بيروت ستحتفل بعودة جورج عبدالله، سواء وصل ظهراً أو عصراً أو في ساعات الفجر الأولى. موعد عودة البطل الذي تمر عليه الساعات ببطء شديد في سجن لانميزان الفرنسي يتحدد من لحظة إعلان وزير الداخلية الفرنسي قرار الترحيل. لكن المماطلة الواردة سيقابلها اعتصام مفتوح أمام السفارة الفرنسية في بيروت
بسام القنطار
التوقيت الذي ستحطّ فيه طائرة جورج عبدالله في بيروت ليس معلوماً بعد. إرباك كبير سبّبه هذا الأمر للجان التحضيرية التي بدأت العمل خلال اليومين الماضيين من أجل الإعداد لاستقبال يليق بالبطل العائد.
لكن القرار متّخذ، وعلى أعلى مستوى سياسي، لدى الاحزاب التي قال عنها جورج إنها إذا «اجتمعت تشكّل الرد التاريخي على كل مفاعيل الهجمة الإمبريالية الراهنة»، بأن تكون حاضرة بقوة في استقبال الأسير المحرر رسمياً وشعبياً في أي توقيت يصل فيه، حتى لو كان ذلك عند ساعات الفجر.
وعلمت «الأخبار» أن اللجنة التنظيمية لحفل الاستقبال في المطار قد بدأت بتوجيه الدعوات الى الرسميين من وزراء ونواب وشخصيات.
ويشارك حزب الله في الحفل بوفد نيابي وسياسي، في حين وجهت الدعوات الى مختلف القوى والاحزاب السياسية للمشاركة، بما فيها عدد من قوى 14 آذار. ومن الصالة إلى الباحات الخارجية، يتوقع أن تغصّ طريق المطار بالحشود من مختلف القوى اليسارية والقومية والإسلامية. كذلك أعدّت اللجنة التحضيرية آلاف الصور للأسير العائد سيجري توزيعها على المشاركين.
المؤشر الأول بشأن الموعد المتوقع لوصول جورج الى بيروت يبدأ من لحظة إعلان توقيع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس، الذي يفترض أن يبادر الى التوقيع على قرار ترحيل عبدالله من فرنسا الى لبنان عند التاسعة صباحاً، وإبلاغه الى وزارة العدل الفرنسية، لكي تكون مفاعيل إطلاق السراح المشروط قد تحققت، وتبدأ عملية تنفيذ نقل الأسير من سجن لانميزان في مقاطعة بو الى باريس. ويسبق هذا الترحيل جلسة لمحكمة تطبيق الاحكام في باريس باستخدام تقنية «فيديو كونفرانس»، حيث يتوقع أن يسأل القاضي عمّا إذا كان جورج عبدالله يوافق على قرار ترحيله الى لبنان أو يفضّل الانتقال الى دولة ثالثة، أو أنه سيطعن في قرار الإفراج المشروط، طالباً إطلاق سراحه مع إبقائه داخل الاراضي الفرنسية.
شائعات كثيرة ترددت أمس عن أن السلطات الفرنسية ستتعمّد المماطلة في الإجراءات الإدارية والقضائية والأمنية، لتطيل عملية تسليم عبدالله، وذلك بهدف تخفيف زخم الاستقبال الشعبي الذي سيحظى به، علماً بأن آخر طائرة تقلع من باريس تصل عند الساعة 21.25 بتوقيت بيروت.
من جهة أخرى، كشف مصدر دبلوماسي رفيع المستوى لـ«الأخبار» أن مفاعيل قرار الترحيل لن تكون سارية المفعول إلا بعد مرور مهلة 24 ساعة على صدوره، وذلك إفساحاً في المجال أمام النيابة العامة الفرنسية للطعن، ما يعني أن جورج عبدالله لن يكون باستطاعته مغادرة سجنه الفرنسي إلا صباح يوم غد الثلاثاء. وتابع المصدر: «يجب عدم إغفال العامل السياسي في موضوع المهلة القانونية. فإذا كانت وزارتا العدل والداخلية متفقتين على قرار الترحيل وهناك ضمانات بعدم التقدم بطعون على مستوى سياسي وأمني رفيع المستوى، فسوف يتم الترحيل مساء الاثنين. أما إذا تم اتّباع الأصول الإدارية فإن التأخير وارد.
