هيئة التنسيق النقابية: من يقطف ثمار التجربة؟

هيئة التنسيق النقابية: من يقطف ثمار التجربة؟
03 Feb
2014

الآمال المعقودة على هيئة التنسيق النقابية لم تندثر كليا. صحيح ان الكثيرين ممن راهنوا عليها خابت آمالهم من النتائج، الا ان التجربة التي خاضتها في العام الماضي، ما زالت تجسّد الدليل على ان هناك فرصة سانحة لاحداث ثقب في الجدار السميك، طبعا اذا توافرت الشروط لذلك.فاتن الحاج - الاخبارلماذا لم تنجح هيئة التنسيق النقابية في التحوّل الى تيار نقابي بديل من السائد؟البحث عن اجابة يبدأ من حجج قادة هيئة التنسيق النقابية انفسهم. هؤلاء جميعا يقرون بالحاجة الملحة الى أداة نقابية عمالية تعيد بعض التوازن المفقود في الصراع الاجتماعي القائم، الا انهم ما زالوا يرفضون تحميل تركيبة الهيئة أكثر مما تحتمل. يعتقدون ان الهيئة ليست في وضعية تسمح لها بأداء دور «ممثل العمال العام»، او بمعنى اوضح، ما زالوا يخافون على وحدة الهيئة إذا جرى تجاوز دورها الفئوي المحدود، الذي جرى التعبير عنه في التحرّكات كلها، وهو دور اقتصر على رفع مطلب وحيد «جامع» لمكوّناتها، وهو مطلب احالة مشروع سلسلة الرتب والرواتب على مجلس النواب.في رأي هؤلاء، فإنّ الحديث عن حراك يفتح نافذة على إعادة النظر في السياسة الاقتصادية والاجتماعية للدولة هو «كلام كبير»، يمكن ان يودي بوحدة الهيئة ويشق صفوفها تبعا للولاءات الحزبية والمذهبية!ولاءات من؟ القادة النقابيون أم القواعد؟الهيئة ليست نقابة وليست اتحاداً نقابياً، بل مجموعة من الروابط استطاعت أن تفرز جمهوراً جمعته قضية مطلبية مشتركة بخلاف الجمهور الطائفي. وما دامت الحقوق عالقة، ينتظر أن تستكمل الهيئة معركتها لنيلها. ببساطة، هذا ما يراهن القادة عليه للمحافظة على هذا الكيان. وبالتالي يرون اليوم ان الوظيفة محددة بمواجهة هذا التحدي فحسب، برغم علمهم المسبق بالتباينات في صفوف القواعد، وبالتململ الذي تسلل إليها نتيجة الخيبة من سلسلة الرواتب المطروحة. الأفق ليس مسدوداً، يقول النقابيون. والعمل يجب أن يتركز على أن يكون 2014 عام تحويل الروابط إلى نقابات، وإصدار قانون ناظم للعمل النقابي في القطاع العام، يحدد الواجبات والصلاحيات. بالنسبة إلى البعض، المستقبل مفتوح دائماً على احتمالات شتى، والسؤال المركزي يتعلق بالناس، وما إذا كانوا سيتمسكون بقضاياهم ويدافعون عنها؟ وما إذا كانوا سينتزعون حقوقهم أم لا؟هذه المحدودية في النظرة الى وظيفة الهيئة كاطار نقابي، تكشف عن ان الخوف من اثر الولاءات الحزبية والطائفية هو خوف في القيادة لا في القاعدة، وهو ما تعكسه اراء كثيرة يدلي بها من برزوا كناشطين في تحركات هيئة التنسيق النقابية خلال اضرابها المفتوح الذي امتد اكثر من شهر.خابت آمال الموظف في وزارة الصناعة ديب هاشم. «فالسلسلة الجديدة كرّست التمييز التاريخي ضد موظفي الإدارة العامة المبني أصلاً على قواعد غير علمية»، يقول سائلاً: «كيف يمكن أن نتحدث عن إصلاح إداري ولم تحقق السلسلة ردم الهوة بين القطاعات الإدارية والتعليمية؟». يتوقع هاشم عدم تجاوب الموظفين مع تحركات قد تدعو إليها هيئة التنسيق في المرحلة المقبلة. ويستند في كلامه هذا إلى تجربة عريضة المليون «التي لم نوقعها، والتي فشلت لشعور بعض القطاعات بالغبن».د. داهش المقداد، الموظف في وزارة الزراعة، يرى أنّ الموظفين الذين لا ينتمون إلى طوائفهم سيكملون في هيئة التنسيق كي لا يؤول مصيرها الى مصير الاتحاد العمالي العام. يلفت إلى أنّ الهجمة على الهيئة والأصوات الكثيرة التي نسمعها في أوساط الإداريين بالانفصال عن التحرك «لا تصب في مصلحتنا». يتلمس المقداد خطر ضرب الهيئة «لكننا مطالبون بالعمل بكل إمكاناتنا لكي لا تسقط، ما في هيئة تنسيق ما في قطاع عام».فرز جمهور غير طائفي وبروز كوادر نقابية تحظى بقدر من الثّقة من الناس، مكوّنان يسمحان، بحسب الأستاذة في التعليم الثانوي الرسمي، سهام أنطون، باستمرار تجربة هيئة التنسيق وتحقيق نجاحات جديدة. في رأيها، ما تحتاج إليه الهيئة هو تنظيم حملة توعية واسعة في أوساط قواعدها بشأن أهمية الحراك الوطنيّ ووحدة الهيئة، وخصوصاً بعد ظهور مطالبات بفصل المسارات بعضها عن بعض (فصل التعليم الثانوي الرسمي مثلاً عن الباقين). المعلمون والموظفون ينتظرون، كما تقول، تدريب كوادر وسطى وتحويل العمل داخل الهيئات إلى عمل مؤسساتي بتوسيع التشاور مع القواعد، مثل إعلام المندوبين بما يحصل خلال المفاوضات مع المسؤولين وإشراكهم في اتخاذ القرار.