صيدا الاثنين المقبل بدعوى خطف محيي الدين حشيشو على يد ميليشيا القوات اللبنانية، بعد ٣١ عاماً على الجريمة التي لا تسقط بالتقادم، وربع قرن على بدء المحاكمة التي شهدت أمس جلسة المرافعة النهائية
هي صدفة نادرة أن تنعقد محكمة الجنايات في صيدا للنظر في قضية اختطاف محيي الدين حشيشو بعد يوم واحد على الذكرى الـ ٣١ لاختطافه. للحدث رمزية استثنائية بمعزل عن مسار المحاكمة التي امتدت منذ عام ١٩٩١ وتختم نهار الاثنين المقبل، موعد النطق بالحكم، بحسب ما اعلنت رئيس الغرفة الناظرة بالدعوى القاضية رلى جدايل في ختام جلسة المرافعة التي امتدت لساعتين في قصر العدل في صيدا امس. اختُطف محيي الدين حشيشو، القيادي في الحزب الشيوعي اللبناني، من منزله في عبرا في ١٥ ايلول ١٩٨٢، بعد يوم على اغتيال الرئيس بشير الجميل، ومن الثابت في ملف المحاكمة أن الجهة التي نفذت الخطف هي ميليشيا القوات اللبنانية، وقد حصل الخطف في وضح النهار على أيدي مسلحين غير ملثمين يرتدي عدد منهم الزي العسكري ويضعون شارة القوات اللبنانية. مشهد المتهمين الثلاثة وراء قفص الاتهام، من اصل اكثر من عشرين شاركوا في عملية الخطف، اعطى للعدالة اللبنانية فرصة يتيمة للإثبات ان جريمة الخطف هي جريمة متمادية لا تسقط بمرور الزمن ولا بالعفو العام، وخصوصاً ان وقائع المحاكمة تبين عدم وجود اي دليل يثبت انتهاء حالة الاختطاف، سواء بالاعتراف بأن المخطوف قد جرت تصفيته وتقديم ادلة دامغة عن مكان دفنه، أو أنه أُطلق. وحدها نجاة نقوزي حشيشو، زوجة محيي الدين، كانت غائبة عن الجلسة، بعد اصرار ابنائها الذين هاجروا الى الولايات المتحدة الاميركية على ضرورة ان تكون الى جانبهم، وهي التي لم تملّ على امتداد السنوات الماضية من الحضور شخصياً الى المحكمة، لتُفاجأ في غالبية المرات بأنّ واحداً من المتهمين قد تغيب «بعذر صحي»، فتؤجل الجلسات لأشهر طويلة. حشيشو أكدت في اتصال مع «الأخبار» أنها ستسعى الى العودة الى لبنان على اول طائرة لتكون حاضرة في جلسة النطق بالحكم. هل فعلاً ستكون الجلسة الأخيرة؟ تسأل حشيشو بصوت يرتجف وكأنها غير مصدقة أن هذه المحاكمة التي لازمت تفاصيل حياتها طوال ربع قرن قد وصلت الى خواتيمها. عند الساعة الثالثة بعد ظهر امس، اقتيد المتهمون الثلاثة الى قفص الاتهام، ووقفوا امام القاضية جدايل التي يعاونها المستشاران الياس الحاج عساف وهدى الحاج، والمحامون جورج نجم بوكالته عن المتهم فؤاد شاكر، ريشار شمعون بوكالته عن المتهم نصر محفوظ، وسليمان لبس بوكالته عن المتهم سعيد قزحيا. وإلى جانبهم وقف المحامي نزار صاغية بوكالته عن المدعية. صاغية أكد في مرافعته أنّ لهذه الدعوى العالقة تاثيرات اجتماعية بالغة؛ لكونها تتصل بحالة خطف شخص حصلت في ظل الحرب الأهلية، ولا يزال مصيره مجهولاً. ومن أصل أكثر من ١٧ ألف حالة خطف إبان هذه الحرب، هذه الدعوى هي الوحيدة التي استطاعت تجاوز المعوقات