أمر آخر برز أمس في عدد من وسائل الإعلام يتعلق بفرضية رفض وزير الداخلية الفرنسي التوقيع على قرار الترحيل، وبالتالي تعليق قرار الإفراج. وهو أمر استدعى ردّاً من الحملة الدولية لإطلاق سراح جورج عبدالله، دعت فيه «السلطات الفرنسية الى التسريع في إجراءات الترحيل، وضمان أمن عبدالله وسلامته الى حين تسليمه إلى السلطات اللبنانية».
ورأت الحملة أن المعلومات الصحافية التي تشير الى احتمال عدم توقيع وزير الداخلية الفرنسي مانويل فالس على قرار الترحيل هي أمر مبالغ فيه، وشددت على «أن توقيعه هو إنفاذ لقرار قضائي ولا يحتمل التأجيل أو المماطلة».
ودعت الحملة الى أوسع مشاركة شعبية في حفل استقبال الأسير عبدالله، وأعلنت «أنها سوف تعلن موعد التجمع الشعبي أمام مطار بيروت الدولي بناءً على مجريات الترحيل وموعد إقلاع الطائرة التي ستقلّه من باريس الى بيروت، كما دعت الى ترقّب البيانات التي ستصدرها تباعاً، بدءاً من صباح اليوم، فور توافر المعطيات الرسمية حول موعد الوصول». وأشارت الى أنه «في حال عمدت السلطات الفرنسية الى عرقلة إطلاق سراح عبدالله، فسيتم الإعلان عن اعتصامين مفتوحين أمام مقر السفارة الفرنسية وقصر الصنوبر».
ويعزز التخوف من احتمال عرقلة الإفراج عن عبدالله موقف واشنطن الذي صدر أول من أمس، الرافض لإطلاق سراحه. وقالت المتحدثة باسم الخارجية الاميركية فيكتوريا نولاند «لا نعتقد أنه يتعيّن الإفراج عنه، ونواصل مشاوراتنا مع الحكومة الفرنسية بشأن ذلك».
28 عاماً من الإعتقال
من مواليد القبيّات ـــ عكار، 2/4/1951. تابع الدراسة في دار المعلمين في الأشرفية، وتخرّج في عام 1970.
ناضل في صفوف الحركة الوطنية، ثم التحق بالمقاومة الفلسطينية.
جُرح أثناء الاجتياح الإسرائيلي لقسم من الجنوب اللبناني في عام 1978.
اعتقلته السلطات الفرنسية في 24/10/1984 بعد أن لاحقته في مدينة ليون، ولم تكن تبرر اعتقاله بغير حيازة أوراق ثبوتية مزورة.
وعدت السلطات الفرنسية حكومة الجزائر بالإفراج عنه، وأوفدت لهذا الغرض مدير الاستخبارات الفرنسية إلى الجزائر ليبلغ الحكومة الجزائرية بذلك.
في 10/7/1986 حوكم بتهمة حيازة أسلحة ومتفجرات بطريقة غير مشروعة، وصدر بحقه حكم بالسجن لمدة أربع سنوات.
في 1/3/1987 أعادت السلطات الفرنسية محاكمته بتهمة التواطؤ في أعمال «إرهابية»، وبالمشاركة في اغتيال ياكوف بارسيمنتوف، السكرتير الثاني للسفارة الاسرائيلية في فرنسا، في 3 نيسان 1982، والملحق العسكري الأميركي في باريس، تشارلز روبرت راي (18 كانون الثاني 1982)، ومحاولة قتل القنصل العام الأمريكي روبرت هوم في ستراسبورغ في 1984. وأصدرت بحقه حكماً بالسجن المؤبد. رفض المحاكمة ولم يعترض.
جنّد الأمن الفرنسي المحامي جورج جان بول مازورييه الذي كان يترافع عن جورج عبدالله، وكان يختلق المعلومات التي اعتمدتها السلطات الفرنسية، وقامت نقابة المحامين بطرده لاحقاً.
