زمن أميمة الخليل.. سيادة الصوت

ثمة مقاطع سردية في بعض أغنيات «زمن» لأميمة الخليل. توحد التركيبة الجمالية، السرد والشِعر في الأغنية. ثم، يأتي الصوت بخضرته الكثيفة الغامضة، يضمهما، كما يحدث مع المعطف على الجسد. ذلك أنه يخيم على الأسطوانة الجديدة، يتقدم، لا كصوت فقط، بل كمعيار جمالي ينهب المحاولة بقوته ورصانته وصوره واستلهاماته. إنه في حضوره المعياري، يبحث عن الاعتراف، خارج تجارب الآخرين، بدون نقدها، لأنها تجارب ذات شخصيات مبدعة. بنت أميمة الخليل وهاني سبليني، تجربتهما المشتركة على ذلك، منذ «أميمة ٢٠٠٠»، مروراً بأسطوانة «يا حبيبي تعال». إلا أن «زمن» تبقى أسطوانة التأهيل الأخيرة في المجال هذا. تتعلم أميمة الخليل بالأسطوانة الجديدة، كيف تنظر إلى صوتها كبحيرة، لا كديوان. تراهن هنا ولا تقامر، باستدعاء الأسماء الخاصة والنوعية. تتضافر مجموعة من الأسماء في خدمة الصوت. هاني سبليني وعبود السعدي وعصام الحاج علي، صاحب التجربة المختلفة في «فرقة الأرض»، وثمة آخرون. هذه واحدة من خصائص «زمن». إنها أطروحة الخليل في فضاء هاني سبليني. يؤكد الموسيقي بجملته البسيطة، اللامبسطة، مضامين النصوص، باحترامها، بنفي كل ما له علاقة بالادّعاء. جملته، محفل صغير، تجربة ذكية، بقيت خارج المشهد الموسيقي اللبناني، من ميل الموسيقي إلى الصمت والركون في التواضع غير المتوافر كثيراً أو قليلاً في الوسط. لن يتكلم أحدٌ عن تلحينه أجمل أغاني هشام عباس «فينو حبيبي فينو». لن يتذكر الكثيرون أنه كتب التوزيع الموسيقي لواحدة من أغنيات المغني العالمي ريكي مارتن. فقط، لأنه لم يجهد، حتى يجد له مكاناً في الفيترينة المحلية والعربية. جمله، جمل حارة وحرة وحيوية، تطلع من الإحساس. هو هكذا في «زمن» وفي «بنت وصبي». أجواؤه طاغية في الأسطوانة، إذ يتقدم كأكثر العاملين عقلانية، بخدمة الصوت، صوت أميمة الخليل. الصوت سيد الآلة، سيد الفضاء الموسيقي. تحقق أميمة الخليل مبتغاه هنا، باضطلاعها بالأدوار والنقلات بقوة وسهولة. بأغنية «زمن»، تلف البيات بحيث تحوله إلى نهوند، باستثمارها لقوة الدلالة الإيحائية بصوتها. الآثار الدرامية للصوت، تفوق كل شيء. ثمة إشباع وحماس ونشوة في آن. ثمة ألعاب بخدمة الصوت. الأصوات الكهربائية في «زمن» حميمة. حضورها واقعي ودافئ. حضور محتشم، لأنه حضور وظيفي. الباص كهربائي في العديد من الأغنيات. الدرامز كهربائي كذلك. هناك، أصوات سانتسايزر. لن تدثر هذه الأغنيات بوهج الحب. ولا بالعذوبة اللحنية. ذلك من تأثر هاني سبليني وعبود السعدي بمدرسة أبطال تجارب موسيقية مشهودة، أبرزها جو سامبل. تذكر الألحان هذه بتجارب السبعينيات والثمانينيات، بدون أن تشبهها تماماً. لا تضخم التجربة في «زمن» عناصر الاستلهام ولا تقدسها. لذا لا تقع في الأسلبة. تجربة نظيفة، مركبة تركيباً واضحاً، بالبساطة الميلودية والعلامة الموسيقية والإشارة التقنية. هنا، موسيقى الهويات القديمة، برحلة جديدة. الأبرز سطوع موسيقى الأكوستيك. تتقاطع، بالعمليات الموسيقية، مع مفاهيم الشباب الجدد ومعايير المفاهيم الشبابية هذه. الأصوات الكهربائية واضحة في أغنية «ليه»، واحدة من أبرز الأغنيات بكثافتها الشعرية. أغنية «هذا» مؤلفة على موسيقى الروك، غير أنها بالعمق، أقرب إلى موسيقى الفانك. أغنية «ظلالنا»، تلحين باسم رجوب، أقرب إلى ألحان رجوب لأغاني لينا شماميان. سحب صوت الخليل، عن الأغنية، يحيلها إلى أغنية من أغنيات المطربة السورية. رجوب، لمن لا يعرفه، موسيقي سوري، عازف ساكس، اشتهر بالألحان الرائقة والتوزيع الموسيقي ذي الطابع الحزين.  يقع «زمن» بين العقل والشرعية الغارزة في الصوت، معطوفة على القوة والمكنة. فيتحول الأمر بالأسطوانة كلها إلى تجربة عقلية، بدون أن يفجر العقل كمائنه المعوقة الأحاسيس. معادلة بخدمة الصوت، الصوت دائماً. ذلك أن الصوت، صوت أميمة الخليل، صوت فكر وصوت فن. صوت يفتح النافذة على عالمه الجديد. عالم الحفاظ على الذات، إثر حضورها في عوالم الآخرين. عبيدو باشا

الأكثر قراءة