تتوجه الأنظار اليوم إلى محكمة المطبوعات لسماع الحكم الذي سينطق به رئيسها القاضي روكز رزق في الدعويين المرفوعتين من قبل شركة «سبينيس» ومديرها التنفيذي مايكل رايت على الوزير السابق شربل نحاس. الحكم الذي سيصدر لن يكون عادياً، لأنه سيكرّس واحداً من أمرين: إما إقرار حق المواطنين في رفع أصواتهم ضد الظلم، وإما دفعهم إلى الرضوخمهى زراقط - الاخبارقد تكون واحدة من أسرع القضايا التي تبتّها محكمة المطبوعات، إذ يصدر رئيس محكمة المطبوعات القاضي روكز رزق حكماً اليوم في ما يعرف بقضية «نحاس ــ سبينيس»، بعد ثلاث جلسات فقط من الاستجواب أصرّ فيها المدّعى عليه على الخضوع مباشرة للمحاكمة من دون محاولات تأجيل اعتادتها أروقة قصر العدل.الحكم المنتظر على قدر كبير من الأهمية، ولا يتردّد المهتمون في القول إنه قد يكون «تاريخياً» في حال خرج ليكرّس حقاً للمواطنين بالتشهير بكلّ من يعتدي على حقوقهم وكراماتهم من دون أن يخافوا من سوقهم إلى المحكمة بتهمتي القدح والذمّ.هذا هو طموح الوزير السابق شربل نحاس، الذي وقف منذ الجلسة الأولى في 8 أيار الفائت تحت قوس العدالة وقال بفم ملآن: استجوبوني وحاكموني. وفي الجلسات الثلاث كان يحوّل مرافعته إلى محاكمة للمدّعي الغائب، مايكل رايت. لم يطلب البراءة فحسب، بل طلب أن تؤدي الدعوى المرفوعة ضدّه إلى إصدار حكم تتضمن إسناداته ما يجعل من الذمّ حقاً قانونياً، في حال تحوّل التشهير إلى واجب وطني واجتماعي. وربما اجتهد القاضي، ليخرج بحكم ليشكر المدّعى عليه لأنه قام بواجبه تجاه المواطنين، واستمرّ في ذلك من خلال أدائه في المحكمة.فهو، كعادته، حوّل الدعوى الشخصية المرفوعة ضدّه إلى قضية عامة. رفض التعامل معها على أنها مجرد شكوى من طرف «مسكين» تعرّض للقدح والذمّ، ونقل خبر كاذب عنه، بل رأى فيها استمراراً للمعركة التي كان يخوضها ضد ارتكابات شركة «سبينيس» بحق عمّالها منذ شباط 2012. كلمتا «الوقاحة» و«الإرهاب» اللتان استخدمهما الوزير المستقيل في كلامه ضد رايت، لم تردا في إطار خلاف شخصي بين الرجلين، بل في إطار سجال حول قضية تعنى بحقوق العمّال البديهية في الحصول على أجر والعمل بكرامة، وصولاً إلى تأسيس نقابة تحميهم. هي تأتي، تماماً كما قال محامي المدّعى عليه نزار صاغية في مرافعته الأخيرة في 11 كانون الأول الفائت، في إطار «معركة كبرى حول حرية العمال في إنشاء نقابات مستقلة في لبنان، تقاد للمرة الأولى منذ بدء الحرب الأهلية».ليس في هذا التوصيف مبالغة على الإطلاق، خصوصاً إذا تذكّرنا ارتكابات الشركة بحق عمّالها منذ شهر شباط 2012. يومها رفضت الشركة تطبيق مرسوم تصحيح الأجور الصادر عن مجلس الوزراء، فانتفض العمّال للمطالبة بحقوقهم، وجاء ردّ فعل الشركة، وممارساتها الانتقامية ليؤجّجا حراك العمال. فقد طرد موظفون، ونقل آخرون من مراكز عملهم إلى مراكز أخرى، وتعرّض أحدهم للاعتداء الجسدي، فيما هدّد آخرون بلقمة عيشهم وأجبروا على توقيع عرائض، كما تعرّضت وسائل الإعلام لضغوط، وتعرّض الناشطون الداعمون للقضية لملاحقات تسبّبت بفصل بعضهم من أعماله، فيما سيق آخرون إلى مكتب جرائم المعلوماتية... وفي خضمّ هذه المعركة، صمد العمّال وأسّسوا نقابة (لم تسلم هي الأخرى من الممارسات الانتقامية) مقدّمين في عملهم هذا نموذجاً يحتذى في بلد تهاوت نقاباته تباعاً، وتُرك العمّال فيه لزعماء الطوائف والأحزاب يتقاذفونهم ويتلاعبون بلقمة عيشهم.هذا هو السياق الذي رفع فيه نحاس صوته، ووصف فيه أفعال مايكل رايت بما هي عليه: ترهيب ووقاحة. كلمتان لم يستطع مايكل رايت تحمّلهما. ساءه أن يقال عنه إنه وقح وإرهابي. فالرجل حسّاس، وعنده كرامة يريد من القانون اللبناني أن يحفظها له. المدير البريطاني الذي خالف القانون اللبناني وعمل فيه من دون إجازة عمل طيلة الفترة الممتدة بين عامي 2005 و2012، بات يحترم القانون ويلجأ إليه للمطالبة بحقه. لكن، هل التفت رايت إلى أن هذه الدعوى أتاحت للمدّعى عليه أن يذهب أبعد في توصيف الأفعال التي قام بها؟من تابع جلسات الاستجواب، استمع من الدفاع إلى المزيد من ارتكابات رايت بحق اللبنانيين عموماً. فقد استند الأخير في دعواه إلى عبارة فحواها: «وقاحة من يعتبر نفسه فوق القانون». وقد رأى صاغية أن هذه الدعوى مردودة، لأن «عبارة وقاحة تدخل ضمن الأوصاف المباحة الحيادية نسبياً، تماماً كما هي عبارة جرأة أو جسارة أو تبجّح أو تحدّ، وهذه هي حال رايت في تحديه للقانون اللبناني». هذا عدا عن أن رايت «أثبت أنه لا يحترم القوانين، وذلك حين قرر من عندياته أن بإمكانه أن يعمل في لبنان من دون إجازة عمل... كما لم يحترم القوانين وذلك حين قرر من عندياته أن للشركة التي يديرها أن تحرم أجراءها من الزيادة المقررة قانوناً. كما لم يحترم القوانين حين انتهك حقوق عمال سبينيس بتأسيس نقابة». حتى تحقير رايت للقضاء «ثابت من خلال الحديث الصحافي الذي أدلى به، ومفاده أنه لا يخطط لحضور جلسة المحاكمة (في دعوى جزائية رفعتها النقابة ضده)، قبل ثلاثة أيام من انعقادها...».هذه الشروح التي قدّمها الدفاع تطال مضمون الدعوى المباشر، لكنها يجب ألا تبعدنا عن الهدف الأساسي منها، وهو محاولات رايت المستمرة لإسكات كلّ الأصوات التي ارتفعت للدفاع عن الحرية النقابية، هذه المرة من خلال القضاء. لهذا، رأى صاغية أن «السؤال المطروح على محكمة المطبوعات ليس سؤالاً عمّا إذا مسّت كلمات المدّعى عليه شرف الجهة المدعية، بل سؤال عمّا إذا كان للمدّعى عليه (نحاس) حق في مقاومة الظلم الحاصل ضد العمال والدفاع عن الحرية النقابية، وهو سؤال يرتبط بشكل مباشر بدور القضاء والانتظارات المعلّقة عليه». ولهذا طلب المدّعى عليه التوسّع في المحاكمة.فهل هذا ما سيطلبه القاضي روكز رزق؟ هل سيدين نحاس؟ أم يبرّئه؟ وكيف سيبرّر حكمه؟الكلّ اليوم في انتظار حكم مفصلي، كما وصفه صاغية. مفصلي لأنه إما أن يكرّس حقاً للمواطن في التشهير الموثّق، أو يطلب منه الرضوخ بحجة ارتكاب جرمَي «القدح والذمّ».