لم تتوصل السلطات الفرنسية إلى أي أدلة تدين عبدالله، باستثناء منشورات تدل على انتمائه إلى «الفصائل المسلحة الثورية اللبنانية» وجواز سفر مزوّر. لذا، لم توجَّه إليه حين قُدِّم أمام المحكمة للمرة الأولى، في تموز 1986، سوى تهمة واحدة هي «استعمال وثيقة سفر مزوَّرة».
ـــ في 6 آذار 1985، دوَّن مستشار الرئيس فرنسوا ميتران، جاك أتالي، في يومياته التي نُشرت عام 1988 في كتاب مذكراته عن «سنوات الإليزيه»: «لا تتوافر لدينا أي أدلة ضد جورج إبراهيم عبدالله. لذا، لا يمكن أن توجِّه إليه المحكمة أي اتهام آخر سوى امتلاك جواز مزوّر».
ـــ تروي المحامية إيزابيل كوتان باير (زوجة كارلوس) التي كانت عضو هيئة الدفاع عن عبدالله، التي ترأسها «سفاح المحاكم» جاك فيرجيس، تفاصيل «المؤامرة القضائية» التي لُفّقت ضد الثوري اللبناني، قائلة: «استُدعي مجدداً إلى المحكمة على نحو مفاجئ، في 28 شباط 1987، وفوجئنا بتهم مغايرة وأدلة جديدة لم تكن مدرجة في الملف خلال المحاكمة الأولى. وزعم الادّعاء أن أسلحة قد حُجزت في مخابئ وشقق سرية تابعة لعبدالله، واعُتبر ذلك دليل إثبات ضده.
ـــ استوفى شروط الإفراج المشروط منذ عام 1999، ما دفع السلطات القضائية الفرنسية إلى فتح ملفه لعدة مرات متتالية في السنوات الماضية، أبرزها في عام 2003، حين اتخذت «محكمة الإفراج المشروط»، في مقاطعة بو (Pau) الفرنسية، قراراً بإطلاق سراحه، وحددت تاريخ 15 كانون الأول 2003 موعداً لتنفيذ القرار. ولكن النيابة العامة الفرنسية تقدمت باستئناف ونجحت في تعطيل الإفراج.
في 17 نيسان 2008 قرر القضاة نقل ملف جورج عبدالله من محكمة الإفراج المشروط (لجنة إعادة النظر في الأحكام) إلى لجنة خاصة للنظر في درجة خطورته، تطبيقاً لـ«قانون داتي»، على أن يصدر القرار في 4 أيلول 2008. لكن هذا الموعد أُجّل الى 9 كانون الثاني 2009 حيث كررت المحكمة رفضها الإفراج المشروط عن جورج عبدالله.
ـــ في كانون الأول 2009 قرّرت محكمة الجنح في تارب Tarbes الفرنسية معاقبة عبد الله لرفضه إجراء فحص مخبري. وقضت العقوبة بتمديد مدة سجنه لثلاثة أشهر بسبب رفضه إجراء فحص الحمض النووي ADN للمرة الثانية، إذ كان قد سبق لعبدالله أن خضع للفحص في عام 2003.
ـــ تقدم عبدالله في كانون الثاني 2012 بطلب جديد للإفراج عنه. وخضع مرة أخرى لمقتضيات قانون داتي، وبقي ستة أسابيع (بين نيسان _ أيار 2012) قيد «الفحص» في «المركز الوطني للتقييم» Centre national d’évaluation في سجن فرين. وخرجت هذه اللجنة في 30 تموز 2012 بتقرير سلبي يعارض الإفراج عن الأسير جورج عبدالله، لأنه لا يزال مريضاً بمواقفه التقدمية والوطنية.
ـــ في 21 تشرين الثاني 2012 وافقت محكمة تطبيق الأحكام في باريس على ثامن طلب للإفراج عن عبدالله مع الطلب من وزارة الداخلية الفرنسية طرده من الأراضي الفرنسية في مهلة أقصاها 14 كانون الثاني 2013. وتم تعليق هذا الحكم بعد استئناف تقدمت به وزارة العدل الفرنسية.
ـــ في 10 كانون الثاني 2013 قررت المحكمة رفض طلب الاستئناف وأصرّت على قرارها بالإفراج عن عبدالله، شرط ترحيله من الأراضي الفرنسية، وحددت 14 كانون الثاني موعداً نهائياً للترحيل.
الاثنين ١٤ كانون الثاني ٢٠١٣