امينة الزياني - السفير
تقف ندى ونيروز يومياً أمام المبنى، تنحنيان عند قارعة الطريق وتتأملان مكان اغتيال والدهما المعارض اليساري البارز شكري بلعيد الذي اغتيل يوم 6 شباط من العام الماضي. فقد صار طقساً يومياً لعائلة بلعيد أن تمر وتلقي التحية على دماء الشهيد وتجدد الوعد له: «لن ننسى ولن نسامح». «من قتل شكري؟». هو السؤال الذي ما زالت تطرحه عائلة الفقيد في الذكرى الأولى لاغتياله، برغم «الهدية» التي أعلن عنها وزير الداخلية التونسي لطفي بن جدو، أمس الأول، والتي تتمثل بإعلان مقتل كمال القضقاضي، أي المتهم الأول في قضية الاغتيال. هدية لا تغني الرغبة في معرفة القاتل الحقيقي لبلعيد. و«من قتل شكري؟»، سؤال يفرض نفسه في الذكرى الأولى لاغتياله. فتفاصيل الاغتيال يعرفها التونسيون جيدا. الساعة تشير إلى الثامنة إلا ربعا بتوقيت تونس، اليساري المعارض، صاحب حلم الحزب اليساري الكبير، والمنسق العام لـ«حزب الوطنيين الديموقراطيين الموحد»، يخرج من العمارة الكائنة في ضاحية المنزه السادس في تونس العاصمة، يدخل سيارته منتظراً رفيقه وسائقه، وأمام مرأى ومسمع من حارس البناية وزوجته تقف دراجة نارية كانت تترصده، بضع رصاصات أردت المعارض لنظام الرئيس الأسبق زين العابدين بن علي ولحكم «حركة النهضة» و«الترويكا» وكان رمزاً خالداً في تاريخ السياسة التونسية. عام مر على هذه الحادثة ليتحول السؤال حول هوية المجرم سؤالاً استنكارياً، حيث إنّ غالبية طارحيه يؤكدون أنّ الإجابة واضحة: القاتل الحقيقي هو من تستر على الإرهاب، من علم بوجود تهديدات جدية بقتل بلعيد من دون أن يتحرك لحمايته. وفي الذكرى الأولى للاغتيال، اجتمعت «لجنة الدفاع عن شكري بلعيد» وهي لجنة تكونت من مجموعة من المحامين غالبيتهم ممن عملوا مع بلعيد أو تمرنوا في مكتبه أو رفاقه لمتابعة التحقيق في القضية والمطالبة بكشف الحقيقة في مقر الهيئة الوطنية للمحامين في تونس، أمس، حيث تدخل كل من عميد المحامين محمد الفاضل وأرملة بلعيد بسمة الخلفاوي وشقيقه عبد المجيد وعدد من أصدقائه لتلتقي كل الكلمات في مسار واحد، وهو الإصرار على أن مقتل القضقاضي لن يحل لغز الاغتيال وأن جزءاً مهماً من الحقيقة لا يزال مخفياً ولا بد من الكشف عنه. عبد المجيد بلعيد أعاد توجيه أصابع الاتهام نحو «حركة النهضة»، قائلا إنها «تريد غلق الملف لأنها متورطة في الاغتيال». وأكد في حديث إلى «السفير» أنّ الإعلان عن عملية أمنية ضد كمال القضقاضي، أمس الأول، ومن معه والقضاء عليهم قبل يومين فقط من الذكرى يمس من مصداقية الحدث. وتابع أنّ تلخيص وزير الداخلية لطفي بن جدو للحقيقة في المتهم الرئيسي الذي قتل يعد محاولة لغلق الملف نهائياً ودفن الحقيقة مع دفن القضقاضي. صديقه وزميله الذي عمل معه في مكتب المحاماة ذاته لمدة سنوات أحمد الصديق، وهو عضو مجلس أمناء «الجبهة الشعبية» أكد لـ«السفير» أنّ «ما حصل يوم أمس (أمس الأول) في منطقة رواد من محاصرة للمجموعة الإرهابية والتي انتهت بقتل القضقاضي ومن معه ... يجعلنا ننتبه أكثر من أي وقت مضى إلى حجم الامتداد والتعقد الذي بلغته منظومة الجماعات الإرهابية في بلادنا، إذ انّ أول ما يتبادر إلى الذهن بالنسبة لأي متابع يقظ، وبعيداً عن حملات التشكيك من جهة أو صيحات الانتصار والثناء والإكبار من جهة أخرى، هو قدرة المطلوب الرقم واحد والمتهم الأول إلى حد الآن في جريمتي اغتيال شكري بلعيد وذبح الجنود (في جبل الشعانبي) على التنقل مئات الكيلومترات داخل البلاد ودخول العاصمة والاختباء والتجهز والاستعداد لمواجهة دامت أكثر من عشرين ساعة بما يعني انه حظي ومن معه بدعم وإسناد وتواطؤ من منظومة كاملة موجودة على امتداد البلاد». وأوضح أحمد الصديق أن «ملف الإرهاب لا يزال مفتوحاً على مصراعيه ويوجب الكثير من اليقظة والاستعداد ورفع جهوزية الوحدات المتصدية له، وسياسياً رفع درجة الالتزام بمقاومة ناشطيه والحزم في تعرية الغطاء الذي يتمتع به الإرهاب من عنف سياسي وخطاب التكفير وضرورة تحييد المساجد، ولن نسمح أبدا بأن يكون قتل القضقاضي، في مشهد يثير الكثير من الأسئلة، سبباً في دفن الحقيقة التي ما زلنا وسنظل نطالب بالكشف عنها كاملة حتى يحاسب ويعاقب كل من ساعد القضقاضي ومن معه وتستر عليهم وسهل مهمتهم كائناً من كانوا». المخاوف من أن تنسى الذاكرة الوطنية دماء بلعيد التي سالت في ذات اليوم من العام الماضي جعلت السؤال «من قتل شكري؟» يتحول إلى تعبير ثقافي أيضاً، حيث سيكون اليوم موعداً للمثقفين وللفنانين لـ«تأبين الشهيد» في حراك رمزي. فبالإضافة للندوة الصحافية التي ستعقدها اليوم لجنة الدفاع عن بلعيد في الساحة التي اغتيل فيها، والتي سُميت في ما بعد باسمه، للحديث عن مستجدات القضية، سينظم في الشارع الرئيسي في تونس العاصمة في شارع الحبيب بورقيبة، تجمّع واسع يهدف إلى إحياء ذكرى بلعيد، وسيعرض خلاله فيلم وثائقي لمداخلاته كما سيجرى عرض موسيقي شبابي في المكان ذاته مساء. وفي مكان ليس ببعيد عن مكان الاحتفال بالذكرى الأولى لاغتيال بلعيد، فأمام منزل بسيط وفقير يجلس والد كمال القضقاضي وحيداً محاطاً بالكراسي الفارغة التي لم يطأها المعزون قط، وحيداً مثقلاً بالحزن بعد التعرف، أمس، على جثة ولده.