السفير
ما زال الجدل في البلاد في شأن القرار الظني في قضية رلى يعقوب واتهام زوجها بالتسبب بوفاتها حامياً، بموازاة الاستئناف الذي قدمته عائلتها مدعومة من "منظمة كفى عنفاً واستغلالاً". وبسخونة تفوق الجدل نفسه، لا بل ببشاعة لا توصف، سال دم منال العاصي التي قتلت على يد زوجها محمد النحيلي، وفق ما تشير التحقيقات في الملف. القرار الظني في قضية رلى يعقوب صدقته النيابة العامة في الشمال ونتج منه منع المحاكمة عن كرم البازي زوجها، وإطلاق سراحه. أطلق سراح البازي لأن الإجراءات الطبية التي كان يجب إتباعها لدى مقتل رلى لم تنفذ. وعليه، يسعى المجتمع المدني وعائلة رلى ومعه المتابعون لقضية منال للاستفادة من هذا الدرس القاسي، ليس لمحاولة تعويض ما فات في قضية رلى فحسب، بل للحؤول دون انسحابه على حق منال وعدالتها. يأتي الخوف على مصير قضية منال من بث الشائعات التي تطال منها من جانب فريق الزوج المتهم الذي سلم نفسه للقوى الأمنية ليل أمس الأول. وعادت عائلتها عن قرارها بتوكيل "كفى" بمساعدتها قانونياً. وفي إطار النقاش الذي يقع في صلب مهمة المجتمع المدني، وكاستمرار لنضال الحركة النسائية في رفع الغبن عن النساء المعنفات إلى حدود القتل، يأتي المؤتمر الصحافي الذي عقده "اللقاء الوطني للقضاء على التمييز ضد المرأة"، أمس. اللقاء، فنّد، وعلى لسان عضو مكتبه المحامية وفيقة منصور، "بعض الأمور"، وطرح "بعض التساؤلات عن كل دليل من الأدلة الموثقة في قضية يعقوب، ليطالب بالعدالة طبعاً لرلى، وبـ"الحماية القانونية باتخاذ خطوات تشريعية، والإسراع بإصدار قوانين تساهم في مكافحة العنف لردع المعنفين، وقوانين وقائية للحفاظ على صحة المعنفين والمعنَفين النفسية والجسدية". وأصرت منصور على أن اللقاء ليس "في معرض اتهام أي جهة قضائية كانت أم طبية أم سياسية أم فاعلة"، واضعة المؤتمر الصحافي في إطار "وضع الامور في نصابها وتسليط الضوء على ما حصل وكيفية حصوله، وما آلت إليه من نتائج - حتى تاريخه - أدّت إلى تبرئة البازي من جريمة التسبّب في قتل زوجته". وبعدما أشارت منصور إلى أن "نظام الأدلة الجنائية مبني على حرية اقتناع القاضي في تكوين اعتقاده"، أكدت أن "لهذا المبدأ استثناءات، حيث وضع القانون إجراءات خاصة لقبول وجمع الأدلة المحددة أنواعها في القضايا الجنائية. وتكمن هذه الأدلة في "الاعتراف وشهادة الشهود، والأوراق والمستندات، والخبرة، والانتقال إلى محل وقوع الجريمة والقرائن". ولدى تفنيدها الأدلة، تحدثت منصور عن "اعتراف الزوج بأنه ضرب زوجته ضرباً خفيفاً (!) بالعصا قبل ثلاثة أيام من موتها"، لتسأل: "هل أخذ قاضي التحقيق به، وهو يثبت أن المتهم يلجأ إلى العنف مع زوجته باستعمال العصا؟ وكونه "نوعاً من أنواع الاثبات المتعلقة بالجريمة التي تفصل فيها نهائياً محكمة الموضوع وليس قاضي الظن"؟ وفي دليل الشهود عرضت لشهادة الجار الذي سمع صراخاً داخل المنزل فهمّ بالدخول، فاعترضه الزوج"، والجيران الذين شهدوا "بتعرض رلى منذ سنوات للعنف، وأنها كانت تستغيث وتطلب من زوجها عدم ضربها"، والجارة التي رأتها يوم الحادثة وأفادت "من هون أيدها مجلوطة ع ميلة الشمال وعاليمين شوي، بس عجنابها القطعة عالقطعة بعصاية الشفاطة (العصا) التي وجدت مكسورة- مسكها من شعرها وشدها لورا كثير كثير- بقية شعرها تبرهن ذلك". ووثقت منصور لإفادة المحامية بشرى خوري، جارة رلى، التي أكدت "تعرضها الدائم للعنف وسكوتها من أجل حماية أطفالها، وتعرض والدة الضحية للتهديد من جانب عائلة الزوج بحرمانها من رؤية أحفادها في حال استمرت بالدعوى ضد الزوج، وإشارتها إلى أن طبيب الطوارئ الذي كشف على رلى أكد أنها تلقت ضربات على راسها". واعتبرت أن "لهذا التهديد مدلولاً مهمّاً. فلو أنّ الزوج واثق من براءته، لما تلجأ عائلته إلى تهديد والدة رولا لسحب شكواها" ؟. ومن بين الإفادات، "إفادة والدة رولا التي تقيم معها في المنزل والتي تؤكد تعرض ابنتها للعنف وطلبها منها عدم التدخل حفاظاً على أولادها". وقول إحدى الشاهدات إن "الزوج هدّد زوجته وأولاده بالقتل لأنه وجد أن هناك رقم هاتف قد ألغي من هاتفه الخلوي". وإفادة عائلة رلى التي رفضت تقارير الأطباء الشرعيين الذين اكتفوا بصورة إشعاعية للرأس وتشريح فروته، ومطالبة العائلة بتشريح جثتها والسؤال عن تقرير طبيب الطوارئ الذي اختفى من الملف"، وفق ما أفادت منصور. وسألت منصور إذا كان قد تم استجواب هؤلاء الشهود، أم اكتفى القاضي بالشخصين المارين صدفة أثناء الحادث، اللذين لا علاقة لهما ولا معرفة لهما بعائلة الضحية؟ وهل تم التحقق من طبيب الطوارئ عن محتوى تقريره الأولي؟ وهل صحيح أن هذا التقرير مفقود من الملف الطبي للضحية؟ واعتبرت أن اعتماد القاضي على اقوال الابنة القاصر بطلبها المعونة من المارة، ليس كافياً، ولا تأثير له على الإدانة أو التبرئة للزوج. مع الإشارة إلى أنه لا يجوز أداء الشهادة (إلا على سبيل الاستئناس) لمن كان غير قادر على التمييز بسبب صغر سنه. والابنتان هما في سن 12 و11 سنة. وفي الأوراق والمستندات سألت منصور عن تقرير طبيب الطوارئ وهل فعلاً اختفى؟ وعن رسم قيل إن طفلة الضحية خطته يظهر أباها يحمل العصا وأمها ممددة في الأرض، وهل اطلع القاضي عليه؟ وعن العصا المكسورة في مكان الجريمة؟ وفي الخبرة، لفتت على أن الهيئة الاتهامية فسخت قراراً أولياً لقاضي التحقيق بالإفراج عن المتهم بعد تقارير الأطباء الشرعيين وقررت إبقائه قيد الاحتجاز. وفي القرائن، أعادت منصور سرد ارتباطها بـ"استنتاج واقعة مجهولة من واقعة معلومة، فالواقعة المجهولة هي سبب الوفاة: طبيعية أم نتيجة ضرب"، وعرضت للوقائع المعلومة المتمثلة باعتراف الزوج وإفادات الشهود وعدم القدرة على تنفيذ التشريح اللازم لدماغ رلى ورقبتها بسبب تحلل الجثة بعد اتخاذ القرار بنحو ثمانين يوماً على وفاتها. وتوقفت عند تعارض تقريري لجنتي أطباء بيروت وطرابلس مع تقارير الأطباء الشرعيين الذين أجمعوا على أن الوفاة طبيعية. وقال أطباء النقابتين إنه لا "يمكن الجزم أن الضرب هو سبب الوفاة أم لا نظراً للإجراءات المحدودة التي تمكنوا من القيام بها بعد مرور هذا الوقت". لكن القاضي اعتمد على تقارير الأطباء الشرعيين وعلى عدم وجود كسر في الرأس أو الرقبة للحكم ببراءة الزوج. وروت منصور أقوال رئيسة اللجنة الطبية د. كلود سمعان التي اعتبرت أن "شيئاً ما حصل كي لا يكون هناك جواب واضح من اللجنة الأولى"، كما سألت عن سبب الوقت الطويل الذي استغرقته عملية الحصول على الإشارة القضائية لتشريح الجثة. وأكدت سمعان أن "النزف في حالة التشوه الخلقي يحدث النزف 95 في المئة في أعلى الرأس، بينما النزف لدى رلى حصل في أسفل الرأس عند الرقبة.. ما يفترض أن يكون قد حصل نتيجة الضرب". ووثقت منصور لإفادة "مصادر مسؤولة في نقابة أطباء بيروت بان "في الأمر لغزاً عجزنا عن كشفه". وتوقفت منصور عند اعتبار مهم يتلخص في أن قرار قرينة البراءة المفترض صدورها عن قاضي الحكم وليس عن قاضي الظن، معتبرة أن في ذلك "تعدياً على العدالة، إذ إن قرار الظن يفترض إخضاع المتهم للمحاكمة للنظر في أمر إدانته أو براءته". وكانت المنسقة العامة في اللقاء الوطني عزة الحر مروة قد قدمت للمؤتمر، مؤكدة أن اللقاء "يعمل من أجل إنقاذ الوطن وترسيخ السلم الاهلي وتحقيق الإصلاح والتغيير الجذريين على مختلف الصعد". ولكنه يرى "ضرورة التوقف مليّاً أمام ظاهرة العنف ضد المرأة، وأبرز مثال: قضية الضحية رلى يعقوب، ومن سبقها ومن اتى بعدها، وآخرهن كانت الضحية منال العاصي التي توفيت ضحية العنف الممارس ضدها من زوجها منذ بضعة أيام".