جديد طريق الجلجلة في سلسلة الرتب والرواتب، مطالبة المعلمين بصرفها كاملة كسلفة بانتظار إقرار القانون ونشره، أي صرف الزيادة بنسبة 121% على غرار سلفة زيادة غلاء المعيشة، بمعزل عن البيان الوزاري ونيل الحكومة الثقة. وهم يرحبون تحت هذا السقف بحماسة وزير التربية لإيصال المشروع إلى خواتيمه «السعيدة»فاتن الحاجيدخل وزير التربية الياس بو صعب قاعة قصر الأونيسكو بخطوات واثقة. يسلب انتباه المعلمين حين يعلن لهم في عيدهم أنه واحد منهم، وأنّ معركته هي معركتهم: سلسلة الرتب والرواتب. يدغدغ مشاعرهم عندما ينبذ «عقلية البزنس» ويدعو المسؤولين الذين «نشأوا على أيدي المعلمين إلى تغليب المصلحة العامة بوقف الهدر في الأماكن المعروفة والاستثمار في قطاع الطاقة والنفط». ينال المسؤول التصفيق الحار على عبارة «إذا ما عملت ضميري بفضل ما ضل بهيدي الوظيفة».في الواقع، يريد بو صعب أن يترك بصماته في هذا الملف التربوي والاجتماعي والمعيشي، باستعجال إيصاله إلى خواتيمه السعيدة.لكن لا نعرف ما إذا كانت هذه الخواتيم ستكون سعيدة فعلاً للمعلمين والموظفين أو لا، وخصوصاً أنّ بو صعب تحدث عن إقرار الحق من دون الغوص في شكل هذا الإقرار، فيما كان رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب يحدّد الانتظارات كالآتي: عقد اجتماع سريع للجان المشتركة لإقرار تصحيح الرواتب بنسبة 121% وصرفها كاملة كما صرفت وتصرف زيادة غلاء المعيشة، أي على شكل سلفة وقبل إقرار قانون السلسلة، وبغض النظر عن وضع الحكومة، نالت الثقة أو لا، لأن الوضع لم يعد يطاق ويحتمل.تضجّ القاعة بالتصفيق أيضاً ما إن ينتهي غريب من إعلان المطلب الجديد، فيما عيون المعلمين على وزير التربية الذي يكرر لهم منذ تسلمه مسؤولية الوزارة أنه «ملتزم العمل والمتابعة اليومية لحصولكم على حقوقكم في ذمة الوطن». وبينما يطمئن بو صعب الحاضرين إلى أنّ السلسلة ستسير إلى الأمام ولن تعود إلى الوراء، كان واقعياً في الطلب إليهم بما يمثلونه لمكونات المجتمع اللبناني بمساعدته على انتزاع موقف واضح وصريح ومعلن من مرجعياتهم السياسية بشأن السلسلة، وإن كان يفترض بالمبدأ أن تكون هيئة التنسيق النقابية هي المرجعية الوحيدة للمعلمين هنا. ويأتي الطلب بعدما أطلق الوزير مروحة اتصالات ومشاورات مع رئيس الجمهورية ورئيس مجلس النواب ورئيس مجلس الوزراء والجهات السياسية الفاعلة في المجلسين وعدد من رؤساء الكتل البرلمانية.سلسلة الرواتب ليست كل ما يبشر به بو صعب المعلمين؛ فهو عبّر عن عزمه على وضع برنامج لتحفيز أفراد الهيئة التعليمية لمحاكاة العصر من طريق سلسلة حوافز تشجع المبدع على الاستمرار في إبداعه، يقيناً منه بأنّ «عصرنا المعلوماتي المتسارع لن يرحم متقاعساً ولن يترك مكاناً إلّا للمستعدين للتطوير، شرط عدم فقدان الهوية وتسطيح اللغة وضياع الجذور الثقافية».