أنطون تعتقد أنّ هيئة التنسيق واعية لواقع أنّ مصير السلسلة وغيرها من المطالب مرتبط بمصير البلد ككل، والدليل أنّها دعت إلى تحركات تحت عنوان تفعيل عمل المؤسسات.وفي تقويم للحراك السابق، يبدو الأستاذ في التعليم الثانوي الرسمي يوسف كلوت مقتنعاً بأنّ «مكونات السلطة الفعلية كسرت دينامية التحرك، بتقليصها استقلالية القرار في الروابط المكونة لهيئة التنسيق، بعدما رأت، خلافاً لما اعتادته من تبعية في قرار الاتحاد العمالي العام، أن هناك إمكاناً حقيقياً لتوحد الناس على نحو أفقي حول مصالحهم الاقتصادية والاجتماعية». توحد الناس يفقد هذه القوى السياسية، بحسب كلوت، «نعمة الانقسام العمودي الذي تفتعله في كثير من الأحيان لاقتناص شرعيتها بغية القيام بوظيفة السمسرة بين الناس ومؤسسات الدولة بحسب مصالحها الخاصة غالباً».تحريك الشارع يفشل إذا لم يُقطفيتضح مما سبق ان القيادات والقواعد تلتقي على ان الحافز لنضالات الهيئة يبقى «السلسلة»، الا ان الناشطين والناشطات في القواعد يرسمون افقا ممكنا لتطوير الهيئة وخطابها بما يتجاوز المطلب «الفئوي». انطلاقا من ذلك، يقول رئيس رابطة أساتذة التعليم الثانوي الرسمي حنا غريب، إن المعركة لم تنته لكون المفصل الأساسي فيها لم يحل، فالسلسلة التي أخرجتها اللجنة النيابية الفرعية لا تمثل الحد الأدنى المقبول، على حد تعبيره، ما دامت لم تثبت الحقوق المكتسبة وتترجمها إلى أرقام. في رأيه، التحدي الأساسي هو رفع الظلامة عن جميع مكونات جمهور هيئة التنسيق (أساتذة، معلمون، موظفون، متعاقدون، أجراء، مياومون ومتقاعدون)، وعدم رميها من قطاع إلى آخر «فتمسك كل قطاع بمطالبه الجزئية يعني ملاقاة الطرح السلطوي على الطريق نفسه. المتعاقدون والأجراء غير مشمولين بالمناسبة في السلسلة، يستدرك بالاشارة الى أنّ شعور أي من القطاعات بالظلم يفرض على هيئة التنسيق متابعة الملف حتى نهايته، «ومن يفكر غير ذلك يكُن واهماً».يطالب غريب هيئة التنسيق «المقصّرة في مواكبة القضايا الوطنية العامة، بأن لا تهدر فرصة لا تتكرر، عبر القيام بقفزة نوعية على مستوى أدواتها التوحيدية، بإعلان روابط القطاع العام نقابات وقطع الطريق أمام محاولات فبركة السلطة السياسية لنقابات متواطئة معها على ظهر الروابط، تماماً كما حصل مع النقابات العمالية». يدعو قيادات الروابط إلى تقديم اقتراح قانون ينص على مادة وحيدة: «تمنح الروابط التعليمية حق ممارسة العمل النقابي، وتعطى صفة كيان النقابة الوحيدة خلافاً لأي نص عام أو خاص».رئيس رابطة موظفي الإدارة العامة محمود حيدر هو أيضاً يتلمس الحاجة إلى تحويل الروابط إلى نقابات، وهيئة التنسيق إلى اتحاد نقابي لا يضم نقابات موظفي القطاع العام فحسب، بل أيضاً موظفي المؤسسات العامة الاستثمارية وغير الاستثمارية. ومع ذلك، فهو مقتنع بأن لا تحالفات دائمة ومستمرة لا في السياسة، ولا في العمل النقابي، فالإطار النقابي يتغير بتغير القضايا التي تجمع الناس. يقول: «من حق كل قطاع أن يطالب بالزيادة وتأمين العدالة بين القطاعات من مسؤولية السلطة السياسية».يسجل الخبير النقابي غسان صليبي لحراك هيئة التنسيق إعطاءه أملاً بامكان خلق تيار نقابي مستقل، وفتحه أفقاً على مستوى إعادة النظر في السياسة الاقتصادية، وفضح الطبقة السياسية، لكن ذلك لا يحجب خطر ضرب الهيئة من الداخل، لكونها ليست محصنة بقواعدها، كما يقول. غموض كبير يلف المرحلة المقبلة، إذ «لا أدّعي في الظرف السياسي الراهن أنني أستطيع التفاؤل أو التشاؤم بمستقبل هيئة التنسيق لسبب بسيط، أننا غير قادرين على رؤية معالم التيار النقابي المستقل الذي نبحث عنه وسط هيمنة فريقي 8 و14 آذار».تحريك الشارع يفشل إذا لم يُقطف، تقول النقابية عايدة الخطيب، مراهنة على استمرار هيئة التنسيق بالاستناد إلى إيجابيات تجربة أثبتت أنّ المطالب المعيشية توحد الناس، وأنّ خرقها ليس بهذه السهولة.

آخر تعديل على Monday, 03 February 2014 10:13

الأكثر قراءة