المقاومة: قوة محافظة أم حركة تحرر وطني

المقاومة: قوة محافظة أم حركة تحرر وطني
04 Mar
2014

 

 

تبرر المقاومة تمسكها بصيغة النظام اللبناني بضبط دائرة الاشتباك في ظل انخراطها في الحرب الإقليمية المستعرة، ولا تخفي خضوعها الكلي للاعتبارات السياسية والاجتماعية ـــ الاقتصادية المحلية لما تراه من مقتضيات الصراع الأوسع. بينما يرى مؤيدون للمقاومة وللمحور الإقليمي ـــ الدولي، الذي تنتمي إليه، ضرورة ارتقائها إلى «حركة تحرر وطني» ذات مشروع تغييري شامل

 

فراس أبو مصلح - الاخبار

 

«أخفق النظام السياسي والاقتصادي في تنظيم العلاقة بين الطوائف، أو تحقيق التوازن بين الفئات الاجتماعية»، وتعطلت المؤسسات الدستورية وعمّت الفوضى، نتيجة فشل النظام اللبناني في «التكيف مع التحولات وإدارة الخلافات وإنجاز الحلول»، في خضم «الحروب والتسويات» التي تعيد تكوين المنطقة.

انطلاقاً من هذه الرؤية، ومن استبعاد ولادة نظام إقليمي جديد في وقت قريب، استضاف «المركز الاستشاري للدراسات والتوثيق» حلقة نقاشية لبحث «تكييف لبنان مع الأزمة». شهد النقاش انقساماً في الرأي بين «انتظارية» لا ترى مكاناً لطروحات إصلاح أو تغيير النظام اللبناني «في لحظة الاشتباك» في المشرق، ومن يرى ضرورة أن تبادر المقاومة تحديداً إلى طرح مشروع اجتماعي شامل، سياسي واقتصادي، كشرط لخروجها من دائرة الدفاع وردود الأفعال، والحفاظ على «مشروعيتها» لدى مؤيديها. «زمن الحلول لم يحن بعد»، يجزم أمين حطيط، داعياً إلى تأجيل بحث القضايا الخلافية الكبرى، كطبيعة النظام اللبناني ووظائفه، والاهتمام بضبط الأمن الاجتماعي، عبر «منع التحريض والمقاطعة والانعزال والعزل» ورفض تسييس القضاء، وتأمين مصالح الناس الحياتية وتفعيل المرافق الخدماتية العامة، و«عدم التنازل عن الحقوق والمكتسبات». تردد منطق «إدارة الأزمة» هذا على أكثر من لسان. فبرغم ملاحظة محمد خواجة «إجماع» الحضور على أن النظام اللبناني «ولّاد للأزمات الداخلية وجاذب للخارجية»، وأنه يعيد إنتاج الصراعات بين «الهدنات»، وأن مخاطر الصراع الحالي «غير مسبوقة»، يقول إن «الإصلاحات لا تُرسم على وقع النيران»، وإن أقصى المستطاع في ظل الظرف الحالي الوصول إلى تسويات ظرفية تضبط الأمن قدر المستطاع، بانتظار «تسوية إقليمية كبرى» ترسي نظاماً جديداً يعيد الاستقرار. اللبنانيون «محكومون بالتسويات الداخلية، وإلا فالحرب الأهلية»، يؤكد خواجة. تتوالى المواقف المحافظة «مرحلياً»، وإن تنوعت خلفياتها ومنطقها: للنظام اللبناني «خلفية دولية وإقليمية تدافع عنه» وتمنع سقوطه، برغم اهترائه وتناقضاته التي «تضطر المقاوم إلى الوقوف مع العميل»، يقول مصطفى الديراني، مبرراً تقاطع إرادات محلية مع تلك «الدولية والإقليمية» على مسألة «المحافظة على الصيغة والنظام»، بداعي «ضرورة الحفاظ على الواقع في ظل العاصفة». «القوى المتاحة أضعف من أن تتصدى للعناوين» الإصلاحية والتغييرية المطروحة، ولا إمكانية أصلاً لبناء دولة في ظل مجتمع مفكك وفي قلب الصراع، يقول رياض صوما، ما يخفض سقف الطموح عنده لـ«إبقاء مستويات الصراع دون الانفجار الشامل»، و«وقف القتل العشوائي»، بالعمل على كافة المستويات، من الثقافة إلى السلاح، و«الالتفاف حول الجيش وما تبقى من الدولة» في مواجهة التكفير. يوافق صوما منطق التسويات الذي ينتهجه حزب الله في الظرف الراهن، ويؤكد في الوقت عينه أن «الحل التاريخي للمنطقة بعودة توسع التيار المدني العروبي الديمقراطي»، مطمئناً إلى أن ذلك لا يعني الصدام الحتمي مع القوى الدينية، بالنظر إلى تجربة تحالف اليسار والكنيسة الشعبية في أميركا اللاتينية. لا يمكن مقاربة الأزمة في لبنان من غير زاوية الصراع الإقليمي والدولي، الذي أحدث انقساماً عمودياً لا يترك مجالاً للتقارب، ولا حل للاستعصاء اللبناني غير التحلي بالصبر وانتظار نتيجة الحرب في سوريا، جزم عضو «كتلة الوفاء للمقاومة»، النائب بلال فرحات. كل ما يجري في لبنان مرتبط بالصراع في المنطقة، و«الحديث عن التفاصيل اللبنانية غير ذي معنى»، يضيف عضو المكتب السياسي لحزب الله، غالب أبو زينب، ويتابع قائلاً أنه ما «من فريقين في