هذا التحفيز ـ على أهميته ـ يصطدم بواقع الانطواء والفرز الطائفي والمذهبي للمؤسسات التربوية الخاصة والرسمية، بحسب غريب. هنا مُنع، كما يقول، الاختلاط بين الطلاب، حتى فقد التعليم وظيفته التربوية والتوحيدية بين اللبنانيين.اللافت ما يتوقف عنده غريب لجهة إفراغ العيد من مضمونه لدرجة أنّه لم يبق من المناسبة إلا تاريخها، وخصوصاً عندما «همّشوا القطاع التربوي وهدروا ثروته البشرية، ففضلوا الاستثمار في القطاعات الريعية المصرفية والعقارية التي توفّر الربح السريع على الاستثمار في التعليم والإنسان. وأفقروا التعليم الرسمي بشراً وحجراً، فضربوا نوعيته، وخفضوا موازنته من 22% من الموازنة العامة إلى 7%، وبات يقتات من مشاريع الهبات من هذه الدولة أو تلك. وبعدما طبقوا بازار التعاقد الوظيفي على حساب الإعداد التربوي للمعلمين، اعتمدوا خصخصة التعليم وأقاموا نظاماً تربوياً قائماً على التمييز الاجتماعي والطبقي بين الأطفال، حتى أصبحت مدارسنا كالفنادق، منها ما هو بخمس نجوم ومنها ما هو بأربع أو ثلاث. لكل ذلك وقفوا ضد تحرك هيئة التنسيق النقابية من أجل السلسلة لأنها شكلت عنواناً من عناوين الوحدة الوطنية تجاوز المكسب المادي البحت، ليطاول البعد التوحيدي والسلمي في مواجهة الانقسامات الطائفية والمذهبية في البلاد». عاهد غريب المعلمين على أننا «سنكون بالمرصاد لكل من يتطاول على الحقوق»، داعياً إياهم إلى أن يكونوا على استعداد والتحرك لإقرار 121% لجميع القطاعات الوظيفية من دون استثناء.رئيس نقابة المعلمين في المدارس الخاصة نعمه محفوض، هو أيضاً لوّح بالعودة إلى الشارع خلال شهر، محذراً من الانفجار الاجتماعي «الذي لا يقل خطورة عن الانفجار الأمني». وأثار محفوض القضايا العالقة في المدارس الخاصة ومنها غلاء المعيشة للمعلمين، وإنصاف حملة الإجازات الجامعية في الاقتصاد والمعلوماتية والفنون والمسرح، الإفراج عن قانون الموازنة المدرسية 515، تعديل دوام حاضنات الأطفال، الضمان الصحي للمعلم المتقاعد... ومعالجة قضية المصروفين من المدرسة العاملية الذين لم يقبضوا حتى الآن تعويضاتهم.أما رئيس رابطة التعليم الأساسي الرسمي في لبنان محمود أيوب، فتحدث عن غياب القرار الرسمي بتعزيز المدرسة الرسمية، وهناك محاولة للانقضاض على حقوق اكتسبها المعلمون بنضالات وتضحيات. وطالب برفع أجر ساعة التعاقد بمفعول رجعي من أول العام الدراسي الحالي وتنظيم مباراة سنوية تتيح المجال لإعداد ما يلزم من المعلمين، بدلاً من زملائهم الذين يحالون على التقاعد.في المقابل، لا تزال صناديق المدارس، بحسب أيوب، خاوية فيما المطلوب منها توفير كل مستلزمات العملية التعليمية، «لا أثمان كتب أعيدت ولا رسوم دفعت، وقد أشرفنا على نهاية العام الدراسي، وهذا أمر خطير لا يمكن السكوت عنه».من جهته، تعهد رئيس رابطة التعليم المهني والتقني الرسمي إيلي خليفة أن تكون الرابطة خط الدفاع الأول في حماية حقوق المعلمين الاختصاصيين في هذا القطاع، حاملي الرسالة التربوية من جهة وتدريب وتخريج الأيدي العاملة في تدعيم الصناعة الوطنية اللبنانية من جهة ثانية.