التي رفعها أمراء الحرب لتبلغ مراحل المحاكمة النهائية. هي إذاً قضية تجاوزت عائلة حشيشو الصغرى وأصبحت قضية عائلات المفقودين جميعاً الذين ينتظرون اعتراف الدولة بحقهم بالمعرفة والعدالة، وقبل كل شيء حقهم بالتحرر من تعذيب لا ينتهي. وعن ثبوت ضلوع المتهمين في جرم الخطف، أكد صاغية أنّ من الثابت أنّ عملية الخطف حصلت في ظل قرار منع تجول من قبل قوات الاحتلال الإسرائيلي شمل منطقة صيدا برمتها، وأُذيع قرار منع التجول عبر مكبرات الصوت. ويتبين من ملف الدعوى أنّ الشاهدين طارق حشيشو وفهدي الكردي اللذين اختُطفا في اليوم نفسه قد اقتادتهم القوات اللبنانية إلى ثكنة كفرفالوس. وأكد حشيشو في إفادته بأنه رأى شخصاً موثوق اليدين في الثكنة، ويظن أنه محيي الدين حشيشو. لكن «الشاهد الملك» في هذه القضية هو الطبيب المهاجر الى فرنسا فادي داغر، وهو نجل سليم الحاج داغر جار محيي الدين حشيشو ورفيقه في النضال، وقد توفي في عام ١٩٩١. يقول داغر في إفادته أمام المحكمة إن المتهم نصر محفوظ كان يقف أمام باب منزله لحظة خروجه، وقد سلم عليه. ويتابع داغر: «لحظات وأرى سيارات مدنية وعسكرية قادمة قرب بيتنا وسألوا عن منزل محيي الدين حشيشو». لا ينكر المتهم محفوظ أنه كان موجوداً في مكان حادث الخطف وزمانه، جنباً إلى جنب مع الخاطفين، وأنه كان موجوداً هناك رغم قرار منع التجول ورغم مقتل الجميّل وما استتبعه من حزن وحداد عام وإغلاق ورعب، لكنه يقول إنه أتى من لبعا إلى صيدا لإجراء امتحانات في الجامعة اليسوعية التي تقع قرب مكان الاختطاف! أما المتهمان، شاكر وقزحيا، فقد ظن قاضي التحقيق بضلوعهم في جريمة الخطف بناءً على تحقيقات أمنية وبلاغات من قبل عدد من أهالي صيدا، كذلك فإن كمال شاكر شقيق فؤاد شاكر هو من العسكريين الفاعلين في جهاز القوات اللبنانية في المنطقة. وعلمت «الأخبار» أن أحد الشهود قدم أخيراً إفادة موثقة بصوته لإحدى الشخصيات السياسية بشأن ضلوع كمال شاكر في عملية خطف محيي الدين حشيشو، لكن هذه الإفادة لم تقدم للمحكمة. مرافعات المحامين الثلاثة، لبس ونجم وشمعون، وهم من المحامين البارزين في حزب القوات اللبنانية، ركزت على الثُّغَر في التحقيق وإفادات الشهود ومسار المحاكمة والتحقيقات، وأجمعوا على إدانة الإعلام الذي تناول هذه القضية. مع الإشارة إلى أن نجاة حشيشو ادعت في البداية ضد مجهول وقادت التحقيقات التي أجرتها الأجهزة الأمنية والقضاء إلى إصدار القرار الاتهامي، علماً بأنّ عدداً آخر ممن اتهموا بالمشاركة في عملية الخطف قد استبعدوا لاحقاً من القرار لعدم كفاية الأدلة. ويستنتج من ملف الدعوى المثقل بآلاف الصفحات أن نجاة حشيشو تحملت وزر إثبات أمور ليس من اختصاصها، بل من اختصاص القضاء والأجهزة الأمنية. والاستنتاج الأهم أنه لا يمكن الركون إلى النظام القضائي اللبناني الحالي للسير في دعوى خطف تقف وراءها ميليشيا مسلحة بمعزل عن نظام لحماية الشهود