قاسم قاسم
كان قرار القضاء الفرنسي بعدم إطلاق «الأسير» جورج إبراهيم عبدالله أمس متوقعاً. أصدقاء «الأمير الأحمر» تداعوا الى محيط السفارة الفرنسية. لم يفاجئهم خبر إرجاء جلسة الاستئناف بالقضية التي يناضلون لأجلها الى 28 شباط المقبل. «الخبر العاجل» الذي وصل الى هواتفهم زاد من منسوب غضبهم. شقيق عبدالله كان قد توقّع ذلك في كلمة قال فيها إنه لا يتوقع خيراً ممّا سيعلن، مضيفاً أن طبيعة الخطوات التي ستقوم بها الحملة الدولية لإطلاق سراح عبدالله سيحددها موقف الحكومة. بالطبع رفاق عبدالله لا يعوّلون على الحكومة اللبنانية كثيراً. لكنهم يأملون أن تؤلف الحكومة لجنة وزارية ـــ قضائية لبحث قضية عبدالله في باريس. أمام السفارة الفرنسية، اجتمع رفاق عبدالله أمس. عددهم لم يكن كبيراً، لكنهم على الأقل أزعجوا القابعين خلف أسوار السفارة وأجبروا سفيرها على إغلاقها وتعليق العمل فيها. القوى الأمنية كانت قد سبقت المتضامنين الى المكان. نصبت الأسلاك الشائكة أمام السفارة وحول المعتصمين. زادوا من ارتفاعها ليضعوا شريطين أحدهما فوق الآخر. العوائق الحديدية التي تفصل المعتصمين عن السفارة ازداد عددها هي الأخرى. هذه المرة كل شيء كان أكثر، إلا أعداد المتضامنين الذين لم يسعفهم توقيت الاعتصام في المشاركة. عناصر القوى الأمنية كانوا جاهزين بكامل عتادهم لمكافحة أي شغب محتمل. بدوا بدروعهم والعصي التي حملوها ككتيبة من الجيش الروماني في أحد أفلام هوليوود. أمام السفارة كل شيء كان على حاله. الجديد المضاف إلى المشهد هو سيارات الإطفاء التابعة للقوى الأمنية. كل هذه «الحركات» لم تنفع في ترهيب الحاضرين، إذ بمجرد أن علموا بخبر إرجاء جلسة الاستئناف، حتى اقتحموا الحواجز التي وضعت أمامهم. الطريقة التقليدية لـ«الاقتحامات» يتقنونها جيداً. فالسفارة الفرنسية ليست السفارة الأولى التي يعتصمون أمامها. منطقة عوكر وسفارة العم سام تعرفانهم جيداً. رموا العوائق الحديدية على الأسلاك الشائكة. اجتازوها. تقدمت عناصر القوى الأمنية رافعة هراواتها. للمناسبة، عناصر مكافحة الشغب الموجودون أمام السفارة كانوا قد خضعوا في فرنسا لدورتين، واحدة في كيفية التعامل مع المعتصمين وأخرى في «حقوق الإنسان» التي تتشدق فرنسا بها وتحرم عبدالله من أبسطها: الحرية. قبل التصادم بين الطرفين، يفترش أحد المعتصمين الأرض لمنع رفاقه من التقدم أكثر. لا يوجد قرار بالمواجهة مع القوى الأمنية.
«الزكزكة» البسيطة التي حصلت كانت قد سبقتها واحدة من نوع آخر؛ أرسل المعتصمون طائرة «عبدالله _ 1» كما أطلق البعض عليها ممازحين. اخترقت الحوامة الصغيرة، التي يتحكم فيها عن بعد أحد المعتصمين، أجواء السفارة وهي تحمل صورة لعبدالله. سقطت في الباحة الداخلية، بعدما توقفت عن الاستجابة لأوامر قائدها بالعودة. المهم أن «الغارة الوهمية» نجحت، والرسالة وصلت إلى عناصر حماية البعثة ممن كانوا على سطحها. كل ما جرى كان تحت نظر «فخامة» وزير الداخلية مروان شربل الذي كان موجوداً في المكان. حضوره استفزّ المعتصمين الذين رفعوا مستوى هتافاتهم التي دعت حكومته إلى التحرك.
بعد ساعتين من التضامن مع عبدالله، انسحب المعتصمون بهدوء. من بقي استقدم المزيد من التعزيزات. جاؤوا بخيمة إضافية لنصبها الى جانب زميلتها. القوى الأمنية أعلنت رفضها للخطوة، وهدّدت بإزالتها. بعد انتشار هذا الخبر على الفايسبوك، تداعى العشرات من «الرفاق» إلى مكان الاعتصام، فيما كان بعضهم يفاوض القوى الأمنية التي رضخت في نهاية الأمر لمطلبهم ببقاء الخيمتين. وبعدما تأكد رفاق عبدالله من أن الخيمة لن تزال، انسحبوا على وقع زخات المطر، فيما تولّت القوى الأمنية إزالة الأسلاك الشائكة.
وفي السياق، التقى أعضاء من اللجنة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله بوزير الخارجية عدنان منصور الذي قال إنه يجب رفع مستوى التدخل الحكومي للإفراج عنه.
في المقابل، توقّع السفير الفرنسي باتريس باولي، بعد لقائه رئيس الحكومة نجيب ميقاتي، أنه «سيكون هناك المزيدُ من الاحتجاجات في قضية جورج عبدالله»، مؤكداً رفضَه «التدخلَ في شؤون القضاء الفرنسي».
هكذا، ستمنع «فرنسا إيل» (على وزن إسرائيل)، كما أطلق عليها المعتصمون أمس، جورج عبدالله من رؤية شمس الحرية لمدة شهر إضافي. لكنّ المعتصمين مصمّمون على الاستمرار بالتحرك... حتى تحرير الأسير الأحمر.
الثلاثاء ٢٩ كانون الثاني ٢٠١٣