لبنان، بل ممثلو فريقين»! الفرق بين طرفي النزاع المرتبطَين بالخارج، بحسب أبو زينب، أن أحدهما له هامش من الاستقلالية يحرص من خلاله على أن لا يؤذي الداخل اللبناني، بينما الآخر «يذهب إلى أقصى الحدود» في خدمته لمحوره الدولي ـــ الإقليمي، «دون حسابات داخلية»، ولا يهمه من الساحة اللبنانية سوى السيطرة والسلطة، فكان يعطل تأليف الحكومة، بانتظار ضرب سوريا وإنشاء نظام موالٍ للأطلسي في دمشق، لينقض على السلطة في لبنان. «الحديث عن بناء الدولة في غير محله وأوانه» فيما يُعاد تأليف المنطقة، يتابع أبو زينب، قائلاً إن الدعوة إلى تغيير بنى السلطة هدفها إعادة «توزيع الجبنة»، لا غير! إستوضحت «الأخبار» أبو زينب حول قوله إن «التفاصيل اللبنانية» لا معنى لها، فأكد أن الكلام عن تغيير داخلي «في لحظة الاشتباك» الإقليمي غير ممكن، وأن أقصى المستطاع في الظرف الراهن «منع التأثيرات على الوضع الداخلي، وعدم الإنجرار» لصراع داخلي، بانتظار إعادة تشكل الإقليم. التغيير البنيوي في صيغة النظام ومعالجة المشاكل الاجتماعية الاقتصادية يتطلبان الاستقرار، ومحاولات التغيير الآن «تفجيرية»، يشرح أبو زينب. لكن ماذا عن السنوات التي سبقت انفجار الصراع في الشام عام 2011، وسنوات الهدنة التي كان يعيشها لبنان بين الحرب والأخرى؟ منذ عام 2004، «استُنزفنا بالأزمات»، يجيب أبو زينب: منذ الأزمة السياسية التي سبقت مقتل الرئيس الحريري، وحالة الغليان والاضطرابات التي تلته، مروراً بمحاولة المس بشبكة الاتصالات السلكية الخاصة بالمقاومة وما نتج عنها من أحداث في أيار من عام 2008، وصولاً إلى إضطرار حزب الله إلى خوض معركة دفاعية في الشام؛ كان الحزب على الدوام يتعامل مع حالة اضطراب واسعة وهجومات مستمرة على المقاومة، لكن في لحظة ما من المستقبل، يقول أبو زينب، «سيفرض مستخدمو الفايسبوك التغيير على السياسيين»! إهمال «التفاصيل اللبنانية» باعتبارها أمراً «غير ذي معنى»، كما قال أبو زينب، هو أمر «خطير»، ينبه ألبير داغر، مؤكداً استحالة «التكيف مع النظام الفاشل القائم وانعدام الأفق الإصلاحي»، وضرورة تحول المقاومة إلى «حركة تحرر وطني» على المستويات السياسية والاجتماعية ـــ الاقتصادية كافة، وإلا «لانتهت إلى نتيجة وخيمة، وسقطت مشروعيتها». على المقاومة أن تبادر إلى فرض الأجندة بدل الاكتفاء بردود الأفعال، والارتقاء من «السياسة الإجرائية» إلى «السياسة ذات المضمون»، عبر طرح مشروع متكامل لاستقطاب الرأي العام، على مستويات «السيادة الوطنية والعدالة الاجتماعية والتنمية»؛ والعملية هذه تستغرق عملاً طويل الأمد، و«البرنامج الاقتصادي والاجتماعي البديل» موجود، «فالأحرى إذاً البدء الآن»، يقول داغر. لِمَ نتحمل نظاماً هجّر «أكثر من ثلث قوانا العاملة» منذ بداية التسعينيات، ولماذا لا نطرح «وحدة «المشرق العربي» السياسية كأفق للبنان»، يسأل داغر. ليس المطالبون بمشروع اجتماعيٍ تغييريٍ شامل أصحاب رؤية ضيقة أو جزئية للصراع الدائر في المشرق العربي، وهم يرفضون القول بتضارب هذا المشروع مع أولوية الجهود العسكرية في التصدي لمساعي تدمير البنى الدولتية وتمزيق النسيج الاجتماعي فيه. يشدد عصام نعمان على «ضرورة التزام القوى الوطنية الحية العمل على مواجهة أميركا وإسرائيل والتكفير». غير أن القوى الوطنية هذه «تستند إلى محدودي الدخل والفقراء»، فلا بد من «إيلاء القضية الاجتماعية الاهتمام التي تستحق»، وتغيير النظام اللبناني الذي يعيد إنتاج الصراعات والمآسي عبر «إنتخاب مجلس نواب ذي طابع تأسيسي»، بقانون انتخاب «وطني يعتمد الدائرة الواحدة على أساس النسبية»، ما يعكس الإرادة الشعبية على نحو أمين، يقول نعمان. «لم يستطع حزب الله الخروج من الزوايا التي حشرته فيها قوى 14 آذار» عبر هجوماتها المتواصلة، تحت عناوين «السلاح» و«التدخل في سورية» وغيرها، ما جعل الحزب في حالة الدفاع وردود الفعل دائما، يقول فارس أبي صعب. «الصراع مع الإمبريالية والرجعية العربية طويل»، لذا يجب «تحصين حياة الناس، أهلنا»، وأخذ النقاش العام إلى المصالح الحياتية للغالبية العظمى من هؤلاء، ما من شأنه أن «يقوي حزب الله».

الأكثر قراءة