نبيه عواضة - السفير
صورة متناقضة تختصر المشهد. في قصر بعبدا رجال لا يتجاوزون أصابع اليد، يتباحثون في ما بينهم لإعلان تشكيلة الحكومة، على قاعدة تقاسم قطعة الجبنة: الحقائب الوزارية. في قاعة الاجتماعات في مبنى الجامعة اللبنانية في المتحف، تداعى أكاديميون وسياسيون وناشطون، بدعوة من «المؤتمر الوطني للإنقاذ»، على مدى يومين، في نقاش سموه «أيام الخيارات الوطنية». هو نقاش، بالتأكيد، لم يصل آذان المتحاصصين في بعبدا، تماماً كما لم يعكر ضجيج بعبدا صفو النقاش الأكاديمي في المتحف.
افتتح المؤتمر بكلمة ترحيبية من رئيس الجامعة اللبنانية الوزير السابق عدنان السيد حسين وسط مشاركة متنوعة ولافتة من شخصيات بعضها كان متقاتلا بالسلاح في ما مضى، واليوم صار متقابلا في الموقف السياسي. حسين تحدث كـأستاذ في العلوم السياسية، معتبراً ان المدخل لمعالجة الإشكاليات القائمة حاليا «هو قيام اقليم اقتصادي تنموي وسياسي فعال، استناداً الى واقع الجغرافيا السياسية الذي يشكل بديلا لكل ما نراه من تكوينات إقليمية متهالكة من مجلس التعاون الخليجي الى جامعة الدول العربية وما يندرج عنهما من أطر.
ثم قدم الوزير السابق شربل نحاس ورقة المؤتمر مركزاً على ان الاولوية الحاسمة هي «إعادة تأسيس الدولة في لبنان بعد ان انهارت مع الحرب الأهلية، وبعدما تداعى شبه الدولة نتاج ما أقامته من تحالفات إقليمية ودولية لاحقاً». نحاس تحدث عن منهجية عمل تتلخص في السعي لاستنهاض همة اللبنانيين «ليتخطوا مفاعيل الهزائم»، معتبراً أن «الشكل المؤسس للدولة قائم على إيجاد حد فاصل بين ما هو داخل وما هو خارج. اي بلغة اخرى تبْدية مصالح الداخل على مصالح الخارج»، موضحاً بذلك الغاية من وراء بدء نقاش المؤتمرين لرصد التطورات الخارجية تحت عنوان «الموقع والموقف الإقليميين والدوليين». الورقة تحدثت عن ضرورة استعادة مفاصل التطورات الاقليمية ومن ثم تحديد المصالح الوطنية الاساسية على كل المستويات، الى بلورة البدائل ومن ثم تحديد وسائل سياسية عبر ادوات مؤثرة.
بعد كلمة نحاس، بدأ النقاش المغلق، الذي لم يخلُ من النقاش العميق والتباين في وجهات النظر والتوافق، ليصل الأمر أحيانا الى حد إجراء نقاش مباشر بين أطراف متخاصمة في الموقف وخلفياته. فقد استعرض المتداخلون في الجلسة الأولى التي أدارها الدكتور مسعود ضاهر حول «انهيار النظام الدولي القديم ومؤشرات أفول المرحلة القطبية الوحيدة وطبيعة الصراع العالمي اليوم وآفاقه». وتحدث الباحث سعد محيو عن الوجهة السياسية، فيما تحدث الدكتور كمال حمدان عن الوجهة الاقتصادية، وتطرق العميد الياس فرحات إلى الوجهة الإستراتيجية.
أما الجلسة الثانية، فتمحورت حول «دور القوى الاقليمية الرئيسية في الشرق الاوسط وموقعها في الصراع الدولي»، فكانت كلمة من الاردن للدكتورة حياة حويك، وعن دور تركيا تحدث الدكتور محمد نور الدين، فيما عرض الدكتور جمال واكيم ورقة إيران، تلاها نقاشات من المشاركين. وأدار الجلسة الكاتب سايد فرنجية.
وأدار جلسة المساء الاول الدكتور سماح إدريس، فخصصت لمصر وتحولاتها الراهنة وآفاقها ودورها الاقليمي وشروط تبلورها. وقدم الزميل طلال سلمان الورقة الاولى، وتلاه رئيس الحزب الاشتراكي المصري وأحد أبرز المؤسسين في «حركة كفاية» المصرية احمد بهاء الدين شعبان. وعقب على نقاشهما مع الحاضرين الكاتب امين قمورية.
في اليوم الثاني عقدت جلستان الاولى صباحية ادارها جواد عدره حول موضوع سوريا وآفاق النزاع فيها ومترتباته وإمكانيات تحقيق الحل السياسي وطبيعته وإمكانية خروجها من الأزمة، شارك فيه رئيس «هيئة التنسيق السورية» المعارضة في الخارج هيثم المناع والوزير السابق سليم الصايغ والباحث حسن حمادة. اما الجلسة الاخيرة التي ادارها الزميل جان عزيز والتي تحدث فيها الوزير السابق زياد بارود والباحث طلال الحسيني، فقد تمحورت حول موضوع الصراعات الطائفية والدينية واستخدامها في المشاريع الجيوسياسية للشرق الاوسط والكلفة الانسانية والسياسية والاقتصادية المترتبة عليها.