة الاجتياحات العسكرية التي نتج عنها تدمير لبنان وسقوط عشرات الالاف من الشهداء والجرحى والمعتقلين، وسط سجل حافل بالمجازر والاعتداءات الدائمة. لكن كل ذلك كان يحصل بينما لم يأخذ بعض السياسيين العبر من كل ما حصل، خاصة لجهة الموقف من المقاومة والعدو . والسؤال الذي يطرح نفسه: هل انتهى المشهد العسكري بين لبنان واسرائيل؟

 

الأكثر قراءة